ملخص
قضت طفلتان بعد انهيار جدار منزلهما المتهالك عليهما، إذ يعيش السكان في قطاع غزة في بيوت متهالكة مدمرة بصورة بليغة ويعرضون حياتهم لخطر الموت.
تصرخ الأم أنغام على طفلتيها "وفاء، منار، احذرا الاقتراب من الحائط، إنه معرض للانهيار"، لم تنتبه الصغيرتان على الفور لحديث والدتهما وواصلتا اللعب، وفجأةً انهار الجدار الأسمنتي على القاصرتين وأودى بحياتهما على الفور.
أمام عيني الأم أنغام انهار الجدار. صرخت الأم بكل طاقتها "حبايب قلبي"، وركضت تزيل الحجارة بيديها التي غطت جثتي الصغيرتين، تحضن الوالدة وفاء مرة، وتتفقد منارة مرة أخرى. تبكي وتصرخ، "أنتما طفلتان، لا تموتا، يا ريت حياتي راحت قبل أن نعيش في هذا البيت".
بيت مدمر
عندما عادت أنغام إلى شمال غزة من حياة النزوح المريرة في جنوب القطاع وجدت بيتها مدمراً بصورة بليغة وغير صالح للسكن. تقول "جزء من السقف منهار، وغالب جدران المنزل سقطت. هناك حائط واحد فقط كان قائماً، لكن واضح أنه سينهار في أي لحظة".
على رغم خراب منزلها فإن الأم أنغام استصلحت بيتها، أزالت الركام المتناثر في أرجائه، وعلقت قطع النايلون المقوى "الشوادر" بدلاً من جدران المنزل، وبالنسبة إلى الحائط القائم المعرض للانهيار في أي لحظة لم تفعل به شيئاً.
اكتفت أنغام في تحذير طفلتيها كل صباح من الجدار المعرض للانهيار، وطوال اليوم تواصل تنبيههما وتحثهما على عدم الاقتراب من الحائط المشؤوم. توضح أنها مهما أرشدت الصغيرتين، فإنهما لا يستطيعان أخذ معايير الحيطة والحذر والتزام التعليمات.
المأوى نادر في غزة
لم تجد أنغام مكاناً تعيش فيه، إذ توضح، "بحثت عن خيمة ولم توفرها لي المنظمات الإنسانية والدولية، وطلبت كرفاناً، لكنهم أبلغوني أن إسرائيل لم تسمح بدخول البيوت المتنقلة لغزة، وعندما عجزت عن توفير مأوى، أجبرت على العيش في بيتي المتهالك".
كانت الأم تعتقد أن حياتها في البيت قد تكون أفضل شيء، حيث به ذكريات أسرتها، وتوضح أن المنزل أفضل من أي مأوى، لكن البيت المتهالك جعل حياتها تنقلب إلى مآسٍ، إذ فقدت طفلتيها بعدما حافظت عليهما من خطر الحرب لمدة 16 شهراً.
مأساة متكررة
يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف "قصة الطفلتين ليست الحال الوحيدة التي تجسد معاناة غزة الإنسانية نتيجة عدم توفر مأوى مناسب، إذ جرح طفل ثالث، وجميعهم نتيجة بانهيار حائط أسمنتي لمنزل متضرر جداً من قصف إسرائيلي أثناء الحرب". ويضيف، "تسلط هذه المأساة الضوء على الأخطار المحدقة بالمدنيين، خصوصاً الأطفال، نتيجة القيود الإسرائيلية المفروضة على إدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض، وتأمين المناطق المتضررة. هناك مخاوف من تكرار هذه الحوادث".
حياة قاسية
وجد العائدون إلى شمال غزة أنفسهم في واقع أشد قسوة من واقع النزوح، إذ يواجهون الدمار بأيديهم من دون معدات تساعدهم على التخلص منه، وإلى جانب هذه المشكلة فإنهم يفتقرون للمأوى المناسب، وأُجبر كثر على استصلاح منازلهم المتهالكة المدمرة بصورة بليغة بطرق بدائية بغرض العيش فيها.
وبعدما عجز علاء عن توفير مأوى بديل بيته المدمر بصورة بليغة اضطر إلى السكن بين أنقاض منزله. يقول، "لم أحصل على خيمة أعيش بداخلها مع عائلتي، ولذلك أقمت ورشة داخل منزلي لاستصلاحه. عملت على تنظيفه من الركام وإزالة الأنقاض، ووضعت نايلون مقوى بدلاً من الجدران المهدومة".
بيت علاء غير صالح للسكن ولا يمكن لآدمي أن يعيش فيه، كل جدرانه مخلوعة، وأي إهمال قد يودي بحياته أو حياة أحد من أفراد عائلته. ويضيف، "أعرف أن بيتي متهالك ومتضرر بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية ومن الممكن أن ينهار فوقنا في أي لحظة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما بيد علاء أي حلول، ولذلك يفضل العيش في منزله المدمر على أمل أن تتحسن ظروف غزة الإنسانية وتسمح إسرائيل للبدء في إعادة الإعمار، ويعرف الرجل أن هذه المرحلة قد تستغرق سنوات طويلة، لكنه يقول، "أعيش في منزلي، وعندما ينهار على رأسي أُدفن تحته، لا حل غير ذلك".
أضرار جسيمة
كثيرة هي المنازل المدمرة في غزة، سواء بصورة كاملة أو بليغة أو جزئية، وقليلة هي الخيام والمأوى المتوافرة في القطاع، ولذلك يخاطر السكان ويعيشون في بيوت مدمرة بصورة بليغة وجزئية لتوفير مكان للعيش، ويعتقدون أن ذلك الأمر على رغم أخطاره فإنه أفضل من إيواء الشارع.
وفوجئ سامح بدمار واسع في منطقته السكنية، وأصيبت شقته بأضرار جسيمة، لكن انعدام الخيارات دفعه إلى البقاء فيها. يقول، "أحاول إصلاح ما تبقى من المنزل، وأستبدل بها شوادر بلاستيكية لا تحمي من البرد أو المطر أو الحيوانات الضالة والقوارض". ويعرف سامح أن الضرر الجسيم في منزله يعرض حياته للخطر، إذ قد ينهار فوق رأسه في أي لحظة، لكنه يسألنا "ما الحل إذاً؟ هل أعيش في الشارع أو أنتحر؟ ربما يكون ذلك أفضل". يصمت الشاب ويتوه في الكلام، ثم يجمع قوته ويقول، "سأعيش في بيتي المتهالك على رغم الخطر".
أمر حتمي
سمعت سمر بقصة الطفلتين وفاء ومنار، وعلى رغم أن بيتها متهالك ويمثل قنبلة قد تنفجر في أي لحظة ويسقط المنزل على رؤوس أطفالها، فإنها لم تتعظ من حادثة موت الطفلتين، وما زالت تعيش في بيتها المدمر. وتقول، "احتمال سقوط البيت وارد وبشدة، لكن لا يتوفر لي مأوى، سأعيش في منزلي حتى يُعاد إعماره، هذا أفضل حل على رغم أنه خطر. الحياة في غزة ضنك وليست أمراً سهلاً، كل شيء هنا خراب، ونحاول استصلاح الخراب".
ويوضح رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف أن غزة في حاجة إلى تحرك عاجل لدعم تقييم الفرق الفنية للمنازل المتضررة واتخاذ الإجراءات اللازمة، لافتاً إلى أن أي تأخير في عمليات الإنقاذ وإعادة الإعمار قد يتسبب في مزيد من الضحايا بسبب احتمال انهيار المنازل على رؤوس أصحابها.
ويؤكد معروف وجود تهديد مباشر على حياة السكان المدنيين في القطاع بسبب عجز الفرق الفنية الميدانية عن فحص البيوت المدمرة جزئياً. ويشير إلى أن احتمال سقوط الجدران المتهالكة أو الركام على رؤوس النازحين أمر حتمي في ظروف القطاع.