Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحزاب الإسلام السياسي ترفض قانون حظر الأحزاب الدينية في السودان

يرى البعض أن التراث الديني متجذر في البلاد ولا يمكن إلغاؤه بقوانين

يعتقد البعض في السودان أن مكافحة الفكر الديني المتطرف لن تكون بسن قوانين وإنما بالوعي والمثاقفة (رويترز)

أثار تصريح لوزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني، نصر الدين مفرح، مفاده أن حكومة بلاده بصدد سن قانون جديد يحظر قيام الأحزاب على أسس دينية، جدلاً واسعاً في الشارع السوداني، وبخاصة أحزاب الإسلام السياسي المعروفة وسط المجتمع، التي ترى أنه من الصعب تطبيق مثل هذا القانون في بلد مثل السودان، حيث التراث الديني متجذر. واعتبرت تلك الأحزاب، هذه الخطوة "بالون اختبار وفرقعة إعلامية"، في حين يعتقد آخرون أن مكافحة الفكر الديني المتطرف لن تكون بسن قوانين، وإنما بالوعي والمثاقفة والتمدن ونجاح تجربة التحول الديمقراطي. 

وفي هذا الشأن يوضح مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون الولائية عبدالجليل الباشا، أن "مرحلة الانتقال في السودان تشهد حالياً تحديات كبيرة، أبرزها كيفية تنفيذ اتفاق السلام على أرض الواقع، وتدهور الوضع الأمني، واستمرار الأزمة الاقتصادية، وبخاصة المعيشية، فالانتقال الديمقراطي يحتاج إلى خطوات كبيرة، وأن الأحزاب كأطر أساسية لتحقيق عملية الانتقال لا بد أن تبنى على أسس سليمة، بأن تكون منفتحة لكل السودانيين بغض النظر عن انتماءاتهم، سواء القبلية أو الجهوية أو الدينية، وغيرها، حتى تكون أحزاباً قوية، قائمة على نهج وفكر وبرامج تخاطب كل تطلعات وطموحات أعضائها، فعملية إصلاح الأحزاب تأتي في إطار منظومة متكاملة حتى لا تكون عملية الانتقال الديمقراطي متعثرة". 
وأشار الباشا إلى أنه "من الصعوبة فصل الدين عن حياة الناس كممارسة، لكن في شأن الأحزاب وتوجهاتها الدينية نجد مثلاً أن حزب الأمة كانت مرجعيته الثورة المهدية التي أشعلها الإمام محمد أحمد المهدي ضد الاحتلال الإنجليزي في عام 1881، وهي قامت على جانبين ديني ووطني، لذلك عندما تأسس الحزب في منتصف أربعينيات القرن العشرين، واختير له هذا الاسم ليكون جامعاً لكل أهل السودان حتى الذين لا ينتمون للأنصار، ومن هنا جاءت مقولة "كل أنصاري حزب أمة، وليس كل حزب أمة أنصاري"، بالتالي صحيح أن قاعدة الحزب دينية، لكن عضويته مفتوحة لكل السودانيين مسلمين ومسيحيين، كذلك من ناحية وجوده في كل مناطق السودان شماله وغربه وشرقه وجنوبه ووسطه، بلا استثناء، فحزب الأمة هو الحزب الوحيد الذي لا يحجر أحد على أساس انتمائه الديني أو الجهوي أو القبلي، ففيه ينصهر كل السودانيين بكامل هويتهم".

وأكد مساعد رئيس حزب الأمة للشؤون الولائية، أنه "يجب على كل حزب أن يراعي الواجبات والحقوق الواردة في الدستور، ويجعل عضويته قائمة على المواطنة، وليس على الانتماء الديني، لكن لا بد أن يكون هناك توصيف دقيق وتعريف بالقانون الخاص بتأسيس الأحزاب عند التطبيق على أرض الواقع، حتى لا يكون سيفاً مسلطاً على الآخرين، طالما نؤمن بالحرية والديمقراطية، بالتالي ليس كل حزب منطلق من مرجعية دينية يقصد به أنه حزب قائم على الإسلام السياسي". 

فرقعة إعلامية 

في المقابل، اعتبر أسامة توفيق، القيادي في "حركة الإصلاح الآن" أحد الأحزاب الإسلامية في السودان، أن "هذا الكلام لا يستحق الرد عليه، لأن الشخص الصادر منه غير مؤهل للحديث عن الدين، إضافة إلى ذلك فهو عضو في حزب الأمة الذي أساس وجوده في الحياة ديني، لأنه ينتمي إلى طائفة الأنصار الدينية التي حملت لواء الدعوة إلى الإسلام بزعامة محمد أحمد المهدي. ونجد في السودان أن أكبر حزبين من ناحية القاعدة الشعبية والكثافة الجماهيرية، هما حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي، حيث إن خلفيتهما دينية باعتبارهما ينتميان إلى طائفتي الأنصار والختمية ذات التوجه الديني، بالتالي فإن قوله (وزير الأوقاف) بحظر الأحزاب الدينية مجرد فرقعة إعلامية، لأن التراث الديني متجذر في البلاد، ولا يمكن إلغاؤه بقوانين، أو غير ذلك". 

وتابع توفيق "أعتقد أن ما ذهب إليه وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني، هو بالون اختبار فقط لدراسة الأجواء العامة، مثل اتفاق إعلان المبادئ الذي وقع في العاصمة جوبا نهاية الشهر الماضي بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال عبدالعزيز الحلو، الذي قصد به معرفة اتجاهات التيارات السياسية والفكرية المختلفة في البلاد حول قضية فصل الدين عن الدولة، لكنه بالتأكيد لن يطبق، فالآن كل هذه الأشياء وحدت القوى الإسلامية، وأصبح القائمون على قضية الدين، هم أصحاب الطرق الصوفية، وطائفتا الأنصار والختمية، وليس الإسلام الحركي". 

وزاد توفيق "لا يمكن سن قانون كهذا، لأنه سيصطدم بقوى عريضة فالشعب السوداني لا يمكن أن ينساق وراء أهواء، كما أن التيار الديني الشعبي لا ينتهي بالقوانين، فقد سبق أن جاء الحكم العسكري في الأعوام 1958، و1969، و1989، وظلت هذه الأحزاب موجودة على الرغم من حظر نشاطها، وسجن قيادييها، فهذا واقع صعب تغييره، فالقانون لا يمكن أن يصطدم بمشاعر التيار الشعبي التقليدي، والمحك في ذلك عند إعلان الانتخابات العامة في البلاد، التي غالباً ما يفوز بها الأنصار والختمية والإسلام الحركي". ولفت إلى أن "الاسم ليس مشكلة فقد تظهر الأحزاب ذات التوجه الديني بمسميات أخرى، إذا أصبح الأمر مرتبطاً بقانون، فلا أعتقد أنه بالإمكان الحد من مثل هذه التوجهات، أو عزل تيارات متأصلة في المجتمع، فهذا كلام يصعب تنفيذه على أرض الواقع". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


استغلال الدين 

من جهة أخرى، أوضح القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، فاروق عمر صديق، أن "المفهوم من هذا الأمر، هو أن هناك كيانات سياسية تستغل الدين وكأنها مفوضة ومخولة لممارسة العمل العام، لكنها في الغالب جماعات متطرفة تسعى إلى تحقيق مآرب سياسية من خلال توظيف الدين لهذه المهمة، وهذه المسألة ليست متعلقة بالمسلمين فقط، فهناك دول كثيرة توجد فيها ديانات أفريقية ومسيحية تمارس ذات الدور منها على سبيل المثال، جيش الرب في أوغندا، لكن في السودان نجد أن القوى السياسية متفقة على هذا المبدأ، إذ سبق أن وقعت في عام 1989، على ميثاق من ضمن بنوده، رفض قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، وهو ما نص عليه أيضاً مؤتمر القضايا المصيرية الذي عقده التجمع الوطني الديمقراطي في أسمرة في عام 1995، وشارك فيه الحزب الاتحادي الديمقراطي، وحزب الأمة، والحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، وتجمع الأحزاب الأفريقية، والحزب الشيوعي السوداني، والنقابات السودانية، ومؤتمر البجا، وقوات التحالف السودانية". وأضاف صديق أن "كل هذه الدعوات يقصد بها تحجيم الادعاء باسم الأديان، لكنه تساءل: هل هذه هي القضية العاجلة في البلاد التي تتطلب النقاش الآن؟ أعتقد أن الموضوع الذي يشغل الشعب السوداني حالياً هو مسألة الأزمة المعيشية، التي وصلت إلى الحد الذي لا يمكن أن يتحمله أحد، لأن ما يتبع من سياسات اقتصادية لا علاقة لها بالمواطن، فضلاً عن الانهيار الأمني في دارفور، وانتهاء فترة رئاسة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان والشكوك حول تسليمه السلطة".

وأكد أن "الشعب السوداني أسقط النظام السابق الذي كان يدعي الإسلام، وبسبب تطرفه الديني صُنِّف السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، والشعب بريء من هذا الاتهام، بالتالي رفض بعد الثورة الشعبية أي تسوية ومصالحة مع ما يسمى الأحزاب الإسلامية، لكن للأسف فإن السلطة الحاكمة الآن متجهة نحو هبوط ناعم، وأعتقد أن شعب السودان حسم موقفه من السلطة الدينية، لكن بنظري فإن هذه الأشياء لن تنتهي بسن قوانين، وإنما بالوعي والتثقيف والتمدن ونجاح تجربة التحول الديمقراطي". 

مشروع وطني 

وأشار وزير الشؤون الدينية والأوقاف في السودان، نصر الدين مفرح، في وقت سابق، إلى أن الوثيقة الدستورية ووثيقة السلام التي وقعت بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في جوبا في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، كانتا واضحتين جداً في مبادئهما، بأنه "يحظر قيام حزب سياسي على أسس دينية"، مضيفاً أن قانون الأحزاب الذي قد يجاز في الفترة المقبلة سينص على ذلك. 

وعن تعليقه على اتهام الحكومة السودانية المؤقتة من قبل بعض الدعاة والجماعات بأنها تعادي الدين، قال الوزير مفرح، إن "هؤلاء أحزابهم قائمة على أساس أيديولوجي، وتلك التنظيمات تحن إلى أيام النظام السابق الذي كان يدعمها". ورأى أن "الدولة تبنى على أساس وطني، أما الأفراد فيبنون على أساس شرائعهم الخاصة"، لافتاً إلى أن "القضية المطروحة الآن في السودان هي إيجاد مشروع وطني واحد يجمع كل السودانيين". ونبه إلى أن "الحكومة الانتقالية في البلاد بصدد بناء مشروع وطني لا يقوم على أساس ديني أو أساس إثني أو قبلي، بل على أساس المواطنة والحقوق والواجبات". 

كما أشار إلى أن وزارة الأوقاف واجهت ثلاثة تحديات رئيسة، أولها بسط الحريات الدينية، التي كانت سبباً رئيساً لوضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب لـ27 سنة، وقائمة الدول ذات القلق في الحرية الدينية لمدة 23 سنة. وثاني تلك التحديات هو كيفية تعميم خطاب الوسطية والاعتدال ومحاربة خطاب الكراهية والتطرف، وثالثها بناء مؤسسات اقتصادية وقفية لمساعدة الفقراء والمساكين". 

المزيد من العالم العربي