ملخص
عام مالي جديد يحل أول يوليو المقبل وسط تهديدات بالتهام مخصصات الأجور والحماية الاجتماعية فهل يواصل الجنيه الانخفاض؟
تبدو مصر في عامها المالي المقبل 2025 – 2026، أمام إنفاق أكبر على الأجور والدعم والحماية الاجتماعية، لكن مع استحضار عوامل تحرك سعر الصرف وارتفاع عدد السكان في البلاد تبدو القيمة الفعلية لتلك المخصصات أقرب إلى الثبات إذا ما قورنت بما هي عليه في موازنة العام المالي الحالي 2024-2025.
نظرة أدق على أرقام مشروع الموازنة العامة الجديدة تشير إلى أن تقلب الدولار وتسارع النمو السكاني عاملان مهددان لتلك المخصصات، فتقلب الدولار أمام الجنيه معهود منذ قرار البنك المركزي المصري بالتعويم الخامس في الربع الأول من 2024 واتباع سياسة سعر الصرف المرن، حين انخفض من 30 جنيهاً للدولار إلى مستوى 49 جنيهاً قبل أن يتراجع قليلاً صوب 47 جنيهاً ثم يعاود صاعداً إلى ما يزيد على 51 جنيهاً حالياً.
تراجع الجنيه المصري
ورفعت وزارة المالية مخصصات الأجور والدعم والحماية الاجتماعية بالجنيه المصري في مشروع موازنة العام المالي المقبل على نحو طفيف مقارنة بما هي عليه في العام الحالي، رغم تراجع الجنيه أمام الدولار بنسبة 10 في المئة تقريباً منذ تحرير سعر الصرف في مارس (آذار) 2024.
ومع فرضية ارتفاع عدد السكان في البلاد، في العام المالي المقبل عما هي عليه حالياً في العام المالي الحالي، وحاجة عدد أكبر للانضمام إلى برامج الدعم والحماية الاجتماعية بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها القاهرة، فإن الأموال المرصودة لموازنة العام المقبل تتسم بالثبات في أفضل الأحوال.
مستحقون جدد للدعم والحماية
وفي بلد يستورد غالب ما يحتاج إليه من الخارج، ويعاني منذ أعوام عبئاً لافتاً في تدبير الدولار بفعل تراجع موارده الرئيسة من النقد الأجنبي، يصبح تقييم المخصصات المالية بالعملة الأميركية أمراً منطقياً، وهو ما يجعل من تقلبات الدولار التي اختبرتها القاهرة وما يتبعها من تضخم، تهديداً قائماً لتلك المخصصات المالية.
ومع مواصلة ارتفاع عدد السكان على نحو متسارع في بلد الـ107 ملايين واستحقاق طبقات اجتماعية للدعم بفعل تأثرها بالأوضاع الاقتصادية سلباً، فإن انضمام مستحقين جدد لبرامج الدعم والحماية الاجتماعية، حال استمرار (أو تفاقم) الظروف الاقتصادية ذاتها من دون تغيير سيكون أمراً مرجحاً، خصوصاً مع الضغوط المالية التي تعانيها البلاد بفعل التوترات الجيوسياسية والصراعات في الإقليم واستضافة بضعة ملايين إضافية من الوافدين العرب من مناطق النزاع مثل سوريا وليبيا والسودان والعراق.
آمال حكومية بـ"تحقيق التوازن"
وتسلم البرلمان المصري مشروع الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة من مجلس الوزراء، بغرض المناقشة في اللجان البرلمانية المتخصصة، تمهيداً لاعتماده وإقراره ودخوله حيز التنفيذ في الأول من يوليو (تموز) المقبل، وسط آمال حكومية بـ"تحقيق التوازن" بين ضمان تحقيق الحماية الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستدامة المالية.
وتستهدف الحكومة في مشروع الموازنة المالية الجديدة، 3.1 تريليون جنيه (60 مليار دولار) من الإيرادات و4.6 تريليون جنيه (89 مليار دولار) من المصروفات، و795 ملياراً (15.3 مليار دولار) من الفائض الأولي، وخفض دين أجهزة الموازنة العامة إلى 82.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
حصيلة ضريبية أكبر
وبحسب وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري مصطفى سالم، فإن إجمال الضرائب المستهدفة في مشروع الموازنة الجديدة 2.6 تريليون جنيه (50 مليار دولار) مقابل 2.02 تريليون جنيه (39 مليار دولار) في الموازنة الحالية من دون اللجوء إلى فرض ضرائب جديدة.
وتشير بيانات رسمية نشرها وزير مالية مصر أحمد كوجك على حسابه الخاص بمنصة "لينكد إن" إلى تخصيص 732.6 مليار جنيه (14.17 مليار دولار) للحماية الاجتماعية، تشمل 160 ملياراً (3.09 مليار دولار) لدعم السلع التموينية ورغيف الخبز، و54 ملياراً (1.04 مليار دولار) لمعاش الضمان الاجتماعي و"تكافل وكرامة" و150 ملياراً (2.90 مليار دولار) لدعم الطاقة، و3.5 مليار (68 مليون دولار) لدعم توصيل الغاز للمنازل، و13.6 مليار (260 مليون دولار) لدعم إسكان محدودي الدخل، و1.8 مليار (35 مليون دولار) لدعم اشتراكات الطلبة بالقطارات ومترو الأنفاق، و2.5 مليار (48 مليون دولار) لدعم نقل الركاب بالقاهرة والإسكندرية.
دعم السلع التموينية ورغيف الخبز
في موازنة العام الحالي تبدو الأرقام قريبة من تلك المستهدفة في مشروع موازنة العام المقبل، إذ تقدر اعتمادات الدعم والحماية الاجتماعية بـ635.9 مليار جنيه (12.40 مليار دولار)، تشمل 134.2 مليار جنيه (2.62 مليار دولار) لدعم السلع التموينية ورغيف الخبز.
في مشروع الموازنة الجديدة، خصص 679.1 مليار جنيه (13.14 مليار دولار) لأجور الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، تشمل تعيين 75 ألف معلم و30 ألف طبيب و10 آلاف موظف آخر بباقي وحدات الجهاز الإداري للدولة مع حد أدنى للأجور 7 آلاف جنيه (135.40 دولار)، في حين قدرت اعتمادات الأجور في الموازنة الحالية بـ575 مليار جنيه (11.21 مليار دولار).
علاج غير القادرين على نفقة الدولة
في مخصصات الصحة، تعتزم الحكومة وفقاً لمشروع الموازنة المقدم إلى مجلس النواب، إنفاق 53.2 مليار جنيه (1.03 مليار دولار) على الأدوية والمستلزمات الطبية وصيانة الأجهزة الطبية، و15.1 مليار (290 مليون دولار) لعلاج غير القادرين على نفقة الدولة، و5.9 مليار (110 ملايين دولار) للتأمين الصحي على الطلاب والمرأة المعيلة.
وستقدم الحكومة 78.1 مليار جنيه (1.51 مليار دولار) لعدد من البرامج مثل رد الأعباء التصديرية (45 مليار جنيه أي نحو 870 مليون دولار)، و29.5 مليار جنيه (570 مليون دولار) لتمويل مبادرات قطاع الصناعات ذات الأولوية، إضافة إلى 8.3 مليار جنيه (160 مليون دولار) لدعم القطاع السياحي، و3 مليارات (58 مليون دولار) لتمويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي، إلى جانب مليار جنيه لتوفير سيارات تاكسي تعمل بالغاز وسيارات ربع نقل للشباب.
دعم أقل لنقل الركاب وتوصيل الغاز
ورغم الزيادة السكانية وتغيرات سعر الصرف، ظلت مخصصات دعم نقل الركاب في القاهرة والإسكندرية ودعم توصيل الغاز الطبيعي للمنازل من دون تغيير في موازنة العام المقبل كما هي عليه في موازنة العام الحالي.
وبينما يبدو إنفاق الحكومة على بنود الدعم والحماية الاجتماعية والأجور في العام المالي المقبل أكبر عند مقارنته مع إنفاق العام المالي الحالي مقوماً بالجنيه المصري، إلا أنه مع بلوغ سعر الدولار حالياً مستوى يتجاوز 51 جنيهاً للدولار مقارنة بمتوسط سعر الدولار في الموازنة الحالية عند 45 جنيهاً، يتبين أن الإنفاق أقرب ما يكون إلى الثبات، خصوصاً حال سيناريو تدني قيمة الجنيه المصري في 2026.
الدولار إلى 56 جنيهاً
وتشير توقعات عدد من البنوك العالمية إلى ارتفاع متوسط سعر صرف الدولار إلى مستوى 56 جنيهاً بنهاية العام الحالي (النصف الأول من العام المالي الجديد)، بخاصة مع رفع البنك المركزي المصري قبضته عن الجنيه المعوم منذ مارس 2024.
وأكد نائب رئيس محافظ "المركزي" رامي أبوالنجا، قبل أيام، التزام مصرفه مرونة سعر صرف الجنيه مقابل باقي العملات الأجنبية، وعدم استعداد السياسة النقدية لـ"حرق الاحتياط النقدي دفاعاً عن الجنيه".
رفع أسعار البنزين والسولار
عند مراجعته مشروع الموازنة الجديدة، يقف رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري زهدي الشامي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية" عند خفض مخصصات دعم المواد البترولية في مشروع الموازنة، ويقول إن تلك المخصصات الأقل تؤشر إلى مواصلة رفع الدعم عن المحروقات، تنفيذاً لشروط صندوق النقد الدولي.
وقبل أيام، قررت لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية في مصر، زيادة أسعار الوقود بنسب تراوح ما بين 11.7 و33.3 في المئة، للمرة الأولى عام 2025.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"أسعار غير مبررة"
يضيف الشامي، أن تلك الارتفاعات في أسعار الوقود "غير مبررة" كونها تأتي في وقت يتراجع خلاله أسعار النفط العالمية، وهو ما من شأنه أن يدفع بزيادة الكلفة على كاهل الأسر، واستمرار الضغوط التضخمية.
ويلفت المتحدث إلى أنه رغم استمرار دعم الخبز والسلع التموينية فإن الدعم الموجه للحماية الاجتماعية يواصل اتجاهه النزولي بعض الشيء، رغم استمرار تضمنه ما لا يمكن اعتباره دعماً حقيقياً مثل ما هو متبقٍ من دعم المواد البترولية، الذي يظل دعماً محاسبياً بالأساس.
إنهاء الدعم بنهاية 2025
وفي مارس الماضي، أقر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي، بخطة إنهاء دعم الوقود بنهاية العام الحالي، وقال إن خطة حكومته تراعي الإبقاء على دعم السولار وأسطوانات الغاز بجزء كبير، وأنه ماض في إدارة هذا الملف بحرص شديد بما يضمن استقرار السوق المحلية ويحقق التوازن بين توفير الموارد المالية للدولة وحماية المواطنين من أي تأثيرات سلبية.
وتلتزم القاهرة باشتراطات صندوق النقد الدولي مقابل قرض بـ8 مليارات دولار بموجب اتفاق في مارس 2024، حررت بمقتضاه سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ومضت في خفض الدعم السلعي بغية علاج الاختلالات الهيكلية في اقتصاد البلاد، عبر قرارات إصلاحية صعبة.
تغير سعر الدولار أمام الجنيه
من جانبه يرى المتخصص الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد والتشريع المصرية محمد أنيس، أن الزيادة في مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية في الموازنة الجديدة ناتجة من تغير سعر صرف الدولار أمام الجنيه وعامل التضخم، وعلاوة على ذلك، هناك تغير في هيكل الدعم ذاته، إذ يمكن ملاحظة تراجع دعم المحروقات في الموازنة الحالية من 155 مليار جنيه (3.02 مليار دولار) إلى 75 ملياراً (1.46 مليار دولار) فقط في موازنة العام المالي الجديد، وتثبيت دعم الكهرباء ليصبح من دون تغيير عند 75 مليار جنيه (1.46 مليار دولار) في الموازنتين، مقابل زيادة الدعم السلعي.
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية"، يلفت إلى عاملين رئيسين مؤثرين في الموازنة الجديدة، أولهما سعر صرف الدولار الذي يرجح ارتفاعه أمام مزيد من الهبوط في قيمة الجنيه المصري، بينما العامل الثاني هو المحروقات، التي سيظل تأثيرها رهناً بخام "برنت" طوال العام وبقاءه ما دون الـ70 دولاراً للبرميل، في سيناريو من شأنه خدمة أهداف المالية العامة.
قرارات جديدة أول يوليو
وعن العامل الأول، يعتقد عضو جمعية الاقتصاد والتشريع المصرية أن تغير سعر الصرف سيؤثر نسبياً في البيان الختامي للموازنة الجديدة 2025-2026، من دون تراجع كبير في قيمة الجنيه على غرار ما حدث في تعويم مارس 2024، مقدراً نسبة التغير في البيان الختامي بـ10 في المئة عن مخصصات مشروع الموازنة الجديدة.
وبينما لم تنف وزارة المالية وجود أعباء على كاهل الأسر والطبقات المتوسطة في مصر، فإنها بصدد العمل على تخفيف تلك الأعباء، عبر زيادة أجور العاملين بالدولة من أول يوليو المقبل، والعلاوة الدورية ما بين 10 و15 في المئة، مع رفع علاوة "غلاء المعيشة" من 600 (11.61 دولار) إلى 1000 جنيه (19.35 دولار)، وتحريك الحد الأدنى للأجور ليصبح 7 آلاف جنيه (135.42 دولار).