Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب غزة تخلق أزمة مناخية وبيئية غير مسبوقة وتداعياتها كارثية

إذا امتدت لمدة عام كما تخطط إسرائيل يرجح أن تصل الانبعاثات إلى 629 مليون طن

الانبعاثات الناجمة عن حرب إسرائيل في غزة لها تأثير هائل في المناخ (أ ف ب)

ملخص

كلفة الكربون للصراع الحالي في غزة تسبب معاناة إنسانية غير مسبوقة وكارثة بيئية

في الوقت الذي يكافح فيه العالم لخفض الانبعاثات وإبطاء وتيرة الاحتباس الحراري وتوفير بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة، تبرع إسرائيل في وضع بصمتها التكنولوجية المناخية المزدهرة في تقديم حلول لأزمة المناخ، وتحديداً في مجالات احتجاز الكربون وتخزينه، وتجميع المياه وبدائل اللحوم النباتية وغيرها، إلا أن تركيزها بالقضاء على "حماس" عبر تنفيذ سياسة "الأرض المحروقة" على قطاع غزة وتدمير كل فرص الحياة فيها، أخرجها، وفقاً للتقديرات، من قائمة الدول الأكثر مساهمة في إيجاد الحلول للأزمة المناخية لأكثرها إضراراً بها، فانبعاثات الكربون الناجمة عن العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة على القطاع منذ 100 يوم وأكثر، لا تتعارض مع أهداف اتفاق الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ واتفاق باريس فحسب، بل تجر العالم، كما يقول خبراء، نحو كارثة مناخية.

 

فقد كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون في المملكة المتحدة والولايات المتحدة عن أن الانبعاثات الناجمة عن حرب إسرائيل في غزة لها تأثير هائل في المناخ، وأن الانبعاثات التي نتجت من أول 60 يوماً فقط من الحرب، كانت أكبر من البصمة الكربونية السنوية لأكثر من 20 دولة من أكثر دول العالم تعرضاً للتغيرات المناخية. ووفقاً للدراسة التي نشرتها صحيفة "غارديان" البريطانية قبل أيام، فإن كلفة الكربون للصراع الحالي في غزة، يسبب معاناة إنسانية غير مسبوقة، وأضراراً في البنية التحتية وكارثة بيئية.

ووفقاً لدراسات عالمية، فإن أكبر تحد تواجهه المؤسسات الدولية، يتمثل في الخطر البيئي للجيش الذي عادة ما يكون مسؤولاً عما يقارب 5.5 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم سنوياً، إذ تعد البصمة الكربونية العسكرية العالمية رابع أكبر مسبب للانبعاثات بعد الولايات المتحدة والصين والهند، وبحسب المرصد البريطاني للصراع والبيئة  CEOيعد الصراع من بين العوامل التي تؤدي إلى اشتعال الحروب، والتي تزيد، بدورها، من دعم صناعة "الوقود الأحفوري" على مستوى العالم من أجل إشباع الطلب على النفط والغاز، مما يسهم على نحو مباشر في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري (ارتفاع درجة الحرارة الأرض بسبب ارتفاع مستوى غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وبعض الغازات الأخرى في الجو).

 

انبعاثات مدمرة

وقدر باحثون أن 99 في المئة من أصل 281 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون التي بعثت خلال الشهرين الأولين للحرب، جاءت نتيجة العمليات التي نفذتها الطائرات والدبابات والوقود من المركبات الأخرى، إضافة إلى الانبعاثات الناتجة من صنع وتفجير القنابل والمدفعية والصواريخ، وعادلت الكلفة المناخية، خلال تلك الفترة، حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم. في المقابل، ولدت الصواريخ التي أطلقتها "حماس" على إسرائيل، أثناء الفترة نفسها، نحو 713 طناً من ثاني أكسيد الكربون، بما يعادل نحو 300 طن من الفحم. وبينت الدراسة أن ما يقارب نصف إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كان بسبب طائرات الشحن الأميركية التي تنقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل، ووفقاً للصحيفة نفسها، فإن 200 رحلة شحن جوية أميركية، والتي سلمت 10000 طن من المعدات العسكرية إلى إسرائيل، استهلكت نحو 50 مليون ليتر من وقود الطائرات، مما أدى إلى إطلاق ما يقدر بنحو 133 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أي أكثر من جزيرة غرينادا بأكملها، كما أسهم بناء الجدار الحديدي الإسرائيلي، الذي يمتد لمسافة 65 كيلومتراً على طول معظم حدودها مع غزة بنحو 274,000 طن من ثاني أكسيد الكربون، والذي يعادل تقريباً انبعاثات عام 2022 بأكملها في جمهورية أفريقيا الوسطى. وبحسب بيانات بحثية، فإنه ما بين 36 و45 في المئة من المباني في قطاع غزة التي جرى تدميرها في أول شهرين، أدت إلى إنتاج انبعاثات كربونية، وإن إعادة بناء 100 ألف مبنى منها باستخدام تقنيات حديثة سيولد ما لا يقل عن 30 مليون طن متري من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والذي يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في نيوزيلندا، وأعلى من 135 دولة ومنطقة أخرى، بما في ذلك سيريلانكا ولبنان وأوروغواي.

 

وضع كارثي

وإلى جانب الخسائر البشرية الفادحة للحرب على غزة بعد 100 يوم، والتي أدت إلى مقتل نحو 24 ألف فلسطيني، ونزوح 1.9 مليون آخرين، وتدمير 60 في المئة من المنازل والبنية التحتية والمنشآت، يرى خبراء ومتخصصون أن الوضع البيئي في غزة أصبح كارثياً، وأن التداعيات المناخية الضخمة نتيجة تلك الحرب الشرسة وتدمير وتلويث جزء كبير من الأراضي الزراعية والبنية التحتية للطاقة والمياه، ستستمر لعقود مقبلة.

وقدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن كمية المتفجرات التي أسقطت على القطاع، خلال الشهر الأول من الحرب، تقدر بـ30 ألف طن، بمتوسط 82 طن لكل كيلومتر مربع، في وقت تعادل القوة النارية التي استخدمتها إسرائيل على غزة، خلال أول 40 يوماً من الحرب، ثلاث قنابل نووية كتلك التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما عام 1945. وتشير الإحصاءات إلى أن كل 25 ألف طن من الذخائر تعادل كمية الانبعاثات الكربونية الناتجة من الاستهلاك السنوي للطاقة لنحو 2300 منزل، والانبعاثات السنوية لنحو 4600 حافلة نقل. ووفقاً لمراقبين، فإن كمية الذخيرة التي ألقيت على قطاع غزة، خلال الأسابيع الأولى، تعادل تقريباً ما ألقته الولايات المتحدة وبريطانيا خلال الشهر الأول من الحرب على العراق بأكمله عام 2003. وتؤكد صحيفة الـ"إيكونوميست" البريطانية أن العمليات العسكرية في غزة لا تشكل فقط مصدراً للتوتر والقلق العالمي، بل تعد قضية بيئية على درجة كبيرة من الأهمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد تسببت الحرب في تدمير 70 في المئة من المنشآت المائية داخل القطاع، إلى جانب تدمير 50 في المئة من الآبار الصالحة للاستخدام ومعظم آبار منطقة جباليا، كما دمر خزان المياه في منطقة تل الزعتر و30 كيلومتراً من شبكات المياه والصرف الصحي، وأدى قطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود عن القطاع، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى توقف تشغيل معظم مرافق المياه في غزة، ولحقه نقص حاد في المياه النقية المتوفرة للشرب. ويحتاج سكان القطاع إلى نحو 250,000 متر مكعب من المياه يومياً لاستعمالات متعددة كالشرب والنظافة.

تلوث بيولوجي

وأدى تعطل محطات معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة، إلى تدفق نحو 130 ألف متر مكعب من مياه "الصرف الصحي" غير المعالجة إلى البحر يومياً أو في وادي غزة، ونتيجة لتدمير أنابيب الصرف الصحي وانسدادها يفيض جزء كبير منها في الشوارع والطرقات، وأحياناً داخل المنازل، مما دفع إلى تسربها عبر الحفر الامتصاصية، التي تعزز التلوث الكيماوي والبيولوجي لمصادر المياه، وخصوصاً الجوفية. وبحسب تقرير البنك الدولي لسنة 2016، فإن نحو 98 في المئة من مياه الحوض الجوفي الساحلي غير صالحة للاستهلاك البشري أو الري الزراعي. وكل هذا يهدد بكارثة إنسانية وبيئية وصحية في القطاع، وينذر بتدهور جودة المياه، مؤثراً بذلك في النظم البيئية البحرية والمصادر المائية.

ووفقاً لمدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين التي تعمل على رصد التلوث بالأراضي الفلسطينية عبدالرحمن التميمي، فإن الوضع المائي في قطاع غزة متدهور لدرجة أن 99 في المئة من المياه لا تصلح للشرب. وأضاف "آثار الحرب على غزة ستكون قاتلة على البيئة لمئات السنين"، موضحاً أن "التحام معادن القنابل الفوسفورية والمتفجرة وغيرها من القنابل التي تلقيها إسرائيل على قطاع غزة مع معادن النفايات الصلبة والملوثات الأخرى، سيولد كارثة بيئية تطاول المياه والهواء والتربة". وأكد التميمي أن استهداف المنشآت البيئية مثل منشآت المياه والطاقة وحتى تدمير التربة "لم يكن عشوائياً وعارضاً، بل مقصود ومتعمد لسحق القطاع وكل من فيه".

عواقب وخيمة

ووفقاً لدراسة نشرتها مجموعة أبحاث الأسلحة الجديدة NWRC أجريت على التربة في منطقة بيت حانون في وقت سابق، وجد أن معدن "التنغستن" يوجد بأكثر من 20 ضعفاً من المستوى المتوقع في التربة، كما أن نسبة الزئبق كانت موجودة بأكثر من ثمانية أضعاف المستوى المتوقع، في حين أكد متخصصون أن تحلل مئات الجثث وتعفنها تحت الأنقاض، أشهراً عدة، جراء كثافة القصف، ستكون لها عواقب وخيمة على البيئة بكل مكوناتها.

وأوضحت مديرة برنامج الماجستير في طب الطوارئ والاستعداد والاستجابة في جامعة "بن غوريون" دوريت نيتسان أن التحدي الكبير في الحرب على غزة يكمن في مادة "الأسبستوس"، وهي مادة شائعة الاستخدام في تشييد المباني، بخاصة في البلدان والمجتمعات النامية أو التي تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية، ويمكن أن يؤدي هدم المباني بمواد تحوي "الأسبستوس" إلى إطلاق ألياف هذه المادة الخطرة في الهواء، مما يشكل تهديداً للصحة العامة، فاستنشاق هذه الألياف يلحق الضرر بالرئتين ويزيد خطر الإصابة بمختلف أنواع السرطان، ولا سيما "ورم الظهارة" المتوسطة، وهو سرطان نادر ومميت للغاية يؤثر في الأغشية الرقيقة المبطنة للصدر والبطن.

وأكد مستشار مرفق البيئة العالمي والأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب مجدي علام أن الانفجارات والحرائق واستخدام الآلات الثقيلة أو المركبات أثناء الحروب، يؤدي إلى إطلاق جسيمات دقيقة في الهواء مثل الرماد والسخام (جسيمات الكربون الناتجة من الاحتراق غير الكامل للهيدروكربونات) والغبار. وأشار إلى أن الانفجارات وحرق الوقود والذخائر تؤدي إلى إطلاق غازات مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون والمركبات العضوية المتطايرة، والتي يمكن أن تسهم في تكوين الضباب الدخاني الذي يضر بالصحة. وبين علام أن حرق المباني والمركبات والبنية التحتية ينتج الدخان الذي يسهم في تلوث الهواء، كما يمكن أن يؤدي استخدام الأسلحة الكيماوية في النزاعات إلى إطلاق مواد شديدة السمية في الغلاف الجوي مثل غاز الكلور أو غاز الخردل.

من جهته طالب المتخصص الدولي في الاستدامة والمناخ ورئيس الكرسي العلمي للبصمة الكربونية والاستدامة بـ"الألكسو" مصطفى الشربينى، بمحاكمة إسرائيل من قبل المحاكم الدولية بتهمة الإبادة البيئية وتلويث إمدادات المياه الجوفية لقطاع غزة والممرات الهوائية وغيرها من النظم البيئية. وأضاف "جريمة الحرب التي ترتكب لم تقتصر على القتل والتشويه والدمار والتجويع، بل تحولت لكارثة في حق البيئة والمناخ."

وعلى رغم كل تلك التداعيات الجسيمة للحروب، لا سيما في ظل التطور الرهيب في الأسلحة والمعدات ذات القدرات التدميرية الهائلة وما تخلفه من خسائر كبيرة في الأرواح وتدمير المنشآت والبنية التحتية وكوارث بيئية معقدة، قال الجيش الإسرائيلي إنه يتوقع أن يستمر الصراع في غزة طوال عام 2024، متناسياً أن البيئة لا تعرف الحدود، وأن الصرف الصحي الذي يتسرب مع مياه الأمطار المحملة بكثير من الملوثات والسموم ويتدفق إلى البحر سيصل قريباً إلى الشواطئ الإسرائيلية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات