Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبح ترمب المرشح الذي لا يقهر في الحزب الجمهوري؟

فشل ديسانتس في تقديم البديل المناسب والمرشحون الآخرون بعيدون من المنافسة

استفاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الهجمات المتوالية ضده وتمكن من توظيفها لصالحه (أ ف ب)

ملخص

ما سبب تصدر ترمب بهوامش واسعة؟ وهل يمكن استمرار هذا التأييد مع بدء الانتخابات التمهيدية وعلى رغم القضايا والمشكلات القانونية التي تتصاعد ضده؟

فاجأ الاستطلاع الذي أجرته "نيويورك تايمز" وكلية "سيينا" وأظهر تقدماً ساحقاً للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ضد أقرب منافسيه حاكم فلوريدا رون ديسانتس غالبية المراقبين، لأن ترمب أثبت أنه يتمتع بمزايا حاسمة في كل مجموعة ديموغرافية ومنطقة وفي كل جناح أيديولوجي للحزب، كما تخلص الناخبون الجمهوريون من مخاوفهم في شأن تصاعد الخطر القانوني الذي يواجه ترمب المتصدر للسباق بتأييد 54 في المئة من الناخبين المحتملين بفارق 37 عن ديسانتس، فما سبب تصدر ترمب بهوامش واسعة؟ وهل يمكن استمرار هذا التأييد مع بدء الانتخابات التمهيدية على رغم القضايا والمشكلات القانونية التي تتصاعد ضده؟

لماذا لا يقهر؟

مرة أخرى يثبت الرئيس ترمب عبر أحدث استطلاع للرأي أنه مرشح لا يقهر داخل الحزب الجمهوري حتى قبل ساعات أو أيام من توجيه اتهامات فيدرالية جديدة حول دوره في الهجوم على مبنى الكابيتول، ومحاولة تعطيل نتيجة انتخابات 2020 التي خسرها ضد الرئيس الحالي جو بايدن، فقد أظهر استطلاع كلية "سيينا" لمصلحة صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترمب لا يزال يقود الحزب الجمهوري من خلال قاعدة لا تتزعزع من المؤيدين والمخلصين له، والتي تتشكل بالأساس من كتلة "ماغا" (اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، مما يشير إلى أنه سيكون على الأرجح مرشح حزبه للانتخابات الرئاسية العام المقبل، لأنه على مدى نصف قرن لم يفقد مرشح للانتخابات التمهيدية الرئاسية تفوقه ضد منافسيه حينما تتجاوز نسبة تأييده 20 نقطة مئوية في هذه المرحلة.

وعلى رغم أن دعم كتلة "ماغا" من مؤيديه المخلصين التي تمثل أكثر من ثلث الناخبين الجمهوريين لا يكفي وحده لفوزه في الانتخابات التمهيدية التي ستبدأ في ولاية أيوا خلال شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، إلا أن هذه النسبة تعد كبيرة إلى الدرجة التي تجعل هزيمة ترمب صعبة للغاية، قياساً بما يشير إليه السجل التاريخي للمرشحين السابقين في العصر الحديث، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

ويعود سبب عدم إمكان تغير هذا التأييد من كتلة "ماغا" لأن عناصرها يؤيدون الرئيس السابق بطريقة استثنائية، فهم شعبويون محافظون من أصحاب الياقات الزرقاء ولديهم وجهة نظر مواتية جداً للرئيس ترمب، وهم مقتنعون تماماً بما يقوله ويتماشى مع المزاج العابس للناخبين الجمهوريين بأن الأمة الأميركية في خطر وعلى شفا كارثة، وأن اليسار الليبرالي الذي يقوده الرئيس الحالي جو بايدن يدمر الولايات المتحدة، كما أنهم يرون أن ترمب لم يرتكب جرائم فيدرالية، ويرى 90 في المئة منهم أن على باقي الجمهوريين أن يقفوا خلفه في مواجهة التحقيقات.

حزب منقسم

وفي حين أن معظم الناخبين الجمهوريين إما لا يدعمون ترمب بقوة خلال الانتخابات التمهيدية أو لا يدعمونه على الإطلاق، وغالبيتهم ليس لديهم وجهة نظر إيجابية للغاية عن الرئيس السابق، فإن المشكلة التي تواجه أي مرشح منافس لترمب هو أن الحزب الجمهوري منقسم وبقية الناخبين الجمهوريين الذين لا يدعمونه بقوة ليس من السهل توحيدهم، ذلك أن بعضهم محافظون ويحابون ديسانتس لكنهم يظلون منفتحين على انتخاب ترمب أيضاً، بينما بعضهم الآخر الذي يشكل نحو ربع الناخبين في الانتخابات التمهيدية وغالباً ما يكونون متعلمين وأثرياء ومعتدلين، يشككون في ترمب ولا يفكرون به في الانتخابات التمهيدية، ويقولون إنه ارتكب جرائم ولن يدعموه حتى في الانتخابات العامة ضد الرئيس بايدن، سواء كان ذلك لأنهم يفضلون بايدن بالفعل أو أنهم ببساطة لن يكلفوا أنفسهم عناء التصويت.

ولا يبدو أن هاتين المجموعتين من الناخبين تختلفان فقط حول ترمب بل حول القضايا المثارة في الانتخابات، إذ إن المشككين في ترمب يدعمون تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية إضافية لأوكرانيا وإصلاح شامل للهجرة، ويعارضون حظر الإجهاض لمدة ستة أسابيع والذي أقره ديسانتس في ولاية فلوريدا أخيراً، في حين تتخذ الفئة الأخرى المنفتحة على انتخاب ترمب وجهة نظر معاكسة لجميع هذه القضايا، ولهذا سيكون على ديسانتس أو أي مرشح آخر يسعى إلى التغلب على ترمب أن يجمع كل هؤلاء الناخبين معاً.

حظوظ ديسانتس تتلاشى

جعل ديسانتس هزيمة أيديولوجية "الاستيقاظ" الراديكالية في قلب برنامجه الانتخابي وحجر الزاوية لتشكيل هويته السياسية بين الناخبين، مما جعل نسبة كبيرة من الناخبين المحتملين أكثر استعداداً لتأييده، لكن الإشكال الذي يواجه ديسانتس هو أن الناخبين الذين يركزون على أيديولوجية "الاستيقاظ" لا يزالون يفضلون ترمب بنسبة 61 في المئة مقابل 36 في المئة لديسانتس، ولهذا سيكون من الصعب على ديسانتس تحقيق اختراق ضد ترمب في الحجج السياسية وحدها.

وإضافة إلى ذلك ظل ديسانتس يعتمد في جاذبيته بين الجمهوريين على أن هزيمة الرئيس بايدن تتطلب تفعيل أجندة محافظة مارسها بالفعل كحاكم من خلال مجموعة كاسحة من الأولويات المحافظة التي أعادت توجيه ولاية فلوريدا بشكل حاد، ووعد بأنه سيجلب الحماسة السياسية نفسها إلى البيت الأبيض، في حين أن ترمب أرهق الحزب بما يسميه "ثقافة الخسارة" خلال أعوام حكمه، ومع ذلك لا يبدو أن هذه الحجج تعمل، إذ قال 58 في المئة من الجمهوريين إن ترمب هو الأقدر على هزيمة جو بايدن وليس ديسانتس، كما ينظر 67 في المئة إلى أن ترمب هو الشخص الذي ينجز الأمور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الجانب الشخصي فإن ديسانتس الذي ينظر إليه على أنه أخلاقي وشخصية محبوبة ورجل مسيحي صالح ورجل عائلة رائع يفتقر إلى الكاريزما ولا يزال يتراجع عن ترمب الذي يرى كثير من الجمهوريين أنه يتمتع بروح الدعابة ويجلب نوعاً من الاستمتاع، ومع كل هذه الأسباب وعكس الاستطلاع الأخير فقد تقدم ترمب على ديسانتس في الفئات العمرية المختلفة وحتى بين المتعلمين تعليماً جامعياً، بل إن من يصفون أنفسهم كمستقلين لا يزالون يفضلون ترمب بنسبة 45 في المئة مقابل 17 في المئة لديسانتس.

ترمب مرشح الحزب

ووفقاً للمحلل السياسي في صحيفة "واشنطن بوست" فيليب بومب فإنه لا يوجد سبب في هذه المرحلة للاعتقاد بأن ترمب لن يكون مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024، ذلك أن النتيجة النهائية للاستطلاع تعتبر دليلاً واضحاً على هذا المعنى، ويعود ذلك في جزء كبير منه لأن غالبية مؤيدي ترمب يتابعون وسائل الإعلام التي تعكس وجهة نظر اليمين المتشدد، وبالتالي يتبنون أفكارهم ورؤاهم، وحتى عندما طرح الاستطلاع سؤالاً مثيراً للاهتمام حول من هو المسؤول المنتخب الذي يجب أن يعطى الأولوية، أصحاب الخبرة أم من يمتلكون الفطرة السليمة من الناس العاديين؟ اختار غالبية الجمهوريين من يمتلكون الفطرة السليمة، في حين أن ثلث مؤيدي ديسانتس يعتقدون أن على السياسيين أن يستمعوا إلى الخبراء.

ويبدو بحسب كثير من خبراء الانتخابات الاستراتيجيين أن ترمب يستفيد من تكاثر المرشحين بما يفتت أصوات منافسيه في نظام يسمح بفوز المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التمهيدية داخل معظم الولايات، ولهذا يسهم هذا النظام في جعل الأفضلية تذهب إلى الرئيس السابق في مواجهة نحو 12 مرشحاً منافساً لا يبدو أن أياً منهم، بمن فيهم ديسانتس، ظهر كبديل مكافئ يتمتع بشعبية قادرة على المنافسة حينما تبدأ الانتخابات التمهيدية أوائل العام المقبل.

عوامل التفوق

وعلى رغم أن غالبية المراقبين وبعض الجمهوريين حملوا ترمب مسؤولية النتائج المخيبة للآمال التي حاقت بالحزب الجمهوري خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، حين لم يتمكنوا من استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ وسيطروا بفارق ضئيل جداً على مجلس النواب، خلاف التوقعات السابقة التي تحدثت عن موجة جمهورية حمراء ستعصف بالديمقراطيين، كما شكك آخرون في قدرته على الصمود في وجه سلسلة من الاتهامات التي تواجهه، إلا أن ترمب استفاد من الهجمات المتوالية ضده وتمكن من توظيفها لمصلحته عبر تأطيرها في خانة المطاردة والدوافع السياسية من اليسار الليبرالي، ولا تزال غالبية الجمهوريين تعتقد أن انتخابات 2020 سرقت منهم على رغم إدراك جزء كبير منهم بعدم ظهور أي دليل على الإطلاق يثبت صحة هذا الادعاء.

ومنذ ترشحه الأول حرص ترمب على أن يظهر نفسه كضحية وحتى كشهيد، بل وبطل خارق يمكن لقاعدته أن تجسد نفسها فيه، ومن جهة أخرى وعلى سبيل المثال قال ترمب عشية انتخابات عام 2016 إنه "صوت المنسيين"، ويقدم نفسه الآن على أنه "المحارب وممثل العدالة"، واعداً بأن يكون القصاص لمن تعرضوا للظلم والخيانة.

ويوضح هذا الشك الدائم ليس فقط أن الإدراك مهم أكثر من الواقع، ولكن أيضاً أن أعراض أزمة الهوية لا تزال متجذرة في القلق الاقتصادي والاستياء العرقي بحسب ما تشير إليه صحيفة "واشنطن بوست"، فقد أشارت أبحاث عدة منها دراسة نشرتها جامعة "كامبريدج" إلى أن ناخبي ترمب هم في الغالب من البيض والإنجيليين والطبقة الوسطى وغير الحاصلين على مؤهل جامعي، وأن مسألة الهوية كانت في أول اهتماماتهم ودوافعهم التصويتية وبخاصة في ما يتعلق بالعرق والدين ونوع الجنس أكثر من اهتمامهم بالاقتصاد، وهذا ما منح ترمب القوة خلال انتخابات عام 2016.

أسباب أخرى

ويعود هذا بالنسبة إلى جزء من الناخبين الأميركيين البيض، بحسب صحيفة "ذا أتلانتيك"، لما يسميه عالم الاجتماع آرلي هوشيلد "تاريخاً عميقاً"، يتحدث فيه عن أن البيض من الطبقة الوسطى يشعرون بأن الأقليات تنبذهم وتتخلى عنهم الحكومة ويتعرضون للتضحية بهم ويعاملون بازدراء من قبل النخبة اليسارية، وينبع استياؤهم جزئياً من تغير التركيبة السكانية في المجتمع الأميركي، إذ انخفضت حصة الناخبين البيض من 69 في المئة عام 1980 إلى 39 في المئة فقط عام 2020، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 30 في المئة بحلول عام 2032، وفقاً لمركز السياسات في جامعة فيرجينيا.

وعلاوة على ذلك ينبع نجاح الرئيس السابق من جاذبيته وقدرته على الاستفادة من خوف هؤلاء البيض واستيائهم وشعورهم بالإذلال عبر ما يسمى التاريخ العميق، كما أن ترمب نفسه لديه استياؤه الخاص تجاه النخبة في نيويورك وتجاه الرجال السود الناجحين مثل باراك أوباما الذي يراه غير مؤهل أو مذنب، لأنه نجح في استقطاب السياسة الأميركية حول قضية العرق خلال فترة حكمه، وفقاً لصحيفة "بوليتيكو".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير