Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فساد الأجهزة الأمنية الأميركية تحت "سلطة" الدراما

روبرت دي نيرو في مسلسله الأول يحذر من هشاشة الأمن القومي في الولايات المتحدة وأعمال أخرى تستعرض ظاهرة اختراق المؤسسات الحكومية السيادية

يقدم روبرت دي نيرو في مسلسله "اليوم صفر" إسقاطاً على الواقع الأميركي (الحساب الرسمي للفنان على انستغرام)

ملخص

نبرة انتقاد المؤسسات الأمنية في الدراما الأميركية كثيراً ما كانت حاضرة، ولكن الأمر أصبح يمثل هاجساً لصناع المسلسلات والأفلام أخيراً، إذ باتت النماذج المتواطئة مع الأعداء، التي تعمل لضرر البلاد أكثر انتشاراً، كذلك باتت أكثر قرباً من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض، فهل هي حيلة درامية تعكس استسهالاً أم ظاهرة تستشعر قلقاً واقعياً؟

النقد الذاتي سلوك حاضر بقوة في السينما والدراما التلفزيونية الأميركية ذات الطابع السياسي، فمثلما هناك أعمال تمجد بقوة المؤسسة الأمنية وتجعلها تعلو فوق أية مصلحة سوى مصلحة الوطن، وتبدو ذات طابع دعائي مثالي، إلا أنه بين حين وآخر في المقابل كانت تطرح أعمال تحمل تلك المؤسسات أسباب تردي الوضع الأمني، سواء عن إهمال وتراخٍ أو بسبب خيانة مكتملة الأركان، أبطالها هم قيادات بارزة في مراكز قوية وقريبة من صناعة القرار، لكن هذه النماذج باتت أكثر شيوعاً في السلاسل التلفزيونية التي باتت تعرض في الأعوام الأخيرة.

الأمر تجاوز الحيلة الدرامية ليبدو وكأنه نمط، إذ لم يقتصر الأمر على مجرد فرد ثانوي في المنظومة، إنما شبكة يجري تحريكها من الخارج تتضمن عادة مناصب قيادية ومؤثرة، تُسرب معلومات حساسة من أجل مصالحها الشخصية أو المهنية أو لمصلحة أطراف أخرى، ويصل الأمر إلى فقدان أبرياء حياتهم جراء هذا الفساد الأمني داخل وخارج الحدود، إذ أصبح كثير من الأعمال التي عرضت خلال الفترة الأخيرة كأنها مواسم ممتدة من الفيلم الشهير في هذا المضمار "Enemy of the State" (1998)، بطولة ويل سميث، الذي واجه بشخصية المحامي روبرت كليتون دين، منفرداً عالماً من الفساد الأمني الإجرامي، يقوده المسؤول الرفيع في وكالة الأمن القومي المتورط في عمليات قتل وتصفية وتجسس على المواطنين بل والنواب المنتخبين.

من عدو الدولة الحقيقي؟

فيلم ويل سميث الاستثنائي "عدو الدولة" قدم فيه جون فويت شخصية توماس بريان رينولدز، الذي يشرف على عمليات مشبوهة تتضمن اغتيالاً لعضو كونغرس يعارض أحد القوانين التي من شأنها أن تهدد حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وتمنح الحكومة سلطات واسعة في المراقبة على الأفراد، ويتمادى في جرائم التهديد والاعتداء والقتل والتفجير في محاولة لإبعاد الشبهات عن شخصه، من خلال أداء لافت وبناء شديد التماسك للسيناريو، وبلا مبالغة في الغموض.

لكن في كل الأحوال، ليست كل الأعمال الأخيرة بمستوى هذا الفيلم الذي يعرض أساليب القمع والتهديد والقتل الرسمية في الدول التي تتباهى بديمقراطيتها بينما يعتقد مسؤولها أن من يعارض هذا الإجرام هو بمثابة عدو للوطن، إذ امتلأت المنصات أخيراً بأعمال عدة حققت نجاحاً وجماهيرية، لكنها بدت مصنوعة على عجل من أجل الجمهور، ومن أجل اللحاق بالظاهرة الدرامية المتعلقة بفساد منظومة الأمن الحكومية في الولايات المتحدة الأميركية، وبينها "Zero Day" (اليوم صفر)، الذي يشهد الطلة الأولى لروبرت دي نيرو بطلاً تلفزيونياً بعد نحو ستة عقود من العمل كنجم سينمائي رفيع المستوى.

والمسلسل الذي يبدو وكأنه جمع كل مشكلات أميركا المرتبطة بالسياسة في ست حلقات، بدءاً من الهجمات السيبرانية مروراً بفوضى مؤيدي المرشحين وصولاً إلى الخيانات الزوجية التي تؤثر في مستقبل لاعبين أساسيين في هذا المعترك، ظهر مشوشاً ومرتبكاً بسبب ازدحام القضايا والتسرع في رسم بعض الشخصيات، على رغم حفاظه على معدل التشويق.

روبرت دي نيرو في قلب الفساد الأمني

ويجسد دي نيرو في العمل المعروض عبر "نتفليكس" دور الرئيس الأميركي جورج مولن، الذي يعود من التقاعد على وجه السرعة ليقود فريقاً يحاول كشف ملابسات هجوم إلكتروني استمر دقيقة واحدة وسبب شللاً في جميع المراكز الحيوية في البلاد وأودى بحياة الآلاف، إذ تحاول السلطة الحالية معرفة السبب تجنباً لهجوم آخر حذر منه مرتكبوه.

 

والمفاجأة أن المتورطين في المؤامرة بينهم أعضاء في لجان أمنية على أعلى مستوى، كذلك فإن مساعد البطل الشخصي في المنصب ينتحر بعدما تُكتشف خيانته، كذلك ابنته تكون من ضمن المتورطين في المؤامرة.

اللافت أن العمل الذي انتهى تصويره قبل عودة دونالد ترمب في فترة رئاسية ثانية، يحمل كثيراً من الإسقاطات على المجتمع الأميركي المضطرب في الوقت الحالي، ويعبر عن قلق حقيقي من الواقع الذي يتابعه سكان العالم على الشاشات في كل لحظة، إذ يلمح إلى دور عمالقة التكنولوجيا في صناعة السياسة ومدى تأثر البنية الحكومية بقراراتهم، وأيضاً يتعرض لجدل التدخل في الحياة الخاصة للأفراد، ومن المعروف أن روبرت دي نيرو من أشد المعادين لسياسة الرئيس الأميركي الحالي.

مؤامرات حكومية رفيعة المستوى

أما مسلسل "العميل الليلي ـ The Night Agent"، الذي عرض موسمه الثاني في الأسبوع الأخير من يناير (كانون الثاني) الماضي، فقد حفل بكثير من الأحداث البعيدة من المنطق الذي هو قوام هذه النوعية من الدراما، لكن مع ذلك كانت معدلات الإثارة عالية لمعرفة عواقب سلوكيات رجال الأمن الخائنين لمهمتهم الوطنية.

الموسم الجديد كان محور الشر فيه في البداية متمثلاً في شخصية الوسيط الاستخباراتي جاكوب مونرو، الذي يعمل لحسابه ويبيع المعلومات الحساسة لدول وأفراد لتنفيذ عمليات اغتيال، وقام بدوره الممثل لويس هيرثوم، وكذلك عميلة الاستخبارات الدبلوماسية الفرنسية جاكلين لوران، إذ اعتقد بطل العمل العميل بيتر سيذرلاند أن هذا هو الخط النهائي، الذي تنكشف عنده مؤامرة مقتل زميلته في الخدمة السرية، في قسم "نايت أكشن".

لكن اللحظات الأخيرة من الحلقة تكشف عن أن الفساد الحكومي يصل إلى ما هو أعمق، إذ يرتبط مونرو، الذي سبق وجند للعمل لصالحه جندياً سابقاً في الجيش، بعلاقة وثيقة مع الحاكم ريتشارد هاغان، الذي أدى دوره وارد هورتون، ويتقاضى منه أموالاً مقابل بيع المعلومات، وتسهيل أمور كثيرة.

شبكة أمنية مخترقة

فيما البطل الرئيس في المسلسل بيتر سيذرلاند نفسه كان منبوذاً في عمله، بسبب أبيه الذي كان عميلاً حكومياً، لكنه تورط مع الأعداء وسرب معلومات قيمة أدت إلى عواقب وخيمة وعمليات إرهابية، إذ يحاول الابن أن يثبت جدارته.

 

وتتكشف في الموسم نفسه خيانة أخرى متمثلة في موظف أمني كبير يسرب معلومات عن برنامج أسلحة كيماوية، مقابل المال. أما الموسم الأول فقد كان درامياً أكثر تماسكاً، لكنه كان يسير على التيمة نفسها، إذ كانت ديان فار، كبيرة موظفي البيت الأبيض، التي قامت بدورها هونغ تشاو، هي المتلاعبة الأمنية الأولى والمسؤولة عن تسهيل عمليات إرهابية جرت في البلاد، وبينها تفجير قطار بواشنطن.

وعلى رغم مركزها الحساس ودقة مهامها وارتباطها بالتأمين الرئاسي، فإنها ظلت طويلاً في منصبها، ولم تكتشف إلا بعدما كادت تتسبب في وفاة كثير من المسؤولين السياسيين بينهم الرئيسة، وكان يعاونها على تسريب المعلومات الأمنية آشلي ريدفيلد، نائب الرئيسة، الذي جسد شخصيته كريستوفر شير، وكان معهما بالطبع شبكة من المتعاونين داخل الحكومة.

لا أحد خارج دائرة الشبهات

الفساد الأمني في مسلسل "The Diplomat" (هيئة دبلوماسية) وصل إلى مستوى فائق أيضاً، إذ تتورط غريس بين (أليسون جاني)، نائبة الرئيس الأميركي، التي تصبح مسؤولة عن عملية غير قانونية من دون علم الرئيس تعرض أمن بلادها للخطر، بل وكذلك أمن الدول الصديقة، بعدما أمرت بشن هجوم مميت على حاملة طائرات بريطانية، وهي حادثة جلبت مزيداً من عمليات الاغتيال وصنعت أزمة سياسية دولية، وعرضت أفراد البعثات الأميركية الدبلوماسية والأمنية لأخطار ومواجهات عنيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى مدى مواسمه الأربعة استعرض مسلسل "Tom Clancy's Jack Ryan"، بطولة جون كراسينسكي، حياة المحلل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جاك الذي يكتشف عديداً من المؤامرات الفاسدة في المؤسسات الأمنية الحكومية، كذلك فإنه يدخل في مطاردات على أعلى مستوى مع عملاء منظمات إرهابية في عدد من الدول.

وعلى رغم أن العمل في كل موسم يضع البطل في مواجهة مع عدو خارجي يهدد الولايات المتحدة، فإن موسمه الرابع الذي عرض قبل عامين قدم عدواً داخلياً تماشياً مع هذه الموجة السائدة في الدراما، إذ اكتشف جاك رايان أن المدير السابق لـ"CIA"، توماس ميلر، قاد أثناء وجوده بالمنصب تحالفاً إجرامياً كان طرفاً فيه مع شبكة لترويج المخدرات ومنظمة إرهابية، وهذا التحالف كان يضرب الأمن القومي الأميركي في مقتل، فبدلاً من أن يكون صاحب هذا المنصب منوطاً به تحقيق أعلى قدر من الأمان للبلاد، كان عقلاً مدبراً لتشكيل عصابي يدير عمليات مشبوهة وتُغطى نشاطاته من قبل أكبر جهاز استخباراتي في البلاد.

الأمر هنا يتعدى فكرة إساءة استغلال السلطة لتحقيق مكاسب هامشية، لكنه يتحدث عن استخدام المنصب لتحقيق أهداف معاكسة تماماً، فالمنظومة الأمنية هنا تتحول إلى أخرى مهددة للحياة والبنية التحتية والاستقرار في الدولة، وكأن الفساد الأمني بات هاجساً أميركياً لا يمكن إخفاؤه، وأصبحت الشخصيات من هذه النوعية متكررة بشكل ملحوظ في المسلسلات التلفزيونية الأخيرة، فيما شهدت أيضاً مسلسلات سياسية عدة عرضت على مدى أعوام سابقة ظهوراً لأدوار مماثلة، إذ تنوع الفساد الأمني والسياسي في مسلسلات "House of Cards" و"Designated Survivor" و"Homeland"، ليشمل شخصيات بارزة في الكونغرس وفي وكالة الاستخبارات المركزية، وحتى على مستوى منصب الرئيس نفسه.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون