Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دوافع إسرائيل للتوسط بين الأطراف السودانية المتنازعة

استباق تدخل دول مناوئة لتل أبيب مثل روسيا وإيران لطرح مبادراتها

حث البيت الأبيض إسرائيل على المساعدة في الضغط على الجنرالين المتحاربين في السودان (أ ف ب)

ملخص

تتخوف تل أبيب من أن تزيل الاشتباكات من جدول الأعمال احتمال التوصل إلى اتفاق سلام مع الخرطوم

لو لم يهدد النزاع السوداني الحالي اتفاق السلام "التاريخي" ضمن اتفاقات "أبراهام"، لما تحمست إسرائيل في السعي باتجاه المصالحة بين طرفي الصراع، قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بحسب متابعين للوضع السياسي، ولظل الأمر في دائرة القلق على رغم أنه بات مؤرقاً دولياً وإقليمياً. وفي خضم هذه الهدنة المخترقة أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان نشره عدد من المواقع الإسرائيلية منها "والاه" و"أكسيوس" الإخباريين، بأن إسرائيل عرضت استضافة مفاوضات بين طرفي النزاع في السودان المستمر منذ الـ15 من أبريل (نيسان) الجاري، إلى قمة مصالحة في إسرائيل بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتم خلالها مناقشة التفاوض على وقف إطلاق النار. وبحسب ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن وزير الخارجية الإسرائيلية إيلي كوهين قال إن "التقدم الذي تم إحرازه في الأيام الأخيرة في المحادثات مع الطرفين مشجع للغاية".

السودان وإسرائيل مرتبطتان بهذا الاتفاق، إذ أعلن السودان في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، ودخل القرار حيز التنفيذ بالالتحاق بـ"اتفاقات إبراهام" بتاريخ السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، خلال زيارة وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى الخرطوم، في مقابل رفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. إلا أنه لم يتم توقيع اتفاق رسمي حتى الآن، للحاق بدول عربية وقعت في وقت سابق على الاتفاق. وتطورت علاقات إسرائيل مع السودان وباتت على اتصال مع البرهان وحميدتي، على أمل أن يخرجا بالتوافق مع المكون المدني السودان عن مساره إلى الحكم الديمقراطي بعد عقود من الدكتاتورية والحرب الأهلية.

قمة المصالحة

في زيارته الأخيرة إلى الخرطوم في الثاني من فبراير (شباط) الماضي أكد وزير الخارجية الإسرائيلية إيلي كوهين أهمية إقامة حكومة مدنية في السودان، لتسهيل دفع اتفاق سلام بين البلدين. وكانت الوثيقة الدستورية تنص صراحة على أن الحكومة الانتقالية في السودان لها ولاية صياغة "سياسة خارجية متوازنة لتحقيق المصالح الوطنية العليا للدولة، والعمل على تحسين وبناء علاقات السودان الخارجية على أسس الاستقلال والمصالح المشتركة بطريقة تحافظ على سيادة وأمن وحدود البلاد". ولكن بعد أن عطلها البرهان في الـ25 من أكتوبر 2021، فإن حرص إسرائيل الحالي سيكون إما على العودة إلى ما قبل ذلك، أو إقامة انتخابات ديمقراطية تسبقها صياغة دستور عام للبلاد.

تطور الأمر في أعقاب الاتفاق الإطاري المؤسس للفترة الانتقالية بين المكونين المدني والعسكري الذي نص على خروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين، الذي وقع عليه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وكان من المفترض أن يتم التوقيع النهائي خلال أبريل (نيسان) الجاري، إلا أن خلافاً حول الفترة الزمنية لدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني أشعل فتيل الأزمة الحالية. كما أن هناك سبباً آخر يتمثل في محاولات حميدتي الانفراد بالتواصل الدبلوماسي مع أطراف خارجية من دون علم رئيس مجلس السيادة، الذي لم يسم هذه الدول وإنما أشار إليها فقط، ولكن كشفت عنها التغطيات المصاحبة لزيارات نائب رئيس مجلس السيادة لها. وربما كانت زياراته المكوكية لدول أخرى من دون تكليف رسمي، ومفيد هنا استرجاع خبر زيارته إلى موسكو وترك التكهنات تتوالى عن هدف الزيارة، إذ ظن كثيرون أنه قام بها نيابة عن البرهان.

وكانت إسرائيل تعتقد أن إقامة حكومة مدنية لن يستغرق سوى أيام قليلة، ولكن انفجار الصراع نتيجة الخلافات بين البرهان وحميدتي قد يقلب موازين الاتفاق. ومنذ اندلاع النزاع في السودان قام وزير الخارجية إيلي كوهين بالتحدث مباشرة مع طرفي النزاع، وعرض عليهما الذهاب إلى إسرائيل وإجراء "قمة مصالحة" بهدف التوصل إلى اتفاق ينهي القتال ويؤدي إلى استئناف المباحثات السياسية. بينما لم يستبعد مسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية استجابة الجنرالين للدعوة. وبحسب الانطباع العام الذي أوردته إسرائيل، هو أن الجانبين يدرسان الاقتراح بصورة إيجابية. كما أرسل مسؤولون إسرائيليون رسائل إلى الجانبين تطالب بوقف التصعيد.

منطقة شائكة

في بداية النزاع تحدث مستشار قائد قوات الدعم السريع يوسف عزت إلى قناتي "i24" و"كان" الإسرائيليتين عن الأحداث والمعارك الدائرة في العاصمة الخرطوم، بأن الصراع الدائر حالياً بينهم والجيش السوداني هو أشبه بتلك الدائرة منذ عقود بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، بقوله "ما نتعرض له تعرضت له إسرائيل آلاف المرات على أيدي الجماعات الإرهابية، مثل حماس وغيرها من الجماعات التي يعرفها المواطنون الإسرائيليون جيداً".

وقال متابعون عن هذه المحادثات مع الإعلام الإسرائيلي إنها "محاولات بائسة من (الدعم السريع) لتملق الرأي العام الإسرائيلي، إذ وصف المستشار السياسي الفصائل الفلسطينية المقاومة لإسرائيل بالفصائل الإرهابية التي تقاتل إسرائيليين". وبهذا تكون قوات الدعم السريع قد دخلت في منطقة شائكة بتصنيف طرفي الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وهو موضوع مختلف حوله في الشارع السوداني، فالغالبية تعارض اتفاق إبراهام ومؤيدوه وضعوا اشتراطات تضمن التزام إسرائيل بالسلام، ويعني كذلك وصول الدعم السريع إلى طريق مسدود للاستجداء الداخلي.

ولكن بحسب ما روي عن معلق الشؤون العربية في قناة "كان" روعي كيس، الذي أجرى المقابلة أنه قال إن "يوسف عزت يحاول من خلال الموافقة على إجراء المقابلة مع القناة الإسرائيلية تجنيد الرأي العام الإسرائيلي لصالح حميدتي". ثم رافق التقرير تعليق بأن "قوات الدعم السريع مسؤولة عن ارتكاب المجازر في إقليم دارفور، وكانت الذراع للرئيس السابق عمر البشير التي حارب بها سكان الإقليم الذين ينتمون إلى إثنيات أفريقية"، في إشارة إلى أنها مسؤولة مثل البشير عن ارتكاب مجازر إبادة جماعية في الإقليم.

ومن المفارقات أن المكون المدني في مجلس السيادة عندما كان في خلاف مع حميدتي، انتقد حرصه على فتح قنوات اتصال مستقلة مع "الموساد"، من دون التنسيق مع مجلس السيادة وحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي كان معارضاً للتقارب مع إسرائيل. وبعد الإجراءات التي فرضها البرهان وانتهاء حكومة حمدوك، أصبح المكون المدني حليفاً لحميدتي من دون تأييد معلن لموقفه من العلاقات مع إسرائيل، مما يضع المكون المدني الحالي الموقع على الاتفاق الإطاري مع رئيس مجلس السيادة ونائبه في موقف لا يحسد عليه، إذ إن تأييد التقارب الذي رفضوه بالأمس الذي يقف على رأسه البرهان، يعني بصورة أو بأخرى أنهم مؤيدون للبرهان، كما يلفت إلى النكوص الواضح في المواقف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دوافع محركة

غير العلاقة التي تجمع إسرائيل بطرفي الصراع فإنها مهتمة بالسودان ومحيطه الأفريقي وتعرف عن السودان أكثر مما يعرف السودان عنها، وذلك ربما يتيح لها فرصة أكبر للتأثير فيهما والإسهام بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، خصوصاً أنها تجند جهتين للتواصل مع طرفي النزاع، الأولى وزارة الخارجية الإسرائيلية وهي مسؤولة عن التواصل مع البرهان، وجهاز "الموساد" وهو مسؤول عن التواصل مع حميدتي.

أما الدوافع المحركة لتدشين هذه الجهود فهي أولاً حث البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية إسرائيل على المساعدة في الضغط على الجنرالين المتحاربين للموافقة على وقف إطلاق النار.

ثانياً المخاوف الإسرائيلية من أن التدهور في السودان يؤدي إلى حرب أهلية جديدة تدمر الدولة وتمنع إقامة دولة مدنية، وتزيل من جدول الأعمال احتمال التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والسودان، وبهذا ستقلص عدد الدول الموقعة مع إسرائيل، وتعيد السودان إلى دائرة الدول المعادية لها. كما أن هناك احتمال ظهور قادة سودانيين جدد في المشهد، بالتالي العودة إلى نقطة الصفر.

ثالثاً العلاقة مع الخرطوم فضلاً عن توقيع الاتفاق تكتسب رمزية خاصة كونها بلد "اللاءات الثلاثة"، وأي فوضى في البلد العربي - الأفريقي ستخلف فجوة في تواصل إسرائيل العميق مع بعض الدول العربية والأفريقية على السواء. كما أن الخرطوم ستسد جزءاً من خيبة الأمل التي منيت بها إسرائيل جراء تعليق منحها صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي في فبراير (شباط) 2022، وطرد إحدى دبلوماسياتها من القمة الأخيرة.

رابعاً استباق تدخل دول مناوئة لإسرائيل مثل روسيا وإيران لطرح مبادراتها بالنظر إلى ما يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحميدتي ومصالح قوات "فاغنر" في السودان، وشبهات التحكم ببعض مناطق تعدين الذهب. كما أن إسرائيل ظلت تتحدث منذ سنوات عن تطور العلاقات بينها وبين الدول العربية، وتعتبر إيران عدواً مشتركاً بينها وبين هذه الدول.

معارضة المبادرة

تسيطر الآن أصوات المدافع ولا يتبقى سوى طرح المبادرات للمصالحة، وسيكون الضغط الإسرائيلي باتجاه وضع طرفي الصراع أمام خيارين، هما إما القبول بالمبادرة الإسرائيلية ليكسب الطرفان زمناً إضافياً ثم يلتفان حولها بزعم فشلها، أو انتظار طرح مبادرات دولية أخرى. ولا يتوقع أن تحمل أي منها حلولاً جذرية للمشكلة، خصوصاً مع اعتقاد كثيرين أن أغلبية القوى السياسية السودانية ترغب في إيجاد مخرج سريع من هذا الصراع، ولكن هناك قوى أخرى ظلت تعارض كل مبادرات إزالة الخلافات السابقة، وربما تعارض اللاحقة لأنها لا تريد استعجال الانتخابات التي قد تستبعدهم جميعاً.

قد تجد هذه المبادرة معارضة أيضاً داخل إسرائيل بسبب أنها ركزت خلال الفترة الماضية على تمتين العلاقات مع المكون العسكري، وأهملت إمكانية خلق أية علاقة مع المكون المدني في السودان أو إزالة الجفوة في ما بينهما. إضافة إلى أن الانتقادات تركز على حميدتي المتهم بضلوعه في حرب دارفور بواسطة ميليشيا "الجنجويد"، وكذلك بعد أن تحولت إلى "قوات الدعم السريع" فإن السلام لم يحل بالإقليم حتى الآن. ويمكن من بين ثنايا هذه التشابكات الأخذ في الاعتبار بأن أحد قادة الحركات المسلحة التي كان يحاربها حميدتي، وهو عبدالواحد محمد نور زعيم "حركة وجيش تحرير السودان" التي رفضت التوقيع على اتفاق السلام بجوبا، على علاقة وثيقة بالنخبة الإسرائيلية وأسس "جمعية أصدقاء إسرائيل" وافتتح مكتباً للحركة هناك، يمكنه التأثير بشكل ما في هذه المبادرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل