ملخص
تعد منطقة عكار الأكثر فقراً في لبنان وطالما اشتكى أهلها من التهميش وإهمال مؤسسات الدولة وغياب الخدمات الضرورية
في منطقة عكار المكسوة بالأحراج في شمال لبنان، يفاقم شح المياه وارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات المتكررة معاناة سكان يرزحون أساساً تحت وطأة انهيار اقتصادي تطغى تداعياته على قضايا التغير المناخي.
ويقول المزارع عبدالله حمود (60 سنة) إن "موجات الحر كانت مرتفعة هذا العام، لم أشهد يوماً طقساً بهذا الشكل، حتى أنه أتى على قسم من الزرع".
وفي أرضه الممتدة بين هضاب خضراء قرب بلدة القبيات المحاذية للحدود السورية، يزرع حمود الذي أمضى حياته في المنطقة، الخضار على أنوعها من طماطم وخيار وملفوف، كما يولي اهتماماً خاصاً بأشجار التين، لكن الشح في المياه يأتي اليوم على أحب مهنة إلى قلبه.
موجة الحر
وفي منطقة عكار التي تفتقر للخدمات الأساسية، لطالما اعتمد حمود على نبع مجاور لري مزروعاته، لكن مياه النبع شحّت تدريجاً خلال السنوات الماضية حتى أن الكمية لم تعد كافية لزراعة كامل أرضه.
ويقول المزارع الذي انكب على الحراثة، "ليس باستطاعنا أن نشتري المياه كل يوم، لا للمزرعة ولا حتى للبيت".
ويضيف، "نبعنا كان قوياً... لكن ليس هناك اليوم سوى القليل من المياه"، وفي حال جفت تماماً "سيكون علينا الرحيل".
وشهد لبنان في الموسم الحالي كمية أمطار دون معدلاتها الموسمية، وفق ما يقول رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية محمد كنج.
ويشير إلى أن موجة الحر، التي ضربت لبنان لمدة 13 يوماً في أغسطس (آب)، تُعد "الأعنف من حيث عدد الأيام وشمولية المناطق ودرجات الحرارة الاستثنائية التي سُجلت على الساحل والجبال وفي الداخل".
الحرائق
وتعد منطقة عكار الأكثر فقراً في لبنان، وطالما اشتكى أهلها من التهميش وإهمال مؤسسات الدولة وغياب الخدمات الضرورية. وفاقم الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالدولة منذ عام 2019 الوضع المعيشي سوءاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفضلاً عن ذلك، بيّن تقرير للجامعة الأميركية في بيروت العام الماضي أن قدرة عكار على التكيف مع متطلبات تغير المناخ ضعيفة إلى متوسطة، ما يعني أنها عرضة لمزيد من التدهور على وقع تغير معدلات هطول الأمطار ودرجات الحرارة.
وفي عام 2021، أتت حرائق على مساحات واسعة في محيط القبيات التي تعلو المنازل هضابها، حتى أن مراهقاً في الـ15 من العمر قضى أثناء محاولته إخماد الحريق.
وتقول المدرّسة السابقة نجلا شاهين (58 سنة)، "الحرائق أثرت علينا كثيراً، خفنا على حياتنا بعدما أطاحت بالنبات والأشجار".
لكن بعد هذه التجربة، بات هناك المزيد من الوعي حول كيفية تفادي الحرائق والتعامل معها.
وتشير شاهين بشكل خاص إلى برج بنته منظمة "مجلس البيئة" غير الحكومية في القبيات لمراقبة الأحراج تفادياً للحرائق. وتضيف أن ذلك كان ضرورياً في ظل "غياب الدولة" عن كل قضايا البيئة.
زيادة الوعي
وشاركت شاهين وابنها سامي (13 سنة) مطلع سبتمبر (أيلول) في جولة ضمن مهرجان "ريف" المحلي الذي يجمع بين البيئة والسينما. وتسلق خلالها المشاركون منحدرات أحراج عكار المليئة بأشجار الصنوبر، ومرّوا بالقرب من ينابيع عدة، أحدها شحت مياهه وآخر جفت تماماً.
وعلى رغم صغر سنه، يريد سامي "بقدر المستطاع أن يزيد الوعي" حول قضايا البيئة في بلد يكاد أن يكون تدوير النفايات فيه شبه معدوم، وتنتشر فيه مكبات القمامة العشوائية.
ويُرجع أنطوان ضاهر من منظمة "مجلس البيئة"، الشحّ في المياه إلى تراجع معدل الأمطار وارتفاع الطلب على المياه التي يحضّ السكان على خفض استهلاكها، متخوفاً من جفاف يهدد مستقبل الغابات. ويقول، "إنها مشكلة عالمية لكننا اليوم بتنا جزءاً من التغير المناخي".
ويحذر ضاهر من أنه على رغم الأوضاع المعيشية في لبنان، لا يجدر غض الطرف عن البيئة. ويقول، "ليست قضية ترف، بل إنها في صلب حياتنا، حين نسيء إلى البيئة، نسيء لأنفسنا وصحتنا ورفاهيتنا".
حماية الغابات
في القبيات، يدرب خالد طالب من جمعية "درب عكار" سكاناً على إجراءات مكافحة حرائق الغابات، بعدما قررت جمعيته الانخراط في عمليات إخماد النيران إثر حرائق 2020، وباتت اليوم تضم 15 متطوعاً في هذا المجال.
ويقول طالب لوكالة الصحافة الفرنسية، "نحن راهناً في ذروة موسم الحرائق"، مشيراً إلى أن نيران 2021 "أتت على أكثر من 1800 هكتار".
وفي عكار، وفق قوله، 200 كيلومتر مربع من الغابات، أي ما يعادل ثلث مساحة المنطقة، وفيها 73 نوعاً من الأشجار من أصل 76 نوعاً منتشراً في لبنان.
ويحذر من أن لبنان "لا يمتلك الإمكانيات اللوجيستية للتعامل مع حرائق كبيرة"، وقد شهد عدداً منها خلال السنوات القليلة الماضية، وبينها حرائق في عام 2019 التهمت مساحات حرجية واسعة وحاصرت مدنيين في منازلهم في مناطق عدة.
وفاقمت تلك الحرائق غضب اللبنانيين قبيل اندلاع احتجاجات غير مسبوقة عمّت البلاد ضد الطبقة السياسية وأحزابها كافة، متهمةً إياهم بالفساد والتقصير.
وبدلاً عن الدولة، يعرب طالب عن ثقته بالمجتمعات المحلية التي باتت قادرة أكثر على التعامل مع هكذا أزمات. ويقول، "لم نولد إطفائيين ولم يكن لدينا فكرة حول كيفية إخماد الحرائق، لكن توجهنا الأساسي اليوم هو حماية هذه الغابات".