Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سر استعادة نظافة المياه البريطانية

قبل 50 عاماً، كان نهر "هدسون" أحد أكثر الأنهار تلوثاً في الولايات المتحدة الأميركية، واليوم قطع فيه السباح لويس بوغ مسافة 315 ميلاً، فكيف حصل هذا التحول؟

لويس بوغ: الأنهار شرايين كوكبنا. إنها تحفظ الحياة على الأرض. ولن نحظى بكوكب معافى من دون أنهار سليمة (أ ب)

ملخص

استعادة نهر "هدسون" لنظافة مياهه تبعث الأمل في نفوس من يعتريهم القلق في شأن البحار الملوثة والقذرة في بريطانيا.

قطعت تواً مياه نهر "هدسون" بطولها سباحة، على بعد 315 ميلاً (507 كيلومترات) من المنبع في جبال "آديرونداك" وصولاً إلى مدينة نيويورك. كانت غايتي تسليط الضوء على أهمية الأنهار النظيفة. الأنهار شرايين كوكبنا. إنها تحفظ الحياة على الأرض. في الواقع، لن نحظى بكوكب معافى ما لم نحافظ على سلامة أنهارنا.

عندما نرمي المخلفات الصناعية والنفايات الزراعية ومياه الصرف الصحي غير المعالجة والملوثات البلاستيكية في أنهارنا، فإننا بذلك لا ندمر النهر فحسب، بل نقتل في الحقيقة كل أشكال الحياة التي يحتضنها. وبطبيعة الحال، كل ما يذهب إلى النهر، يجد طريقه في نهاية المطاف إلى البحر حاملاً معه الخراب نفسه إلى هذه المساحات المائية أيضاً. الأنهار والمحيطات يجب ألا تكون أبداً المكب لنفاياتنا، ولكن للأسف هذا هو الوضع في بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالنسبة إليّ، فإننا إزاء مسألة عدالة. العدالة بيننا وبين الأجيال المقبلة. علينا أن نورث أولادنا كوكباً ينضح بمقومات الاستدامة. كذلك لا بد من العدالة بيننا وبين مملكة الحيوان. في الوقت الحاضر، يهدد الانقراض الوشيك نحو مليون نوع حي. والأجدر بنا أن نتذكر أننا لسنا النوع الحي الوحيد الذي يعيش على الأرض، وأن من واجبنا أن نتشارك هذا الكوكب مع الكائنات الأخرى.

ولعل نهر "هدسون" هو أحد أروع الأنهار على وجه المعمورة. عند منبعه، تبدو الغابة كثيفة ومورقة، حيث تعيش أعداد من القنادس والنسور والدببة السوداء. وينتهي بالتدفق إلى إحدى أعظم المدن التي بناها الإنسان على الإطلاق.

لن أنسى أبداً تجربة السباحة في النهر ومشاهدة ذلك النسر الأصلع (العقاب الرخماء) الضخم [جاء توصيف أصلع في إشارة إلى ريش الرأس الأبيض وتباينه مع بقية ريش الجسم الداكن] يخرج من الغابة ويلاحقني حتى أسفل النهر. حتى وقت قريب، كان النسر الأصلع، علماً أنه رمز الولايات المتحدة الوطني، في عداد الطيور شبه المنقرضة في وادي "هدسون".

هناك على طول النهر، التقيت أشخاصاً من مختلف المجموعات السكانية، وقد أخبروني بمدى أهمية النهر بالنسبة إليهم، وعبروا عن فخرهم بالإنجازات التي آلت به إلى هذه الحال. أخبرني رجل أنه في شبابه كان يستيقظ ويجول بناظريه عبر النهر، الذي كان يتلون بالأبيض اليوم، وبالأحمر غداً، وبالأزرق بعد غد. كان بيته يجاور مصنعاً للسيارات، وكانت مياه النهر تصطبغ بلون السيارة التي تشتغل المنشأة عليها في هذا اليوم أو ذاك.

قبل 50 عاماً مضت، كان نهر "هدسون" أحد أكثر أنهار الولايات المتحدة تلوثاً. كانت محالة السباحة على طوله واجتيازه، بيد أن سكان نيويورك قالوا قولهم في سبعينيات القرن الـ20: "لقد طفح الكيل". هكذا، شرعوا في تنظيفه ميلاً بعد ميل، وبلدة تلو أخرى، ومصنعاً تلو آخر، بموجب القوانين البيئية. صحيح أن العمل المتبقي الواجب إنجازه ما زال كثيراً وأن عليهم أن يحرصوا دائماً على سلامة النهر، بيد أنهم غيروا تماماً مصيره، ومصير الحياة البرية التي يكتنزها.

أعتقد أن نهر "هدسون" يبعث الأمل في نفوس الناس حول العالم بأن في المستطاع ذات يوم إنقاذ أنهارهم القذرة والملوثة. في الواقع، يمثل نهر "هدسون" نموذجاً ومصدر إلهام للأنهار الجارية في شتى بقاع العالم.

ولكن الأمل كلمة خطرة! ربما يحملنا الأمل على التنصل من المسؤولية. هكذا، تأمل في أن يهتم شخص آخر بتنظيف النهر، وفي أن تتوقف شركة ما أو صناعة أخرى عن تلويثه، أو أن يجيء إنسان ما بحل تكنولوجي سحري يكتب نهاية هذه المشكلة. لذا، علينا أن نعمل من أجل أن نحظى بهذا الأمل. ويستلزم ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة كل يوم. ولا بد من أن تنطلق هذه التدابير من القيادات العليا.

ولكن مع ذلك، في وقت تطالب بلادنا بقيادة قوية، لا يتوانى رئيس الوزراء عن إضعاف الجهود الحاسمة التي ترمي إلى حماية كوكبنا، لذا أتوجه بالرسالة التالية إلى القادة في المملكة المتحدة، وفي شتى أنحاء العالم: إذا لم تتخذوا في عام 2023 خطوات جريئة وسريعة لإصلاح بيئتنا وترميمها وحمايتها، فأنتم لستم بأهل للقيادة. إنها القضية الفاصلة بالنسبة إلى جيلنا. نحتاج إلى زعماء يكونون على قدر التحديات التي نواجهها الآن، قادة يرتأون القرارات الصحيحة والجيدة في سبيل سلامة الكوكب على المدى الطويل.

يحدث أحياناً أن تجتمع القيادة والأمل معاً، بينما كنت أسبح على مقربة من "كلية ماريست" في ضواحي مدينة نيويورك، نزل فريقاها للسباحة ولكرة الماء إلى مياه نهر "هدسون" وسبحوا معي. حتى رئيس الجامعة (الذي يعادل منصبه نائب رئيس الجامعة في بلادنا) وزوجته سبحا معي.

أحلم بيوم يسبح فيه نائب رئيس إحدى الجامعات البريطانية في نهر على مقربة من حرم الجامعة مع طلابه. يبدو حلماً ممكناً.

فيما كنت أسبح في مياه "هدسون"، كانت الفيضانات المدمرة وموجات الجفاف وحرائق الغابات تجتاح الولايات المتحدة، من نيويورك مروراً بكاليفورنيا وصولاً إلى هاواي. كذلك كانت هذه الكوارث تعصف باليونان وليبيا والصين وكندا وجنوب أفريقيا... والقائمة تطول. بل، أعطني اسم بلد لا يقاسي هذه المآسي.

أزهقت هذه الحوادث المتطرفة أرواحاً كثيرة. سوت كثيراً من المنازل بالأرض. دمرت البنى التحتية. لوثت المياه. قتلت الحياة البرية والماشية. نشرت الفوضى في كل مكان.

عندما سبحت إلى نيويورك، تبدى لي تمثال الحرية من على مسافة بعيدة. ها هو هناك يرفع الشعلة عالياً. الرمز الذي رحب بالأجيال القادمة إلى أميركا. حملني هذا المشهد على التفكير بأن كل ما نتمسك به رهن بشرب المياه النظيفة، واستنشاق الهواء النقي، والاهتمام بكوكبنا كي يصبح صالحاً للسكن. ولن نأمل في الترحيب بأجيال المستقبل إلا إذا أبقينا كوكبنا الثمين في مأمن.

يمارس لويس بوغ سباحة التحمل وهو راعي المحيطات في برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة