ملخص
رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في تقرير جديد لها حول إقليم تيغراي الإثيوبي عدداً من الانتهاكات الإنسانية وقعت أثناء وبعد الحرب التي دارت لعامين بين جبهة تحرير تيغراي والجيش الإثيوبي وحلفائه
أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في تقرير جديد لها حول إقليم تيغراي الإثيوبي، صادر الأربعاء الماضي، أن عدداً من الانتهاكات الإنسانية وقعت في الإقليم أثناء وبعد الحرب التي دارت لعامين بين جبهة تحرير تيغراي من جهة، والجيش النظامي وحلفائه من جهة أخرى.
وجاء في تقرير المنظمة الدولية أن حملة "عمليات طرد قسرية منسقة بدأت بشكل مكثف غرب تيغراي، ولم تتراجع على رغم توقيع اتفاق السلام في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي بجنوب أفريقيا".
وأشار التقرير إلى أنه "منذ اندلاع النزاع المسلح بتيغراي في نوفمبر 2020 نفذت السلطات الموقتة حملة تطهير عرقي في حق أفراد غرب الإقليم الشمالي الإثيوبي، مرتكبة بذلك جرائم حرب ضد الإنسانية".
وذكرت المنظمة الحقوقية أنها "وثقت حالات اعتقال تعسفي وتعذيب وترحيل قسري من المنطقة الممتدة من نهر تكازي إلى الحدود مع السودان".
وبحسب التقرير فإن اتفاق بريتوريا للسلام "لم يضع حداً للتطهير العرقي لأفراد تيغراي" في الجزء الغربي المتنازع عليه من الإقليم.
وكشفت المنظمة عن أنها أجرت تحقيقات "تضمنت شهادات عبر الهاتف لأكثر من 35 شخصاً أشاروا إلى اعتقال نحو ألف فرد في ثلاثة مواقع غرب تيغراي بناءً على هوياتهم قبل أن يتم طردهم بشكل قسري".
وطالب التقرير السلطات الإثيوبية "بضرورة السماح لجهات تحقيق مستقلة، إجراء تحقيقات موسعة حول ادعاءات بارتكاب انتهاكات وجرائم" تحقيقاً للعدالة، وتنفيذاً لبنود اتفاق السلام الموقع في نوفمبر العام الماضي.
وفي وقت سابق وجهت "ووتش" اتهامات لكل أطراف النزاع بارتكاب جرائم حرب محتملة في حين رفضت الحكومة الإثيوبية ذلك وقالت إنها "شكلت لجان تحقيق لمتابعة الادعاءات"، إلا أن المنظمات المستقلة المعنية بحقوق الإنسان في إثيوبيا، لطالما اشتكت من عراقيل تواجه عملها، للوقوف حول حقيقة المزاعم المتعلقة بانتهاكات تصل إلى حد "جرائم حرب وتصفية عرقية".
محلك سر
وفي حين لم ترد الحكومة الإثيوبية بشكل رسمي على الاتهامات التي وثقتها المنظمة، إلا أن وسائل إعلام محسوبة على النظام فندت بعضها باعتبار أنها مبنية على معلومات قديمة، تتعلق بالفترة الممتدة من يونيو (حزيران) إلى أكتوبر 2022، وهي فترة ما قبل توقيع اتفاق السلام في جنوب أفريقيا.
وقالت قناة "zehabesha" إن "تقرير (ووتش) يتزامن مع زيارة المبعوث الأميركي الخاص بالقرن الأفريقي، مايك هامر إلى أديس أبابا وميكيلي (عاصمة إقليم تيغراي)"، مشيرة إلى "أن هذا التزامن مقصود لممارسة مزيد من الضغط على الحكومة المركزية الإثيوبية، وكذلك الإدارة الموقتة للإقليم".
وأفاد تقرير القناة حول الأمر أن "المنطقة المذكورة في تقرير المنظمة الدولية هي أراض متنازع عليها بين إقليمي تيغراي وأمهرا، وهي منطقة والقيت التي كانت تتبع الأخيرة إدارياً قبل أن يتم ضمها للأولى أثناء فترة حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".
وقال ناشطون من الأمهرا إن "التقرير يكرس ضمنياً تبعية المنطقة لغرب تيغراي، في حين أنها متنازع عليها، وتشرف على حلها لجان متخصصة تابعة للبرلمان الإثيوبي، فضلاً عن هيئات حكومية معنية بفض النزاعات بين الأقاليم الإثيوبية".
بدوره انتقد الناشط الإثيوبي دمقي يالو اعتماد المنظمة "على شهود عبر الهاتف، لا يتعدى عددهم 35 شخصاً، مما يعيد للأذهان التقارير السابقة التي أعدتها عن ادعاءات التصفية العرقية في مدينة أكسوم، قبل أن يتبين أن الذين تم تقديمهم كشهود عيان لم يكونوا موجودين في تيغراي في ذات التاريخ المذكور".
وأضاف يالولا "لا جديد في هذه الادعاءات، فهي مكررة منذ بدء الحرب قبل ثلاث سنوات"، زاعماً "أن ثمة أهدافاً سياسية وراء معظم الاتهامات، إذ إن بعضها يعتمد على شهادات معدة من قبل ناشطين محسوبين على جبهة تيغراي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر دمقي أن منطقة والقيت ستظل محلك سر في الأزمة التي يعرفها إقليم تيغراي، على رغم توقيع اتفاق السلام، مؤكداً أن "الجيش النظامي دفع القوات الخاصة الأمهراوية للانسحاب من هذه المنطقة، وأنها تحت إدارة الجيش"، متسائلاً "كيف يمكن اتهام القوات الأمهراوية بممارسة انتهاكات في منطقة لا تسيطر عليها".
من جهتها، التزمت الحكومة التيغراوية الموقتة الصمت جراء التقرير الجديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، ولم يورد الرئيس الموقت للإقليم جيتاشو رضا، في لقائه المثقفين التيغراويين (الخميس) بعاصمة الإقليم أي ذكر للاتهامات التي طاولت إدارته والحكومة المركزية الإثيوبية وقوات الأمهرا، وعوضاً عن ذلك تحدث "عن الجهود الحثيثة التي تبذلها حكومته مع أديس أبابا لحل النزاع في والقيت".
شيطان التفاصيل
بدوره، قال الناشط التيغراوي محاري سلمون، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن "ثمة أموراً معلقة بين أديس أبابا وميكيلي"، وزعم أن "شيطان التفاصيل لا يزال يكمن في اتفاق بريتوريا، حيث تم تأجيل الحسم في معظم القضايا الخلافية بما فيها تبعية منطقة والقيت للإقليم".
وأضاف سلمون أن "هناك بنداً ينص على انسحاب القوات إلى ما قبل الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، وهذا يشير ضمنياً إلى تبعية المنطقة للإقليم، لكن لا يزال الحسم القانوني لهذا النزاع معلقاً".
ولا يستبعد الناشط التيغراوي "وقوع انتهاكات جديدة، فلا تزال الميليشيات القومية التابعة للأمهرا نشطة في هذه المنطقة"، لافتاً إلى أن ميليشيات الفانو ليست قوات نظامية، ولا تحتكم إلى أي قواعد بقدر ما تحركها مزاعم وثارات قومية، مما يرجح قيامها بجرائم واسعة ضد التيغراويين الذين يسكنون هناك".
وعاب سلمون على الحكومة الموقتة في ميكيلي، صمتها جراء هذه الانتهاكات التي وثقها "تقرير صادر عن منظمة دولية مرموقة، وبشهادات شملت موظفين أمميين يعملون في هذه المنطقة".
وفسر الناشط الأمر بالقول إن "الإدارة الموقتة في تيغراي تواجه تحديات كبيرة، أهمها سؤال الشرعية، باعتبارها هيئة غير منتخبة ومعينة من المركز، فضلاً عن التحديات المتعلقة بإعادة دمج قوات الدفاع التيغراوية في الجيش النظامي، وضمان استعادة جميع الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية".
ويمضي سلمون قائلاً إن "إدارة جيتاشو رضا، تقع بين ضغوط الداخل التيغراوي، وسعيها لعدم إحراج حلفائها في أديس أبابا، بالتالي تغض الطرف عن التعليق على التقارير التي تتحدث عن انتهاكات مورست غرب تيغراي".
تجدد القتال
وأفاد الناشط التيغراوي أن هناك مخاوف جدية من تجدد القتال غرب تيغراي، مؤكداً "أن ذلك سيمثل فصلاً جديداً من الانتهاكات الإنسانية الممارسة ضد هذه العرقية"، مبرراً هذه المخاوف بأنها نتاج الحالة السياسية التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام، منوهاً في الوقت نفسه إلى أن "قوات الأمهرا ترفض الالتزام ببنود الاتفاقية التي تلزمها بتسليم السلاح، والاندماج في الجيش النظامي"، وهو ما قاد إلى انفراط علاقة التحالف والتنسيق بين الطرفين أخيراً.
ولفت سلمون إلى تشكيل تنظيم عسكري جديد أخيراً تحت اسم "الجبهة الشعبية للأمهرا" يسعى إلى استعادة منطقة غرب تيغراي، ويهدد بشن عمليات عسكرية ضد الجيش النظامي والقوات التيغراوية الخاصة في الإقليم"، مشيراً إلى أهمية زيارة المبعوث الأميركي الخاص قائلاً "للتوقيت أهمية قصوى، وقد يسهم في إبطال نذر الحرب المحتملة، لا سيما أن الزيارة تتعلق بمتابعة مدى التزام الأطراف ببنود اتفاقية السلام، بما في ذلك نزع السلاح وتسريح الجنود وبرامج إعادة الإدماج، مع مسؤولي الحكومة الإثيوبية في أديس أبابا وإدارة تيغراي الإقليمية الموقتة في ميكيلي.