Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبح الجيش البريطاني فارغاً؟

الميزانية العسكرية من بين الأكبر في دول الناتو لكن المشكلة ليست فقط في الإنفاق

سعت بريطانيا لضمان أن تكون ضمن الدرجة الأولى بقدرات عسكرية متقدمة وقوية (أ ف ب)

أثار التقرير الحصري، الذي بثته شبكة "سكاي نيوز"، حول الحالة المتردية للجيش البريطاني بكل قطاعاته وأسلحته جدلاً واسعاً لم يتوقف في بريطانيا. ومن أغلب المقالات في الصحف والتعليقات السياسية، حتى من وزير الدفاع البريطاني نفسه بن والاس، نرى أن التركيز هو حول الأموال، ولجوء الحكومات المتعاقبة في العقود الأخيرة إلى عدم زيادة ميزانية الدفاع.

ومع أن ذلك صحيح، فإن المشكلة لا تكمن في توافر الأموال، لكن في كيفية إنفاقها. وهي مشكلة تتعلق بوزارة الدفاع البريطانية وقياداتها التي تنفق المليارات من دون أن ينعكس ذلك على تحسين قدرات بريطانيا العسكرية.

لكن وزير الدفاع طبعاً يريد أن تتضمن مراجعة الأهداف الرئيسة لحكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك، التي ستصدر في 7 مارس (آذار)، زيادة الإنفاق العسكري لتطوير قدرات الجيش.

وكان بن والاس قد هدد بالاستقالة إذا لم تتضمن الميزانية التي أعلنها وزير الخزانة جيريمي هنت نهاية العام الماضي زيادة بند الدفاع بنحو 3 مليارات جنيه استرليني (3.7 مليار دولار).

لكن سوناك رفض إعلان أي تعهد بزيادة ميزانية الدفاع في ميزانية تقشفية، تستهدف ضبط الأوضاع المالية للحكومة لاستعادة ثقة الأسواق التي انهارت مع حكومة سلفه ليز تراس قصيرة الأجل.

وكما ذكرت مصادر عسكرية مختلفة لوسائل الإعلام، منها "سكاي نيوز"، فإن الضجة التي أثيرت حول ما قاله جنرال أميركي لوزير الدفاع وقادة الجيش البريطاني من أن بريطانيا لم تعد قوة عسكرية من الدرجة الأولى، وبالكاد تكون من الدرجة الثانية هو أمر معروف لقيادات وزارة الدفاع من قبل.

تدهور شديد

ولطالما سعت بريطانيا لضمان أن تكون ضمن الدرجة الأولى بقدرات عسكرية متقدمة وقوية كما في دول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا. أما الدرجة الثانية فهي دول متوسطة القدرات الدفاعية مثل إيطاليا أو ألمانيا.

وفي الوقت الذي أعلنت ألمانيا وغيرها عن زيادة هائلة في الإنفاق العسكري بعد الحرب في أوكرانيا لتعزيز قدراتها الدفاعية، وصف الجنرال الأميركي وضع بريطانيا بقوله: "القوات المسلحة كلها غير قادرة على حماية بريطانيا أو حلفائها لعقود مقبلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المشكلة أن ذلك الصخب الإعلامي حول التدهور الشديد في القدرات العسكرية البريطانية يأتي في وقت تزايد بريطانيا، منذ بدء الحرب في أوكرانيا العام الماضي، على بقية الحلفاء في تقديم الدعم العسكري لكييف. بدأ ذلك بوريس جونسون خلال رئاسته للحكومة، ويكرر ريشي سوناك الإعلان عن تقديم مزيد من الأسلحة والذخائر لأوكرانيا، بما فيها الدبابات. ذلك في الوقت الذي لا يتردد القادة العسكريون البريطانيون في التصريح إلى الصحف ووسائل الإعلام بأن "مخازن الجيش تكاد تكون خاوية".

وسبق أن نشرت صحيفة "الديلي تلغراف" في سبتمبر (أيلول) الماضي أن الجيش لم تعد لديه ذخيرة بعد إرسال ما في مخازنه لكييف، بخاصة من قذائف المدافع التي يستغرق تصنيعها لتعويض فاقد المخزون عدة أشهر.

ويمكن، مما نشر في وسائل الإعلام البريطانية هذين اليومين، تلخيص وضع القوات المسلحة البريطانية من الجيش البري وقوات البحرية الملكية وسلاح الجو الملكي كالتالي: ستنفد ذخيرة القوات المسلحة "خلال بضعة أيام" إذا دخلت بريطانيا أي حرب، وليس لدى بريطانيا القدرة على حماية أجوائها في مواجهة نوع القصف الصاروخي أو بالمسيرات الذي تتعرض له أوكرانيا، وتحتاج بريطانيا إلى ما بين 5 و10 سنوات لتكوين وحدات قتالية قوامها ما بين 25 و30 ألفاً مدعومة بالدبابات والمدفعية والمروحيات.

كما أن نسبة 30 في المئة من القوات البريطانية الجاهزة للقتال في وضع "الاحتياط"، بالتالي لا يمكنها الاستجابة في الوقت الذي يعتمده حلف الناتو. وكذلك معظم ما لدى الجيش من الدبابات والمدرعات عمره ما بين 30 و60 سنة، ولا توجد خطط لاستبدالها قريباً.

مشكلة مستمرة منذ عقود

ليست مشكلة تراجع القدرات العسكرية البريطانية بجديدة، إنما تعود إلى عقود طويلة مضت. لكنها أصبحت أكثر وضوحاً في السنوات العشر الأخيرة. فمنذ ما بعد الحرب الباردة، توفر الحكومات المتعاقبة سواء أكانت من المحافظين أو العمال من ميزانية الدفاع للإنفاق على بنود الميزانية الأخرى وسداد الدين العام. ذلك على اعتبار أن بريطانيا في "حالة سلم". كما أنها تلجأ إلى خفض عدد القوات بشكل عام.

ويبلغ حجم الجيش البريطاني بكل أسلحته وقطاعاته حالياً 76 ألفاً، وهو نصف حجمه تقريباً الذي كان عليه في عام 1990. كما أنه يعد أصغر عدداً تاريخياً في بريطانيا منذ حروب نابليون. وطبقاً للخطط الحالية، سينكمش الجيش البريطاني ربما إلى 73 ألفاً فقط.

لكن، الأخطر من نقص العدد هو نقص العتاد، الذي استخدمت المحررة العسكرية لشبكة "سكاي نيوز" لوصفه تعبير "الجيش الفارغ". فالأسلحة والمعدات إما قديمة أو غير موجودة، والذخيرة أغلبها جرى إرسالها لأوكرانيا على مدى عام. وينسحب ذلك على كل أسلحة الجيش وقطاعاته، ومن الواضح أن المحررة سمعت ذلك التعبير من مصادرها في الجيش البريطاني.

إنفاق بلا مردود

لطالما ترد بريطانيا على الحديث حول تدهور قدراتها العسكرية بالقول إن لديها أكبر ميزانية إنفاق عسكري بين دول أوروبا الأعضاء في حلف الناتو. وهذا صحيح، على الأقل حتى الآن، إذ تبلغ الميزانية الدفاعية السنوية لبريطانيا 46 مليار جنيه استرليني (57 مليار دولار). لكن المشكلة ليست في الأموال، إنما في ما تفعله وزارة الدفاع بتلك الأموال، ولا ينعكس في صورة أي تحسّن يذكر في القدرات الدفاعية البريطانية.

فمن الطائرات المقاتلة إلى أجهزة الاتصال وحتى كشافات الإضاءة، تعتمد وزارة الدفاع على الطريقة التقليدية في توريد ما تحتاجه. وغالباً ما يكون عالي الكلفة بشكل مبالغ فيه من قبل المصنعين الموردين للوزارة، ويأخذ وقتاً أطول من اللازم لإنتاجه والتدريب عليه. ذلك في الوقت الذي تتوافر فيه بدائل أقل كلفة وأسرع جاهزية. ربما لا تكون محل فخر القادة العسكريين الذين يعتمدون عقود التوريد، لكنها تمثل ما يسمى "مردود إنفاق".

على سبيل المثال، أعلن رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عام 2020 زيادة ميزانية الدفاع بنحو 16 مليار جنيه استرليني (20 مليار دولار)، وهي أعلى زيادة في الإنفاق العسكري السنوي لبريطانيا منذ الحرب الباردة. لكن تلك الأموال لم تنعكس إطلاقاً في تحسن قدرات وتجهيز القوات المسلحة البريطانية.

ويشكك كثير من المحللين، وحتى بعض العسكريين الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام من دون ذكر هويتهم، في أنه حتى لو زادت حكومة ريشي سوناك ميزانية الدفاع بمعدل 3 مليارات جنيه استرليني سنوياً فإن ذلك قد لا يعني إمكانية تحسين القدرات العسكرية البريطانية في غضون عقد من الزمن. ويزداد الشك طبعاً إذا استمرت طريقة إنفاق وزارة الدفاع كما هي حالياً.

ذلك أنه يتم الاتفاق على إنتاج سلاح ما، ثم يأخذ الأمر وقتاً طويلاً لاعتماد الأموال، وحين تبدو التكلفة عالية يؤجل المشروع. وبعد ذلك، تظهر الحاجة الملحة إليه مرة أخرى فتكون كلفته ارتفعت أضعافاً وغالباً ما يتم إلغاء المشروع بالكامل. وهذا أحد أهم أسباب عدم تحديث أسلحة القطاعات المختلفة للقوات المسلحة البريطانية، وما جعلها في وضع متدهور كثير حتى عن نظيرتها الفرنسية على رغم أن الميزانية العسكرية البريطانية أكبر من نظيرتها الفرنسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير