Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يستطيع آبي أحمد توحيد الجيوش الإثيوبية؟

الدستور يتيح انتشار قوات شرطية لحفظ الأمن الداخلي في كل إقليم ولا يسمح بوجود ميليشيات تنفذ مهمات قتالية خارجه

الجيش الفيدرالي الإثيوبي ما زال يعاني تداعيات الحرب الداخلية التي استمرت قرابة عامين (أ ف ب)

ملخص

#الأمهرة هم ثاني مجموعة عرقية في #إثيوبيا بحجم 31 مليوناً تقريباً ويثير القرار هواجس لديهم في شأن موقف #أديس_أبابا من تسليم غرب وجنوب إقليم #تيغراي إلى السلطات المحلية

أقدم رئيس الوزراء الإثيوبي على إعلان قرار توحيد ودمج القوى المسلحة الإثيوبية وهي إلى جانب الجيش الفيدرالي فصائل مسلحة تابعة للقوميات الرئيسة وأهمها قوميتا الأمهرة والأورومو، وذلك بهدف رئيس هو ألا تكون هذه القوات تعبيراً عن هويات عرقية محددة، وذلك على رغم أن إثيوبيا مكونة من عشرة أقاليم تتمتع بدرجة من الحكم الذاتي، والحق في وجود قوات لكل منها (مختلف على طبيعتها الدستورية)، وكذلك استخدام لغتها الخاصة.

وبطبيعة الحال قد يجد مثل هذا القرار ترحيباً في الأوساط الدولية والإقليمية على اعتبار أنه قد يفضي في الأخير إلى دعم مؤسسة الدولة الإثيوبية ويصب في بناء قدرات مضافة ومستدامة لها، وهو ما يؤهلها ربما لتكون قوة وازنة في منطقة شرق أفريقيا، مساهمة في استقرارها وليس في تصاعد التوتر فيها كما هو الوضع الراهن.

غير أن ما يحوز على اهتمام المراقبين في هذه اللحظة هو مدى القدرة على تحقيق هذه الخطوة المهمة والحساسة، وما طبيعة التحديات التي تواجهها، وكذلك مدى إسهام قرار توحيد القوى المسلحة الإثيوبية في تدشين دولة إثيوبية مركزية أو شبه مركزية طبقاً للمشروع السياسي لآبي أحمد الذي انقلب على صيغة الفيدرالية الإثنية التي أسسها التيغراوي ملس زيناوي في تسعينيات القرن الماضي، وكانت الرافعة المناسبة في هذا التوقيت للتعايش السلمي بين الشعوب الإثيوبية لفترة تزيد على عقدين من الزمان.

الدستور يسمح

إذاً العنوان العريض للقرار الفيدرالي هو أن الدستور يسمح بقوات شرطية مهماتها حفظ الأمن الداخلي في كل إقليم، ولا يسمح بوجود ميليشيات تنفذ مهمات قتالية خارج الإقليم، لكن المفارقة أن مثل هذه القوات ارتكنت عليها أديس أبابا في حربها ضد التيغراي عندما تحالفت مع قوات الأمهرة.

عنصر التوقيت في اتخاذ قرار توحيد الميليشيات المسلحة ذات الطابع الإثني يمكن استعماله كمؤشر لرصد طبيعة التحديات القائمة حالياً، ذلك أن اتفاق السلام مع التيغراي ما زال قيد الاختبار، بالتالي لا يمكن استخدامه كدليل على عافية أديس أبابا في مواجهة بقية القوميات وأهمها كل من الأمهرة والأورومو.

وعلى صعيد مواز فإن الجيش الفيدرالي الإثيوبي ما زال يعاني تداعيات الحرب الداخلية التي استمرت قرابة عامين، وقد يحتاج إلى وقت أطول لاستعادة قدراته التي تراجعت سبع نقاط طبقاً لرصد موقع "غلوبال فاير" لعام 2023، إذ احتل المكانة الـ49 بين الجيوش العالمية بينما كان في المكانة 24 قبل عامين.

وربما بسبب هذه المعطيات حاول الجنرال آبيباو تاديسي رئيس أركان هيئة الدفاع الإثيوبية التخفيف من أثر قرار الحكومة الفيدرالية، قائلاً إن التحرك لحل القوات الخاصة الإقليمية لم يكن "لنزع سلاحها" أو "تفكيكها" وذلك في أعقاب خروج تظاهرات رافضة للقرار في إقليم أمهرة، ووصل الأمر إلى حد خروج القوات الخاصة الأمهرية من معسكراتها في حالة غضب، تحاول حكومة الإقليم احتواءه حالياً.

هذا المشهد المتناقض يشير إلى أن قبول القرار الفيدرالي سيكون صعباً وربما مثيراً لمعضلات أمام أديس أبابا في الوقت الراهن وذلك بسبب طبيعة مصالح القوميات الأخرى وأيضاً هواجسها تجاه بعضها بعضاً، ويمكن تفصيل هذه المصالح والهواجس على النحو التالي:

أولاً، الأمهرة، هم ثاني مجموعة عرقية في إثيوبيا بحجم 31 مليوناً تقريباً، ويثير القرار هواجس لديهم في شأن موقف أديس أبابا من تسليم غرب وجنوب إقليم تيغراي إلى سلطات الإقليم، كنتيجة لاتفاق السلام بين الطرفين وهي مناطق يسيطر عليها الأمهرة حالياً ويقولون بحقوق لهم فيها مترتبة على أن هذه المناطق قد نزعت من إقليمهم أيام نفوذ التيغراي وسيطرتهم على السلطة المركزية الإثيوبية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتي عام 2015.

وعلى صعيد مواز، فإن لإقليم أمهرة وقواته مصالح على الحدود الإثيوبية السودانية مرتبطة باستزراع بعض مناطق الفشقة، وهو ما يثير مشكلات للدولة الإثيوبية حيث إن للأمهرة مطالبات تاريخية بمناطق سودانية، وتسببوا في أكثر من اشتباك مسلح على الحدود الإثيوبية السودانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثانياً، الأورومو وهم القومية الأكبر في إثيوبيا فهم العرقية الأولى في البلاد بغالبية سكانية مقدرة إذ تبلغ ما يزيد على 40 مليون نسمة، تنتمي غالبيتهم للدين الإسلامي، وتوجد العاصمة الإثيوبية في أراضيهم، وهو ما يفسر محاولة استرضائهم في قرار أخير بتدريس اللغة العربية، لكن ليس على مستوى قومي وإنما في مدارس أديس أبابا فقط.

وإذا كان التيار العام في الأورومو تنصب مطالبتهم على نصيب عادل من السلطة والثروة الإثيوبية وإنهاء حالة تهميشهم، فإن الجناح العسكري وهو جيش تحرير أورومو يتحسب لزحف قومية الأمهرة على أراضيه في إقليم أوروميا كنتيجة للجفاف الذي تشهده إثيوبيا، حيث شهد الإقليم في يونيو (حزيران) 2022 أعمال عنف واسعة ضد مجموعات الأمهرة، مما أسفر عن مقتل نحو 230 – 500 شخص، في مجزرة مروعة، وتشهد المنطقة منذ ذلك الحين تصاعد وتيرة العنف بين الأورومو والأمهرة، مع انخراط الأخيرة في دعم القوات الإثيوبية الفيدرالية ضد جيش أورومو.

تحديات

وطبقاً للتفاعلات العسكرية المشار إليها عاليه والحساسية بين القوميات المختلفة، وطبيعة المصالح لكل إقليم، فإن فكرة الإدماج قد تكون مثالية إلا إذا كانت النية منعقدة لدى أديس أبابا أن تكون تكئة لمواجهة جيش تحرير أورومو الذي انشق عن قوات تحرير أورومو بعد انخراطها في اتفاق سياسي مع رئيس الوزراء آبي أحمد عام 2018.

وقد يدعم هذا التقدير حالة تصاعد شعبية جيش تحرير أورومو، في ظل سيطرته على مناطق واسعة في إقليم أوروميا، فضلاً عن امتلاكه لأسلحة متطورة نسبياً، ناهيك عن التعاطف المتزايد معه من قبل النخب السياسية والعسكرية في الإقليم، خصوصاً في ضوء اتجاه توظيف حملة مكافحة الفساد لاستبعاد بعض المسؤولين من الأورومو، الذين أبدوا دعماً لجيش التحرير، وذلك في أداء مماثل لتوظيف محاربة الإرهاب سابقاً لتحقيق الهدف نفسه وهو تهميش القومية ذاتها.

التحدي الرئيس الثاني في إدماج القوات المسلحة الإثيوبية مرتبط بضرورة أن يكون مثل هذا القرار نتيجة توافقات سياسية شاملة تقدم ضمانات محددة، سياسية واقتصادية لقوات كل إقليم وليس قراراً أحادياً من جانب الحكومة الفيدرالية يطبق قصراً، بالتالي ينتج من التوترات وتصاعد المخاطر الأمنية أكثر ما يمكن حالة استقرار داخلي تبدو الدولة والإقليم في أمس الحاجة إليها.

أما التحدي الثالث فيرتكن إلى القدرات المالية للدولة الإثيوبية التي تمكنها من تقديم حزمة إغراءات ومنافع للقوات المزمع دمجها، وهو أمر تفتقر إليه إثيوبيا في ضوء حالة الدين الخارجي التي وصلت لـ30 مليون دولار وتحديات صعبة يواجهها اقتصادها ضمن كثير من الاقتصادات الأفريقية، وذلك بسبب تداعيات "كوفيد- 19" والحرب الروسية - الأوكرانية.

وقد يكون التحدي الأخير هو حال الإسناد الدولي والإقليمي للخطوة الإثيوبية في دمج القوات القومية مع أجهزة الشرطة والجيش الفيدرالية وهي حالة تبدو متوافرة، إذ إن رئيس الوزراء الإثيوبي ضامن لمستوى معقول من الدعم لهذه الخطوة بعد نجاحه في الترويج لاتفاق السلام الذي أبرمه أخيراً مع جبهة تحرير تيغراي، على هامش القمة الأفريقية – الأميركية التي استضافتها واشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي، كما نجح في تكثيف المخاوف ضد جيش تحرير أورومو الذي يملك نقاط ارتكاز له في كينيا تأسيساً على أن 15 في المئة من سكان كينيا هم من الأورومو، وربما اتساع حجم التهديد الإقليمي يرجح في المستقبل القريب إسهام واشنطن في ترتيبات أمنية في دور محوري يكون مماثلاً لذلك الذي لعبته على صعيد حرب التيغراي، على اعتبار أن أمن إثيوبيا وتماسك بنيانها من الأهداف الأميركية والإسرائيلية المتفق عليها.

المزيد من تحلیل