Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مع تخطيط داعش للعودة تستعد "الفرقة الذهبية" لقتال طويل

آمر القوات الخاصة يخبر ريتشارد هول في بغداد أن ’داعش‘ في حالة فرار

أعضاء "الفرقة الذهبية" العراقية يشاركون في تدريب تحت قيادة مدربين عسكريين دوليين بالعاصمة بغداد في 20 مارس (أ.ف.ب)

كان العراق في عام 2014 على حافة الهاوية، فتنظيم داعش سيطر على ثلث البلد والجيش انهار، ولم تكن هناك سوى قوة قتالية واحدة فقط قادرة على قيادة المواجهة معه.

كان "جهاز مكافحة الإرهاب" المعروف باسم "الفرقة الذهبية" رأس حربة الهجوم المضاد لاستعادة قرى وبلدات ومدن حتى استطاعت أخيرا من السيطرة على آخر معاقل ’داعش‘ مدينة الموصل.

غير أن الانتصار جاء مقابل ثمن باهظ، إذ إن أفرادها بدلا من أن يقوموا بغارات محددة كانوا قد تدربوا عليها، قاتلوا كمشاة عاديين، وهذا ما أدى إلى خسارة الفرقة ما يقرب من نصف مقاتليها بسبب الإصابات والموت خلال معركة استرجاع الموصل.

واليوم، قد تكون الخلافة هُزمت، لكن داعش بصدد إعادة البناء. وهذا ما تعمله  الفرقة الذهبية أيضا، و جهودها خلال السنوات القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان تنظيم داعش قادرا على النهوض ثانية وتهديد العالم من جديد.

الشخص المكلف عدم تحقق هذا الأمر رجل اسمه الجنرال طالب شغاتي الكناني، آمر الفرقة الذهبية، وهو محارب قديم شارك في الحرب العراقية- الإيرانية وحرب الخليج الثانية، وقد أصبح الجنرال وجها معروفا خلال الحملة ضد "داعش" إذ إنه ظل يظهر على شاشات التلفزيون لتقديم ما تحقق من مستجدات حول المعركة.  

ولعل هناك أجهزة قليلة قادرة على الادعاء بأنها لعبت دورا أكبر من الفرقة الذهبية في هزم المجموعة الإرهابية، وفي منع عودتها. وفي حديثه مع الاندبندنت بمقر الفرقة في المنطقة الخضراء في بغداد، قال الجنرال الكناني إن قرار إرسال قواته البالغ عددها عشرة آلاف لمقاتلة "داعش" كان منطقيا.

وفي هذا الصدد قال إن "(داعش) ليس عدوا تقليديا، والشرطة والجيش لم يتدربوا للتعامل معه، في حين أن جهاز مكافحة الإرهاب متخصص في محاربة الإرهاب...كانت دوائر الأمن بحاجة إلى معنويات أعلى، خصوصا بعد سقوط الموصل، وكان تحت إمرتي هؤلاء المقاتلون المدربون بطريقة جيدة. وكانت المسؤولية ملقاة على عاتقي."

حققت الفرقة الذهبية سلسلة انتصارات سريعة خلال تقدمها من بغداد، مدعومة بائتلاف دولي تقوده الولايات المتحدة، من خلال تزويدها بمستشارين على الأرض وطائرات في الجو، وقد خاض مقاتلوها معارك مدن مع داعش في مدن تكريت والرمادي والفلوجة على طريقهم صوب الموصل.

وجاء إسناد هذه الفرقة بعد تشكيل "قوات الحشد الشعبي"، التي هي مظلة تضم تحتها ميليشيات شيعية في الغالب، ويبلغ عدد المتطوعين فيها حوالي 60 ألف شخص.

ومع كل انتصار حققه "جهاز مكافحة الإرهاب" في معاركه ضد داعش كان يكسب شعبية أكثر، وهذا ما أدى إلى تحول درامي في تقدير الجمهور لمنظمة كان يُطلق عليها سابقا اسم "الفرقة القذرة".

أُنشئ "جهاز مكافحة الإرهاب" من قبل المؤسسة العسكرية الأميركية بعد غزو العراق عام 2003. وتم انتقاء جنوده من أفضل ما قدمته الدوائر الأمنية الأخرى من أفرادها، ثم خضع لعملية اختيار مكثفة أشرفت عليها قوات "البيريات الخضراء" الخاصة. ومنذ البدء كلف هذا الجهاز تنفيذ غارات وعمليات استخباراتية متخصصة في مكافحة الإرهاب، وقد أدى أفرادها المهام بشكل فعال.

غير أنه مع بدء انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2007، بدأ الوضع يتفكك. فـ"جهاز مكافحة الإرهاب" نُسب إليه نفس الفساد وسوء الإدارة مثل بقية أجهزة الأمن الأخرى.

وكان رئيس الوزراء المتشدد في طائفيته، نوري المالكي- الذي يوجه إليه اللوم الأكبر في صعود داعش- قد اُتُّهم باستخدام جهاز مكافحة الإرهاب لملاحقة خصومه السياسيين.

وفي هذا السياق قال ديفيد ويتي، العقيد الأميركي المتقاعد من القوات الخاصة الأميركية والمستشار السابق لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي: "بالعودة إلى عام 2009، كان يُنظر إلى هذا الجهاز باعتباره الحرس الإمبراطوري للمالكي، نوعا من فريق اغتيال رئاسي... كان هناك استهداف لمعارضين سياسيين، وكان هذا يجري حتى حين كان هناك مستشارون أميركيون. فأفراد هذا الجهاز كانت لديهم قناعة بأنهم حين يتسلمون أمرا من رئيس الوزراء، عليهم تنفيذه."

غير أن هذه الحال تغيرت، حسب ويتي الذي كان مستشارا للجنرال الكناني خلال فترتي إيفاده إلى العراق، حين جاء تنظيم داعش، إذ إنهم "أصبحوا شعبيين مثل رواد الفضاء الأميركيين خلال الستينات" على حد قوله.

لقد أصبح "جهاز مكافحة الإرهاب" يُنظر إليه بأنه أحد المؤسسات غير الطائفية في العراق، حيث يضم في صفوفه مقاتلين وآمرين سنة وشيعة وكردا. وفي بلد مزقته الطائفية، يعتبر هذا نَفَسا من الهواء النقي بالنسبة إلى الكثير من العراقيين.

كذلك أصبحت الحكايات التي تروى عن بطولة أفراد هذا الجهاز أمرا مألوفا. يتذكر الجنرال الكناني مهمة محددة قام بها جندي من "الفرقة الذهبية" كانت أسرته قد قتلت على يد داعش.

يقول الكناني: "هو فقد كل شيء، لذلك قرر التسلل إلى داعش. نمّى لحية ولبس مثلهم، وبعد البقاء معهم أسبوعا فجر المكان بأكمله. أبطال الفرقة الذهبية قاموا بأشياء كثيرة."

غير أن آثار المعارك بدأت بعد فترة قصيرة، تظهرعليها. إذ أن "الفرقة الذهبية" خاضت معارك شوارع لاسترجاع مدينة الموصل وهذا ما جعلها تعاني من خسائر بشرية فادحة.

قال ويتي معلقا: "هم استنفدوا تقريبا كل الضباط.. كانوا فرقة هجومية تقود كل العمليات. نحن لم نتوقع أبدا أن يستعمل جهاز مكافحة الإرهاب هكذا. إنه مثل إرسال فريق القوات الخاصة (اِس إيه اِس) لاسترجاع مدينة. ومهمة كهذه هي من اختصاصات الجيش."

في المقابل، ظل جهاز مكافحة الإرهاب يتجنب الكشف عن الخسائر التي عاناها، لكن حسب وثيقة خاصة بالموازنة صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية قدرت حجم خسائره، بمقتل أو جرح 40 في المائة من جنوده، بينما قال بعض المحللين إن الرقم قد يصل إلى 60 في المائة.

خلال السنتين اللتين أعقبتا استرجاع مدينة الموصل على أيدي قواته، تمكنت الفرقة الذهبية من التعويض عما خسرته، على حد قول الجنرال الكناني، واسترجعت نفس القوة التي كانت تتمتع بها عام 2014.

وأوضح الكناني قائلا: "في وقت ما طلبنا ألف مجند، لكن عدد الذين قدموا للالتحاق بنا وصل إلى 312 ألف شخص. وهذا لأنهم يحبون جهاز مكافحة الإرهاب وهم يعرفون أنه القوة التي تهزم داعش."

كذلك تشعر المؤسسة العسكرية الأميركية بنفس الطريقة، فهي ترى هذا الجهاز سلاحا أساسيا لمحاربة داعش، وحسبما أفيد فإن واشنطن تريد مضاعفة عدد الفرقة الذهبية لتصل إلى 20 ألفا. لكن المهمة ستتغير، أو بالأحرى الفرقة الذهبية ستعود إلى أصولها.

يقول الجنرال الكناني: "بعد هزيمته في المدن، داعش موجود الآن في جيوب صغيرة في الصحراء، قريبا من الموصل وجبالها.. نحن لدينا المعلومات الاستخباراتية طوال الوقت حول هذه الخلايا ونحن نعمل على إزالتها. نحن سنعود إلى مكافحة الإرهاب."

إنه نوع المعارك التي أنشئ جهاز مكافحة الإرهاب من أجله، حسب مايكل نايتز، الخبير في شؤون العراق والزميل في "معهد واشنطن" للبحوث الاستراتيجية.

وفي هذا الصدد أوضح نايتز أنه "قوة إغارة أولية لمكافحة الإرهاب، مسندة بالطيران الأميركي وأحيانا بالمروحيات العراقية للهجوم على مواقع داعش القيادية في المناطق النائية، وغالبا ما يتم ذلك في الليل. وليس هناك أي قوة أخرى تقوم بتلك المهمة بشكل روتيني."

وأضاف الباحث الأميركي في شؤون الدفاع: "من السهل على المتمردين رصد عمليات التطهير التي يقوم بها الجيش العراقي وتجنبها، في حين أن جهاز مكافحة الإرهاب يقوم بغارات مفاجئة مستندة إلى معلومات استخباراتية."

مما تجدر الإشارة إليه أن جهاز مكافحة الإرهاب يلعب اليوم دورا داعما لعملية عسكرية كبيرة تجري في شتى أنحاء العراق بحثا عن خلايا داعش النائمة. وجاءت هذه العملية وسط أنباء عن عبور مئات من مقاتلي داعش الحدود عائدين إلى العراق من سوريا للانضمام إلى الخلايا النائمة في محافظة الأنبار.

حين تم استرجاع الموصل عام 2017، ولاحقا حين سقطت آخر جيوب الخلافة في مدينة باغوز الواقعة شرق سوريا في أوائل هذا العام، لم يخامر أغلب المخططين العسكريين وَهْم أن داعش تمت تصفيته.

 فقد أعد "داعش" نفسه لخسارة أرضه التي أنشأ عليها الخلافة منذ مدة. ولذلك فإن مقاتليه تسللوا عبر الخطوط في عدة معارك أساسية للتجمع في مناطق نائية من الصحراء العراقية، حيث بدأوا منها إعادة شن حملة تمرد جديدة.

ومثلما فعل عند استهلال صعوده السريع عام 2014، يقوم هذا التنظيم بعمليات اغتيال لسياسيين قياديين أو شيوخ عشائر أو قادة أمنيين – أو أي شخص يعتبر متعاونا مع الحكومة العراقية.

فحسب تقرير عن قدرات داعش نشر في "معهد دراسة الحروب" في يونيو(حزيران) الماضي قام التنظيم بما لا يقل عن 148 عملية اغتيال في ديالى والأنبار وصلاح الدين وبغداد خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2018.

ولاحظ معدو التقرير أن داعش اليوم "أقوى من سلفه القاعدة في العراق عام 2011، حين انسحبت الولايات المتحدة من العراق، وصعوده اللاحق سيكون أكثر تدميرا من حملته التي انطلقت عام 2014".

وجاء في التقرير أن "لداعش القدرة على الاستيلاء على مركز مديني كبير ثانية في العراق أو سوريا، لكنه بدلا عن ذلك اختار انتظار تحقق ظروف سياسية وأمنية ستمكنه من الاستيلاء على أراضٍ أوسع مع إمكانية البقاء فيها طويلا في المستقبل".

غير أن الجنرال الكناني متشكك في صحة هذا الرأي، وهذا لأن أحد العوامل التي ساعدت على نجاح داعش عام 2014 هو الدعم الكبير الذي كسبه من عدد كبير من السنة الساخطين. واليوم ليس هناك شيء كهذا.

وقال في هذا الصدد: "ليس له أي دعم، فالمواطنون لا يحبون أفراده، وهم مختبئون في الصحراء ولن يكون بإمكانهم تحقيق أي شيء".

وقال إن أكبر تهديد لضمان هزيمة داعش هو عدم الاستقرار السياسي، الذي يهدد بإعادة خلق الظروف التي سمحت له بالبروز في المقام الأول.

وأضاف الجنرال الكناني أن "داعش يستفيد من المشاكل السياسية والاقتصادية والطائفية ويزدهر بفضلها، وكلما كانت هناك مشاكل كهذه كلما كان أسلم لأفراده، فهم لا يحبون التقدم والديمقراطية. فالأيديولوجية المتطرفة التي يؤمن بها داعش تحتاج إلى وقت أطول لهزيمتها. وهذا يتطلب معالجة سياسية واقتصادية لإصلاحها."

© The Independent

المزيد من الشرق الأوسط