ملخص
مراقبون يتوقعون إجراءات حكومية ضد جماعة الإخوان المسلمين في الفترة المقبلة، قد ترتقي في ذروتها إذا ما استمرت حال الصدام السياسي إلى حل الجماعة وحظرها بشكل تام.
شهد البرلمان الأردني، أخيراً، حالاً غير مسبوقة من التوتر والصدام، إثر إصرار نواب حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، على تضمين بند "التوافق مع الشريعة الإسلامية" ضمن مشروع قانون اللجنة الوطنية للمرأة.
وأدى رفض المجلس تمرير هذا المطلب، إلى تصاعد حاد في حدة النقاشات، بلغت حد التلاسن العلني مع رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، وذلك خلال نقاش دار حول عدة قضايا دينية.
ويعتقد مراقبون أن هذا التطور بالغ الأهمية وله أبعاد أعمق من مجرد مشادة تحت القبة البرلمانية، بخاصة أنه يأتي بعد أيام فقط من أزمة أخرى كانت الجماعة طرفاً فيها، إذ اتهمت بتوظيف الدين والسياسة في الشارع والتظاهرات المؤيدة لغزة، على نحو أثار غضب السلطات، ودفع رئيس الوزراء لإطلاق تحذير صريح تحت قبة البرلمان.
نفاد صبر
تعد جماعة "الإخوان المسلمين" غير قانونية وفقاً لقرار قضائي نهائي، وعلى رغم ذلك لا تزال الجماعة فاعلة، وتمارس عملها ونشاطها بحكم الأمر الواقع وتحت سمع ونظر السلطات، من دون أن تواجه ضغوطاً سياسية، وقانونية بعدم شرعيتها.
لكن وفقاً لتسلسل الأحداث والمعطيات الأخيرة فإن مراقبين يتوقعون إجراءات حكومية ضد جماعة "الإخوان المسلمين في الفترة المقبلة، قد ترتقي في ذروتها إذا ما استمرت حال الصدام السياسي إلى حل الجماعة وحظرها بشكل تام.
الرد الحاد من رئيس مجلس النواب يعكس نفاد صبر المؤسسة الرسمية من محاولات الإخوان فرض معارك رمزية تحت قبة البرلمان، بينما يعتقد الإخوان أن ثمة تحجيماً وتضييقاً تمارسه السلطات ضدهم.
لكن هذا التصعيد لم يكن منعزلاً عن السياق العام للعلاقة المتوترة بين الدولة وجماعة الإخوان منذ أعوام، إذ يعتقد خبراء في الإسلام السياسي أن رفع شعار "الشريعة" يحمل رسالة سياسية وأبعاداً رمزية منها تأكيد هوية الجماعة في مواجهة ما يعدونه تغريباً أو علمنة.
بينما تعكس ردود ومواقف المملكة الأردنية، رسائل للجماعة برفض استغلال كسب تعاطف الشارع والتحشيد والتوظيف الديني في لحظة حرجة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
3 سيناريوهات
وبعد أن تم إضعاف حضورهم المؤسسي في الأعوام الأخيرة، وزيادة التضييق القانوني على الواجهات الاجتماعية والدعوية للجماعة، فإن ما يحدث من صدام اليوم قد يكون مقدمة لإجراءات جديدة لتحجيم نشاطهم داخل البرلمان وخارجه، الذي يعتمد أساساً على ما يحدث في غزة بالدرجة الأولى.
تتوقع مصادر خاصة أن يتم إحياء ملفات قانونية في حق شخصيات أو كيانات تابعة للجماعة، أو احتواء الأزمة من خلال تدخل ملكي لتهدئة الأجواء ومنع التصعيد، أو حتى الذهاب نحو مواجهة مفتوحة مع "الإخوان المسلمين" إذا استمرت برفع سقف خطاباتها وتصرفاتها على الأرض، لكن هذه المصادر تراهن حتى اللحظة على مراجعة داخلية في الجماعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل ثمة من يرى أن الحكومة الأردنية استنفدت كل إجراءاتها الممكنة ضد الجماعة، ففي 2020 أصدرت محكمة التمييز الأردنية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، قراراً باعتبار جماعة "الإخوان المسلمين" منحلة حكماً و"فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية"، وذلك لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقاً للقوانين الأردنية.
وفي عام 2015، منحت السلطات الأردنية ترخيصاً لجمعية تحمل اسم "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، تضم أعضاء انشقوا عن الجماعة الأم، أما في 2016، فقامت السلطات الأردنية بإغلاق مقار جماعة "الإخوان المسلمين" في عمان ومدن أخرى، ولذلك من المرجح استمرار السلطات الأردنية باتباع سياسة التدرج فيما يمكن تسميته" التفكيك الناعم" للجماعة.
حل البرلمان وانتخابات باكرة
يتحدث الكاتب والمحلل السياسي نضال منصور عن تسريبات تتوقع حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، في سياق السيناريوهات المفترضة والإجراءات والتدابير القاسية في حق حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، ويفترض أن أساس هذه التسريبات، وجود اتهامات تتحدث عن تورط الجماعة في أعمال تضر بأمن الأردن، في إشارة إلى الإساءات الأخيرة التي طاولت الجيش والأجهزة الأمنية وتم اعتبارها جزءاً من سياق ممنهج ومقصود، لإضعاف وتشويه موقف الأردن.
ويصف منصور الحال برمتها بأنها مكاسرة سياسية بين "الإخوان المسلمين" والسلطة التنفيذية، تتصاعد منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ ترى الدولة الأردنية أن "الإخوان" يوظفون حرب غزة لأجندتهم السياسية، ولا يضعون حدوداً لحركتهم التي انحرفت إلى تبني عمليات عسكرية خرقت الحدود الأردنية إلى إسرائيل، قبل أن يتراجعوا لاحقاً عن تبينها.
يعتقد منصور أن الأردن هو آخر البلدان التي يتمتع فيها "الإخوان المسلمون" بحضور شرعي، وتشارك بقوة في البرلمان، وعلاقتها في الدولة معقولة، ويتوقع احتمالات عدة، الأول سياق أمني قانوني يطاول قيادات ووجوه معروفة، ويتبعه السياق الثاني بإجراءات لحل حزب "جبهة العمل الإسلامي" اعتماداً على تصورات قانونية، يتبعه احتمال بحل للبرلمان، وقد يتبعه دعوة لانتخابات باكرة.
تفكيك تدريجي
وتحت عنوان" ترتيب البيت الأردني" ومن دون الإشارة مباشرة إلى "الإخوان المسلمين" يتوقع المحلل السياسي حسين الرواشدة، تدشين الدولة الأردنية مرحلة جديدة تؤكد قوة الدولة وصلابتها وقدرتها على ضمان أمن البلد واستقراره، وأن تكون الأيام المقبلة حبلى بفتح ملفات عديدة، مثل مسيرات الشارع وحراكه، وسلوك بعض التيارات السياسية والأحزاب.
يكشف الرواشدة عن مداولات داخل الدولة لحسم الملفات العالقة، وفي مقدمها ملف الداخل، وما يتعلق بها من تهديد للأمن الوطني.
وفي المحصلة، تمر جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن بمرحلة مفصلية من تاريخها، فبينما فقدت الشرعية القانونية كمؤسسة دعوية، لا تزال تحاول الحفاظ على موطئ قدم في الحياة السياسية.
في حين تنتهج الدولة الأردنية سياسة تفكيك محسوبة، ولا تسعى إلى الإقصاء الكامل، خشية خلق فراغ سياسي أو حدوث مواجهة مفتوحة، إذ يرتبط موقف الدولة الأردنية من الجماعة جزئياً بالسياق الإقليمي ومحاولة التوازن، لذلك يبدو خيار تقليص نفوذ الجماعة تدريجاً دون المواجهة المباشرة الأكثر منطقية، لكن ذلك كله مرهون بسلوك الجماعة ودرجة انضباطها السياسي في المرحلة المقبلة.