ملخص
يعكس عدم جدية المؤسسات الحكومية في القضاء على المهربين أن المتورطين في تجارة البشر لا يعملون في الخفاء، بل يعلم الجميع مواقعهم وكيف يوقعون الأبرياء في شباكهم، لكن الحكومة تتجنب اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم
تتصدر أخبار غرق مواكب المهاجرين الباكستانيين غير الشرعيين قرب شواطئ البحر الأبيض المتوسط عناوين الصحف خلال الأعوام الأخيرة، وكان آخر هذه المآسي الأسبوع الماضي عندما لقي 16 باكستانياً حتفهم أثناء محاولة الذهاب إلى أوروبا. وأوصل البحث عن بريق الحياة الأوروبية 13 باكستانياً إلى قيعان البحار المظلمة الشهر الماضي، عدا الـ40 قتيلاً على يد تجار البشر بعد مشادة كلامية معهم.
تفاقم الأزمة وتعقيدها
وتشير الأرقام إلى تفاقم الأزمة وتعقيدها بين صعوبات الطريق وإصرار الناس على الهرب على رغم سوء المعاملة من قبل "الوكلاء"، إذ توفي 300 باكستاني في حادثة واحدة خلال يونيو (حزيران) 2024، ولم يُنتشل سوى عدد قليل من الجثث.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من ديسمبر (كانون الأول) 2024 وحتى الأسبوع الثاني من فبراير (شباط) الجاري، غرقت أربعة قوارب عند اصطدامها بالصخور بسبب الحمولة الزائدة، وفقد أكثر من 100 شخص حياتهم أثناء محاولتهم الخروج من البلاد بطريقة غير شرعية، ومن المثير للجدل أن المئات الذين أُنقذوا أصروا على البقاء في المناطق الساحلية ليركبوا البحر، مرة أخرى، ويستأنفوا رحلتهم في الهجرة غير الشرعية.
تستمر الحكومة في ادعاءاتها الفارغة
من جانب آخر، تستمر الحكومة في ادعاءاتها الفارغة أنها ستتخذ إجراءات ضد مهربي البشر، وتصدر تصريحات في وسائل الإعلام حول أخذ إجراءات صارمة تتخذ ضد العملاء الباكستانيين الذين يديرون شبكات التهريب الدولية في أوروبا وأميركا الشمالية، إلا أن الأزمة أعمق من أن تحل باعتقال عدد من الأفراد. ومن الأمور التي تشير إلى ذلك أن الحكومة الباكستانية قامت أخيراً بطرد 50 مسؤولاً من وكالة التحقيقات الفيدرالية، الذين كانوا مسؤولين عن فحص الركاب، مما أرسل رسالة صارمة إلى جميع المتواطئين مع تجار البشر من المسؤولين الحكوميين، لكنها لم تنجح في تقليل الحوادث التي يتورط فيها المهاجرون الباكستانيون.
ولم تتوافر أرقام دقيقة عن عدد الأشخاص الذين نجحوا في الوصول إلى بلدان أخرى بطريقة غير شرعية من دون أن يُعتقلوا، لكن يمكن قياس حجم المشكلة وتوجه الباكستانيين للسفر إلى الخارج من أن وكالة التحقيقات الفيدرالية الباكستانية أوقفت 2500 مسافر في مطار لاهور فقط خلال شهر واحد، للاشتباه في أنهم كانوا يخططون للذهاب إلى السعودية للتسول أو السفر من هناك إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليس بحثاً عن الرزق فقط
يُذكر أن الرغبة في السفر إلى الخارج ليست لأسباب مادية فحسب بل هناك ثمة عوامل اجتماعية، إذ ينتمي معظم المهاجرين غير الشرعيين إلى مناطق محددة في وسط إقليم بنجاب الذين يروون قصص نجاحهم بين أصدقائهم وذويهم بعد الوصول إلى أوروبا. وعلى رغم وقوع عدد كبير من أبناء هذه المدن ضحية الحوادث المأسوية في البحر الأبيض المتوسط فإن جاذبية الحياة الأوروبية تغلب على جميع مخاوف الهجرة غير الشرعية.
إضافة إلى ذلك، تدفع عائلات الراغبين في الهجرة غير الشرعية أموالاً طائلة للمهربين على رغم أنهم لا ينتمون إلى عائلات ثرية ويضعون جميع مدخراتهم على الخط في محاولة الوصول إلى العالم الأول بأية طريقة ومقابل أي ثمن.
وثمة تساؤل لماذا يخاطر هؤلاء بحياتهم لمجرد الذهاب إلى أوروبا وهم يعلمون أنهم قد يتعرضون للاعتقال أو يقتلون أثناء السفر، بينما يبقى خطر الغرق قائماً طوال الطريق، إضافة إلى إمكانية تعرضهم للاستغلال من قبل المهربين؟ الحقيقة أن قصص نجاح "المهاجرين الجدد" الذين وصلوا من وسط البنجاب إلى أوروبا، وبخاصة الدول الإسكندنافية وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة، تلعب دوراً مهماً وتمثل مصدر إلهام لشباب تلك المناطق.
أسلوب الحياة الباذخ أمر شائع في هذه المنطقة
ويعد أسلوب الحياة الباذخ مع المنازل الكبيرة والسيارات باهظة الثمن وتعيين حراس أمن شخصيين أمراً شائعاً في هذه المنطقة، ويميل الجيل الجديد إلى إنفاق مبالغ باهظة على حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية. وعندما يرى الشباب أن ذوي المهاجرين غير الشرعيين الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا يصعدون السلم الاجتماعي وأصبحوا قادرين على تحمل كلف مظاهر البذخ فإن هذا يشجعهم على السير في دربهم حتى لو كان المقابل المخاطرة بحياتهم.
ومن البديهي أن هذا التوجه يعكس فشل الدولة على جميع المستويات من عدم الاهتمام بتوجهات الشباب وإيجاد أنشطة وفرص مفيدة لهم، وصولاً إلى عدم وجود رادع قانوني لهم عن مثل هذه الأخطار، ولو تمت محاسبة المتاجرين بالبشر والمتواطئين معهم في الأجهزة الحكومية من طريق المحاكم لتراجع كثر من الراغبين عن إرادتهم.
ويعكس عدم جدية المؤسسات الحكومية في القضاء على المهربين أن المتورطين في تجارة البشر لا يعملون في الخفاء، بل يعلم الجميع مواقعهم وكيف يوقعون الأبرياء في شباكهم، لكن الحكومة تتجنب اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم إلا باعتقال عدد قليل من الأشخاص عندما تحدث مأساة كبرى، وتتحدث وسائل الإعلام عنها لامتصاص الغضب الشعبي ريثما تتحول الأنظار إلى أزمة أخرى.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"