Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عاصفة بلا إنذار... عملية "كاوبوي" استثنائية مدفوعة بــ"عقيدة باول"

كيف تطوّر موقف أميركا من الصدمة إلى شن الحرب... تفاهمات تاريخية بين الشرق والغرب واستنفاد الطرق الدبلوماسية

بَدّل غزو العراق للكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990 العالم من حال إلى حال، وغَيّر من طبيعة الدور الأميركي في الشرق الأوسط بشكل حاسم، لتستمر حتى الآن تداعيات أزمة صيف هذا العام قبل 29 عاما، والتي هبّت كعاصفة بلا إنذار، وعندما ينظر سكان العالم إلى الوراء ويعيدون عقارب الساعة إلى هذا الصيف الساخن، سيجدون مثالاً يُحتذى في كيفية تضافر المجتمع الدولي بشكل غير مسبوق بقيادة الولايات المتحدة للردّ بالقوة العسكرية على العراق الذي كان يُشكل رابع قوة عسكرية في العالم -وفقا لبعض التقديرات الغربية- عقب ابتلاعه الكويت في اعتداء غير مبرر، بعد استنفاد واشنطن والمجتمع الدولي كل المحاولات الدبلوماسية والاقتصادية لتجنب الحرب.

لماذا كانت الكويت غنيمة سهلة؟

ظلّت الكويت تتبع سياسة شبه محايدة منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1961، بهدف الابتعاد عن الصراعات الإقليمية والدولية، وبدلاً من ترتيب التزامات خارجية مع الدول الكبرى لحماية أمنها كدولة صغيرة، اعتمدت على مظلة عربية غير رسمية.

ووفقا لتقرير كلية جورج بوش للشؤون الحكومية والخدمات العامة الصادر في 2017، ابتعدت الكويت عمدا عن الولايات المتحدة الأميركية للتأكيد على أنها تسير مع رغبة ومصالح دول عربية أخرى، ولم تكن الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام 1980 دافعا كافيا كي تسعى الكويت إلى تعاون وثيق مع واشنطن، إلا بعد أن تعرضت 8 سفن تابعة لها أو كانت تنقل نفطا كويتيا، لهجمات من إيران، فيما عُرِفَ بـ"حرب الناقلات"، حيث رافقت البحرية الأميركية السفن الكويتية لحمايتها، بل هاجمت الولايات المتحدة قاعدة بحرية إيرانية رداً على انطلاق صواريخ منها ضد الناقلات الكويتية.

وعلى الرغم من ذلك، ظلّت العلاقات الأميركية- الكويتية حذرة في السنوات التالية، ولم تتطور إلى أي وجود عسكري، إلى أن بدأ الرئيس العراقي صدام حسين غزو الكويت، حيث أكد جون كيلي، مساعد وزير الخارجية الأميركي عام 1990، أنه لم تكن هناك أية ترتيبات أمنية بين واشنطن والكويت تعكس الحد الأدنى من التعاون.

وبرغم المساعدات الاقتصادية السخيّة التي قدمتها الكويت ودول عربية أخرى للعراق كي يستمر صموده في الحرب ضد إيران، إلا أن صدام حسين سرعان ما اتّهم الكويت والإمارات بإلحاق الضرر بالاقتصاد العراقي عبر الإسهام في خفض أسعار البترول بسبب ضخ كميات ضخمة في السوق، وحذرهما من تبعات ذلك إذا لم يتم خفض الإنتاج بهدف رفع سعر البرميل إلى 20 دولارا في هذا الوقت.

صدمة في واشنطن

وفقا لتصريحات جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي، خلال هذه الفترة، فإن الاستخبارات الأميركية رصدت حشد العراق 100 ألف جندي على طول الحدود مع الكويت، ولكن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، والعاهل الأردني السابق الملك حسين وغيرهما، أكدوا للأميركيين أن صدام حسين يريد فقط الحصول على تنازلات من الكويت، وأن الأمر لن يتجاوز التهديدات إلى الفعل، وهو ما أكده أيضا إدوارد شيفرنادزه، وزير خارجية الاتحاد السوفيتي آنذاك، خلال محادثات له مع بيكر في موسكو.

 قبل ذلك بأيام، وبالتحديد في 25 يوليو (تموز) 1990، كانت السفيرة الأميركية في بغداد، أبريل غلاسبي، قد أبلغت صدام حسين أن الولايات المتحدة تفضّل حل النزاعات بالطرق السلمية، لكنها وفقا لتسريبات نشرتها "ويكيليكس" بعد ذلك، لم تحذره من غزو الكويت واكتفت بالقول إن الولايات المتحدة ليس لديها رأي في الصراعات العربية العربية.

لكن في الساعات الأولى من 2 أغسطس (آب)، بدأت القوات العراقية في غزو الكويت، وأصيبت الولايات المتحدة والعالم بالدهشة التي تحولت سريعا إلى صدمة كبيرة، فقد ظنّ الأميركيون في البداية أنها عملية عراقية محدودة ربما تنتهي خلال ساعات، أو يكتفي الرئيس العراقي بالسيطرة على بعض آبار النفط في شمال الكويت قرب الحدود مع العراق، ولكن عندما تبين أن الهدف هو "ابتلاع الكويت"، بدأت الأمور في التغير سريعا.

 

 

"درع الصحراء" والتحالف الدولي

في الثامن من أغسطس (آب)، وهو اليوم الذي أطلق فيه صدام حسين على الكويت اسم المحافظة رقم 19، كانت أولى الطائرات المقاتلة الأميركية تصل إلى السعودية ضمن طلائع القوات التي قررت واشنطن سرعة إرسالها إلى المنطقة لردع العراق عن التفكير في تهديد منابع النفط في السعودية ودول الخليج الأخرى.

 كانت هذه القوات هي مقدمة ما عُرف بعد ذلك بعملية "درع الصحراء"، حيث بدأت الحشود العسكرية الأميركية تتزايد يوما بعد يوم حتى وصلت إلى نحو ربع مليون جندي خلال الشهور الثلاثة الأولى التالية للغزو، قبل أن تقرر واشنطن رفع عدد القوات إلى 540 ألف جندي، بالإضافة إلى ربع مليون جندي آخرين يمثلون 34 دولة جاءوا ضمن تحالف دولي غير مسبوق نجح الأميركيون والسعوديون في حشده خلال الشهور الستة التالية للغزو، وضمّ هذا الحشد قوات عربية من مصر وسوريا والمغرب، بالإضافة إلى القوات السعودية وقوات كويتية وخليجية أخرى، كما شاركت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى عديدة في تحالف لم يشهد له العالم مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية.

عقيدة الجنرال "باول"

كان الجنرال كولين بأول هو رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة وأول أميركي من أصول أفريقية يصل إلى هذا المنصب الذي يعد أعلى منصب عسكري في وزارة الدفاع "البنتاغون"، وكرئيس لفريق المخططين العسكريين الاستراتيجيين، طوّر ما عُرف بـ"عقيدة باول"، وهو منهج لإدارة الصراعات العسكرية يقوم على أساس استخدام القوة الهائلة لتحقيق نجاح كاسح ولخفض الإصابات المحتملة في صفوف القوات المهاجمة.

الرئيس الأميركي جورج بوش الأب وافق على كل ما طالب به "باول"، وديك تشيني، وزير الدفاع، وكبار القادة، حيث أدرك من دروس حرب فيتنام أن السياسيين هم من أملوا قرار الحرب على العسكريين اعتقادا منهم أنها ستكون حربا محدودة، وهو ما اتضح فشله في النهاية، لذا كان الرئيس بوش عازما على أن يجعل للعسكريين دورا أساسيا في المعركة ومنحهم كل احتياجاتهم، ونسّق معهم كيف ومتى تبدأ الحرب، ومتى تنتهي.

لكن الحشد العسكري والتحالف الدولي الكبير ضد العراق لم يكن ليحقق أي نجاح يُذكر من دون تنسيق وجهد دبلوماسي كثيف قاده الرئيس بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر.

لماذا كان البيان الأميركي- السوفيتي مهما؟

لم يكن من السهل أن يتشارك الأميركيون والسوفيت في إصدار بيان يعبر عن موقف موحد في ظل الصراع بين الشرق والغرب الذي دام عقودا، لكن الأمور في الأعوام القليلة التي سبقت الغزو العراقي، وبالتحديد في عام 1990، كانت تتغير بسرعة، حيث كان السوفيت راغبين في التعاون مع الولايات المتحدة بدلا من مواجهتها، كما كان الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، ووزير خارجيته إدوارد شيفرنادزه، يتخذان قرارات سياسية شجاعة في ظل تغير حركي كبير كانت تشهده موسكو بفعل سياسات "البروسترويكا"، وتعني إعادة البناء، و"الغلاسنوست"، وتعني المكاشفة والمصارحة.

كل ذلك جعل السوفيت والأميركيين يشعرون أن ثمة خطأ قد وقع ويجب تصحيحه، بخاصة وأن السوفيت شعروا بالحرج لأن العراق الذي يعدّ دولة حليفة لهم ومشتريا رئيسا للسلاح السوفيتي، لم يخطرهم بالغزو، بل خدع صدام حسين الاستخبارات الروسية حين سألوا العراقيين عن الحشد العسكري مع الكويت، فضلا عن أنه لا يوجد مبرر قوي أو استفزاز يدعو العراق لغزو الكويت.

أصدر الأميركيون والسوفيت بيانا مشتركا عقب الغزو مباشرة طالبوا فيه العراق بالانسحاب من الكويت، وهو بيان اعتبرته واشنطن غاية في الأهمية، لأنه من دون هذا الموقف السوفيتي المتناغم مع الموقف الأميركي، ما كان بوسع واشنطن أن تحشد كل هذه الدول في التحالف الدولي لطرد العراق من الكويت، ذلك أن القيام بعمل عسكري في الخليج كان سيشكل مخاطرة قد تنذر بمواجهة بين الشرق والغرب، كما أن البيان أرسى خطوات دبلوماسية وعسكرية تالية، تمثلت في إرسال قوات أميركية بعد أيام قليلة إلى الخليج.

صحيح أن شيفرنادزه لم يكن مسرورا بهذا القرار في بداية الأمر حين اتصل به جيمس بيكر لإبلاغه بالقرار الأميركي، إلا أن بيكر أوضح أنه تم تجاوز الانزعاج السوفيتي بعد ذلك.

كل الوسائل الضرورية

استكمل الأميركيون جهدهم خلال الأسابيع التالية للبيان المشترك، في سبيل استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يرسخ وجود شرعية دولية كاملة لاستخدام القوة ضد العراق، لكن ذلك لم يكن أمرا يسيرا، حيث كان من الصعب على الاتحاد السوفيتي في أعقاب خروجه من أفغانستان، أن يصوّت بالموافقة على قرار من مجلس الأمن يسمح للولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية في الخليج، بخاصة أن استخدام القوة هنا كان ضد دولة تعتمد في تسليحها على السوفيت وترتبط بعلاقات جيدة معهم.

ولهذا السبب توافق جيمس بيكر مع شيفرنادزه على تضمين عبارة "استخدام كل الوسائل الضرورية" لإخراج العراق من الكويت، وهو ما فضّله الوزير السوفيتي لأن النص كان غامضاً بعض الشيء كونه لم يذكر كلمة "قوة" ولم يتضمن كلمة "عسكرية".

لكن تلك الصياغة كانت كافية للأميركيين وقوات التحالف الدولي لشن حرب تحرير الكويت، حيث يقول جيمس بيكر إنه سأل مساعده بوب كينيت، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، وهو محامٍ ماهر، عما إذا كان تعبير "كل الوسائل الضرورية" يصلح -وفقا للقانون الدولي- لشنّ حرب ضد العراق، فكانت إجابته هي "نعم".

مغزى تحديد موعد نهائي

كان تحديد موعد نهائي للانسحاب العراقي من الكويت في القرار الصادر من مجلس الأمن في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 أمرا حاسما ومهما للأميركيين، لسبب واضح، وهو إعطاء إشارة لكل العالم بأن التحالف الدولي منح العراقيين الوقت الكافي كي ينسحبوا سلميا من الكويت، وساعد ذلك كثيرا في أن يدعم السوفيت القرار الدولي، كما أسهم أيضا في حشد العديد من الدول الأخرى للانضمام مع التحالف.

أكثر من ذلك، الموعد النهائي المحدد في القرار ساعد كثيرا إدارة الرئيس بوش الأب في حشد الرأي العام المحلي داخل الولايات المتحدة إلى جوار الإدارة الأميركية وقرارها خوض الحرب، وهو أمر شهد معارضة قوية في واشنطن في بداية الأمر.

مثّل القرار الذي صدر من مجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية، وهو أمر نادر، نصرا كبيرا للإدارة الأميركية، فقد ساد شعور بين الدبلوماسيين الأميركيين أن هذا هو ما أراد مؤسسو المنظمة الدولية أن يفعلوه، ذلك أن الوظائف الأمنية للأمم المتحدة طالما فشلت بسبب صراع الشرق والغرب، حيث كان السوفيت يعترضون على ما يريده الأميركيون، ويعمد الأميركيون إلى إفشال ما يريده السوفيت، لكن هذا القرار كان تاريخيا.

بوش وقرار الحرب

كان الرئيس الأميركي جورج بوش الأب ينتظر قرار مجلس الأمن بفارغ الصبر، حيث لم يكن راغبا في الاستناد إلى الفقرة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على الحق في الدفاع عن النفس بشكل فردي أو جماعي حال حدوث هجوم مسلح ضد دولة عضو في الأمم المتحدة، إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلام والأمن الدولي.

أراد بوش قرارا دوليا لا تبدو فيه الولايات المتحدة والغرب ضد العالم العربي، ولم يكن راغبا في "عملية كاوبوي"، لذا فضّل أن تنال دعما شعبيا أميركيا ودعما دوليا خارجيا، وهو ما ناله بالقرار الدولي.

ومع ذلك، فكّر بوش في إجراء محادثات مع بغداد، وناقش مع كل من جيمس بيكر وبرنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي الأميركي، فكرة عقد مباحثات مباشرة وجهاً لوجه مع صدام حسين، بما يسمح للأميركيين أن يظهروا أمام العالم، وفي حكم التاريخ بعد ذلك، أنهم لم يتركوا فرصة واحدة لتحقيق السلام.

كان بوش يعتقد أنه من دون هذا الجهد السياسي الدبلوماسي لتحقيق الانسحاب العراقي من الكويت، فإن إدارته سوف تتعرض لسهام الانتقادات بأنها ذهبت متسرّعة إلى الحرب بشكل متهور.

لقاء بيكر- عزيز

ولأنه كان من غير المعقول أن يتوجه بوش إلى بغداد، أو أن توجّه واشنطن دعوة إلى صدام حسين، اقترح بوش استضافة طارق عزيز، وزير خارجية العراق في واشنطن، وبعد مشاورات مع العراقيين اتُفِقَ على عقد هذا اللقاء على أرض محايدة في مدينة جنيف السويسرية، حيث المقر الأوروبي للأمم المتحدة.  

في هذا اللقاء الذي استمر أكثر من 6 ساعات متواصلة وحبس العالم فيه أنفاسه انتظارا لانفراجة يحدثها، حمل بيكر رسالة من بوش إلى صدام حسين، اطّلع عليها طارق عزيز بعناية شديدة واستغرق 10 دقائق كاملة في قراءتها، حسب تصريحات جيمس بيكر، ثم اعترض "عزيز" على لغة الخطاب، قائلا إنها لا تناسب التواصل المتعارف عليه بين قادة الدول، مطالبا بيكر بنشر الرسالة في وسائل الإعلام الأميركية، وهو ما رفضه بيكر محمّلا "عزيز" مسؤولية عدم نقل الرسالة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزير الخارجية الأميركي أوضح لنظيره العراقي أن الأميركيين ودول التحالف جادون في خطواتهم، وأن مصداقية الأمم المتحدة على المحكّ، وأنه يجب على العراقيين مغادرة الكويت من دون شروط، وأنه لا يجب على العراقيين أن يخطئوا بافتراض أنهم يتحكمون في شروط المعركة مثلما فعلوا مع إيران، لأن الوضع يختلف تماما بسبب التفوق التكنولوجي لدى الولايات المتحدة.

في المقابل، قال طارق عزيز "إنكم لم تحاربوا في الصحراء من قبل، وحلفاؤكم العرب سيهربون لأنهم سيرفضون قتال إخوانهم العراقيين، وسوف تدهشون من قوة وتصميم وشجاعة القوات العراقية".

في نهاية اللقاء كان انطباع وزير الخارجية الأميركي أنهم مقبلون على حرب وشيكة جدا، فالمفاوضات لم تخرج بأية نتيجة، ولم يكن بيكر ليقبل أقل مما نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي، وهو انسحاب القوات العراقية غير المشروط من الكويت.

مكاسب بوش

كان الرئيس بوش مؤمنا بأنه يفعل الصواب، وقد استفاد كثيرا من لقاء "بيكر- عزيز"، حيث انهارت معارضة الحرب داخل الكونغرس عقب اللقاء، وفاز بالتصويت اللازم لشنّ الحرب،  وزاد التأييد الشعبي للحرب، وهو ما أراده جورج بوش.

عارض بوش مطالب السوفيت بالحفاظ على ماء وجه صدام حسين عبر رفع العقوبات الاقتصادية التي نصّ عليها قرار لمجلس الأمن، في مقابل انسحاب العراق من الكويت، إلا أن الرئيس الأميركي اعتبر ذلك شروطا مسبقة تتناقض مع قرارات مجلس الأمن.

كانت الحرب بالنسبة إلى الرئيس الأميركي في الصالح الوطني للولايات المتحدة، وهو أمر اتّفق عليه الجمهوريون والديمقراطيون، ذلك أن الخليج هو الممر الآمن لمصادر الطاقة. كانت الولايات المتحدة أمام حالة غريبة من اعتداء دولة على أخرى دون استفزاز، كما كانت واشنطن أمام "ديكتاتور" يعمل على تطوير سلاح نووي أو يحاول تطوير أسلحة نووية ويهدد خطر الحياة الاقتصادي للغرب، وإذا نجح صدام حسين في مغامرته تلك لأصبح يهدد اقتصاد الدول الغربية عبر التحكم في أسعار النفط في السوق العالمية.

 

صدام و"الجهاد"

 في محاولة يائسة منه لكسب تأييد دول عربية وإسلامية، أعلن صدام حسين "الجهاد" ضد قوات التحالف، كما حاول أن يربط نفسه بالقضية الفلسطينية، فعرض الانسحاب من الكويت مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وعندما فشلت هذه الجهود كان الموعد النهائي الذي حدّده مجلس الأمن يقترب منذرا بالحرب التي رفض تجنبها.

 

 

عاصفة الصحراء

بعد انتهاء الموعد النهائي بيومين، أي في 17 يناير (كانون الثاني) بدأت "عاصفة الصحراء" بهجوم جوي شامل ضد الدفاعات العراقية وشبكات الاتصال ومخازن الأسلحة ومصافي البترول.

استفادت قوات التحالف من آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك استخدام القاذفات الشبحية وصواريخ كروز المبرمجة والقنابل الذكية بأنظمة الليزر الموجهة وأجهزة القصف ذات الرؤية الليلية بالأشعة تحت الحمراء.

كان الهدف من القصف الجوي، الذي دام 5 أسابيع متواصلة ودمر القوات الجوية العراقية أو أوقفها عن العمل، جعل الفوز بالحرب البرية بأقل خسائر ممكنة في العتاد والأرواح.

الهجوم البري، الذي أطلق عليه اسم "سيف الصحراء"، بدأ يوم 24 يناير (كانون الثاني) بتحرك قوات التحالف من شمال شرق السعودية إلى الكويت وجنوب العراق.

 

 

خلال 4 أيام، أحاطت قوات التحالف بالقوات العراقية وهزمتها وحرّرت الكويت وهاجمت القوات المدرعة العراقية من الخلف، وبينما حاولت قوات الحرس الجمهوري العراقية، التي تعدّ قوات النخبة لدى صدام، شن هجوم مضاد جنوب مدينة البصرة لحقت بها الهزيمة في 27 فبراير (شباط).

أشعلت القوات العراقية خلال انسحابها من الكويت 700 بئر بترولية وزرعت ألغاما حولها ضمن سياسة "الأرض المحروقة".

 

 

ومع قرب انهيار المقاومة العراقية، أعلن بوش وقفا لإطلاق النار في 28 فبراير (شباط) لتنتهي بذلك حرب الخليج.

وفقا لشروط السلام التي قبلها صدام، وافق العراق على الاعتراف بسيادة الكويت وعلى التخلص من أسلحة الدمار الشامل التي كانت بحوزته، بما فيها الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والقدرات النووية.

على الرغم من التقديرات التي توقعت مقتل آلاف من الأميركيين وقوات التحالف خلال هذه الحرب، إلا أن إجمالي خسائر قوات التحالف كان 300 جندي فقط، مقابل مقتل ما يتراوح بين 8- 10 آلاف من القوات العراقية، وفقا لمصادر أميركية، وإن كانت هناك تقديرات أخرى وصلت إلى مقتل 20- 35 ألف جندي عراقي.

شخصيات أزمة غزو العراق للكويت

الرئيس الأميركي جورج بوش

الرئيس بوش الأب (1924- 2018)  هو الرئيس الـ41 للولايات المتحدة، تعدّ حرب الخليج أهم إنجازاته خلال تاريخه السياسي الطويل، حيث أثبت قيادته للعالم وتمكن من حشد تحالف دولي لم يشهد له العالم مثيلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو من قال بعد ساعات من غزو العراق للكويت "إن هذا الوضع لن يستمر".

توفّرت لدى بوش العزيمة والإصرار ومعايير القيادة التي جعلت التحالف الدولي ممكنا وتحرك القوات الأميركية للخليج ممكنا. وحسب ما قاله جيمس بيكر، إنه "لو كان هناك رئيس آخر على رأس الحكم في الولايات المتحدة ربما لم يكن قد تحقق شيء مما حدث، لو كان هناك رئيس يفضّل الحلول الوسطى وسياسة الضغط الاقتصادي لفترة طويلة بدلا من سياسة الحسم لكان ذلك خطأ مريعا".

من أشهر كلماته خلال الأزمة "وظائفنا، أسلوب حياتنا، حريتنا وحرية الدول الصديقة حول العالم، سوف تُعاني إذا سيطر صدام حسين على أكبر احتياطيات للبترول في العالم".

 

 

وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر

يُعد جيمس بيكر، الذي ولد عام 1930، من أبرز وزراء الخارجية الأميركيين، حيث انخرط في المحاماة بعد تخرجه في جامعة برينستون عام 1952، لكن صديقه القديم جورج بوش كان له الفضل في أن يجذبه إلى عالم السياسة واعتمد عليه مرات عدة في إدارة حملاته الانتخابية.

وبعد أن شغل منصبين مهمين، أحدهما رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس رونالد ريغان، ثم وزيرا للخزانة عام 1985، أصبح وزيرا للخارجية في عهد صديقه الرئيس جورج بوش.

أسهم بيكر بحنكته وصلابته في تجاوز الصعاب التي شهدتها فترة حكم بوش، وأهمها حرب تحرير الكويت بعد الغزو العراقي، كما لعب دورا كبيرا في حشد العديد من الدول ضمن التحالف الدولي بسبب مهاراته الدبلوماسية وقدرته على التأثير.

وزير الدفاع الأميركي ديك تشيني

يعد ديك تشيني، الذي ولد عام 1941 في ولاية نبراسكا، من صقور الحزب الجمهوري الذي لعب أدوارا بارزة في تشكيل السياسات في واشنطن، حيث صعد سلم السلطة بسرعة وعمل في إدارة الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، ثم خدم كرئيس هيئة موظفي البيت الأبيض مع الرئيس جيرالد فورد بين 1975- 1977.

خلال تولي ديك تشيني لوزارة الدفاع في عهد جورج بوش، نال استحسانا وقدرا كبيرا من الاحترام بين القادة العسكريين بسبب قيادته الحكيمة خلال عملية "عاصفة الصحراء".

رئيس هيئة الأركان المشتركة كولين باول

يعد كولين بأول، الذي ولد 1937 في هارلم بنيويورك، هو أول أميركي من أصول أفريقية يتولى رئاسة هيئة الأركان المشتركة، وهو أعلى منصب عسكري في وزارة الدفاع "البنتاغون"، وقد نال طوال تاريخه العسكري أنواطا وجوائز عسكرية خلال مشاركته في حرب فيتنام.

أصبح باول رمزا وطنيا في الولايات المتحدة في أثناء عمليتي "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء"، وكرئيس لفريق المخططين العسكريين الاستراتيجيين، طوّر ما عُرف بعقيدة "باول"، وهو منهج لإدارة الصراعات العسكرية يقوم على أساس استخدام القوة الهائلة لتحقيق نجاح كاسح ولخفض الإصابات المحتملة في صفوف القوات المهاجمة.

استمر باول في هذا المنصب خلال الشهور الأولى من إدارة الرئيس بيل كلينتون، ثم خرج من الجيش عام 1993، ويترأس الآن منظمة "الوعد الأميركي"، وهي منظمة غير هادفة للربح.

قائد القيادة المركزية الأميركية نورمان تشوارسكوف

خاض نورمان تشوارسكوف (1934- 2012) معارك حربية في فيتنام وفي غزو جزيرة غرينادا في الثمانينيات، لكن شهرته الواسعة اكتسبها من توليه للقيادة المركزية للقوات الأميركية خلال حرب تحرير الكويت، ونال أنواط شرف عديدة نتيجة لطريقة تعاطيه مع الصراع العسكري.

اعتزل الخدمة العسكرية عام 1991، وألّف كتابا عن حياته ودوره في حرب الخليج، حيث تصدر قائمة مبيعات الكتب في الولايات المتحدة.

 

 

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة