Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين بكين ودمشق.. تقارب حذر يتلمس طريقه

الصين تخشى إرهابا قادما من سوريا لكنها لا تتجنب الحوار مع حكومة أحمد الشرع

الصين تتحفظ على رفع العقوبات الأممية عن سوريا بعد سقوط الأسد (اندبندنت عربية) 

ملخص

لم تعارض سوريا الجديدة وجود علاقات مع الصين والعكس صحيح، الأمر بحسب مراقبين يواجه تحديات يمكن تذليلها ذلك لأن التنين الآسيوي كان يدعم الدولة السورية في زمن الأسد، ودمشق اليوم يمكن أن تجني منافع عدة من التعامل والتعاون مع بكين، شرط أن تحتوي مخاوف الصينيين من إرهاب قد يصل بلادهم قادماً من سوريا.

رد فعل بكين على سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 كان متحفظاً، وركز بيان الخارجية الصينية حينها على "ضرورة ضمان سلامة رعايا البلد الآسيوي وإيجاد حل سياسي يعيد الاستقرار إلى سوريا في أسرع وقت ممكن"، لكن البيان أيضاً ترك الباب موارباً أمام إمكان التعامل مع القيادة الجديدة في دمشق مستقبلاً، عندما أشار إلى أن "العلاقات الودية للصين مع سوريا تصب في مصلحة الشعب السوري بأكمله".

للصين مقعد دائم في مجلس الأمن يمكن أن تعوق به الخطوات الأممية الرامية لدعم السلطة الحالية في دمشق، كما أن لها حلفاء في المنطقة تضرروا من سقوط الأسد مثل روسيا وإيران، ولديها مخاوف أيضاً من جماعات مسلحة تعيش قرب جيش سوريا الجديد بينما تصنف على قوائم الإرهاب في بكين، وعلى رغم ذلك تبحث الصين عن نفوذ متعدد الأوجه في منطقة الشرق الأوسط يستدعي منها المرونة والحكمة في التعامل مع سوريا الجديدة.

لعل الصين تبحث عن زمان وآلية مناسبين لتفتح أبوابها أمام سوريا ما بعد الأسد، وهي تملك إمكانات كبيرة يمكن أن تساعد في إعادة إعمار دولة مثقلة بجراح حرب دامت أكثر من عقد، وكانت بكين طرفا فيها بشكل أو بآخر، هنا تخرج إلى السطح أسئلة حول الظروف المناسبة لتعامل الصين مع سوريا الجديدة، وإلى أي مدى قد تدعم حكومة الرئيس أحمد الشرع، وهل يمكن أن تكون بديلاً عن الدول الغربية في السياسة الخارجية السورية؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دعم الدولة

يقول نائب رئيس مجلة "الصين اليوم" حسين إسماعيل، إن الصين على خلاف روسيا وإيران كانت تدعم الدولة السورية وليس نظام الأسد، وهذا أمر سيدركه الحكام الجدد لدمشق عاجلاً أو آجلاً، ولن يكون لديهم مشكلة في التعامل مع بكين وبناء علاقات جيدة معها، بخاصة أنهم في حاجة إليها ليس لأغراض سياسية فقط وإنما اقتصادية وتنموية أيضاً.

لا يعتقد إسماعيل أن الأوروبيين سيحاولون عرقلة علاقات الصين مع الدولة السورية الجديدة على عكس الأميركيين الذين لا يفضلون أي نفوذ للتنين الآسيوي في منطقة الشرق الأوسط، ولكن القول الفصل في هذا الشأن على حد تعبير إسماعيل، لن يكون برغبة الولايات المتحدة في تحجيم الصين بالمنطقة وإنما قدرتها على ذلك، وقد أثبتت التجربة برأيه، أن لبكين علاقات قوية مع دول عربية وإقليمية هنا وظفتها بنجاح خلال الأعوام الماضية.

ويرى إسماعيل أن حكومة دمشق ستحرص بنفسها على تعزيز العلاقة مع بكين ولن تسمح لأي شيء بما في ذلك "الحزب التركستاني" أن يعكر صفو العلاقة مستقبلاً، ذلك لأن الصين تقود مجموعة من المبادرات في العالم والشرق الأوسط تخدم الحكومة السورية الجديدة وتتيح لها تعزيز التعاون مع محيطها وكثير من دول العالم، كما أن التنين الآسيوي لن يربط علاقته مع الدولة السورية الجديدة بوجود مسلحين من الإيغور فيها، شرط أن تحتوي حكومة الشرع المخاوف الصينية من احتمال انتقال تأثير هؤلاء خارج حدود سوريا.

 

مخاوف أمنية

عندما استولت المعارضة السورية على حلب في هجوم مفاجئ على جيش النظام نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، دخلت المدينة الواقعة شمال البلاد تحت سيطرة مقاتلي "الحزب الإسلامي التركستاني" الذين ينحدرون من أقلية الإيغور المسلمة في الصين، التقديرات في شأن عدد هؤلاء متباينة إلى حد كبير، لكن المعروف أن أكثريتهم عندما وصلوا إلى سوريا قبل أكثر من 12 عاماً انضموا إلى "هيئة تحرير الشام" فيما ذهبت أقلية منهم إلى "داعش".

بعد السيطرة على دمشق منح الشرع ثلاثة من قادة الجماعة وأعضائها رتباً رفيعة في الجيش الذي يحاول بناءه وأعلن نيته منحهم الجنسية السورية، هذا التكريم والاحتفاء من قبل السلطة السورية الجديدة يثير قلق بكين لأن أفراد "الحزب الإسلامي التركستاني" الذي أُسس رسمياً عام 2015 يعيشون حلم الانفصال عن الصين في إقليم "شينجيانغ".

المتخصص في الشأن العسكري والإستراتيجي العقيد إسماعيل أيوب، يقول لهيئة الإذاعة الألمانية إن مخاوف بكين من "الحزب التركستاني" مشروعة ولكن الرئيس الشرع أكد أن قضية الإيغور لا تخص السوريين ودولتهم الجديدة، وبرأي أيوب لم تكن الجماعات الإسلامية التي قاتلت ضد نظام الأسد (باستثناء داعش) عابرة للحدود، لذا فلا يتوقع أي دعم من دمشق لـ "التركستاني" في قتاله ضد الحكومة الصينية تحت أي شرط سياسي أو اقتصادي.

 

شروط ومطالب

في الـ18 من فبراير (شباط) 2025 عقدت الخارجية الصينية مؤتمراً صحافياً أعرب فيه المتحدث باسمها عن تحفظات بكين "الشديدة" إزاء اقتراح بعض الدول رفع عقوبات مجلس الأمن عن سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وأشار إلى أن "الظروف غير مهيأة لمثل هذه الخطوة، ويجب على القيادة الجديدة في دمشق اتخاذ إجراءات ملموسة للاستجابة إلى مخاوف المجتمع الدولي في شأن مكافحة الإرهاب"، مضى أسبوع على ذلك المؤتمر قبل أن ترسل بكين وفداً إلى دمشق برئاسة سفير الصين في سوريا شي هونغ ليلتقي الشرع ووزير خارجيته، ويبدأ معهما حديثاً جدياً حول مستقبل العلاقات بين البلدين على ضوء مخاوف ومصالح كل منهما.

برأي عضو الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط نادر رونج وهان، أوضحت بكين خطوطها الحمراء في التعامل مع سوريا الجديدة عبر المؤتمر الصحافي الذي عقدته الخارجية الصينية في فبراير الماضي، مشدداً على أن السياسة الخارجية لبلاده تجاه دمشق مستقلة عن مواقف الروس والإيرانيين، كما لفت إلى أن الدعم الصيني لحكومة الشرع يعتمد بصورة كبيرة على مدى توافقيتها وقدرتها على تحقيق السلم الأهلي وتقديم حلول سياسية ناجعة للانتقال بالبلاد من حقبة إلى أخرى لمصلحة الشعب السوري بأكمله وفق تعبيره. 

وانضمت سوريا عام 2022 إلى مبادرة بكين "الحزام والطريق"، لكنها لم تستقطب استثمارات كبيرة من الشركات الصينية نتيجة أسباب عدة على رأسها العقوبات الغربية، وقال خبير الشؤون الآسيوية بيل فيجيروا لوكالة "رويترز" إن التنين الآسيوي لا يمكنه أن يحل محل الغرب سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً في الشرق الأوسط، كذلك فإن قدرات الصين المالية في 2025 أقل مما كانت عليه عندما أطلقت "الحزام والطريق" قبل 13 عاماً، وهي اليوم تعيد تقييم استثماراتها الخارجية عامة على أساس الأمان والجدوى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير