ملخص
جزيرة مايوت تواصل الضغط لتطبيق وعود الحكومة الفرنسية حيال الهجرة
تشهد جزيرة مايوت الفرنسية الواقعة في المحيط الهادئ موجة احتجاجات وإغلاق وإقامة حواجز بسبب تفاقم أزمة الهجرة فيها، مما استدعى زيارة وزير الداخلية جيرالد دارمانان، الأحد الماضي، ترافقه وزيرة مقاطعات ما وراء البحار، ليعلن عن قرارات عدة منها إلغاء الحصول على الجنسية الفرنسية بالولادة على أراضيها بصورة تلقائية وتشديد منح حق "لم الشمل".
وتضمنت القرارات وقف العمل بالتأشيرات التي تمنحها الجزيرة بصورة مستقلة حتى لا تمنح الحاصل عليها فرصة الوصول إلى فرنسا، كما أعلن عن إقامة جدار حماية بحري لتشديد الرقابة في البحر ومنع قوارب المهاجرين الذين يصلون من جزر القمر وأفريقيا.
جدل الجزيرة
التدابير الفرنسية جددت الجدل حول مسألة الهجرة، بخاصة أن مايوت تعد معقل الأصوات المؤيدة لزعيمة التجمع الوطني مارين لوبن، والتي حصلت على 64 في المئة من الأصوات خلال الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2022، ويطالب سكان الجزيرة بتطبيق التدابير التي وعدت بها السلطات قبل أشهر لمساعدتها على مواجهة موجات الهجرة وما يصاحبها من انعدام الأمن والشروط الصحية.
الجزيرة شهدت قبل أشهر عملية أطلق عليها اسم "واشمبو" عمدت خلالها السلطات على هدم المنازل المبنية بصورة عشوائية ولا تراعي شروط الأمان ومعايير الصحة، إضافة إلى ترحيل بعض المهاجرين.
وتعاني جزيرة مايوت نسبة هجرة باتت تشكل نصف سكانها (يسكنها 300 ألف من بينهم 150 ألف مهاجر)، كما يعد مواليد المهاجرين الأعلى، وباتت تلقب بمستشفى الولادة الأكبر في أوروبا.
وأثار قرار وزير الداخلية استنكار أحزاب اليسار التي رأت فيه خرقاً للحقوق الأساس التي ينص عليها الدستور، وبررت رفضها بعدم إمكانية تجزئة الدستور، بحسب المناطق، فيما طالب اليمين بتطبيق قرار منع حق الأرض (الحصول على الجنسية بالولادة) على كافة الأراضي الفرنسية.
تطبيق القرار
السلطة التنفيذية لن تقر القرار كقانون عادي، مما يتطلب مراجعة الدستور، إذ يمكن للمجلس الدستوري حجب القانون في حال أقر أن حق التجنس بالولادة حق أساس يضمنه الدستور، لكن المجلس لا يمكنه حجب مراجعة الدستور من طريق الاستفتاء.
الإجراء الآخر يتمثل بالتصويت عليه من قبل المؤتمر، أي المجلس النيابي ومجلس الشيوخ، والحصول على ثلاثة أخماس الأصوات، وهو أمر مستبعد بسبب غياب ضمان الغالبية.
القرار أعاد للواجهة الانقسامات التي شهدتها فرنسا بسبب قانون الهجرة، وذلك على مسافة أسابيع من إقراره في الـ26 من يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد أن جرده المجلس الدستوري من معظم مواده، وبذلك يعود الجدل والانقسام الذي شهدته فرنسا خلال الأشهر الماضية حيال موضوع الهجرة ومنح الحقوق للمهاجرين.
توزيع المواقف
ينص القرار الجديد على أن الطفل المولود لا يمكنه الحصول على الجنسية إلا إذا كان أحد الوالدين فرنسياً، والواقع أن باريس لا تمنح الجنسية بالولادة بصورة أوتوماتيكية، كما هي الحال في الولايات المتحدة.
وأوردت صحيفة "لوموند" ثلاث طرق للحصول على الجنسية منها الحق بالولادة، سواء صلة الدم أو التجنيس أو الزواج، إذ إن الطفل الذي يولد على الأراضي الفرنسية وكان أحد والديه مولوداً في البلاد يكون فرنسياً، وكذلك المولود في فرنسا من أبوين مجردي الجنسية، إضافة إلى أنه إذا كان الوالدان أجنبيين ولدا خارج الأراضي بإمكان طفلهما أن يصبح فرنسياً ابتداءً من عمر الـ13 سنة، شرط الوجود منذ خمس سنوات أو عند بلوغه 18 سنة، أما عن لم الشمل العائلي فيستوجب أن يكون الشخص مقيماً منذ ثلاث سنوات ويحمل بطاقة إقامة مدتها خمس سنوات.
وبرر دارمانان واليمين حجة وقف التجنيس بالولادة في الجزيرة بأن القادمين يلجأون إلى الإنجاب كوسيلة للحصول على الجنسية الفرنسية، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة أطفال المهاجرين من الولادات التي بلغت 12000 شكلت ثلاثة أرباعهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القرار لاقى أصداء متناقضة في فرنسا، إذ طالب اليمين بتطبيق قرار عدم التجنيس بالولادة على الأراضي الفرنسية كافة، في حين رأى اليسار أن ذلك يشكل خرقاً للدستور، لكونه يمس الحقوق الأساس التي نص عليها ولا يجوز تجزئته، وأن قانون مايوت متشدد أصلاً منذ تعديل 2018، لأن "مفهوم الأمة يشمل وحدة الأراضي ومفهوم الديمقراطية ينص على المساواة، والعمل بقانون مختلف في جزء من الأراضي يمثل حالة فريدة في نظام جمهوري قائم على المساواة بين المواطنين ووحدة التراب"، بحسب المؤرخ المتخصص في شؤون الهجرة لوي فاي.
وتعاني مايوت تدفق سكان جزر القمر وشرق القارة الأفريقية، واكتسبت الجزيرة وضعها الإداري كمنطقة فرنسية ما بعد البحار في 2008 بموجب استفتاء شعبي رفض خلاله سكانها البقاء ضمن جمهورية جزر القمر، وتعد من أفقر المناطق الفرنسية وتعاني التهميش، وعلى رغم ذلك فإنها مقصد للمهاجرين لأن مستوى دخل الفرد فيها يعادل 10 أضعاف ما هو عليه في جزر القمر.
حول هذا الموضوع التقت "اندبندنت عربية" وزير الدولة الفرنسي السابق لشؤون التجارة الخارجية بيير لولوش الذي قال إن "مايوت منطقة فرنسية تغرق بالهجرة وباتت أكبر مستشفى ولادة في أوروبا، وفكرة عدم منح الجنسية هناك بالولادة فكرة قديمة طالب بها فرانسوا باروان قبل سنوات، وأنا كنت من المؤيدين له في هذا الطرح، وغويانا أيضاً تعاني المشكلة ذاتها، لأن هناك من يقصد هذه الجزر فقط بهدف الوضع فيها بغية الحصول على الجنسية، وهذا أمر انتهازي لا يمكن تحمله".
إنجاب الأطفال
واعتبر لولوش أن هذه الخطوة تساعد في الحد من هذه الهجرة غير الشرعية، قائلاً "الإجراء لا يحل المشكلة كلياً، لكنه يساعد على الحد من أعداد الذين يأتون إلى الجزيرة فقط بهدف إنجاب الأطفال"، وبحسب الوزير السابق هناك فتيات من البرازيل وسورينام، في عمر الـ14 سنة يقصدن غويانا للولادة والحصول على المساعدات الاجتماعية، ومن ثم الجنسية.
وقبل سنوات كان معظم المهاجرين الذين يقصدون مايوت من جزر القمر الرافضين لتخلي الجزيرة عن الدولة الأفريقية، لكنهم اليوم يأتون من أفريقيا دول البحيرات الكبرى والصومال ورواندا لأن الجزيرة تشكل أقرب نقطة إلى أوروبا، من ثم هدفهم اقتصادي، وفق لولوش.
وأشار الوزير السابق إلى أن المعارضين "يروجون للهجرة ويطالبون بالتعددية والانفتاح عليها، لكنني من مؤيدي الحفاظ على الهوية الوطنية الفرنسية، وأعتبر ذلك خطراً مميتاً للسلم الاجتماعي وهوية الوطن"، لافتاً إلى أن ظاهرة الهجرة الكثيفة تؤثر في العلاقات والمناخ داخل كل بلد وتنعكس سلباً على العلاقات بين الدول.
ويرى بيير لولوش أن قانون الهجرة لا يغير أي شيء من الوصول إلى القارة، والحظر الذي فرض على معظم مواده من قبل المجلس الدستوري شكل فضيحة، مشيراً إلى أن السؤال الذي يجب طرحه "هل نحن قادرون على مراقبة الحدود في فرنسا وأوروبا؟ الجواب كلا، ولذا نرى كل هذا التدفق من المهاجرين".
واعتبر الوزير السابق أن تأشيرة "شنغن" وجدت في عصر أوروبا المتفائلة لتسهيل التنقل بين دول القارة، ولكن "الناس الذين كانوا يعملون على مسألة الهجرة قبل 30 عاماً، وأنا من بينهم، كنا على علم مسبق بما سيحصل، وهو ما نشهده حالياً، فقراءة البيانات الديموغرافية كانت تشير إلى أن أفريقيا ستصل إلى 2.5 مليار نسمة في 2050، وهذا التاريخ ليس بعيداً، لذا سنشهد قدوم أعداد كبيرة من الشبان القادرين على العمل، لأنهم لا يجدون فرصة عمل في قارتهم ثم يتجهون إلى أوروبا".
ونوه لولوش بظاهرة مماثلة في جنوب الولايات المتحدة مع مهاجرين "يأتون من مسافات بعيدة مقل باكستان وإيران وأفريقيا، للانضمام إلى قوافل المهاجرين من أميركا اللاتينية"، لافتاً إلى أن واشنطن تسجل دخول مليوني شخص سنوياً في حين يقصد فرنسا 500 ألف مهاجر سنوياً من بينهم 200 ألف بصورة قانونية و300 ألف بصورة غير شرعية".
تحول المجتمعات
ورفض بيار لولوش أن تكون الهجرة حركة التطور الطبيعي للبلدان والمجتمعات، مشيراً إلى أنه إذا سلمنا بهذا الطرح فذلك يعني "أننا نشهد نهاية فرنسا وإيطاليا، بل والهويات الوطنية وتحول كامل للمجتمعات"، موضحاً أن "الأمر مختلف بالنسبة إلى الولايات المتحدة كونها قامت على استيطان الأرض وأخذت ثلث المكسيك، في حين أن أوروبا تتشكل من هويات لها خاصيتها في كل بلد، وإذا نظرنا إلى الولادات وأعمار الأطفال نجد أن طفل من بين أربعة هو من أبوين مهاجرين، وفي حال واصلنا الوتيرة التي نشهدها حالياً سنصل إلى نسبة 30 أو 40 في المئة من الشعب من المهاجرين"، وفق قوله.
وتابع الوزير السابق "في مايوت تخطينا هذه النسبة، والجزيرة نجمت عن قرار سياسي اتخذه نيكولا ساركوزي بعد استفتاء، حيث رفض الشعب المهاوري البقاء في ظل نظام جزر القمر وفضلوا الانضمام إلى فرنسا، وأصبحت مقاطعة فرنسية، لكن بظروف قاسية جداً، وهذا يكلف فرنسا كثيراً من ناحية الهجرة، ولا أعرف إن كنا سنتمكن من المواصلة أم لا".
واستبعد أن تأتي حلول من الدول التي تصدر المهاجرين "لأنها سعيدة بالتخلي عن جزء من شبابها الذين لا يجدون عملاً"، مؤكداً أن فرنسا وأوروبا لا تملك القدرات والإمكانات لاستيعابهم، سواء بالنسبة إلى السكن أو فرص العمل. وقال "هم يعتقدون أنهم يصلون إلى الجنة، ولكن في الواقع ليس هناك جنة ولا أي شيء من هذا القبيل، بل ينتهي بهم الأمر في المخدرات وانفجار الضواحي العام الماضي عكس الصورة بكل وضوح".