Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وجهة سياحية صديقة للبيئة في أهوار العراق

مسعى إلى إعادة الروح والحياة للمنطقة التي شهدت جفافاً غير مسبوق في السنوات الأخيرة

قاعة الورش والندوات داخل البيت الأهواري (اندبندنت عربية)

ملخص

شيد المشروع بتصميم مستمد من بيئة الهور من خلال استخدامه مواد القصب والبردي والطين كمواد أساسية في البناء ولا يختلف عن بيوت السكان المحليين

فصول من المعاناة عاشها سكان جنوب الأهوار بعد أن ضرب الجفاف مناطقهم متسبباً في نفوق الجاموس والأسماك وهجرة الطيور وتهديد حياة أنواع أصيلة من الحيوانات بالانقراض، كما أدت قلة مصادر المياه إلى اختفاء حرف يدوية كانت تشكل دخلاً جيداً لبعض الأهالي. وعلى رغم وقع هذه المعضلة الثقيل، يكافح السكان المحليون لجذب السائحين إلى مناطقهم التي عاشت المعاناة، كما فعل الناشط البيئي رعد حبيب الأسدي، الذي أنشأ "البيت الأهواري"، الصديق للبيئة والمستوحى من طراز بيوتها القديمة، ليكون مثابة فندق للسائحين الزائرين للأهوار.

وبعد أن وصل الجفاف إلى أعلى مستوياته في الأهوار التي أدرجت على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" في يوليو (تموز) 2016، يرى السكان المحليون أن المسؤولية ألقيت على عاقتهم لإعادة الروح والحياة إلى الأهوار، وهذا ما فعله الأسدي في مشروعه البيت الأهواري، الذي يوفر إقامة مريحة للسياح داخل بيت مصنوع من مواد صديقة للبيئة، وقد شيد المشروع بتصميم مستمد من بيئة الهور، من خلال استخدامه مواد القصب والبردي والطين كمواد أساسية في البناء، ولا يختلف كثيراً عن بيوت الناس المحليين، مما يعطي انطباعاً مشابهاً وشعور العيش في بيت أهواري قديم.

مساهمة منظمة الهجرة الدولية

وبين الحين والآخر، يستقبل الفندق "البيت الأهواري" عدداً من السياح المحليين والأجانب بعدما شهدت المنطقة إقبالاً من قبل المغتربين للتمتع بطبيعة الأهوار، وخصوصاً في موسم الصيف. وقبل أن يطلق الأسدي مشروعه، كان السائحون يشكون عدم وجود سكن داخل أهوار الجبايش، مما يضطرهم إلى تنظيم زيارة سريعة وخاطفة لبضع ساعات قبل أن يعودوا إلى محافظة البصرة أو مركز محافظة ذي قار، للمبيت.

يستوعب البيت الأهواري قرابة 20 شخصاً، كما تتوفر فيه قاعة اجتماعات مجهزة بشاشة عرض، ووفر إنشاؤه ملاذاً آمناً ومريحاً للزائرين والعاملين في مجال الصحافة والبيئة، ليكون مقر استراحة ومبيتاً لهم، حيث تتوفر خدمات الإنترنت والخدمات المكتبية وقاعة للاجتماعات، كما يقول صاحب المشروع، الناشط البيئي الأسدي.

وفي عام 2023، اكتمل مشروع البيت الأهواري بعد ستة أشهر من العمل المستمر، بكلفة بلغت أكثر من 60 ألف دولار أميركي، أسهمت منظمة الهجرة الدولية بـ15 ألف دولار أميركي، والمبلغ المتبقي على نفقة الأسدي.

في داخل البيت الأهواري، تقريباً كل شيء مصنوع من مواد صديقة للبيئة، مثل أسرة النوم الخشبية، كؤوس الماء الطينية، إضافة إلى المراوح اليدوية، مثل التي يستخدمها سكان الأهوار المحليين قديماً، بسبب عدم توفر التيار الكهربائي آنذاك، لكن في الوقت نفسه كل غرف البيت مجهزة بأجهزة تدفئة وتبريد عصرية.

"الانطباع الأول لدى وصولي إلى الفندق كان مريحاً، فجدران الغرفة وسقفها مصنوعان من القصب، وكنت أشعر أني بحلم"، يقول المصور سيباستيان باخوس، الذي زار أهوار الجبايش مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، آتياً من العاصمة الألمانية، برلين، بمهمة لتوثيق أهوار الجبايش، التابعة إلى محافظة ذي قار.

تجربة فريدة

يتحدث باخوس عن تجربته الفريدة داخل البيت الأهواري، ذاكراً أنه حصل على توصية من صديق عراقي لزيارة المكان والمبيت فيه، "بالطبع كانت تجربة تستحق، وسأعود مرة أخرى الشهر المقبل، لولا وجود البيت الأهواري فكنت مضطراً إلى العودة للبصرة، وهذا أمر غير مجدٍ إطلاقاً، من حيث خسارة الوقت والكلف المالية". ويكمل حديثه، "إلى جانب الأسباب التي ذكرتها، لقد وجدت الراحة النفسية في الأهوار، وعليه فقد كانت العودة والمبيت في البصرة تفسد متعتي بالطبيعة الأهوارية، لذلك، البقاء والمبيت داخل البيت الأهواري منحني شعوراً بالسلام والراحة والتناغم مع الطبيعة التي تجعلني أكثر سعادة".

لقد زار باخوس العراق نحو 15 مرة، لكنه لم يجد الوقت المناسب لزيارة الأهوار، لكنها دائماً كانت ضمن المناطق التي يخطط لزيارتها. ففي زيارته الأخيرة إلى مدينة البصرة، وجد باخوس الوقت والفرصة للذهاب إلى الأهوار، ومن المفارقة أنه كان يخطط للبقاء ثلاث ليالٍ فقط، لكنه مدد رحلته يومين إضافيين حتى اضطر إلى إلغاء رحلته المجدولة للعودة لألمانيا ليستمتع أكثر بجمال المنطقة. وفي هذا الشأن يقول، "لعد قررت البقاء مدة أطول في الأهوار بعد أول رحلة بالقارب في هور الجبايش".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صعوبة إيجاد سكن

وقبل أن يفتتح البيت الأهواري يعاني الزائرون صعوبة إيجاد السكن، فقد اعتادوا الذهاب إلى فنادق تبعد نحو 100 كيلومتر عن الأهوار، إما في محافظة البصرة أو مركز محافظة ذي قار، مما يحرمهم من قضاء وقت أطول للتمتع بالطبيعة ورحلتهم إلى أهوار الجبايش.

"تتفاوت أسعار المبيت في البيت الأهواري لليلة الواحدة ما بين 30 و50 دولاراً أميركياً، كما أن المشروع وجد بالدرجة الأساس لحل أزمة مبيت السائحين وتحسين الواقع السياحي في الأهوار"، يقول الأسدي. ويضيف، "لقد أحب السياح بيت الأهوار لطرازه القديم الذي يعكس حياة الريف والطبيعة الاجتماعية التي كان يعيشها سكان الأهوار. أما المواد التي بني منها البيت، فهي مزيج ما بين الماضي والحاضر".

ثمة تحديات تواجه مشروع الأسدي، لكن أبرزها كما أشار في حديثه، هي مشكلة الجفاف المتفاقمة عاماً بعد عام، والتي لها انعكاسها السلبي على حياة السكان المحليين وواقع السياحة في الأهوار، مشيراً إلى العلاقة الطردية بين وفرة المياه في الهور وزيادة إقبال السائحين.

يقول الأسدي، "للأسف، في الآونة الأخيرة أصبحت نسبة الأغمار متدنية ونسب الإطلاقات المائية قليلة جداً، مما أثر في واقع السياحة الأهوارية، حيث يعتمد كثير من الناس المحليين على قطاع السياحة كون عدد كبير منهم يعيشون بصورة مباشرة أو غير مباشرة على السياحة كدخل يومي، فقلة المياه وارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي تؤثر في السياحة".

الأسدي، يبذل قصارى جهده من أجل إنقاذ الأهوار، لكن ما يقوم به ليس كافياً ما لم تتدخل الجهات المعنية بتحسين واقع الأهوار وإنعاش القطاع السياحي. ويضيف، "الأهوار في حاجة إلى مزيد من المشاريع، كالبيت الأهواري، من أجل استقطاب مزيد من الزائرين الذين يرومون القدوم إلى الأهوار، من ثم تكون الأهوار محط أنظار السائحين، لأن البيوت الأهوارية موضوع يحظى باهتمام السياح وكل الزوار".

وجبات مجانية

بالعودة للألماني باخوس وهو يتحدث عن تجربته في بيت الأهوار، يقول، "أصحاب الفندق كانوا مرنين جداً مع حاجاتي، مثلاً كنت في حاجة إلى أن أصور أولى فترات الفجر عند شروق الشمس، فكانوا يوقظوني قبل الساعة الخامسة ويصطحبونني بالقارب إلى عمق الهور، وعند العودة من رحلة التصوير والتوثيق، يقدمون لي الإفطار الصباحي المصنوع داخل المنزل، وأحياناً كثيرة يقدمون لي وجبة غداء مجانية، وذلك رائع".

أما عن أنواع الطعام الذي كان يقدم داخل البيت الأهواري فيقول باخوس، "تناولت البيض والجبن المصنوع محلياً وشوربة العدس والمربى والخبز المصنوع في المنزل والخضراوات والسلطة والشاي والقهوة. في أول الأمر، أحضروا لي الإفطار في غرفة الاستقبال بالفندق، لكن طلبت منهم أن أتناول الإفطار في أحضان الطبيعة، وفعلاً، خلال دقيقة واحدة، جهزوا لي الإفطار خارج البيت الأهواري، وكانت أجواءً ساحرة".

ويأمل ساكنو أهوار الجبايش في أن تعود الحياة لمنطقتهم التي كانت يوماً غنية بالثروة الحيوانية والسمكية ووفرة المياه، بعدما ذاقوا مرارة سنوات العجاف إثر الشح المائي في السنوات الماضية، مما تسبب في نزوح أعداد ليست قليلة من مربي الجاموس وصيادي الأسماك بحثاً عن المياه، مصدر رزقهم الوحيد.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة