علمت "اندبندنت عربية" من مصادر مطلعة على مداولات الجلسة السرية لمجلس الأمن حول الأحداث المأسوية في الساحل السوري بأن الدول المعنية توافقت على صيغة قرار كان يتوقع أن يكون شديد اللهجة، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية بتشكيلها لجنة تحقيق وإحرازها الصفقة المفاجئة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) جميعها دفعت إلى تخفيف حدة الخطاب وأطفأت نيران الغضب الدولي.
وذكرت المصادر التي اطلعت على المسودة أن القرار، خرج بصيغة يغلب عليها "التوازن والإنصاف لجهود الحكومة السورية الموقتة"، على رغم إدانته لأعمال العنف غير الشرعية التي شهدتها مناطق غرب سوريا وراح ضحيتها المئات، وفق أرقام دمشق نفسها.
وحتى إن جاء القرار في سياق إدانة الانتهاكات، إلا أنه وفق ما توضح المسودة التي حصلت عليها "اندبندنت عربية" تضمن تأكيداً دولياً والتزاماً بـ"استقرار سوريا ووحدة أراضيها"، وهو أمر كثيراً ما كان نقطة مركزية في قرارات الدول العربية ومواقفها نحو سوريا، فضلاً عن حكومة الشرع الذي كان صريحاً في رفض الفيدرالية أو أي تنازل باتجاه تقسيم البلاد طائفياً أو عرقياً أو جغرافياً.
وكان دبلوماسيون قالوا الأحد الماضي إن الولايات المتحدة وروسيا طلبتا من مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع مغلق أول من أمس الإثنين لبحث تصاعد العنف في سوريا، وهو الاجتماع الذي يترقب إعلان نتائجه اليوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك تناولت المسودة الجانب الأكثر حساسية في الملف السوري وهو "الإرهاب"، إذ أكدت ضرورة "محاربة الإرهاب في سوريا"، مما تقول الحكومة إنها تسعى إليه، إلا أن انتقادات دولية وإقليمية حاصرتها حيال صدقية ذلك التوجه وهي لا تزال تضم في صفوفها مقاتلين أجانب، بعضهم ينتمي إلى خلفيات متطرفة ذكر شهود عيان أنهم خلف بعض الانتهاكات التي حدثت، لكن التحقيقات النهائية هي التي ستسفر عن التصور الموثق.
وكانت الرئاسة السورية أصدرت قراراً الأحد الماضي بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، فيما شدد الرئيس السوري أحمد الشرع على أن بلاده "لن تسمح لأي قوى خارجية أو محلية بجرّها إلى فوضى أو حرب أهلية"، متعهداً بأن إدارته ستقوم بـ"محاسبة كل من تسبب في أذى للمدنيين... وأنه لا يوجد خيار أمام فلول النظام السابق سوى الاستسلام على الفور".
وتضمن قرار المجلس وفق مسودته التي اطلعت عليها "اندبندنت عربية" تثمين المجلس الخطوات التي اتخذتها دمشق في شأن إعلانها تشكيل لجنة تحقيق للمحاسبة. ولم يشِر البيان إلى أي تلميح أو تهديد بـ"تدخل دولي في سوريا"، مثلما ترغب أطراف موالية للنظام السابق تحت غطاء دعم الأقليات.
وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك حض في وقت سابق على تحقيق المساءلة عن جميع الجرائم المرتكبة على الساحل السوري، ورحب بإعلان سلطات تصريف الأعمال تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، داعياً إلى ضمان أن تبقى التحقيقات سريعة وشاملة ومستقلة ونزيهة.
ولضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات المروعة، قال تورك إن "من الضروري للغاية أن تتماشى عملية التدقيق في الفصائل المسلحة ودمجها في الهياكل العسكرية السورية مع التزامات البلاد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني" وأن تتناول بصورة كاملة مسؤولية جميع المتورطين في الانتهاكات السابقة أو الأخيرة لحقوق الإنسان في سوريا.
واستبق الاتفاق مع "قسد" قرار مجلس الأمن في أعقاب جلسته المغلقة إذ أعلنت الرئاسة السورية الاثنين الماضي أنها توصلت إلى اتفاق يقضي بدمج "كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
توازن القرار له مغزى
في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أعرب عبدالعزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، عن أهمية قرار مجلس الأمن بشأن أحداث سوريا، مشددًا على "توازن القرار وإنصافه" في دعم جهود الحكومة السورية المؤقتة. وأوضح أن القرار "يدين الأعمال العنيفة غير الشرعية" التي أدانتها الحكومة، مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقرارها، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يتماشى مع أهمية محاربة الإرهاب وفقًا لموقف الحكومة المؤقتة.
وأضاف بن صقر: "إن القرار يثمن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، بدءًا من إنشاء لجنة تحقيق ووصولاً إلى الوعود بمعاقبة أي طرف يرتكب الجرائم وضمان إرسال التعزيزات الأمنية لاستقرار الوضع". ورجح أن تخفيف لهجة القرار كان له علاقة محورية بالوصول إلى اتفاق مع قوات قسد الكردية، مما يدل على أن التوازن في صياغة القرار ساهم في تعزيز الجهود الأمنية والتعاون اللازم لتحقيق الاستقرار في المشهد السوري.
الساحل لا يشكل تهديدًا
وفي تعقيب على ما تسرب من قرار المجلس، أكد المحلل السوري غسان إبراهيم في حديث مع "اندبندنت عربية" أن الوضع في سوريا معقد للغاية، وأن "حله ليس سهلاً بسبب تصادم الأطراف وانتشار الكراهية والطائفية"، مشيرًا إلى أن هذه المشكلات تحتاج إلى وقت لمعالجتها ولا يمكن التعامل معها بالاستعجال. وأوضح أن الرئيس الشرعي يتعامل مع الأوراق الداخلية بهدوء، "إذ يدرك أن التسرع لن يُثمر عن نتائج إيجابية، باستثناء ملف الأكراد الذي سارع في التعامل معه لإرسال رسالة واضحة للغرب بضرورة الانسحاب من سوريا وترك الشأن السوري للسوريين".
وأضاف إبراهيم أن التحديات الأمنية في الساحل "ليست كبيرة نظرًا لقلة المقاتلين، إلا أن الاستعجال في معالجتها قد يؤدي إلى تسلل جماعات متطرفة وارتكاب جرائم تُورط النظام". كما أشار إلى أن قضية الدروز ليست مقلقة؛ فهم لا يمتلكون هدفًا انفصاليًا ولا قوة عسكرية تهدد الاستقرار، مما يجعل الملف قابلاً للحل التدريجي.
وأوضح المحلل السوري أن التحدي الأكبر يكمن في التعامل مع الملفات الخارجية، خاصة مع الدول غير المتوافقة مع النظام؛ إذ إن استمرار العقوبات يؤدي إلى غياب إعادة الإعمار ويثير استياءً داخليًا نتيجة عدم تحقيق الوعود بتحسين الوضع الاقتصادي والخدمات. ومن هنا، يركز الشرع على تصفية هذه الملفات الخارجية باعتبارها المفتاح لرفع العقوبات، مما يعكس طبيعة "عقلية الشرع" البراغماتية في إدارة المشهد السوري.