ملخص
غالباً ما ينظر إلى منتديات الإنترنت على أنها مساحات للفوضى العارمة واليأس، لكنها هذه المرة أسهمت في قيام نساء بربط تفاصيل قصصهن في سبيل الكشف عن رجل مسيء
إنه سيناريو أشبه بالكابوس. أو ربما فيلم رعب. أن تجلسي داخل عيادة للإجهاض، يعتريك الخوف ويغالبك فيض من المشاعر الجياشة، ثم تدركي أن شريكك - الذي قال إنه ذهب إلى المرحاض - لن يعود.
هذا ما حدث بالضبط للكاتبة البريطانية شيمين سليمان في 2016. تركها الشخص الذي كان صديقها الحميم آنذاك من دون أن يقول أي شيء، وذهب مباشرة إلى شقتها في نيويورك كي يأخذ كل أشيائه منها - وهو ما اكتشفته لاحقاً عندما شاهدت تسجيلات كاميرات المراقبة. ولم يصل إليها منه سوى تفسير وحيد، عن طريق رسالة يقول لها فيها إنها "محطمة" ولن يحبها أحد بعد ذلك، وعليها ألا تحاول أبداً الاتصال به أو بأصدقائه. وبعد ذلك، قلم بحظر رقمها.
وتقول لي "إن الانفصال عن شخص يختلف كلياً عن التعرض للهجر بتلك الطريقة. كنت مصدومة، وأذكر شعوري بأن كل شيء جنوني. لم يبد الوضع مفهوماً أبداً بالنسبة إلي. لم أتمكن من استيعاب ما حصل".
عاشت شيمين، 33 سنة، حالاً من الضياع بسبب سلوكه، سلبها حتى القدرة على أن تحزن على عملية الإجهاض التي أقنعها بالخضوع إليها، فيما ضج رأسها بمئات الأسئلة التي بقيت من دون إجابة. قضت شهراً في حال ضياع وارتباك مدمر، تتآكلها كراهية الذات. ثم في يوم من الأيام، وقعت عيناها على منشور على وسائل التواصل الاجتماعي قلب حالها تماماً.
وتكتب شيمين في كتابها الجديد "السلسلة" الذي استلهمته من هذه التجربة "بعد شهر من موعد العيادة، جلست في حانة تقع في نهاية شارع منزلي وكتبت اسمه في ’إنستغرام‘. كنت أشعر بالخوف، وآمل بأن أجد دليلاً على أنه أفضل حالاً من دوني". لكن ما ظهر أمامها كان رسماً بالأبيض والأسود لوجه حبيبها السابق، مذيلاً بوسم اسمه الكامل وتعليق "للأسف الشخص الموجود في الصورة كان مريضاً نفسياً".
نشرت الصورة سيدة اسمها زوي من ميلبورن، تواصلت معها شيمين فكشفت لها عن أنها ارتبطت بعلاقة غرامية قصيرة وفظيعة مع الرجل المعني. في تلك الفترة، كان الرجل ما يزال "ملتزماً" بعلاقته مع شيمين. ثم جمعتها زوي بسيدة أخرى اسمها جيسيكا في نيويورك، واعدته في تلك الفترة أيضاً، وحملت منه كذلك، وأقنعها بأن تجري عملية إجهاض للجنين بعد أن لفق قصة كاذبة عن والدته التي تحتضر. أذعنت جيسيكا لطلباته المالية المتنوعة كذلك، فمولت جولة عالمية لعمله الكوميدي، ويبدو أنها دفعت كلفة الفترات التي قضاها في مراكز علاج مختلفة (لم يخبرها أيها) عندما زعم بأنه يعاني مشكلات نفسية. وصل المبلغ في النهاية إلى نحو 30 ألف دولار (24 ألف جنيه استرليني).
مع مرور الوقت، تواصل مزيد من النساء مع زوي من خلال المنشور. وجميعهن عشن تجارب مماثلة معه، إذ كان يتودد إليهن في البداية قبل أن يخبرهن بأنه يعاني رهاب الأماكن المفتوحة ومن التوحد، لتفسير سلوكه المتذبذب. وغالباً ما كان يسكن في شققهن من دون دفع أي بدل للإيجار ويستلف منهن مبالغ مالية كبيرة. ولم تثمر أبداً الوعود الفارغة التي قطعها بأن يسدد هذه المبالغ بعد عمله "المربح" المقبل. غالباً ما كان يواعد نساء عدة في الوقت ذاته فيما يتظاهر بأنه مخلص لشريكة واحدة - حتى أنه اصطحب نساء واعدهن إلى شقق صديقات أخريات أثناء غيابهن عن المنزل، وزعم بأنها شققه.
بحلول خريف عام 2017، كان منشور "إنستغرام" الأصلي بلغ درجة هائلة من الانتشار واستقطب مئات التعليقات من النساء اللاتي أساء معاملتهن وألحق بهن الأذى. تشاركت النساء القصص وواسين بعضهن بعضاً وفتحن مجموعة على "واتساب" لكي تشكل نوعاً من شبكة الدعم. لكن اكتشاف حقيقة عيشه حيوات عدة في آن واحد- وأنه خان وخدع وسرق وكذب على نساء كثيرات- كان له أثر شاف في شيمين، على رغم غرابة الموضوع.
وتقول "شعرت بارتياح عظيم. بعدما رأيت كل ما فعله بتلك النساء اللامعات والذكيات - أدركت فجأة بأن المشكلة ليست لأنني لم أتمكن من رؤية ما كان أمامي، بل أن علامات الإنذار كانت كثيرة لكنني لم أثق بحدسي. لم أثق بنفسي".
عندما بدأت تتكلم مع مزيد من ضحاياه وتلتقي بهن، تسارعت وتيرة شفائها وتعافيها منه. "قلت لنفسي 'حسناً لست مجنونة'. لأنني عندما نظرت إلى امرأة أخرى عاشت التجربة نفسها وأعجبت بها فعلاً- ورأيت أنها عظيمة ومضحكة وناجحة ولطيفة إلى أبعد الدرجات - أدركت بأنني لا أطلق أي أحكام سيئة عليها. فلماذا أفعل ذلك مع نفسي؟ عشنا تجربة مشابهة في تفاصيلها كافة تقريباً وفي الوقت نفسه - وأنا لا أعتقد بأنها شخص غير ذي قيمة، فلماذا أعتقد ذلك عن نفسي؟".
كانت بعض التعليقات على المنشور تمحى بشكل دوري- بسبب إشارتها إلى الشخص على أنه "خطر" و"مختل نفسي"- لكن زوي لم تمح الرسمة وعدلت الكلام الذي كتبته تحتها فأصبح "أترك المنشور هنا لأنه صحيح. ليس الهدف منه الذم والإحراج، بل تنبيه النساء إلى احتمال تعرضهن للخطر عندما يقتربن من هذا الرجل". واستمرت النساء بالتواصل من خلال المنشور، وبالتحدث مع أخريات وتحذيرهن إن رأين بأنهن معرضات لخطر الاستغلال والهجر بالطريقة نفسها. ومن خلال منشور واحد على منصات التواصل الاجتماعي، تمكنت نساء كثيرات من إيجاد صوتهن والتعبير عن أنفسهن وبدء معالجة الصدمة التي مررن بها، بعد طول انتظار.
هناك عاقبة ملموسة لأفعال هذا الرجل - منشور لا يمكن محوه على "إنستغرام" - سيظل يلاحقه إلى الأبد ويظل منارة لتحذير الغير.
ربما تكون هذه الحالة متطرفة لكنها مثال واحد على استخدام منصات التواصل أداة للخير في مجال السلوك المضطرب في العلاقات. غالباً ما ينظر إلى منتديات الإنترنت على أنها مساحات للفوضى العارمة واليأس، لكنها أسهمت في جعل النساء يربطن التفاصيل في سبيل الكشف عن الصورة الأكبر. قبل 10 سنوات، لو تعرضت شيمين للهجر أثناء انتظارها الخضوع لعملية إجهاض، كان الموضوع لينتهي عند هذا الحد. لم تكن لتعثر على أية إجابات- وربما تظل تعتقد إلى الأبد بأنها غير جديرة ولا كافية، وأنها هي "المذنبة" وتستحق أن تعلق في دوامة الخزي والعار. لكنها لم تنجح فقط في إغلاق الموضوع، بل هناك عاقبة ملموسة أيضاً لأفعال هذا الرجل، وهي منشور لا يمكن محوه على "إنستغرام"، سيبقى يلاحقه إلى الأبد ويظل منارة لتحذير الغير.
وبهذه الطريقة تقريباً خلقت مجموعات على "فيسبوك" مثل "هل نواعد الرجل نفسه؟"، تفسح المجال أمام النساء كي يتبادلن الآراء ويعرفن إذا وقعن ضحية لكذب زير نساء أو خائن متسلسل. وانتشرت بعض الفيديوهات كالنار في الهشيم على "تيك توك" تصور نساء يحذرن غيرهن "في حال كان خطيبك يقضي حفلة العزوبة في لاس فيغاس وكان في بركة وت ريببليك يوم أمس، فاعلمي أنه خانك".
ثم لدينا الآباء عديمي الضمير والرجال الذين يختفون من حياة زوجاتهن الحقيقيات، الذين يكشف عنهم جيل من محققي الإنترنت المنزليين. أحد الأمثلة على هذا سيدة استخدمت التواصل الاجتماعي للعثور على زوج هجرها واختفى فجأة من حياتها وحياة طفلهما- فيما كانت حاملاً بطفله الثاني- من دون أثر ولا أي تواصل. وزعمت أن هدفها الوحيد هو العثور عليه بعد سنتين من اختفائه، كي تتمكن من مواصلة حياتها.
وكتبت آشلي في منشور على فيسبوك "إن الطلاق من شخص لا يمكن التواصل معه أبداً صعب للغاية لذلك أحاول تقفي أثره لكي يوقع على أوراق عدة فيصبح بإمكاني إغلاق هذا الفصل من حياتي بعد طول انتظار. لذلك إن كنتم تعرفونه، أو تعملون معه أو كنتن تواعدنه أو كنتم أصدقاءه، أتمنى أن تطلبوا منه الاتصال بي أو أن تخبروني أين يمكنني إيجاده".
وختمت بمناشدة النساء مباشرة "لكل الفتيات اللاتي يدعمن الفتيات، شاركن المنشور لو سمحتهن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أيها القراء الأعزاء، وجد الإنترنت مكان هذا الرجل بالتحديد في أقل من 24 ساعة. ترى شيمين، أن هذا الشكل من العمل بفضل التواصل الاجتماعي يعد تطويراً إيجابياً تماماً. وتقول "أعتقد فعلاً أنه شيء رائع. لا شك أنه خطر إن وجد الشخص الخطأ لكن طالما يتم العمل بمسؤولية. إن كنا سنملك هذا القدر الكبير من إمكان الاطلاع على حياة بعضنا بعضاً بسبب الإنترنت، وهي قدرة يمكن أن تكون خطرة، فهذه الطريقة تحول هذه القدرة وتسخرها للخير".
وتقول إن النساء لطالما تصرفن بهذه الطريقة إلى حد ما - لأننا لا نملك أنظمة تحمينا فعلاً، وهو ما رأيناه من خلال الفشل الذريع للشرطة والنظام القضائي ووسائل الإعلام الرئيسة، عبر التاريخ. وتضيف "اضطررنا إلى تأسيس 'مجتمع باطني'. أسسنا شبكة الهمس: إن كنت لا تثقين بأن رجلاً معيناً سيحاسب على تحرشه بالنساء في مكان عملك، تنفردين بالموظفة الجديدة وتحذريها من الوجود وحدها معه في غرفة اجتماعات". نحن نحمي بعضنا بعضاً عندما يفشل المجتمع في حمايتنا (أو يرفض ذلك).
أما شيمين والناجيات مثيلاتها، فما زلن يتواصلن بقوة عبر مجموعة "واتساب" - إنما ما عاد التواصل فعلياً متعلق بالرجل الذي جمعهن. فالعلاقة التي بدأت بالمواساة تحولت إلى صداقات كفيلة بأن تنجح في اختبار بيشديل بسهولة "بين الفينة والأخرى، إذا رأت إحداهن خبراً عنه، وعن كونه يمثل خطراً، تشاركه مع الأخريات. لكن في ما عدا ذلك، لم نحتج إلى وقت طويل لكي نفتح أحاديث مع بعضنا بعضاً لا علاقة له أبداً بها".
وربما يكون هذا في النهاية أفضل انتقام: تقزيم هذا الرجل الصغير السام إلى هامش سام لا أكثر ولا أقل في سير حياة هؤلاء النساء الرائعات، وهي سير أكثر إثارة للاهتمام منه بكثير.
كتاب "السلسلة" صادر عن دار وايدنفيلد أند نيكولسون
© The Independent