Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسرى الحرب: إيران تفاوض العراق وتسعى سراً لإسقاط نظامه (1ـ2)

اتهامات متبادلة بين الجانبين ومحاولات لاستئناف الحوار

 أسرى إيرانيين في قبضة القوات العراقية أثناء حرب الثماني سنوات بين البلدين في الثمانينات (وكالة ميزان الإيرانية) 

ملخص

بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية في 1988، ظلت هناك مزاعم من الجانبين حول وجود أسرى لم يُفرج عنهم وواجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحديات كبيرة في متابعة مصير أسرى الحرب وسط عقبات أمام الحوار بين بغداد وطهران.

بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية في 1988، أصبح ملف تبادل الأسرى من القضايا الإنسانية والسياسية العالقة بين البلدين، واستغرقت عملية التبادل سنوات عدة بسبب التوترات المستمرة وعدم الثقة المتبادلة. وأحرز البلدان بعض التقدم نتيجة لتحسن العلاقات تدريجاً في التسعينيات، بخاصة بعد الغزو العراقي للكويت وما تبعه من تراجع في نفوذ بغداد وبحلول منتصف التسعينيات، كانت غالبية عمليات تبادل الأسرى اكتملت. ومع ذلك، ظلت هناك مزاعم من الجانبين حول وجود أسرى لم يُفرج عنهم.

"اندبندنت عربية" تنشر حلقتين تتناول ملابسات ملف الأسرى بين العراق وإيران، والمحاولات الأممية للتقريب بين الطرفين، وفقاً لمراسلات سرية صادرة عن وزارة الخارجية البريطانية، تغطي الفترة الممتدة من الأول من يناير (كانون الثاني) حتى الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) عام 1994.

وضع الأسرى العراقيين والإيرانيين وعددهم

بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، واجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحديات كبيرة في متابعة مصير أسرى الحرب على رغم أن المادة (118) من "اتفاق جنيف الثالث" تنص على ضرورة إطلاق الأسرى وإعادتهم لأوطانهم من دون تأخير، لكن معظم الأسرى لم يتمكنوا من العودة إلا بعد عامين من انتهاء الحرب.

وبحسب تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الصادر في الـ19 من سبتمبر (أيلول) 1994 حول القضايا الإنسانية العالقة، لم يفِ أي من الطرفين بالتزاماتهما بإبلاغ اللجنة عن الأسرى أو السماح لها بزيارتهم جميعاً، وأكد التقرير أن العدد الفعلي للأسرى كان أعلى بكثير ممن جرى تسجيله رسمياً، مما أبطأ عمليات الإعادة للوطن وأثار قضايا إنسانية ظلت من دون حل.

 

وبحلول نهاية أغسطس (آب) عام 1994، أشارت اللجنة الدولية إلى أن نحو 19 ألف أسير عراقي كانوا لا يزالون في إيران، في حين بقي مصير 500 أسير إيراني مجهولاً في العراق، وعلى رغم سريان وقف إطلاق النار، لم تتم إعادة جميع الأسرى، فعاد فقط 38967 أسيراً إيرانياً و43115 أسيراً عراقياً، بينما ظل آلاف الأسرى محتجزين لأعوام من دون وضوح مصيرهم.

وتمكنت اللجنة الدولية من تسجيل الأسرى الذين زارتهم وساعدت في تبادل أكثر من 13 مليون رسالة بين الأسرى وعائلاتهم خلال الفترة بين عامي 1980 و 1990، كما تمكنت من تحديد هوية نحو 12 ألف أسير لم تتمكن من زيارتهم وكانوا محتجزين في إيران.

محاولات لاستئناف الحوار الإيراني - العراقي 

بغضون ذلك، طفت إلى السطح محاولات لإجراء حوار بين بغداد وطهران، وتشير برقية سرية من السفارة البريطانية في طهران في الأول من فبراير (شباط) عام 1994 إلى أن وفداً عراقياً يخطط لزيارة طهران بهدف استئناف المفاوضات الثنائية التي بدأت العام الماضي على مستوى نواب وزراء الخارجية.

هذه المفاوضات التي كان من المتوقع أن تمهد الطريق لعقد اجتماع بين وزيري الخارجية، توقفت منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1993 بعدما ألغى الجانب العراقي كان من الممكن أن تتزامن مع وجود بعثة أممية في طهرن تحقق في مزاعم المعارضة الشيعية المدعومة من طهران حول استخدام العراق للأسلحة الكيماوية في مناطق الأهوار الجنوبية. وتشير الوثيقة إلى أن الإيرانيين تعمدوا دعوة الوفد العراقي بالتزامن مع وجود الوفد الأممي في طهران لإحراج بغداد والتشهير بها.

وتتناول برقية أخرى من السفارة البريطانية في طهران في فبراير 1994 التناقضات في السياسة الخارجية الإيرانية المتعلقة بإعلاناتها عن لقاءات ومفاوضات مع أطراف خارجية التي غالباً ما تُنكرها أو تتراجع عنها لاحقاً. ويشير التقرير إلى أن نائب وزير الخارجية الإيراني واعظي أعلن عن زيارة وشيكة لوفد عراقي إلى طهران لاستئناف المفاوضات الثنائية، ولكن هذه الزيارة لم تحدث. وعندما سُئل عن الأمر، نفى واعظي تقديم أي تعهدات واضحة في شأن توقيت الزيارة، وأكد أنها كانت مجرد احتمال مستقبلي.

وتعتبر البرقية هذه الحادثة مثالاً على "العادة الإيرانية" في الإعلان عن مبادرات دبلوماسية غير مؤكدة التي تهدف أحياناً إلى تعزيز صورة إيران كطرف نشط في العلاقات الدولية. ومع ذلك، فإن تلك التصريحات غالباً ما تفتقر إلى الصدقية عندما لا تُنفذ، مشيرة إلى المفاوضات المتوقفة بين إيران والعراق، وكذلك التصريحات العلنية عن اجتماع مرتقب بين الرئيس هاشمي رفسنجاني والعاهل السعودي الملك فهد الذي لم يتحقق أيضاً.

تحريض إيراني على العراق

تشير الوثائق إلى أن إيران ظلت تحرض على النظام العراقي رغم وجود قناة تواصل بينهما، وهو ما يتضح في اتصال هاتفي أجراه الدبلوماسي الإيراني حسين جابري أنصاري أعرب فيه عن أسفه لما وصفه بمحنة الشعب العراقي، مؤكداً أن الغرب يجب أن يضطلع بدور أكبر للإطاحة بالنظام العراقي.

ورغم أن طهران زعمت حرصها على وحدة أراضي العراق وطالبت برفع العقوبات المفروضة عليه، فإنها في الوقت نفسه أقدمت على تجنيد آلاف الأسرى العراقيين لمصلحة ميليشيات المعارضة العراقية المدعومة من إيران، تحت غطاء "حق اللجوء".

وعما إذا دخل الإيرانيون بصورة مباشرة مع المعارضة العراقية، قال أنصاري إن هذا التصرف لا يهدف إلى التوسع الاقليمي وإنما التحالف الدولي. وتسلط الوثيقة الضوء على ازدواجية السياسة الإيرانية التي تظاهرت بالعمل ضمن الإطار الدولي، بينما كانت تمهد الطريق لتدخل أعمق في العراق. كما تكشف عن أن التفاعل الإيراني مع المعارضة العراقية لم يكن عابراً، بل كان جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زيارات عراقية وإيرانية متبادلة

وتشير وثيقة أخرى بتاريخ 27 فبراير 1994 إلى زيارة وفد عراقي إلى طهران بين الـ17 والـ23 من فبراير، برئاسة وكيل وزارة الخارجية العراقية سعد عبدالمجيد الفيصل، وكان المحاور من الجانب الإيراني هو جواد ظريف، نائب وزير الخارجية آنذاك الذي كان أجرى محادثات مماثلة في بغداد.

وتمحورت النقاشت حول أسرى الحرب وقضايا الحدود. وبحسب ما نُقل عن الفيصل بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي، تم التوصل إلى اتفاقات محددة تتعلق بإعادة القتلى والمفقودين الإيرانيين. كما أشار ولايتي إلى التزام إيران وحدة العراق، ورجح أن تؤدي سياسات بعض القوى الدولية المتغطرسة إلى تفكك العراق.

وأفادت البرقية أفادت بأن إيران تقدر وجود نحو 35 ألف أسير ومفقود في المعارك، وأن لديها أدلة مؤكدة على احتجاز أربعة إلى ثمانية آلاف أسير داخل العراق. وعلى رغم ذلك، لم يتم الرد على دعوة الفيصل إلى زيارة بغداد، مما يشير إلى استمرار التوترات في العلاقات بين البلدين.

وأشار ظريف إلى أن تقدماً ضئيلاً تحقق في قضية أسرى الحرب، إذ استمر العراقيون في إنكار أنهم يحتجزون أي أسير، على رغم اعترافهم بوجود 70 أسيراً اعتقلوا بعد وقف إطلاق النار، إضافة إلى طيارين سقطت طائراتهم في العراق قبل الحرب. ومع ذلك، تمت مناقشة قضايا أقل تعقيداً بصورة إيجابية، مثل عودة قتلى الحرب، فاتُفق على تحديد المناطق التي قد تكون لا تزال تضم مفقودين وضحايا، وتبادل الأدلة بين الجانبين. لكن المشكلة الكبرى كانت في عدم رغبة العراقيين أو قدرتهم على تقديم تفاصيل حول مواقع حقول الألغام في إيران، مما عرقل عمليات البحث.

العراق يطالب باستعادة الطائرات المحتجزة في إيران

ضغط العراق لاستعادة الطائرات التي أرسلت إلى إيران أثناء حرب الخليج، لكن إيران رفضت، وأوضحت أنها ملزمة قرارات الأمم المتحدة التي تضمن عدم الامتثال لهذا الطلب. وأثارت إيران قضية اختطاف نحو 20 طائرة إيرانية إلى العراق خلال الأعوام الأخيرة، مصرة على ضرورة إعادة الطائرات والخاطفين وفقاً للقانون الدولي.

وأثناء المحادثات، نوقشت قضايا الشيعة والأكراد، فأكدت إيران أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية مع حماية حقوق الأقليات، وتطرقت إلى مسألة وصول الزوار الإيرانيين إلى المواقع الدينية في العراق، مثل النجف وكربلاء، وهي قضية حساسة نظراً إلى الضغط الشعبي الكبير في إيران لزيارة هذه المواقع، وشددت طهران على أن أي ترتيبات لهذه الزيارات يجب أن تتماشى مع لوائح الأمم المتحدة.

لقاء ولايتي والصحاف في القاهرة

وفي يونيو (حزيران) عام 1994، تم التخطيط لزيارة وفد إيراني إلى بغداد بهدف تمهيد الطريق لزيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي في يوليو (تموز) من العام نفسه. وكان الهدف من الزيارة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، مع التركيز على قضايا مثل أسرى الحرب وترسيم الحدود والعلاقات الإقليمية.

وأعلنت وكالة الأنباء الإيرانية أن ولايتي التقى نظيره العراقي محمد الصحاف في القاهرة في الثالث من يونيو، حيث ناقشا التعاون الثنائي والعداء المشترك تجاه السياسات الأميركية في المنطقة. كما أشار الصحاف إلى أن التقدم في العلاقات قد يستغرق وقتاً، إلا أنه كان يأمل في تحسن كبير نتيجة للزيارة المقبلة.

ولم تطل التهدئة حتى عاد التصعيد بين البلدين ففي الـ18 من يوليو 1994، وجهت الحكومة العراقية رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة نفت فيها الاتهامات الإيرانية بالهجمات عبر الحدود التي أسفرت عن مقتل وأسر جنود إيرانيين. واعتبر العراق هذه الادعاءات محاولة إيرانية لتحويل الأنظار عن خروقاتها المتكررة في شط العرب، بما في ذلك الاعتداء على الصيادين العراقيين والممارسات التعسفية ضد السفن العراقية. كما اتهم العراق إيران بانتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار، مع الإشارة إلى توغلاتها العسكرية في المنطقة العازلة.

جدل حول "مجاهدي خلق "

تشير وثيقة دبلوماسية بريطانية بتاريخ 26 يونيو إلى أن طهران أعلنت تأجيل زيارة وفدها لبغداد إلى أجل غير مسمى، احتجاجاً على دعم العراق لمنظمة "مجاهدي خلق" بعد تفجير ضريح الإمام الرضا. واعتبرت بريطانيا أن هذه ذريعة إيرانية لإلغاء المحادثات مع العراق.

ووقع تفجير قبر الرضا في 20 يونيو 1994 في مشهد الإيرانية، وأسفرت عن مقتل 25 زائراً وجرح المئات. واتهمت السلطات الإيرانية حينها منظمة "مجاهدي خلق" بتدبير هذه العملية لكن بعد 5 سنوات من حدوثها، وتحديداً في الخامس من ديسمبر عام 1999، كتبت صحيفة "رسالت" نقلاً عن أكبر غنجي وهو كاتب إيراني بارز أن التفجير كان من صنع وتدبير عناصر تابعين لوزارة استخبارات النظام لتشويه سمعة منظمة "مجاهدي خلق".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق