Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة كسر عظم بين المعلمين والحكومة الأردنية

دعم شعبي غير مسبوق للمدرسين على وسائل التواصل الاجتماعي

معلمون مضربون في احدى مدارس الذكور الأردنية (موقع نقابة المعلمين الأردنيين)

دخل المعلمون الأردنيون في معركة كسر عظم مع الحكومة، مع اقتراب الإضراب المفتوح من دخول أسبوعه الرابع من دون التوصل إلى حل، ووسط إصرار كل طرف على موقفه.

ففيما تصر نقابة المعلمين التي تضم نحو 140 ألف معلم على منح منتسبيها علاوة 50 في المئة، والاعتذار عن تعرض أفرادها لانتهاكات خلال احتجاجهم في 5 سبتمبر (أيلول) الماضي، تتذرع الحكومية بالكلفة غير المسبوقة للزيادة على المالية العامة، والتي تصل إلى 150 مليون دولار سنوياً وسط عجز في موازنتها.

وفي وقت تدحرجت الأزمة إلى ما يوصف بأزمة ثقة بين الشارع والحكومة، تبادلت نقابة المعلمين والحكومة الاتهامات بالمسؤولية عن تعطيل العام الدراسي حتى الآن وسط استياء الأهالي وتذمرهم ومخاوف أبداها مراقبون من ضرب السلم الأهلي وتفتيت المجتمع ومكوناته.

محاولات حكومية لكسر الإضراب

الحكومة من جهتها حاولت وعبر وسائل، كسر إضراب المعلمين خلال الأسابيع الماضية، فأصدرت قرارات وبيانات عدة، حيث وجهت وزارة التربية والتعليم رسائل نصية عبر الهواتف المحمولة للمواطنين دعتهم فيها إلى إرسال أبنائهم إلى المدارس على الرغم من تأكيد نقابة المعلمين الاستمرار في إضرابها.

لاحقاً، مارست وزارة التربية والتعليم ضغوطاً جديدة على المعلمين عبر تناقل أخبار وتقارير صحافية تتحدث عن انتظام العملية التعليمية في بعض المدارس. وهو ما نفته نقابة المعلمين وناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي.

الوزارة عمدت إلى إطلاق خدمة الخط الساخن لتلقي شكاوى الأهالي من أي مدرسة ترفض استقبال أبنائهم بحجة الإضراب، ولوحت باتخاذ قرارات إدارية من بينها خصم كل يوم إضراب من رواتب المعلمين واستبدالهم بمعلمين يعملون جزئياً ووفق نظام التعليم الإضافي.

وحاول بعض الحكام الإداريين الدخول على خط الأزمة عبر الضغط على المعلمين والمعلمات وإجبارهم على كسر الإضراب، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل.

الاستعانة بالقضاء

وكان صدر الأحد الماضي 29 سبتمبر (أيلول)، قرار قضائي للمحكمة الإدارية بوقف الإضراب المفتوح مؤقتاً، لحين البت بدعوى مرفوعة لديها ضد نقابة المعلمين ووزارة التربية.

وأعقب القرار مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء عمر الرزاز، دعا فيه إلى احترام تطبيق القانون والالتزام به، لترد عليه نقابة المعلمين بإعلان مواصلتها الإضراب والتقدم بطعن بالقرار القضائي.

وقال نقيب المعلمين ناصر النواصرة "نحترم القانون والسلطة القضائية وثقتنا بها عالية... الإضراب مستمر وهو حق دستوري ومحمي بالقانون، ومجلس النقابة يتحمل المسؤولية القانونية كاملة".

واعتبر نقيب المحامين السابق صالح العرموطي أن "هذا القرار ليس نهائياً بوقف الإضراب، وإنما قرار مؤقت خاضع للإلغاء، لحين البت في القضية".

وتابع "هناك شروط لا بد من توافرها في القرار وهي توافر المصلحة، وتقديم الكفالة لتحميل كل عطل وضرر، إذا تبين عدم صحة الجهة المستدعية".

ويرفض المعلمون القرار الذي خرج به رئيس الحكومة من طرف واحد وأعلن خلاله عن زيادة وصفت بالهزيلة لرواتب المعلمين بحسب نظام الرتب والأداء الوظيفي، وراوحت قيمة العلاوة المعلن عنها ما بين 24 ديناراً و31 ديناراً للمعلمين كافة.

وعي ضد الفساد

يعتبر الباحث إبراهيم غرايبة أن حراك المعلمين يمثل لحظة مؤسسة للوعي الأردني العام، وبداية لتحولات مهمة وجوهرية في الانتخابات النيابية والنقابية والبلدية المقبلة.

ويعتقد الغرايبة أن التعاطف غير المسبوق من قبل الأردنيين مع المعلمين مرده إلى شعورهم بالظلم وعدم المساواة اقتصادياً واجتماعياً في وقت تستأثر فئة محدودة بالموارد والسلطة والامتيازات.

ويضيف الغرايبة "سيعود المعلمون والتلاميذ إلى مدارسهم في نهاية المطاف، لكن الأردنيين لن يعودوا إلى ما كانوا عليه. ويجب أن تدرك الحكومات أنها تواجه استحقاقاً جديداً في علاقتها بالمواطنين والموارد العامة وفي طريقة إدارتها للمؤسسات والإنفاق العام".

ويرى الكاتب جميل النمري أن إضراب المعلمين بات ينطوي على أبعاد أكبر من كونه قضية مطلبية خاصة لقطاع معين، بل تعدى ذلك إلى أزمة شاملة للقطاع العام الخدمي.

يضيف النمري "يجب أن نتأمل في هذا الالتفاف الشعبي الكامل حول الإضراب، ولذلك فإن أهم استخلاص، ضرورة السير بمشروع إصلاحي سياسي اقتصادي اجتماعي جدّي للغاية لاستباق صدام وتفسخ اجتماعي مقبلين".

التفاف شعبي

وحظيَ إضراب المعلمين بدعم شعبي غير مسبوق على وسائل التواصل الاجتماعي حيث تصدر هاشتاغ #مع- المعلم على تويتر، فيما امتلأ موقع فيسبوك بمئات المقاطع المصورة لمواطنين وفنانين وإعلاميين ومشاهير يعلنون تضامنهم مع المعلمين، كما امتنع معظم الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس تلبية لنداء نقابة المعلمين.

ويتفق محللون ومراقبون على تحميل الحكومة مسؤولية تعقيد أزمة إضراب المعلمين بسبب التعاطي الأمني الخشن معها في بدايتها.

يقول فارس بريزات، مدير مركز نماء للدراسات الإستراتيجية، إن لدى الدولة موارد غير المال، تستطيع من خلالها حل مشكلة المعلمين، ومنها منحهم أراضي لغايات السكن، ومنح نقابة المعلمين أراضي من أراضي الدولة وتحويلها إلى مناطق تنموية تُستثمر لصالحهم، بما في ذلك إنشاء معاهد متخصصة لتدريب المعلمين".

بينما يقول المحلل السياسي عامر السبايلة إن أزمة المعلمين ليست مختصة بقطاع واحد بل هي حالة عامة ولذلك حصلت أرضية وتعاطف مجتمعي وتستمر، موضحاً أن استمرار الأزمة في أسبوعها الرابع دليل على فشل الحكومة في إدارة الملف والقدرة على إدارة الأزمات.

وينبّه الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى مخاوف حكومية من أن رضوخها لهذه المطالب، قد يفتح الباب واسعاً أمام مطالبات من نقابات ومهن أخرى.

ويرى أنه يمكن إيجاد مخارج لهذه الأزمة، "إما من خلال تخصيص جزء من المنح والمساعدات لهذا البند، أو توفيره من خلال ضبط أكبر للنفقات في الموازنة".

بينما يقول منتدى الإستراتيجيات الأردني في دراسة أصدرها مؤخراً، إن تكلفة الرواتب والأجور والعلاوات للمعلمين بلغت في 2017 نحو 737.9 مليون دينار (1.04 مليار دولار)، شكلت 85 في المئة من إجمالي إنفاق الوزارة.

إلى ذلك يتحضر المعلمون لتنظيم أكبر تظاهرة في تاريخ البلاد في مناسبة يوم المعلم الموافق في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول)، حيث يتوقع أن تحظى التظاهرة بمشاركة واسعة من قبل الأردنيين.

يأتي ذلك وسط توقعات بأن لا يطول أمد الأزمة لأسبوع خامس عبر تدخل ملكي من قبل العاهل الأردني قد يتبعه إقالة الحكومة الحالية أو إجراء تعديل طفيف عليها.

المزيد من العالم العربي