Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تفشل الأحزاب الدينية في باكستان؟

يرى المحللون أن أداء الجماعات الدينية سيزداد سوءاً في المستقبل لأنها لا تقدم حلولاً للمشكلات الجديدة

تحالف "مجلس العمل الموحد" تمكن من تشكيل حكومة إقليمية عام 2002 لكنه فشل في 2018 (أ ف ب)

ملخص

تتمتع الأحزاب الدينية الباكستانية بدعم سياسي محدود في جميع المناطق إذ يوجد آلاف الأصوات في كل دائرة انتخابية التي تلعب دوراً مهماً في فوز أو خسارة المرشحين... تعرف إلى الخريطة الانتخابية في باكستان

يعتبر الشعب الباكستاني محافظاً بشكل عام، وعلى رغم وجود معتقدات ومسالك مختلفة في الدولة إلا أن غالبية الشعب يكن احتراماً شديداً للشخصيات والمعالم الدينية، لكن التمسك الديني لا ينعكس في الأصوات الانتخابية، إذ لم يتمكن أي حزب ديني على مر التاريخ من تشكيل الحكومة على المستوى الفيدرالي.

وتتمتع الأحزاب الدينية في باكستان بدعم سياسي محدود في جميع المناطق، ويوجد بضعة آلاف أصوات دينية في كل دائرة انتخابية تلعب دوراً مهماً في فوز أو خسارة المرشحين، لكنها لا تكون وحدها كافية لإنجاح مرشح معين، مما يدل على فشل الأحزاب السياسية الدينية في تكثيف شعبيتها على رغم وجود عدد كبير من الناخبين المحافظين.

وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي حسن عسكري إن الأحزاب الدينية تحصل دائماً على نحو تسعة إلى 10 في المئة من أصوات الناخبين في جميع الانتخابات، ولم يزد رصيد أصواتها إلا في انتخابات عام 2002.

وفي بحث لـ "معهد دراسات جنوب آسيا" التابع لـ "جامعة سنغافورة الوطنية"، كتب رياض حسن وفايزة سالم أن "الإسلام يعد جزءاً مهماً من الهوية الإسلامية الباكستانية، باعتباره مرجعاً دينياً ورمزاً ثقافياً، لكن هذا التفاني في الدين لم يترجم إلى دعم سياسي للأحزاب الدينية التي تسعى إلى زيادة دور الإسلام في المجالين العام والخاص". 

وفي التاريخ السياسي المضطرب لباكستان لم يتمكن أي حزب ديني من الفوز خلال الانتخابات وتشكيل الحكومة، وأكبر نجاح حققه أي حزب ديني على الساحة السياسية كان خلال انتخابات عام 2002 في ظل النظام العسكري، عندما حصل "مجلس العمل الموحد"، وهو تحالف لأحزاب دينية، على 11.3 في المئة من الأصوات، وشكلت الحكومة في إقليم خيبر بختونخوا.

ووفقاً للبحث فإن السبب الرئيس وراء فوز التحالف كان الغضب الشعبي من الهجوم الأميركي على أفغانستان الذي أدى إلى إثارة مشاعر معادية للولايات المتحدة، إذ حصل تحالف "مجلس العمل الموحد" المكون من ستة أحزاب دينية على أكثر من 3.3 مليون صوت، وظهر كرابع أكبر كتلة سياسية على الساحة السياسية، كما تمكن من تشكيل حكومة إقليمية في خيبر بختونخوا، كما يرى الخبراء أن الأداء الانتخابي لجمعية "علماء إسلام" (فصيل ف) بقيادة فضل الرحمن كان جيداً خلال العقدين الأخيرين.

سبب فقدان الشعبية

ينتقد المحللون والخبراء السياسيون الأسلوب السياسي للأحزاب الدينية في باكستان، ويقول حسن عسكري إن غالبية السكان من المسلمين ولا يوجد أي حزب سياسي يبدي عدم مبالاة بالدين الإسلامي، متابعاً "لذلك لا يمكن للأحزاب الدينية أن تدعي أنها تتفرد بتمثيل الإسلام".

 وفي حديثه قال عسكري إن "غالبية الأحزاب الدينية يقودها رجال الدين الذين يعتبرهم الناخبون غير أكفاء في إدارة الدولة الحديثة وحل مشكلاتها".

وفي سياق شرح أسباب تراجع الأصوات للأحزاب السياسية الدينية أوضح أن هذه الأحزاب لا تستطيع التفكير خارج دائرة معينة، وبالتالي يتجنب المواطن العادي استخدام التصويت لمصلحتها.

مشكلات الدولة

وأوضح عسكري أن غالبية الشعب الباكستاني تعتقد أن الأحزاب الدينية ليس لديها حلول لمشكلات الدولة الحديثة، "وهذا سبب رئيس لعدم تصويت الشباب لمصلحة الأحزاب الدينية"، مشيراً إلى أن الأحزاب الدينية تعمل فقط كمجموعات ضغط في المجتمع الباكستاني وستواصل القيام بذلك في المستقبل. 

وأضاف عسكري أنهم "يفوزون في الانتخابات في بعض المناطق ويستفيدون في كثير من الأحيان من تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى، لكن لا يمكن توقع أي شيء أكثر من ذلك"، مؤكداً أن الأحزاب الدينية لا تملك القدرة على السيطرة على الدولة بمفردها، لكنها تستطيع أن تلعب دوراً في تضييق وإفساد الحكومة.

 

 

ووفقاً للباحث والمحلل السياسي عرفان أحمد بايج فقد كان الناخبون الباكستانيون حتى قبل أعوام قليلة يفضلون التصويت لعائلات سياسية عريقة لا تكون لها عادة أية صلة بالأحزاب الدينية، لافتاً إلى أنه "ربما يكون هذا أحد أسباب فشلهم في إقناع الناخبين".

وأضاف بايج أن هناك 5 ملايين ناخب جديد مسجلين في القوائم الانتخابية الباكستانية، يتشكل غالبيتهم من فئة الشباب الذي يفضلون الأراء الحديثة والطرق المبتكرة في إدارة الدولة.

وأبدى المحلل السياسي أسفه على أن الجماعة الإسلامية تفشل في زيادة رصيد أصواتها على رغم كونها قوة سياسية منظمة، وحمّل الجناح الشبابي للجماعة مسؤولية هذا الفشل لأنه لا يعكس أيديولوجية وفكر الجماعة في تصرفاتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحصل نائب أمير الجماعة الإسلامية ميان محمد أسلم على أكثر من 7 آلاف صوت من الدائرة رقم (54) كمرشح لـ "مجلس العمل الموحد" خلال انتخابات 2018، بينما فاز من الدائرة الانتخابية نفسها في 2002، وحصل على 25 ألف صوت خلال انتخابات 2013.

وهناك إشكال آخر يحول دون فوز مرشحي الأحزاب السياسية الدينية، وهو أن بعض الفصائل الدينية التي تدعي أنها تحاول تطبيق النظام الإسلامي تصف النظام الديمقراطي وإجراء الانتخابات بأنه غير إسلامي، مما يترك الناخبين ذوي التوجهات الدينية في حيرة من أمرهم.

وبحسب الخبراء فإن هذا التفكير يؤدي أيضاً إلى إبعاد ناخبي الأحزاب الدينية عن الانتخابات، كما أنه يحرمها تأييد أنصارها خلال الانتخابات لأنه، بحسب قولهم، "نشاط غير إسلامي".

جيوب جغرافية

تحصل الأحزاب الدينية نصيبها الأكبر من الأصوات من مناطق محدودة في بنجاب وإقليم بلوشستان وخيبربختونخوا، ويوضح عرفان بايج هذه الظاهرة بقوله إن "البختون لهم صلة وثيقة وفريدة بالدين الذي تلعب ثقافتهم المحلية دوراً كبيراً فيه"، متابعاً "الشيخ له مظهر خاص معين في إقليم بختونخوا بينما العالم الديني في مدينة كراتشي مثلاً لا يتفرد بمظهره".

وأضاف بايج أن بعض المناطق في بنجاب وبلوشستان تتشابه مع خيبر بختونخوا، لكن غالبية السكان في كراتشي يفصلون الثقافة المحلية عن الدين، كما هو الحال في الدول الإسلامية مثل ماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش.

أثر حركة الإنصاف

ويعتقد عرفان أحمد بيج أن عمران خان قدم بديلاً سياسياً للشباب الباكستاني مما أثر في جميع الأطراف السياسية التقليدية، لكن الأحزاب الدينية تضررت بصورة أكبر، لأن أفكارها لا تروق الجيل الجديد، لافتاً إلى أن الأحزاب الدينية ليس لها مستقبل في باكستان حتى في غياب عامل عمران خان، مضيفاً "لا أمل في تحسن أداء هذه الأحزاب، بل إن حالها ستسوء مع مرور كل يوم".

ماذا تقول الأحزاب الدينية؟

"اندبندنت أوردو" تحدثت مع ممثلي الأحزاب الدينية لمعرفة وجهة نظرهم في هذا الموضوع، وقال المتحدث الرئيس باسم "جمعية علماء الإسلام" أسلم غوري إن أداء حزبه ودعمه زاد بصورة ملحوظة، واستدل على ذلك بزيادة عدد مقاعد حزبه في المجلس الإقليمي في خيبربختونخوا ومجلس الشيوخ.

وأضاف غوري أن الأصوات التي حصلت عليها الجبهة في الانتخابات تناقصت، لكن عدد النواب في تزايد مستمر، مشيراً إلى أن حزبه يدعم نظام التمثيل النسبي لأن إدخال هذا النظام سيحل كل هذه المشكلات، ومع ذلك فقد اعترف بأن بعض الأحزاب الدينية الأخرى شهدت اتجاهاً هبوطياً في عدد أصواتها، وهو ما يعتقد أنه قد يكون لأسباب مختلفة.

بدوره قال رئيس "المجلس الأيديولجي الإسلامي" البروفيسور قبلة أياز إن جميع الأحزاب السياسية الباكستانية عانت التدهور العشوائي في ما يتعلق بعدد الأصوات، موضحاً أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأحزاب الدينية فقط، بل شعبية الأحزاب القومية تراجعت أيضاً.

وفي تفسيره لسبب انخفاض الأصوات للأحزاب السياسية يرى البروفيسور أياز أن الأداء السيئ للحكومات يجعلها غير شعبية، وتابع أن "التضخم والبطالة والوضع السيئ للقانون والنظام أدت إلى يأس الناس من هذه الجماعات، لأن مشكلاتهم لم تحل".

ظهور تكتلات جديدة

ويتزامن الانحدار في شعبية الأحزاب الدينية القائمة في باكستان مع ظهور أحزاب إسلامية جديدة، الاسم الأبرز في هذا السياق هو حركة "لبيك باكستان" التي خاضت الانتخابات للمرة الأولى عام 2018، ونحتت مكانة لنفسها في السياسة الانتخابية.

و"لبيك باكستان" جبهة انتخابية تابعة لجماعة "لبيك يا رسول الله"، وهي جماعة بريلوية أسسها عالم الدين الراحل خادم حسين رضوي، ولم تثبت الحركة أنها منافس قوي للجماعة الإسلامية وجمعية "علماء إسلام" وحسب، بل أثرت أيضاً في أصوات الأحزاب الكبيرة مثل الرابطة الإسلامية الباكستانية التي حظيت تاريخياً بدعم سياسي من المكتب الفكر البريلوي. 

وخلال انتخابات يوليو (تموز) 2018 حصل حزب حركة "لبيك باكستان" على 2.2 مليون أو 4.22 في المئة من الأصوات في البرلمان، وهو ما يمثل 43 في المئة من الأصوات الدينية في جميع أنحاء البلاد، مما يجعل الحركة خامس أكبر حزب في البلاد.

كما حققت الأحزاب الدينية الأخرى التي تم تشكيلها حديثاً مثل حزب حركة "الله أكبر" و"الرابطة الإسلامية الملية"، أداء أفضل في انتخابات 2018.

ووفقاً لدراسة أجراها معهد دراسات جنوب آسيا التابع لجامعة سنغافورة الوطنية فإن الأحزاب الدينية الحديثة استفادت من ضعف أداء الجماعات الدينية التقليدية في انتخابات 2018.

ويرى الخبراء أن المستقبل الانتخابي للأحزاب الدينية في المجتمع الباكستاني مظلم، وسيظل أداء الأحزاب السياسية الدينية ضعيفاً كما كان في الماضي.

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير