Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح قمة "بريكس" في حلحلة الهيمنة الغربية؟

نشاط صيني واسع وملفات طموحة يناقشها المجتمعون في جوهانسبرغ بينها "كسر هيمنة الدولار" عالمياً وتوسيع العضوية والآمال تترقب النتائج

من بين الملفات الأكثر ترقباً في قمة بريكس هي محاولة الدول الأعضاء الخروج من هيمنة الدولار الأميركي على التجارة الدولية (أ ف ب)

ملخص

يقلل عدد من المراقبين من قدرة قمة بريكس على الخروج بنتائج وقرارات "قادرة على تغيير المشهد العالمي على المدى المنظور لا سيما على الصعيد الاقتصادي"

إلى جوهانسبرغ إحدى أكبر مدن جنوب أفريقيا، تتجه أنظار العالم حيث تلتئم القمة الـ15 لتجمع "بريكس" (تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) غداً الثلاثاء، لأول مرة حضورياً منذ جائحة كورونا، حيث تبحث كبرى الاقتصادات الناشئة محاولة "خلق نظام عالم جديد بعيداً من الهيمنة الغربية"، بعد أن بات "نظام الحكم العالمي التقليدي معطلاً وقاصراً"، وفق تصريح نقلته وسائل إعلام أفريقية عن تشن شياودونغ السفير الصيني في بريتوريا.

وعلى رغم شعار القمة الذي أقرته الدولة المستضيفة بعنوان "بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة" تتبدى أهمية القمة من قائمة الملفات "الطموحة" المطروحة على طاولتها، التي ترتكز على مساعي توسيع نفوذ التكتل والدفع باتجاه تحول في السياسة العالمية، عبر بحث تعميق استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء، والعمل على إنشاء نظام مدفوعات مشترك وصولاً لإصدار عملة موحدة لدول التجمع، فضلاً عن بت توسيع نطاق العضوية فيها، بعد أن أعربت 40 دولة على الأقل عن رغبتها في الانضمام بينها 23 دولة تقدمت بطلبات رسمية.

وفيما يغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن القمة، على وقع مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه، حيث سيترأس وفد موسكو وزير الخارجية سيرجي لافروف، تخيم على الأجواء التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ فبراير (شباط) 2022، في المقابل يحظى حضور الرئيس الصيني تشي جينبينغ، باهتمام واسع، إذ يتضمن جدول زياراته المستمرة لثلاثة أيام عقد قمة رسمية مع نظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، قبل مشاركته في أعمال قمة بريكس، التي يختتمها بلقاء مع زعماء أفارقة "للدفع بالتعاون الصيني الأفريقي في العصر الجديد"، في محاولة صينية "لتعظيم وتعزيز توسعها في القارة السمراء" بحسب ما أوضح مراقبون لـ"اندبندنت عربية".

وأمام الطموحات الواسعة والآمال المعلقة  من جانب الدولة المستضيفة للقمة والوفود الرسمية المشاركة، حيث يتوقع أن يتجاوز عدد القادة المشاركين 40 رئيس دولة وحكومة، وفق تصريحات حكومية صادرة عن بريتوريا، يقلل عدد من المراقبين من قدرة القمة الراهنة على الخروج بنتائج وقرارات "قادرة على تغيير المشهد العالمي على المدي المنظور لا سيما على الصعيد الاقتصادي"، وذلك على رغم تأكيد الرئيس رامافوزا، أن القمة ستكون "رائعة"، مشيراً خلال اجتماع عقده أمس السبت، للحزب الوطني الأفريقي الحاكم في جوهانسبرغ، أن وجود هذا العدد الكبير من قادة الدول "يظهر نفوذ جنوب أفريقيا وتأثيرها" في العالم.

"بريكس" وكسر "هيمنة الدولار"؟

من بين الملفات الأكثر جدلاً وترقباً في قمة بريكس الـ15، هي محاولة الدول الأعضاء (البرازيل والهند وروسيا والصين وجنوب أفريقيا) الخروج من هيمنة الدولار الأميركي على التجارة الدولية، عبر بحث تعميق استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء، وإنشاء نظام مدفوعات مشترك، فضلاً عن العمل على تشكيل لجنة فنية لبدء النظر في إصدار عملة مشتركة محتملة، لا سيما وأن البلدان الخمسة تمثل ما مجموعه نحو 42 في المئة من سكان العالم، و24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و18 في المئة من التجارة العالمية.

ووفق ما نقلت وكالة "بلومبيرغ"، قبل أيام عن أنيل سوكلال، كبير دبلوماسيي جنوب أفريقيا المسؤول عن العلاقات مع "بريكس"، فإن مسألة "التداول بالعملات المحلية مطروحة على جدول الأعمال بقوة، مضيفاً "المحادثات ستركز على قضايا، من بينها إنشاء نظام مدفوعات مشترك، ومن المرجح تشكيل لجنة فنية لبدء النظر في عملة مشتركة محتملة".

هذه الرؤية، سبقها تحرك روسي حثيث في الاتجاه ذاته، على إثر العقوبات الغربية الواسعة المفروضة عليها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فبراير 2022، ففي أوائل العالم الجاري، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، رداً على استمرار العقوبات الغربية ضد بلاده قائلاً إن "موسكو ستتخلص من النظام المالي الغربي"، إلا أنه بحسب تعبيره، فإن ذلك "يحتاج إلى وقت"، الأمر ذاته كرره لافروف، خلال جولته الأفريقية في يناير (كانون الثاني) الماضي، منوهاً أن "قمة بريكس المرتقبة في جنوب أفريقيا، ستناقش إنشاء عملة موحدة لدول المجموعة"، مضيفاً أن هناك حاجة إلى "التفكير في إنشاء عملات خاصة داخل مجموعة دول (بريكس)، وداخل مجتمع دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي".

وفيما تبقى بكين داعمة للخطوة، التي ستعظم موقفها وفق مراقبين، في حربها التجارية مع واشنطن، كان لافتاً، طرح وزراء خارجية دول "بريكس" خلال اجتماعهم التحضيري للقمة في يونيو (حزيران) الماضي، مناقشة "الأدوات التي يمتلكها التكتل للتخلص من هيمنة النظام الاقتصادي العالمي، ومناقشة الاستخدام المحتمل للعملات البديلة لمواجهة هيمنة الدولار على التجارة العالمية"، مؤكدين في الوقت ذاته طموح "بريكس" في منافسة القوى الغربية، وتطلعهم لإقرار "عالم متعدد الأقطاب" يعيد التوازن إلى النظام العالمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن أمام تلك الطموحات الواسعة والآمال المعلقة التي تتجاوز دول بريكس، إلى عديد من الدول الناشئة لا سيما في القارة السمراء، التي تأثرت بشكل واسع جراء الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات الصراع بين موسكو والغرب من جهة، وواشنطن وبكين من جهة أخري، تتباين آراء المراقبين ممن التقتهم "اندبندنت عربية"، في جوهانسبرغ، بشأن إزاحة تربع الدولار من التجارة العالمية، على المدى المنظور لا سيما وأنه واليورو (العملة الأوروبية الموحدة) يسيطران على نحو 75 في المئة من التعاملات التجارية والمالية حول العالم.

وتقول عائشة ماندا، الباحثة في جامعة بريتوريا، بجنوب أفريقيا، "ما من شك أن النظام المالي العالمي بشكله الراهن يحتاج إلى إعادة نظر بما يتناسب ومصالح الدول النامية والناشئة"، موضحة، أن "فكرة إزاحة الدولار من الهيمنة على الاقتصاد العالمي، حتى وإن لم تتحقق بشكل فعلي، إلا أنها تبقى رسالة سياسية واقتصادية مهمة تعبر عن نفور كثير من الدول حول العالم من سيطرة الغرب على النظام العالمي والتحكم في الاقتصادات الوطنية دون النظر إلى مصالح شعوب تلك البلدان".

وتقلل ماندا، من قدرة بلدان "بريكس"، أو حتى الدول المرشحة للانضمام إليها على تسريع وتيرة المضي قدماً في هذا الاتجاه على المدى المنظور، لا سيما أن مثل هذا التحرك يحتاج كثيراً من الخطوات الإجرائية الأولية ليكون فاعلاً، كإنشاء بنك مركزي موحد، والوصول لتفاهمات حقيقية على المستوى السياسي بين تلك البلدان، موضحة "القوة الحقيقية لا تزال بأيدي الدول الغربية، وذلك على رغم صعود الصين القوي، إلا أنها لم تصل حد القوة المهيمنة القادرة على إحداث تغيرات دراماتيكية في المشهد العالمي إلى الآن".

وفيما يتربع اليوان الصيني قائمة عملات دول "بريكس"، المنتشرة في الاقتصادات الدولية، إلا أن حصته من التجارة الدولية لا تزال محددة، إذ تقدر إحصاءات مالية عالمية من بينها "نظام سويفت" (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) أن الدولار الأميركي يهمين على 42 في المئة من معاملات العملات العالمية، فيما تبلغ حصة اليورو 32 في المئة، بينما يسهم اليوان الصيني بنحو اثنين فقط، كذلك يقدر صندوق النقد الدولي أن 59 في المئة من احتياطيات البنوك المركزية العالمية بالدولار، ويشكل اليورو 20 في المئة منها، واليوان 5 في المئة فقط.

من جانبه، يلفت رودريك مولنيا، أحد أعضاء الوفد الملاوي، أن فكرة "العمل على إزاحة هيمنة الدولار تبقى مهمة وتعبيراً عن محاولات جادة مما يعرف بدول الجنوب من أجل إعادة التوزان إلى النظام العالمي لا سيما على صعيد الاقتصاد"، مضيفاً أن "تبني تكتل بقوة بريكس لهذا التوجه، بما يملكه من مقومات اقتصادية قوية ومؤثرة في الساحة الدولية، يشجع مزيداً من الدول حول العالم نحو المضي قدماً في كسر هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، لا سيما مع التداعيات الوخيمة التي خلفتها الأزمات الدولية على الاقتصادات الوطنية".

ملف توسيع العضوية والحسم المنتظر

ملف ثان يتصدر أعمال قمة "بريكس" في قمتها الـ15، التي يحضرها كل من الرئيس الصيني تشي جيبنبينغ، والبرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، فضلاً عن الرئيس المضيف رامافوزا، ووزير الخارجية الروسي ممثلاً لبلاده، تشهد أعمال القمة مشاركة واسعة تتجاوز ـ40 رئيس دولة وحكومة، بعد أن دعي ما مجموعه 69 دولة لحضور القمة من بينها جميع الدول الأفريقية، وذلك في وقت قالت فيه مصادر رسمية، إن هناك اهتماماً متزايداً بالتكتل، إذ أعربت 40 دولة على الأقل عن رغبتها في الانضمام إليه بينها 23 دولة قدمت طلبات رسمية لنيل عضويته، من بينها ثمان دول عربية، بحسب ما أعلنته ناليدي باندور، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا.

وقبل أيام نشرت باندور، قائمة الدول التي تقدمت بطلبات رسمية للانضمام إلى منظمة "بريكس"، من الدول العربية، الجزائر والبحرين ومصر والكويت والمغرب وفلسطين والسعودية والإمارات، أما من الدول الأجنبية فضمت القائمة، بنغلاديش وإيران وكازاخستان ونيجيريا والسنغال وإثيوبيا وبيلاروس وبوليفيا والأرجنتين وفنزويلا وفيتنام وكوبا وهندوراس وإندونيسيا وتايلاند.

ووفق تصريحات أنيل سوكلال، كبير دبلوماسيي جنوب أفريقيا المسؤول عن العلاقات مع "بريكس"، قبيل انطلاق أعمال القمة رسمياً، قال إن أحد الأسباب التي تجعل الدول تصطف للانضمام إلى "بريكس" هو "العالم الشديد الاستقطاب الذي نعيش فيه والذي زادت من استقطابه الأزمة الروسية-الأوكرانية، حيث تجبر البلدان على الانحياز" إلى أحد الطرفين.

وذكر سوكلال، أن "دول الجنوب لا تريد أن يملى عليها من تدعم وكيف تتصرف وكيف تدير شؤونها السيادية، إنها قوية بما يكفي الآن لتأكيد مواقفها"، مشيراً إلى أن بريكس بعثت الأمل للدول التي تتطلع إلى إعادة رسم "الهيكل" العالمي، معتبراً أن "الأسواق الرئيسة الآن تقع في جنوب العالم، لكننا ما زلنا على الهامش من حيث صنع القرار العالمي"، على حد وصفه.

وبحسب مصادر متطابقة في جوهانسبرغ، فإن القمة الحالية، ستبحث بشكل جاد "إمكان توسيع عضويتها عبر بت طلبات انضمام رسمية قدمت إليها خلال الفترة الأخيرة"، مشيرة إلى أن "محادثات ستجري في القمة حول نموذج التوسيع ومبادئه ومعاييره"، وذلك في وقت يرى كثيرون أن حرص عديد من الدول على الانضمام لـ(بريكس)، يأتي انطلاقاً من رؤيتها للتكتل "كبديل للهيمنة الحالية من قبل الغرب".

وتمثل دول "بريكس" مليارات الأشخاص عبر ثلاث قارات مع اقتصادات تشهد مراحل متفاوتة من النمو، لكنها تتشارك أمراً واحداً، "ازدراء نظام عالمي تقول إنه يخدم مصالح القوى الغربية الغنية"، وفي هذا الاتجاه كان لافتاً تدشين التكتل الاقتصادي في عام 2014، بنك التنمية الجديد، في محاولة كسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، وبلغ رأس مال البنك الأولي نحو 50 مليار دولار، وانضمت إليه اقتصادات نامية وناشئة من خارج التجمع، إذ اكتتبت دول مثل مصر والإمارات وأوروغواي وبنغلاديش عام 2021 في أسهم البنك باستثمارات بلغت 10 مليارات دولار.

نشاط صيني لافت

على هامش القمة، بدا النشاط الصيني الأكثر بروزاً في جوهانسبرغ، بجانب الوفد الكبير على المستوى الإعلامي والاقتصادي في القمة، تجلى الاهتمام الصيني بالقارة السمراء من خلال جدول زيارة الرئيس تشي جيبنبينغ إلى جنوب أفريقيا التي تعد الثانية له خارجياً هذا العام، بعد زيارته إلى روسيا في مارس (آذار) الماضي.

وفيما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن "الرئيس الصيني شي جينبينغ غادر بكين الإثنين لحضور قمة بريكس الـ15 التي ستنعقد في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، وللقيام بزيارة دولة إلى جنوب أفريقيا". يستهلها بقمة مع نظيره الجنوب أفريقي غداً الثلاثاء في بريتوريا ثم يسافر لاحقاً إلى جوهانسبرغ لحضور قمة بريكس، أوضح السفير الصيني لدى جنوب أفريقيا إن الرئيس شي جينبينغ سيلتقي زعماء أفارقة على هامش قمة بريكس "للدفع بالتعاون الصيني الأفريقي في العصر الجديد".

وأضاف السفير تشن شياو دونغ في إفادة أن الاجتماع سيعقد في وقت متأخر من مساء الخميس المقبل، وهو آخر يوم من القمة التي تستمر ثلاثة أيام. وذلك اليوم الأخير مخصص للفعاليات التي تضم أكثر من 70 دولة تمت دعوتها بصفتها من "أصدقاء" بريكس. مضيفاً أن "شي والزعماء الأفارقة سيرسمون خارطة للتعاون لإتاحة فرص عمل وتحسين سبل المعيشة في أفريقيا". وتابع "ستتسق المبادرات مع احتياجات إعادة هيكلة وتطوير اقتصاد أفريقيا". وهو الأمر الذي يعكس مدى الاهتمام الصيني وحرصها على توسيع نفوذها أمام أدوار منافسة غربية لها في القارة السمراء، وفق ما يقول مراقبون، مشيرين إلى دعم بكين "لتوسيع بريكس وقبول أعضاء جدد في التكتل في الفترة المقبلة".

ويأتي لقاء شي بالزعماء الأفارقة بعد قمة روسية أفريقية عقدت الشهر الماضي في سان بطرسبرغ، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 17 زعيماً أفريقياً حضروا القمة من بين 54 دولة أفريقية تمت دعوتها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير