ملخص
هل بريطانيا جاهزة للخدمة العسكرية الإلزامية على غرار السويد وفنلندا؟
عندما بلغت إيمي فيلاندر عامها الـ18، تلقت، مثلها مثل أي شخص آخر بعمرها في السويد، بريداً إلكترونياً رسمياً من الحكومة السويدية يسألها عما إذا كانت تفكر في الانضمام إلى جيش البلاد ضمن خدمة "الدفاع الشامل" السويدية، ويستفسر عن مدى لياقتها البدنية، وما إذا كانت لديها أي مشكلات صحية وما هو دافعها إلى الانخراط.
تتذكر فيلاندر: "اعتقدت أن القيام بذلك قد يكون أمراً جيداً"، وهكذا ملأت الاستمارة كما هو مطلوب. بعد فترة قصيرة، وجدت نفسها في أقصى شمال السويد تتعلم كيف تفك البندقية، وتطلق النار من مسدس، وتبني ملجأ (إضافة إلى "الأشياء الأساسية مثل كيفية الحفاظ على ترتيب خزانتك وتوضيب سريرك"). بحلول نهاية خدمتها العسكرية التي امتدت 10 أشهر، كانت فيلاندر أيضاً قادرة على قيادة دبابة ضمن بيئات تضاريسية متنوعة. قالت لي: "تتعلم كثيراً عن نفسك، وأنك تستطيع فعل أكثر مما تتخيل نفسك قادراً على فعله... ظننت أن الأمر سيكون صعباً جداً - وكان كذلك - لكنه كان ممتعاً أيضاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبلغ فيلاندر من العمر الآن 21 سنة وتدرس العلوم السياسية في جامعة مدينة ستوكهولم التي تنحدر منها. لكنها قد تستدعى لخدمة بلدها في أي وقت، مثلها مثل أي شخص في السويد يراوح عمره ما بين 16 و70 عاماً.
وطبقت السويد، التي تستعد الآن للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، استراتيجيتها الدفاعية الشاملة منذ عام 2017، مما يعني الاحتفاظ بتفاصيل كل شخص على قائمة الخدمة بمجرد بلوغه الـ18، ويمكن استدعاء أي شخص في أي وقت إذا دعت الحاجة.
وهذا لا يعني أن على الجميع أن يخدم في الجيش تحديداً - يمكن للناس أيضاً الالتحاق بالخدمة المدنية، مثل خدمات الطوارئ على سبيل المثال. على كل حال، إذا وجدت البلاد نفسها في حالة تأهب شديد، قد يستدعى الأشخاص حتى سن 70 عاماً للمساعدة بطريقة ما، حتى لو كان ذلك فقط للمشاركة في المهام المجتمعية الضرورية، مثل نقل المياه أو رعاية الأطفال أو إعداد الطعام. تنص الإرشادات السويدية الرسمية على أنه "خلال حالة التأهب القصوى، يجب على المجتمع بأكمله أن يعمل معاً لضمان الأعمال الأساسية". إذا طلبت منك الخدمة العسكرية، فعليك تلبية الواجب على الفور.
فهل يجب علينا جميعاً أن نتبع خطى السويد؟ إنه موضوع يناقشه الجميع الآن، بعد التعليقات التي أدلى بها في وقت سابق من هذا الأسبوع قائد الجيش، الجنرال السير باتريك ساندرز الذي قال "كوننا جيل ما قبل الحرب، يجب علينا الاستعداد بشكل مماثل... هذا مشروع للأمة بأكملها". وبكلامه الذي بث القلق في طول البلاد وعرضها، أشار أيضاً إلى الحاجة إلى جيش "مصمم للتوسع بسرعة... لتدريب وتجهيز جيش المواطنين الذي يجب أن يلحق به". لكن ما الذي يستلزمه جيش المواطنين؟ هل سيستدعى جميعاً للقتال؟ بما في ذلك بناتنا وأبناؤنا؟
عليَّ الاعتراف أنني لست محصنة تماماً ضد هذا الاضطراب، فلدي ثلاثة أبناء، جميعهم أصغر من أن يرتدوا الزي العسكري حالياً، لكن التفكير في احتمالية فرض ذلك عليهم بمجرد بلوغهم سن الرشد أمر مخيف. أصبح جيلي من أبناء الألفية غير راغب في التفكير في احتمال نشوب حرب في هذا البلد في العقدين الماضيين. لكن التمتع بالسلام لمثل هذه الفترة الطويلة هو الاستثناء وليس القاعدة. وفي حين أننا قد لا ننخرط رسمياً في صراع في الوقت الحالي، فمن الأفضل أن نتذكر أنه منذ عام 1945، لم يكن هناك سوى عامين - 1968 و2016 - لم يمت فيهما جندي أو بحار أو طيار بريطاني نتيجة لعمليات عسكرية.
منذ غزت روسيا أوكرانيا قبل عامين - وربما حتى مذ ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014 - ارتفعت حدة التهديدات بشدة. وكما أوضح الجنرال ساندرز: "إن أوكرانيا مهمة حقاً. إنها نقطة الضغط الرئيسة على النظام العالمي الهش الذي يرغب أعداؤنا في تفكيكه". كما أن النفوذ الخفي، ولكن الهائل الذي تتمتع به الصين وإيران، يجعل الأمر يبدو وكأن خطوط الجبهات قد رسمت بالفعل - وليس من المبالغة في تقدير الموقف القول إننا في الواقع جيل ما قبل الحرب الذي يعيش في عالم ما قبل الحرب.
ويبدو أن الدول الأخرى، وبخاصة جيراننا الأوروبيين، تعي هذه الحقيقة أكثر وتستعد وفقاً لذلك. تتبع كل من النرويج وفنلندا قواعد أكثر صرامة عندما يتعلق الأمر بالخدمة الوطنية. عام 2013، صوت البرلمان النرويجي على توسيع نطاق التجنيد الإجباري ليشمل النساء، مما يجعلها أول عضو في حلف شمال الأطلسي وأول دولة أوروبية تعتمد الخدمة العسكرية الإلزامية للجنسين.
وكثيراً ما كانت فنلندا، التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي السنة الماضية، في حالة تأهب للتهديد الذي تفرضه جارتها روسيا، ويتعين على كل مواطن فنلندي ذكر يراوح عمره ما بين 18 و60 سنة أداء الخدمة العسكرية (على رغم وجود خيار أداء خدمة غير عسكرية أيضاً). بعد الخدمة يصبحون جزءاً من قوات الدفاع الفنلندية الاحتياطية، والذي يبلغ تعدادها 870 ألف شخص، وهي الآن إحدى أضخم القوات في العالم. ينطبق الأمر عينه على الدنمارك وإستونيا وسويسرا والنمسا، التي تفرض جميعها الخدمة العسكرية على الرجال - مع أنه في النمسا يوجد جيش وقوات جوية فقط، حيث لا تمتلك الدولة العديمة السواحل قوات بحرية.
ومن اللافت للنظر أيضاً أنه في تلك البلدان التي عقدت فيها استفتاءات حول الحفاظ على التجنيد، كانت الإجابة بصورة عامة هي نعم: فقد صوتت سويسرا بنسبة 73 في المئة لصالح التجنيد الإجباري عام 2013، بينما صوت لصالحه في النمسا في العام عينه 59.8 في المئة، ويبلغ تأييد الخدمة العسكرية الإلزامية الفنلندية مستوى قياسياً هو 82 في المئة. كتب المهندس الفنلندي أنتي روكونن العام الماضي في مقال يتحدث عن تجربته مع الخدمة العسكرية: "تظل الدروس القيادية، والشعور بالمسؤولية، والمهارات اللازمة للتصرف في الحرب قائمة... يحتفظ الفنلنديون بالمعرفة العملية حول ما يعنيه أن تكون ترساً صغيراً لكن ذا قيمة في آلة كبيرة. يقوي كل هذا الإرادة العالية للدفاع عن الوطن".
ليس الأمر على هذا النحو تماماً هنا في بريطانيا. واستعلم استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف في سبتمبر (أيلول) الماضي عن نوع الخدمة الوطنية - إن وجدت - التي سيؤيدها البريطانيون، وكانت النتائج غير مشجعة، لنقل في الأقل. لم يتلق أي مخطط خدمة إلزامية دعماً شاملاً من العامة، وكان الخيار الأكثر شعبية هو مخطط خدمة مجتمعية لمدة شهر واحد فقط، ولكن حتى هذا الاقتراح حصل على دعم بنسبة 45 في المئة لا أكثر. وكان دعم أي نوع من الخدمة الوطنية في أدنى مستوياته بين الفئة العمرية 18 إلى 24 سنة ــ وهي الشريحة التي يتعين عليها القيام بالخدمة. كما أظهر استطلاع للرأي أجري أخيراً لصالح "جي بي نيوز" أن 14 في المئة فحسب من البريطانيين مستعدون للقتال من أجل المملكة المتحدة إذا جرى تجنيدهم، وكان أبناء "الجيل زد" الأكثر ميلاً لقول إنهم سيفعلون كل ما بوسعهم لتجنب ذلك.
قد لا يكون مفاجئاً أن الجيش يواجه بالفعل أزمة تجنيد. تظهر الأرقام الجديدة أن المعدلات كانت أقل من الهدف سنوياً ولأكثر من عقد من الزمان: وجرى تجنيد 5560 جندياً نظامياً العام الماضي، وهو أقل بكثير من الهدف المحدد 8200 جندي، وقد اعترفت شركة كابيتا للتعاقد الخارجي باحتمال فشلها في تحقيق هدف هذا العام بمقدار الثلث. قد تكون بريطانيا سادس أكبر دولة في العالم من جهة الإنفاق على الدفاع (يبلغ إنفاقها حالياً 45.9 مليار جنيه استرليني أو 58.1 مليار دولار)، لكن حجم جيشها الآن أصغر ما كان عليه منذ خمسينيات القرن الـ19، إذ يضم فقط 75983 فرداً نظامياً دائماً، إذ انخفض حجمه إلى النصف خلال الـ30 عاماً الماضية.
إذاً، هل ينبغي أن نجبر الناس على المشاركة لتضخيم هذه الأعداد؟ وإذا كان الأمر كذلك، للقيام بماذا بالضبط؟
يبدو أن الإجماع بين العسكريين هو "لا". يقول المظلي السابق والمستشار العسكري البريطاني البارز اللواء تشيب تشابمان: "إنشاء الجيوش ليس سهلاً... أنت في حاجة إلى أشخاص متحمسين ينضمون لأنهم يرون أن ذلك أمر ضروري لمصلحة المملكة المتحدة. أسوأ خيار هو إجبار الناس على الانضمام، سيحبطون في نهاية المطاف، وستقضي وقتاً في إعدادهم أطول من أولئك الذين يريدون حقاً فعل الأشياء". يضحك المظلي السابق ألفي آشر الذي يدير حساب @MilitaryBanter على "إكس" من هذه الفكرة، ويقول: "سينتهي بنا الأمر إلى استخدام الجيش الحالي بأكمله كفريق تدريب ليتمكن من النمو - ونحن بالفعل نعاني نقص عدد الأفراد والإفراط في التزاماتنا".
لا يبدو أن هذه مشكلة تعانيها السويد وفنلندا ودول أوروبا الشرقية الأخرى، فالشباب هناك، حتى لو لم يرغبوا في حمل السلاح، أكثر حماساً للرغبة في القيام بشيء من أجل الصالح العام لبلادهم على ما يبدو. في بريطانيا، وعلى العكس من ذلك، سواء كان الأمر يتعلق بالشعور المستمر بالذنب ما بعد الاستعمار، أو صعود الفردية المفرطة، أو حقيقة أننا خسرنا آخر صراعين كبيرين - طويلين وغير شعبيين - خضناهما في أفغانستان والعراق، عندما يتعلق الأمر بالاشتراك للدفاع عن الملك والبلد، فلدينا "مجتمع غير راغب" بحسب تعبير تشابمان الذي يتابع "شخصياً أعتقد أنه إذا عرف ’الجيل زد‘ ما مصالحه الحيوية حقاً - على سبيل المثال، قدرة الروس على قصف خطوط الغاز تحت الأرض والطاقة وكابلات الإنترنت التي تشغل الاقتصاد الرقمي في حياة كل مستخدم ’تيك توك‘ - ربما سيتحركون لفعل شيء ما".
وتوجد أيضاً قيود على ما يمكنك فعله بالقوات إذا توفرت لديك. يشير تشابمان إلى أن "المسألة لا تتعلق بالرقم الأساس، بل بالقدرة التي تمتلكها". سواء كانت قوة قتالية دائمة أو جيشاً من جنود الاحتياط في وضع الاستعداد، فأنت في حاجة إلى المعدات المناسبة لهم لاستخدامها، وأن يكونوا مدربين جيداً وجاهزين للعمل. يقول بن باري، ضابط سابق في الجيش وزميل رفيع لقسم الحرب البرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "يمكنك امتلاك جميع المعدات باهظة الثمن ذات التقنية العالية التي تريدها، لكنها بلا فائدة إن لم يدرها أشخاص لديهم حماس جيد ومدربون جيداً ومنظمون في وحدات".
ويضرب مثالاً على ذلك بإسرائيل، التي لديها جيش دائم صغير نسبياً ولكنها تمتلك عدداً كبيراً من جنود الاحتياط بفضل الخدمة العسكرية الإلزامية لديها. يقول: "يمكنهم تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط بسرعة فائقة - وقد رأينا ذلك في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). لكنهم يمتلكون كل المعدات اللازمة". أما بريطانيا، بصراحة، فليست لديها هذه الميزة.
إلا أن الأمر لا يتعلق فقط بالقوة العسكرية كذلك. وكما قال أحد كبار ضباط الجيش، فضل عدم ذكر اسمه، بسخرية: "هذه ليست مشكلة الجيش التي يجب حلها". ويقول باري: "إن الدرس المستفاد من أوكرانيا، والحروب الأخرى الأخيرة، هو أن الحرب ليست مجرد جهد عسكري، بل يجب أن تكون جهد الوطن بأكمله". ويضيف أن إعداد الناس لكيفية التعامل مع حالات الطوارئ يجب أن يكون جزءاً من نظام التعليم. ويتساءل: "لماذا لا تكون الإسعافات الأولية جزءاً إلزامياً من المنهاج الوطني؟ ونظراً إلى درجة التهديد السيبراني لأسلوب حياتنا الذي يعتمد على الرقمية بشكل متزايد، فلماذا لا يكون الأمن السيبراني جزءاً إلزامياً كذلك؟".
وإذا كنا في فترة ما قبل الحرب، فهناك أشياء أخرى يمكن أن تفعلها البلاد لزيادة استعدادنا. تحتفظ كل من الدنمارك والسويد بنظام لصفارات الإنذار يجري اختباره بانتظام كل عام. يعرف بوق الإشارة الخارجي في السويد باسم "هيسا فريدريك" (فريدريك الأجش [نسبة إلى الصوت الغليظ للبوق]) ويختبر أربع مرات في السنة، في أول يوم إثنين في مارس (آذار) ويونيو (حزيران) وسبتمبر وديسمبر (كانون الأول) ما لم يصادف يوم عطلة رسمية. إذا سمع المواطنون صافرة الإنذار خارج تلك الأوقات، فسيعلمون أنها ليست لتجريب النظام.
في سويسرا، يفرض على جميع المساكن أن تمتلك مأوى نووياً خاصاً بها - مما يجعلها واحدة من بين الدول القليلة في أوروبا التي تمتلك ملاجئ كافية لحماية سكانها من انفجار نووي. يوجد في فنلندا 50500 ملجأ للدفاع المدني، قادرة على استيعاب 4.8 مليون شخص، وفي عام 2022 بعد الغزو الأوكراني، كان هناك تهافت على حبوب اليود، التي تعد علاجاً أولياً للوقاية من تأثير الإشعاع النووي، بعدما أوصت الحكومة الأسر بتخزين جرعات منها.
ليس من الضروري أن تكون شخصاً مرتاباً من حصول كوارث ومتحضراً لها حتى تشعر بالقلق الطفيف حيال أن المملكة المتحدة، على العكس من ذلك، ليس لديها سوى 258 ملجأً جماعياً، ولم يكن هناك حديث جدي عن حبوب اليود منذ عقدين من الزمن. أقرب ما وصلنا إليه هو الاقتراح المخيب للآمال إلى حد ما الذي قدمه نائب رئيس الوزراء، أوليفر داودن، الشهر الماضي، لما نصح البريطانيين بتخزين المصابيح الكاشفة والشموع وأجهزة الراديو التي تعمل بالبطاريات في حالة انهيار الخدمات الرقمية.
إذاً هل نحن في ورطة؟ وهل تجب تعبئة جيش المواطنين الذي أشار إليه الجنرال ساندرز بالقوة في النهاية؟ ونظراً إلى طبيعة الحروب اليوم، فهل يهم حقاً إذا كنت لا تجيد استخدام سلاح ناري أو قيادة دبابة إذا كان بإمكانك توجيه طائرة من دون طيار، أو اختراق النظام السيبراني الخاص بالعدو؟ من المؤكد أن هذه هي المهارات التي تتطلبها صراعات المستقبل وهي التي يمكن أن تكون ملائمة جداً إن صحت الأخبار لـ"جيل زد".
بكن تشابمان يقول: "لا تكونوا واثقين جداً... العمليات الإلكترونية والمعلوماتية مهمة، لكن إذا ظهر العدو على متن دبابة، فيجب أن تكون لديك دبابة". أو في الأقل ربما يجب أن تعرف كيف تقود واحدة. وهو شيء تعرف إيمي فيلاندر، في الأقل، كيف تقوم به. ربما ينبغي علينا نحن البريطانيين أن نحذو حذوها.
© The Independent