Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدالاي لاما... زاهد من التبت أم سياسي ماورائي؟

رجل الأوجاع والدفاع عن المضطهدين الذي تطارده اتهامات العمالة لصالح الاستخبارات المركزية الأميركية

عاد الدالاي لاما إلى الأضواء بشبهة التحرش (أ.ف.ب)

ملخص

الدالاي لاما رجل الأوجاع والدفاع عن المضطهدين تطارده اتهامات العمالة لصالح الاستخبارات المركزية الأميركية

حين تتطلع في وجهه للوهلة الأولى، تجد ملامح راهب بوذي تقليدي بثيابه البرتقالية المعتادة، ونظارة تخفي ضعف إحدى عينيه، ويكاد يذكرك بالزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي.

لكن على رغم تلك البساطة البادية على محياه، فإن قصة حياته مثيرة وربما خطرة، تتقاطع فيها عوامل السياسة مع الدين، وتتشابك فيها خيوط الزهد الصوفي مع عقود من النضال والصراعات الاستخباراتية، سيما أنه يسعى للانفصال بإقليم التبت عن الصين.

تصفه الصين بأنه "ذئب يلف نفسه في ثوب راهب"، ومرات أخرى تدعي أنه "وحش ذو وجه بشري لكن بقلب حيوان".

أخيراً عاد للأضواء، حين طلب من طفل صغير مطلباً اعتبره البعض بمثابة نوع من أنواع التحرش الجنسي، وإن كان البوذيون يرونه شكلاً من أشكال عباداتهم وممارساتهم التقليدية، وأمام غضبة كثيرين، اعتذر علناً.

من هو الدالاي لاما، القائد الروحي لإقليم التبت، الذي يراه البعض ملاكاً، وآخرين شيطاناً، تطارده الصين، بينما تمنحه الدوائر الغربية جائزة نوبل للسلام، وتتردد الأنباء حول علاقته بالاستخبارات المركزية الأميركية؟

الدالاي لاما أو بحر الحكمة

تعني كلمة "الدالاي لاما"، التي هي كلمة منغولية الأصل، "بحر الحكمة" وتطلق على الزعيم التبتي بغض النظر عن اسمه الأصلي.

يعد "تينزن جيستو" الدالاي لاما الحالي، هو الـ14 في سلسلة الزعماء الروحيين للتبت، ويعد الرئيس الروحي لشعب التبت.

ولد "جيستو"، في السادس من يوليو (تموز) من عام 1935، أي إنه يقترب من التسعينات، وكان ذلك في مزرعة في قرية تسمى "تكسور"، في شمال التبت الشرقية.

تم اختياره للولاية الروحية وله من العمر عامان فقط، ليبدأ في تلقي علومه الرهبانية البوذية، في عمر السادسة، وفي الـ23 جلس في الاختبار السنوي في معبد "جوكهنك"، في "لاسه" خلال عيد "مونلم" السنوي عام 1959، ونجح في الاختبار بدرجة امتياز ليحصل على أكبر شهادة في علم "كيشهي"، التي تعادل شهادة دكتوراه في علم الفلسفة البوذية.

في عام 1949 قامت الصين باحتلال إقليم التبت، وعليه تم تفويض الدالاي لاما في إدارة جميع الشؤون السياسية للإقليم في العالم، وذلك بعد الاحتلال بعام واحد.

سافر الدالاي لاما إلى بكين عام 1954 لإجراء مفاوضات سلمية مع الزعيم الصيني الكبير ماو تسي تونغ، والزعماء الصينيين الآخرين، بمن فيهم دنيك زيبوك، غير أنه توفي عام 1959 اضطر أن يغادر إلى الهند، بعد أن قامت القوات الصينية بإخماد الانتفاضة القومية التبتية في "لاسه"، ومنذ ذلك الحين لا يزال يعيش في "درام سالا" شمال الهند، التي تعد منطقة إدارة التبت في المنفى.

في عام 1963 عرض الدالاي لاما دستوراً ديمقراطياً للتبت، وأدخل إصلاحات جذرية على نظام الحكم، ما أسفر عن حكومة ديمقراطية للشعب التبتي في المنفى.

بعد ذلك بنحو ثلاثة عقود، وبالتحديد عام 1992، أصدر الدالاي لاما توجيهات في ما يخص دستور بلاده المستقبلي، وأعلن أنه حينما يتم منح التبت الاستقلال، سيتم تعيين حكومة انتقالية في أول فرصة ممكنة وستكون مسؤولة عن تعيين مجلس دستوري من أجل تشكيل دستور التبت الديمقراطي، ومن ثم يفوض الدالاي لاما بعدها جميع سلطاته السياسية إلى رئيس حكومة انتقالية، ليعود من بعدها مواطناً عادياً.

ما أصل أزمة إقليم التبت، وما منشأ الإشكالية في أصلها؟

التبت والنزاع مع جمهورية الصين

تقع التبت في قلب آسيا، وتمثل إحدى المناطق الاستراتيجية في العالم.

تبلغ مساحة التبت 2.5 مليون كيلومتر مربع، عاصمتها لاسه، وتعداد سكانها يبلغ نحو ستة ملايين نسمة، ديانتها البوذية، ولغتها التبتية، وبحسب البيانات الرسمية لدولة التبت على الشبكة العنكبوتية، فإن اللغة الرسمية لها تحت الاحتلال الصيني هي الصينية.

احتلت الصين التبت عام 1949، مما تسبب في وقوع خسائر في الأرواح خلال المعارك، ما دعا أهل التبت للقيام مراراً وتكراراً باحتجاجات مطالبة بالاستقلال عن سيطرة الصين.

يعد النضال التبتي من أجل التحرر من سيطرة الصين، نضالاً طويلاً وسلمياً، وقد درج أطفال التبت الصغار على الهمس بكلمات "التبت مستقلة"، و"طوال العمر لصاحب السمو الدالاي لاما"، غير أن الحكومة الصينية، كانت تعد الأمر بمثابة محاولة انشقاق عن الوطن وتحكم عليهم بالسجن، كما أن حيازة صورة العلم التبتي، تعد جريمة عقوبتها سبع سنوات من السجن.

بحلول عام 1951، كانت الصين تقوم بتنفيذ اتفاقية خاصة تدعى "الاتفاقية ذات الـ17 نقطة"، بهدف مواجهة انتفاضة التبت القومية، الأمر الذي أدى إلى مغادرة الدالاي لاما ومعه نحو 80 ألفاً من التبتيين إلى الهند المجاورة، وهي هجرة مستمرة إلى يومنا هذا.

ينظر شعب التبت في الداخل أو المهجرين إلى الهند، إلى الإدارة التبتية الموجودة في شمال الهند نظرة شرعية بوصفها من يقوم على شؤون الإقليم، وقد جاءت هذه الإدارة إلى حيز الوجود بمبادئها المهمة بما فيها الالتزام بالحق والصواب واللاعنف والديمقراطية الصحيحة، وتعرف جميع برلمانات العالم وعامة الناس بهذه الإدارة، كإدارة ديمقراطية وحكومة شرعية.

الدلاي لاما والطريق إلى "نوبل"

ضمن نضاله الطويل السلمي، وكما هو ظاهر للعيان، قدم الدلاي لاما في عام 1987 خطة للسلام مكونة من خمس نقاط كحل أولي للمسألة في التبت، معتبراً أنها مقترحات ستجعل من التبت منطقة سلام وأمن، وهي كالتالي:

1 ـ تحويل التبت كلها إلى منطقة سلام.

2 ـ إيقاف سياسة الصين للإحلال السكاني التي تهدد وجود التبتيين كشعب.

3 ـ احترام الحقوق الأساسية للشعب التبتي وحرياته الديمقراطية.

4 ـ إعادة البيئة الطبيعية للتبت وحمايتها.

5 ـ توقف الصين عن استخدام التبت لإنتاج الأسلحة النووية ولإلقاء النفايات النووية بها.

على أن الغريب والعجيب، وما يفتح أبواباً خلفية لعلاقات الدالاي لاما مع القوى المناوئة للصين، هو أنه تقدم بهذه المقترحات إلى الكونغرس الأميركي، وكان ذلك في 21 سبتمبر (أيلول) من العام نفسه.

لاحقاً بدا جلياً أن الصين لم توافق على تلك المقترحات، إذ شعرت أن هناك أيادي أميركية تتلاعب بالرجل من خلف الستار.

بعد عامين، وتحديداً في 1989، أعلنت اللجنة النرويجية لجائزة نوبل، أنها قررت منح جائزتها السنوية للدالاي لاما، تقديراً لنضاله السلمي، وقد جاء في مبررات منحه الجائزة أنه قام بصورة مستمرة بالكفاح السلمي لتحرير التبت، وعارض استخدام العنف، وبدلاً عن ذلك دعا إلى تغليب الحلول السلمية، على أساس التحمل والاحترام المتبادل من أجل الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي لشعبه سيما أنه طور فلسفته للسلام بطريقة توقر الجميع، عطفاً على اهتماماته بحل النزاعات الدولية وقضايا حقوق الإنسان، والمشكلات البيئية.

نجح الدالاي لاما في تقديم نفسه للعالم وبصفه "رجل الأوجاع ومختبر الآلام من خلال قضية التبت وصراعها مع الصين"... كيف حدث ذلك؟

نداء عالمي من أجل سلام المضطهدين

مساء الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) من عام 1989، كانت النرويج شاهداً على بيان سلمي عالمي أطلقه الدالاي لاما في مناسبة حصوله على جائزة نوبل للسلام، بيان يتجاوز شخصه وقضية التبت، قضيته الرئيسة والحيوية، لتجاور حالة الاضطراب العالمي المنتشرة حول الكرة الأرضية.

في حفل قبول الجائزة، تحدث الدالاي لاما معبراً عن امتنانه العميق نيابة عن المضطهدين في كل أرجاء العالم، وكل من يكافح من أجل الاستقلال والتحرر من ربقة الاستعمار.

في ذلك المساء بدا واضحاً أن الراهب البوذي المكرم، بات يستحضر سلفه الهندي الكبير، الذي قاد عالم الاحتجاج السلمي، واستطاع تحرير بلاده من الاستعمار البريطاني، من غير طلقة رصاص واحدة.

"إنني أقبل الجائزة هذا المساء، تقديراً للرجل الذي قام بتأسيس التقليد الحديث للعمل السلمي، المهاتما غاندي، الذي علمتني حياته وألهمتني"، هكذا تكلم الدالاي لاما. أضاف "بالطبع أقبلها نيابة عن الستة ملايين مواطن تبتي من الرجال والنساء الشجعان الذين عانوا ولا يزالون يعانون كثيراً، ويواجهون الاستراتيجية المنظمة التي من شأنها تدمير هويته الوطنية والثقافية".

في الليلة عينها، تكلم الزعيم التبتي عن واقع حال العلاقة بين الصين والتبت، وكيف يجب أن يكون الاحترام والمساواة والثقة، عطفاً على تبادل المنافع المشتركة، هي أساس التعاون، وهي المبادئ التي تم الاتفاق عليها بين زعماء الصين والتبت الأوائل ومنقوشة على العمود المقدس الشاهد على إعلان "جوكهنك"، والقائم في المكان المقدس وسط عاصمة التبت "لاسه"، وفيه النص الواضح والصريح على أن الشعب التبتي يتمتع بالعيش السعيد في التبت، والشعب الصيني يتمتع بالعيش السعيد في الصين.

في تلك الليلة، وكراهب بوذي صوفي، أظهر الدالاي لاما، نوعاً من القلق، لا يتوقف عند حدود شعبه المهجر أو المحتل فحسب، بل يمتد إلى بقية النوع الإنساني، ولهذا تحدث بهذه الكلمات: "على رغم أنني وجدت ديانتي البوذية تساعد في توليد الحب والعاطفة للذين نعتبرهم أعداء، فإنني أعتقد أنه يمكن لكل شخص أن يكون لديه الشعور بالمسؤولية العالمية مع الديانة ومن دون الديانة".

وفي المناسبة عينها، أكد الدالاي لاما، أن "كافة الأديان تتبع نفس الأهداف والأغراض وهي زراعة المنطلقات الطيبة وجلب السعادة والفرح إلى البشر كلهم من أجل بناء عالم أفضل، تتوافق فيه الإنسانية".

هل هناك وجه آخر لهذا القائد والزعيم الديني، لا يظهر على السطح ولا يعرفه إلا نفر قليل من الباحثين، الذين تتقاطع جهودهم البحثية الفكرية والصوفية، مع التوجهات الأمنية والاستخباراتية بنوع خاص؟

علاقة الدالاي لاما مع الاستخبارات المركزية الأميركية

هل من علاقة خاصة تربط الزعيم التبتي الدالاي لاما بالاستخبارات المركزية الأميركية، وهل هذه الأخيرة بنوع خاص تستغل الوجود التبتي كخنجر في خاصرة الصين، المنافس القائم والقادم للولايات المتحدة؟

يبدو أن هناك رواية أو روايات أخرى، تؤشر إليها بعض الوثائق التي كُشف عنها ضمن اختراقات سابقة لوزارة الخارجية الأميركية، ومنها وثيقة بتاريخ التاسع من يونيو (حزيران) من عام 1964، أي في أوج احتدام الحرب الباردة، وفيها تظهر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دعمها المباشر لحركة تبتية مسلحة مدعومة من الوكالة، وفيها حديث عن تخصيص مبالغ مالية ضخمة لدعم ميليشيات تبتية، لا بل ودعم الدالاي لاما شخصياً.

أكثر من ذلك فإن مجموعة الوثائق في هذا الشأن تقودنا إلى قناعة بأن الأذرع الاستخباراتية الخارجية الأميركية، هي التي قامت بتهريب الدالاي لاما إلى الهند، وهي من قامت بتقديم مساعدات لوجيستية ومالية للميليشيات التبتية المؤتمرة بأمره، كما أن خبراء الوكالة يقومون بتدريب التبتيين.

أكثر من ذلك، فقد أشارت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية بتاريخ الـ15 من سبتمبر (أيلول) من عام 1998، إلى أن الوكالة عينها كانت تقدم مساعدات سنوية قدرها 1.7 مليون دولار للقيام بأعمال عنف مسلح ضد الصين الشعبية على مدى 10 سنوات خلت.

فيما وكالة نوفوستي الروسية، التي تحصلت على معلوماتها من الاستخبارات الروسية ولا شك، تقطع بأن دعم الانفصاليين التبتيين من جانب الاستخبارات المركزية الأميركية لم ينقطع، فقد استمر عبر مؤسسات المجتمع الأهلي، بل إلى أبعد من ذلك تشير الوكالة ذاتها في تقرير لها تحت عنوان "القلاقل في التبت تتبع سيناريو كوسوفو"، في صيغة أبعد ما تكون عن الإعلام وأوثق وألصق ما ينبغي بقراءة استخباراتية معلوماتية تقول فيها: "إن من بين تلك المنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث، "الحملة الدولية من أجل التبت" و"الصندوق الاجتماعي وتنمية الموارد" و"شبكة التبت للمعلومات"، و"معهد التبت" وغيرها من التسميات العريضة.

التناسخ وعودة روح الدالاي لاما

تختلف عقيدة تناسخ الأرواح في تفاصيلها بين الديانات والمذاهب، ومفادها أن الروح الإنسانية للفرد تعود مرة أخرى بعد وفاته، لتدخل في شخص آخر، والفكرة أن الروح تتطهر عبر مدارات ومسارات زمنية، حتى تصل إلى أعلى مرتبة من النقاء والصفاء.

بعض الهندوس يعتقدون هذه الرؤية بصورة كاملة، وبعضهم الآخر لا يعتقد إلا بوجود نهاية للروح الواحدة، أما البوذية فمع إيمانهم بالتناسخ فإنهم لا يعتقدون بوجود الروح ككيان مستقل وثابت، ولذلك يفضلون استعمال عبارة الولادة الجديدة، كما تعتقد بعض الديانات بتناسخ يشمل كيانات من غير البشر كالحيوانات والأرواح والنباتات وأشياء أخرى.

هل يؤمن الدالاي لاما بأن روحه ستعود إلى الأرض مرة أخرى وتتقمص شخصاً آخر؟

نعم هو يفعل ذلك، وقد تعرض للأمر في بعض أحاديثه قبل عامين، ومن هذا المنطلق زعم أنه سيعود بعد موته مبعوثاً في شخص امرأة، غير أن هذا الحديث أثار عاصفة من الجدل حول من سيخلفه، وتحول الأمر إلى معركة حامية الوطيس كما يقال.

الدالاي لاما الذي يبلغ اليوم من العمر الـ88، أعرب عن إصراره على أن المناقشات حول وفاته هي سابقة للأوان، وذلك وفقاً للرؤى التي تنتابه، حيث يتكهن أنه سيعيش حتى بلوغ سن الـ113.

ما المعضلة التي ستواجه سكان التبت بعد وفاة الدالاي لاما الـ14 جيستو؟

الجواب نجده عند "روبرت بارنيت"، الخبير في شؤون التبت، وفيه يقول، "نحن بصدد موقف محتمل الحدوث على نحو كبير، فعندما يتوفى الدالاي لاما الـ14، فسوف يحل محله اثنان في المنصب ويتخذان نفس اللقب، أحدهما يجري اختياره على أساس التعليمات التي سيتركها الرجل نفسه، والثاني يتم اختياره من جانب الحزب الشيوعي الصيني".

هل سيكون مصير التبتيين في علاقتهم مع الصين، نفس وضع مصير الكنيسة الكاثوليكية الصينية هناك، حيث يوجد رأس لها في وحدة كنسية مع الفاتيكان، وهذا كنيسته مطاردة من قبل الدولة وتعرف بالكاثوليكية السرية، ورأس آخر يتم تعيينه من قبل الدولة الصينية ولا توجد شراكة بينه وبين بابا روما، حتى وإن كان كاثوليكياً؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العمر المديد والحياة السعيدة ذات المغزى

وفي كل الأحوال، ومهما يكن من أمر التوجهات السياسية والماورائية للدالاي لاما، فإن المرء لا يمكن أن يغفل بعضاً من أهم كتاباته، وفي مقدمتها ما جاء في مؤلفه الشهير "كيف تعيش حياة ذات مغزى؟".

في سطور هذا العمل المهم يتوقف الدالاي لاما مع رؤية لجميع الأديان، وكيف أنها تدعو لقيم البساطة والخلاص والتأمل الروحي والمحبة.

ويتناول أيضاً قيمة الزهد من خلال مثال عايشه إذ كان الرهبان البوذيون يرتدون ثياباً باذخة وهو ما يسميه نوعاً من خداع الذات.

وفي لقاءات أخرى عقدها في مدينة ريغا عاصمة لاتفيا في عام 2028، تحدث بالقول، "إن الشخص الذي نشأ وتربى في نظام قيم مادية، سيريد مزيداً ومزيداً منها، إن الرغبات غير القابلة للسيطرة تدمر الإنسان والبيئة، وهذا لا يجلب السعادة لأحد... إنما السعادة تأتي عندما يكون في العقل سلام، وعندما يكون هناك سلام في الروح، لذلك من المهم جداً تدريب عقلك على هذا الأمر".

ووفقاً له فإن "الغضب والحسد وروح التنافس والخوف وغيرها من المشاعر والعواطف السلبية تنطوي على معاناة لا حدود لها".

أما سر العيش الطويل، فيعبر عنه من خلال نمط حياته إذ ينام بعمق لمدة تسع ساعات يومياً، ويمضي عدة ساعات يومياً في التأمل. ويشير إلى أنه بغض النظر عن المشكلات التي تحيط به أو التي رآها من حوله، فإنه يبقي عقله في راحة تامة، لافتاً إلى أن "راحة البال الضرورية جداً للصحة العقلية والجسدية تتحقق أولاً وقبل كل شيء من خلال تنمية التعاطف ومراعاة مبدأ ’أهمسا’ (اللاعنف) الذي لا يقل أهمية، كما أن الشفقة بدورها يمكن أن تتطور من خلال التأمل".

 ويبقى التساؤل الحائر هل الدالاي لاما ملاك أم شيطان؟

أغلب الظن أنه إنسان تراوده نفسه عن الخير الذي يريد أن يفعله ولا يفعل، والشر الذي لا يريد أن يصنعه وإياه يصنع، وهذه هي إشكالية البشرية برمتها وليست أزمة رجل التبت الصوفي الزاهد الدالاي لاما الـ14 وحده فقط.

المزيد من تقارير