Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن التحول الدراماتيكي في الشخصية بين الشرع القديم والجديد

جاء إلى سوريا آتياً من العراق بدعم من "داعش" قبل أن يغير البوصلة نحو تنظيم "القاعدة" الذي عاد لخلعه لاحقاً باستحداث "هيئة تحرير الشام"

هل يمتلك الشرع خطة للمواءمة بينه والتيارات الرافضة للحال التي آلت إليها سوريا؟ (أ ف ب)

ملخص

أثبت الرئيس السوري أحمد الشرع أنه رجل لا تنقصه الحنكة في السياسة التي تمرس على أساليبها خلال أعوام حكمه في منطقة محيدة ومضطربة ومليئة بالمؤامرات (إدلب)، لكن ذلك التحول نحو الليبرالية سيكلفه كثيراً.

أية شخصية هي الأقرب للقائد السوري الجديد؟ يبدو الأمر كلغز محير اختفى فجأة خلف خلع لباسه العسكري وارتدائه البدلة الرسمية في تطورات أسرع من البرق عصفت بشخصية الدولة كاملة، بهيكليتها وأشخاص أفرادها وتوجهاتهم وانتماءاتهم وقضاياهم المحورية.

حكم بشار الأسد

قضاياهم التي حملوها طوال عقد ويزيد من عمر الصراع السوري حتى الإطاحة بحكم بشار الأسد الذي كان ضرورة مرحلية ونتيجة حتمية، وإن لم تكن متوقعة في زمانها ومكانها المتسارعين، قفزاً فوق المخططات المسبقة لخصومه. فالرجل تهاوى مع حكمه الأمني كورقة توت خلال أيام قليلة على نحو لم تكن تعتقد التنظيمات الإرهابية بأنه كان ممكناً بهذه المرونة، لذا لا شك في أنها لم تمتلك من الوقت ما يكفي لوضع خريطة طريق توافقية تلائم بين ائتلاف التيار الإرهابي والحال المدنية خارجه، مما شكل  وما زال عقبة أمام الرئيس الجديد لإحقاق تجانس بين مؤيدين سابقين له دعموا خطه الجديد في التحول نحو الدولة انطلاقاً من عقلية الفصيل، وبين أطراف أخرى ممعنة في التشدد القائم على مبدأي "الولاء والبراء" في السياسة، فكيف ينظر إرهابيو الأمس، رفاق السلاح، إلى الزعيم الجديد والمتجدد؟

 

تحولات

جاء أحمد الشرع إلى سوريا آتياً من العراق بدعم من تنظيم "داعش" قبل أن يغير البوصلة نحو تنظيم "القاعدة" الذي عاد لخلعه لاحقاً باستحداث "هيئة تحرير الشام" وما تضمه من فصائل وألوية وكتائب، وطوال تلك السنين كان يتمسك بخطاب جامد يدلي به في تصريحات تبدو راديكالية محضة إلى وسائل إعلام متفرقة، مما يعيده مراقبون لخصوصية الوضع في إدلب التي كانت حاضنة لآلاف المقاتلين الأجانب، كما ضمت بين حواضرها أبرز منظري التيار السلفي، وكثيراً ما كانت آراؤهم تؤخذ على محمل اليقين وتعطي العسكريين شرعيتهم في مواجهة "نظام الطاغوت".

فجوة بين التنظير والتطبيق

لكن أولئك المنظرين وجدوا زعيمهم الذي صار رئيساً للبلاد يحابي الغرب ويتقرب من "طواغيت العالم الحديث"، مما أحدث فجوة بين التنظير والتطبيق، وعن تلك الفجوة يقول الباحث في الشؤون الإسلامية هادي معروف "كان مطلوباً من الشرع أكثر من ذلك بكثير من وجهة نظر الفئة الأكثر تشدداً، إذ كانوا يريدونها، أي سوريا، إمارة إسلامية ما الحكم فيها إلا للشريعة، مما وضع القائد الائتلافي في خضم معركة بين جناحين برزا داخل التنظيمات الموالية له"، ويضيف أن "جناحاً يرى أن الانفتاح لا يؤثر بل يمكّن، وجناحاً يرى فيه خروجاً عن الميثاق والشريعة، وهناك كانت الخشية الكبرى من التمكن من تمزيق بطانة الشرع الضيقة التي يعمل عليها باجتهاد يبدو حتى اليوم ناجحاً في سياق ما تفعله الدولة خارجياً وما شهدناه من كلمة هادئة خلال القمة العربية، يقابلها تفلت على الأرض واسترضاء خواطر وتوزيع مكاسب وإطلاق اليد في وجه السوريين، بعضهم في الأقل، وبذلك يمكن تحقيق الإلهاء من الداخل على حساب الخارج ولو كان الأمر موقتاً، فالضحايا الجدد سيحلون مكان الضحايا القدامى، وبذلك ستدور الدولة حول نفسها في خلق مظلوميات جديدة اعتقدت بأنها تخلصت منها".

التحول نحو الليبرالية

أثبت الشرع أنه رجل لا تنقصه الحنكة في السياسة التي تمرس على أساليبها خلال أعوام حكمه في منطقة محيدة ومضطربة ومليئة بالمؤامرات (إدلب)، لكن ذلك التحول نحو الليبرالية سيكلفه كثيراً.

فهل يمتلك الرئيس الجديد خطة للمواءمة بينه والتيارات الرافضة للحال التي آلت إليها سوريا التي لا تتجه لإقامة الحدود وإنتاج خلافة إسلامية جديدة كما تشير معطيات الأمور على الأرض بمعزل عن الانتهاكات التي لا يمكن قياسها في هذا الإطار من عمر بناء الدولة الحديثة؟

يجيب عن هذا التساؤل الخبير العسكري أحمد عواد بقوله إن "الشرع الآن محاصر بين الفكرة والتطبيق وبين العهود والواقع وبين من يهدد زعزعة البناء ومن ينتظر الفرصة المواتية للانقضاض، لكنه بالتأكيد يعرف تاريخ سوريا برؤسائها الكثر، وكيف خسر كل منهم حكمه لعدم امتلاكه قاعدة شعبية، في ما خلا حافظ الأسد الذي امتلك قاعدة شعبية بسطوة الأمن وسوطه، لذلك يدرك الرئيس الجديد أن خلاصه في وأد أي محاولة تخريب من الداخل، ويمكنه التعويل في ذلك على الإسلام الشامي المعتدل تاريخياً الذي قد يشكل طوق نجاة في مواجهة التطرف أيّاً كان شكله".

ويتابع عواد أن "على الشرع في الإطار ذاته تقديم نفسه للدول الخارجية العربية والأجنبية على أنه رجل بناء لا رجل جهاد، محاولاً بالطرق شتى إزاحة تصنيف ’هيئة تحرير الشام‘ التي قام بحلّها عن لائحة الإرهاب وإزاحة اسمه هو نفسه، إذ تصنفه بعض الدول على اللائحة ذاتها، وهنا تكمن المشكلة، تكمن في الطريق ’شبه الديمقراطي‘ الذي اختاره للسير في مشروعه، مما لا يلائم تنظيمات متعددة ما زالت موجودة على الساحة السورية والتي لا تعترف بتوصيف الإرهاب الذي تراه جهاداً محقاً في سبيل ما قامت عليه الجماعة وما قاله منظروها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مؤيد ورافض

في الأثناء تستمر الولايات المتحدة بعملياتها الجوية ضد أهداف تنتمي في الغالب لجماعة "حراس الدين" أو "القاعدة"، لتسدي من خلف الستار خدمة للمشروع السوري الجديد الذي يعمل على تحويل السلفية إلى المدنية لا العكس.

ويعتقد الباحث في العلوم السياسية بدر حسين بأن "جناحاً واسع الطيف من ائتلاف القوى الجهادية برر للشرع تحالفاته ونموذجه الجديد، واستمر بالتحالف معه على قاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، بمعنى أن تحوله جاء في سياق الضغط والانسياب لتجاوز الضغوط الإقليمية والعالمية، ومن دون ذلك قد تفقد الثورة زهوة نصرها الذي طال انتظاره وتفقد شرعيتها قبل أن يستتب الحكم لها حتى، مبررين أن الحكم بشكله المرن الحالي لا يعني التنازل عن تطبيق الشريعة، ولكن ليس بالصورة التي تخلق نفوراً وصراعات لا تنتهي، بمعنى ألا يكون تطبيق الشريعة كما جاء به ’داعش‘ بصورته الدموية والمخيفة في بلد متعدد الأشكال والألوان والمكونات". ويضيف "وإن كانوا على مضض لم يمنعوا الخمور والتبرج وخلافه حتى الآن، فذلك لإدراكهم أن عجلة الحكم يجب أن تسير ببطء لئلا تدهس الناس تحت إطاراتها فيخسروا معركة قاتلوا من أجلها طويلاً حتى كسبوها، هذا عن مؤيدي المشروع".

أما عن رافضيه، فيقول "أولئك هم النقيض، فيرون مثلاً في تحرير الأقصى الهدف الأول، وذلك لا يكون بمحاباة الأنظمة الغربية، بل باعتماد مبدأ محاكاة التجربة الأفغانية والعراقية كسبيل لا حياد عنه، ويلومون على الرئيس الجديد تنكره لحراس الدين والقاعدة وسجنه معارضين آخرين له من حزب التحرير تحديداً، وهؤلاء هم صلب مشكلة الحكم الجديد حالياً".

بين نارين

يمكن الاستنتاج أن الرئيس السوري يرزح بين نارين، فالرجل الذي يحاول أن يقدم نفسه على أنه تقدمي متفهم لطبيعة العالم الجديد يعاني ضغوطاً شديدة التعقيد داخل بلده. وبالحديث عن الاحتواء كمبدأ لا يمكن فصله عن مجريات الأمور الداخلية التي يراعي فيها الشرع ألّا يكون واجهة في سياق التطورات التي تحصل من إقصاء وتهميش وصرف عشرات آلاف الموظفين، قسم كبير منهم على أساس طائفي، ولا أن يقدم نفسه على أنه رئيس شمولي بصورة فجة، ويتبين ذلك من طبيعة الحوار الوطني الذي عقد مع مخرجاته وتأجيل تشكيل الحكومة الانتقالية والقبول بتصرفات حكومة تصريف الأعمال كحكومة كاملة الشرعية والمكانة والضرورة، ثم الإعلان عن اقتراب تأسيس مجلس شعب مصغر يعيّن من قبله من دون انتخابات بالترافق مع إعلان دستوري موقت.

كل تلك الإجراءات لا يمكن فصلها، كما يرى متابعون، عن سياق الأحداث الملمة بالقائد الجديد الذي عليه الآن أن يراعي طلبات الدول الغربية التي لا تغيب عنها في أي لقاء معه أو مع وزير خارجيته أسعد شيباني، مطالب تحييد المتطرفين وعدم استخدام سوريا أو السماح لها من جديد بأن تكون قبلة للإرهابيين، مما يستدعي سياسة تفكيك للحاضنة الأولى ويبدو غاية في الصعوبة والتعقيد.

ملفات معقدة

"الشرع الآن في أكثر مرحلة تعقيداً من مراحل عمله"، يقول الباحث في العلوم السياسية عمر معراوي ويضيف أنه من يضمن الآن عدم تشكيل ائتلاف جديد داخل الائتلاف المنتصر لتعطيل عمل الدولة القائمة، "هذا باعتبارها قائمة مع كل ما يحصل من انتهاكات وقتل تعسفي منظم أو عشوائي بحق السوريين، فضلاً عن المآرب الإيرانية والتركية في المنطقة والتوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري والتعهد بحماية جزء من الأقليات مع قصف مستمر على منشآت عسكرية سورية وسيطرة ’قسد‘ وأميركا على الشرق السوري، مما يضع الرئيس الحالي أمام اختبار مغرق في صعوبته لناحية حلحلة كل تلك المشكلات التي تمتلك أرضية خصبة لتفجير البلد من الداخل والتهام دولته".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير