Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع على السيطرة في سجن نسائي بهندوراس

مات العشرات حرقاً في أحدث أعمال الشغب التي اندلعت في هندوراس ولكنها حصلت هذه المرة في سجن للنساء. تاريخ طويل ودام يطبع جهود الحكومة لمحاولة كسر القبضة الخانقة التي تمارسها أكبر العصابات في المنطقة على عديد من المرافق

قريبة من إحدى النزيلات تبكي بينما يواسيها الآخرون وهم ينتظرون أخباراً عن أحبائهم خارج سجن النساء الذي شهد أعمال الشغب (فريدي رودريغيز/ رويترز)

ملخص

أعادت حادثة العنف الدموي التي شهدها سجن النساء الوحيد في هندوراس تسليط الأضواء على أوضاع السجون المزرية في البلاد واستفحال عنف العصابات فيها

إنها من أكثر أعمال العنف دموية التي تشهدها هندوراس خلال تاريخها الطويل المضطرب الذي يطبع نظام السجون فيها. فقد أفادت الشرطة باندلاع أعمال الشغب عندما قام أفراد مسلحون من عصابة "باريو 18" Barrio 18 بتقييد الحراس، وهاجموا أفراداً من عصابة "مارا سالفاتروشا" (أم أس-13) MS13 المنافسة. وبحسب مكتب المدعي العام، بلغت حصيلة القتلى 46 شخصاً يوم الأربعاء في السجن الوحيد المخصص للنساء في البلاد في منطقة تمارا قرب العاصمة تيغوسيغالبا.

وأمطر أفراد العصابة منافسيهم بوابل من النار وقطعوهم بالسواطير، ومن ثم يبدو أنهم احتجزوا الناجين في زنزاناتهم وصبوا عليهم سائلاً قابلاً للاشتعال، بحسب ما أفاد خوان لوبيز روشيز مدير العمليات في الشرطة الوطنية في البلاد. وأضاف قائلاً "ذهبت مجموعة مسلحة إلى مبنى الزنزانات الذي يضم أفراد عصابة منافسة وأوصدوا الأبواب وفتحوا النيران على الذين كانوا في الداخل، ويبدو أنهم استخدموا بعض الزيت لإضرام النيران فيهم، وهذا أمر ما زال يخضع للتحقيق". 

ويقال إن كثافة النيران اخترقت جدران الزنزانات التي تحولت إلى سواد فيما تحولت الأسرة إلى أكوام ملتوية من المعدن. وتقوم السلطات بتحديد بقايا جثث السجناء التي "تفحم عديد منها أو تحول إلى رماد"، بحسب يوري مورا المتحدث باسم مكتب المدعي العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان عدد الأسلحة التي وجدت في السجن بعد أعمال الشغب هائلاً: 18 مسدساً وبندقية هجومية وسلاحين رشاشين وقنبلتين يدويتين جرى تهريبها كلها إلى داخل السجن. وقال لوبيز روشيز "لا شك أن الأمر ناجم عن ثغرات بشرية في طاقم السجن. نقوم حالياً بالتحقيق مع كل الموظفين في المركز".

وشكلت أعمال العنف تلك مسألة عاناها بشدة نظام السجون في هندوراس على مر عقدين من الزمن وأكثر مع قيام المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان في هندوراس بدعوة السلطات لبذل مزيد من الجهد لاحتواء العصابات التي تسيطر على عديد من السجون ومراكز الاحتجاز البالغ عددها 26 في البلاد. وأشارت المفوضية إلى أن أكثر من 1000 شخص لاقوا حتفهم في أعمال العنف في السجون منذ عام 2003.

وتأتي هذه الحادثة في أعقاب نمط سائد شهدته المؤسسات عبر البلاد في أوقات مختلفة. وقالت ساندرا رودريغيز فارغاس، مساعدة مفوض نظام السجون في هندوراس إن المهاجمين "أبعدوا" الحراس في المرفق عن مراكزهم، من دون أن يصاب أحد بجروح، قرابة الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء، ومن ثم فتحوا البوابات المؤدية إلى مبنى الزنزانات المتاخم وبدأوا بذبح النساء هناك. ويقال إن المرفق يضم 900 سجينة.

وفي أعقاب ذلك، قالت رئيسة البلاد زيومارا كاسترو إن أعمال الشغب التي حصلت الثلاثاء "كان مخططاً لها من قبل ماراس maras [العصابات] بعلم وإذعان السلطات الأمنية". وتعهدت كاسترو اتخاذ "تدابير صارمة وحاسمة".

وتعد عصابتا "باريو 18" و"أم أس-13" من أكثر المنظمات الإجرامية خطورة في أميركا الوسطى، وزعم بأن أفراد إحدى العصابتين كن يقمن باستفزاز منافسيهن اللاتي قمن لاحقاً بإضرام النار في فراش الزنزانة التي تضم السجينات اللاتي يقمن بأفعال الاستفزاز هذه.

وأشار أفراد من عائلات السجينات أن عدة تحذيرات أطلقت قبل وقوع المأساة، وبحسب جوهانا باولو سوريانو أوسيدا التي تحدثت إلى وكالة "أسوشيتد برس" خارج المشرحة في تيغوسيغالبا وهي تنتظر الحصول على أخبار عن والدتها ماريبيل أوسيدا وأختها كارلا سوريانو. وكانت السجينتان تخضعان للمحاكمة بتهمة تهريب المخدرات، لكنهما احتجزتا في المبنى نفسه الذي يضم السجينات المحكومات.

وقالت سوريانو أوسيدا إنهما قالتا لها يوم الأحد إن "أفراد (باريو 18) خرجن عن السيطرة، وكن يتقاتلن معهن طوال الوقت. كانت تلك المرة الأخيرة التي نتحدث فيها".

وقالت امرأة أخرى لوكالة "أسوشيتد برس" لم تود الكشف عن اسمها خوفاً من أي أعمال انتقامية ضدها بأنها تنتظر أخباراً عن صديقتها. وصرحت قائلة "أخبرتني عندما رأيتها آخر مرة الأحد بأن أفراد "باريو 18" قمن بتهديدهن وقلن إنهن ستقتلنهن إن لم يقمن بتسليم أحد الأقارب".

وتطلب العصابات من الضحايا تسليم أحد الأصدقاء أو الأقرباء من خلال إعطاء العصابة اسمه وعنوانه وأوصافه لكي يتمكن المنفذون في وقت لاحق من إيجاده واختطافه أو سرقته أو قتله.

ولكن كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ تمارس العصابات سيطرة واسعة داخل سجون البلاد، حيث غالباً ما يفرض المساجين قواعدهم الخاصة ويبيعون سلعاً محظورة، كما أن بإمكانهم تهريب المسدسات وأسلحة أخرى إلى داخل السجن وهي مشكلة تحصل باستمرار وتنتج كثيراً من العنف. وتفاقم هذا الأمر بسبب الاكتظاظ المستمر، إذ تبلغ القدرة الرسمية لاستيعاب السجون نحو 13 ألف سجين في السجون المنتشرة في كافة أنحاء البلاد. وبلغت نسبة الإشغال في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بحسب الإحصاءات الرسمية نحو 150 في المئة، وتخطت 200 في المئة في فترات عديدة خلال السنوات الأخيرة.

أما لائحة الحوادث الرئيسة فهي طويلة ودامية. عام 2003، قتل أكثر من 60 شخصاً في سجن إل بورفينير El Porvenir بعد اندلاع أعمال شغب بين أفراد من عصابة "باريو 18" وأفراد عصابات أخرى تخللها إطلاق نيران. وفي أعقاب تلك الحادثة، صادرت الشرطة 12 سلاحاً رشاشاً و3 قنابل و3 مسدسات، كما استخدم السجناء أنابيب معدنية وهراوات.

عام 2004، اندلع حريق في سجن في سان بيدرو سولا التي تبعد نحو 100 ميل (160 كلم) شمال العاصمة وتسببت بمقتل أكثر من 100 سجين. وحصلت أسوأ كارثة سجون خلال فترة قرن من الزمن في هندوراس عام 2012 في إصلاحية كوماياغوا، حيث قتل 361 سجيناً جراء حريق اندلع في السجن. ولم يكن معظم الضحايا قد نالوا أحكاماً بعد أو دينوا. وتقبع نسبة ملحوظة من المسجونين في هندوراس قيد الاعتقال الذي يسبق المحاكمة.

ومن الحوادث الأخرى المشابهة قتل 9 سجناء بسواطير وسكاكين في سان بيدرو سولا عام 2008. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، في أواخر عام 2019، لقي 40 فرداً في العصابات مصرعهم في مواجهات واشتباكات في سجنين للرجال خلال عطلة نهاية أسبوع واحد.

وتشكل السجينات النساء نحو ستة في المئة من إجمالي عدد المساجين في البلاد، وقد شكل العنف أمراً متواتر الحصول بدرجة كبيرة في سجون الرجال خلافاً للسجون التي تضم نساءً، حيث كانت تلك الحوادث نادرة. وعلى رغم أن السلطات أفادت بأن نساء من عصابة "باريو 18" تعرضن للخنق على أيدي زميلاتهن في الزنزانة في أغسطس (آب) 2020. وأشار تقرير صدر عام 2021 عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن "الاكتظاظ الشديد وسوء التغذية وتردي حالة الصرف الصحي وحوادث الضرب والعنف بين العصابات ومقتل المحتجزين هي أمور وحوادث متفشية داخل السجون".

وفي سياق متصل، أسهم تدفق الأسلحة إلى داخل السجون في حصول سلسلة من عمليات القتل المتعمد والمذابح وأعمال الشغب المميتة. وإضافة إلى تلك الأمثلة التي سبق ذكرها، عثر في سجن تمارا الوطني عام 2020 على ستة أسلحة رشاشة من طراز أك-47 (كلاشينكوف) AK-47 و5 مسدسات أوتوماتيكية وقنبلتين يدويتين، فضلاً عن أنابيب محلية الصنع لإطلاق تلك الأسلحة.

سترون اسم سجن سان بيدرو سويلا يتردد خلال هذه التقرير، فهو أحد المرافق التي أقفلت، أو التي أشير إليها كأحد السجون التي ستغلق تدريجاً، ولكن تقرير يعود لعام 2013 سلط الضوء على مدى السيطرة التي بوسع العصابات امتلاكها في السجون.

وكشف تقرير صادر عن لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان بأن السجن كان يضم علامة مطلية باللون الأصفر على الأرض لفصل السجناء عن الحراس، وكان يطلق عليها اسم "خط الموت". وبحسب التقرير، كان حراس السجن يدركون أنهم "لا يستطيعون الدخول إلى الزنزانة من دون موافقة السجناء فيما يرفض السجناء مغادرة المحيط الخارجي تحت حراسة الشرطة".

وأضاف التقرير أن بوابة السجن كانت تضم قفلين. يقوم الحراس بإقفال البوابة من الخارج فيما يقفلها السجناء من الداخل وكان الوضع واضحاً بحسب أحد المسؤولين داخل السجن، لم يكن للحراس "أي سلطة لتغيير الأمور".

وأفاد التقرير بأن السجون تضم "محال حلاقة وكافيتيريا ومخابز وعمليات بيع كل أنواع الفاكهة والطعام وبيع الأدوية والملابس، فضلاً عن ورش خياطة ودكان إسكافي وورشة للمنتجات الجلدية ومنشرة وورشة نجارة وحرف يدوية وصناعة المرايا وطاولات بلياردو وطاولات ومنضدات ألعاب وآلات للمشروبات الغازية".

من الواضح أن الوضع في أرجاء هندوراس لم يتغير كما أملت السلطات منذ صدور ذلك التقرير. وفي غضون ذلك، أنشئت لجنة في أوائل العام الحالي وقامت بمداهمة السجون لاستعادة النفوذ من العصابات القوية وطرد الحراس الفاسدين والمتآمرين مع العصابات فيما منحت حالات الطوارئ التي مددت عدة مرات مزيداً من السلطة للمسؤولين لكي يتمكنوا من قمع أفراد العصابات المحتجزين.

وشكلت أعمال الشغب الدامية يوم الثلاثاء "نتاج هجوم مباشر للجريمة المنظمة ضد الأفعال التي نقوم بها عمداً" بحسب ما أفادت [مديرة قسم الطب الشرعي في مكتب المدعي العام في هندوراس] السيدة جوليسا فيلانويفا للمراسلين. وأضافت، "لن نتراجع".

واستبدلت رئيسة هندوراس بوزير الأمن رامون أنطونيو سابيلون، رئيس الشرطة الوطنية غوستافو سانشيز مساء يوم الثلاثاء، وحولت سابيلون إلى إدارات تابعة لوزارة الخارجية، كما وعدت باتخاذ مزيد من التدابير "لمحاربة الجريمة المنظمة وتفكيك المقاطعة الأمنية التي تتعزز داخل السجون".

ومن شأن أعمال العنف الأخيرة أن تزيد الضغط على الرئيسة كاسترو لمحاكاة النظام الصارم الذي لا تسامح فيه إطلاقاً في السجون الذي أرسته دولة السلفادور المجاورة. وأدت حملة القمع هذه إلى تراجع ملحوظ في معدل جرائم القتل، ولكن دخل عشرات الآلاف إلى السجن بسبب بلاغات مجهولة المصدر وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، بيد أن تلك التدابير أثبتت شعبيتها في بلد أرهبته عصابات الشوارع كعصابة "أم أس 13" لوقت طويل.

أسهمت وكالتا "أسوشييتد برس" و"رويترز" في إعداد هذا التقرير

© The Independent

المزيد من تقارير