Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هذا ما فعلته بنا تطبيقات المواعدة

حولت التطبيقات الشبيهة بهينج وبامبل المواعدة إلى مستنقع قذر من الاختفاء المفاجئ والذعر غير المبرر وتفشي تجريد الأشخاص من إنسانيتهم وما عاد كثيرون مستعدين لتحمل ذلك.

"تطرح خيارات كثيرة أمامكم وتجمعكم بأشخاص ليس لديهم أي صلة بدوائركم الاجتماعية لذلك يصبح الاختفاء أسهل" (آي ستوك)

ملخص

#أزمة_عاطفية: #حزن وارتياب وعذاب لا ينتهي. خبراء يناقشون آثار استخدام #تطبيقات_المواعدة.

خططت جيني للتوجه إلى الحي الصيني، تشايناتاون، وإحضار بعض الدجاج. كان أول موعد غرامي لها مع شاب التقته على تطبيق هينج، وقررا أن يلتقيا في ساحة ليستر عند الساعة السادسة والربع مساءً. أرسلت له رسالة عبر الهاتف تقول فيها إنها في طريقها إليه، ثم استقلت خط الشمال في قطار الأنفاق. عندما وصلت الناحية الثانية، واستعادت الاتصال بشبكة الهاتف، ظهرت أمامها فجأة رسالتان من رفيقها. سألها في إحداهما "هل تمازحينني يا جيني؟" عندها أدركت بأن صورته على واتساب اختفت. لقد حظرها. كانت الساعة 6.17 مساء- تأخرت دقيقتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في فيديو نشرته على تيك توك، كشفت جيني عن أنها التقت في نهاية المطاف رفيقها- الذي زعم بأن تطبيق واتساب على هاتفه واجه خللاً- لكن قصتها انتشرت في كل الأحوال، وأصبحت بمثابة مثال على تردي وضع المواعدة في أيامنا هذه. بعد أيام قليلة من قيام جيني بنشر فيديو على تيك توك، انتشر فيديو آخر ظهرت فيه سيدة من نيويورك تزعم بأنها تخلت عن رفيقها بعد رفضه دفع مبلغ ثلاثة دولارات لقاء إضافة الجبن على شطيرة البرغر خاصته. هب عالم الإنترنت للدفاع عن رفيقها، إنما اقترح أشخاص كثيرون كذلك بأن سلوك المرأة دليل على فساد ثقافة المواعدة. حظر الآخرين من دون سابق إنذار. تحويل اللقاءات إلى محتوى. الخوف من الحميمية والخوف من الرفض يتعاركان. ماذا يحصل إذاً؟ 

آني لورد، الصحافية في مجلة فوغ ومؤلفة كتاب ملاحظات في القلوب المتكسرة (Notes on Heartbreak)، تلوم تطبيقات المواعدة الغرامية. وتقول "تطرح خيارات كثيرة جداً أمامكم" لكنها تلفت إلى أن وهم الخيارات اللامتناهية هذا يضعف المساءلة ويجرد الأشخاص الذين يحتمل أن تتطابق معهم من إنسانيتهم. "لا تربطهم أي صلة بدوائركم الاجتماعية، لذلك يصبح الاختفاء أسهل". عندما يكون الناس مجموعة من الصور والإشارات على الشاشة، يبدون واهين وغير مهمين- كما الأشباح داخل آلة.  

منذ لحظة تحويل تطبيقات المواعدة إلى شيء يمكن التحكم به بمسحة إصبع، كتب الشيء الكثير عن طرق إحداثها ثورة في ثقافة العلاقات والتعارف. تدور معظم النقاشات حول الأفكار نفسها: التطبيقات تختصر الانجذاب بمعادلة، إنها تعتمد على الأحكام السطحية والفورية، هي تحول المواعدة إلى موضوع تعاقد. وكما شددت لورد، يبدو بأن قوائم "الخيارات" اللامتناهية تجعل المساءلة والمحاسبة موضوعاً عفا عليه الدهر، لكن أحد جوانب ثقافة التطبيقات الذي يمكن أن يتم التغاضي عنه أحياناً هو أن هذه التطبيقات مشاريع تجارية تسعى إلى جني الأرباح. ومهما زعمت في الإعلانات الترويجية، فهي مصممة بحيث لا تمسح أبداً. فالشركات أمثال بامبل وماتش غروب لا تريدكم أن تدخلوا في علاقة دائمة- بل تريدكم أن تعودوا إليها وتستمروا بالبحث، وتسجيل "إعجاب كبير" واختيار الاشتراك المدفوع بعد شعوركم باليأس.

أظهرت الدراسات بأن تطبيقات المواعدة تسبب إدماناً مرضياً. بعد سنتين من إطلاقها فقط، أفادت تندر بأن المستخدم العادي يدخل التطبيق 11 مرة في اليوم الواحد. وفي هذا الإطار، شبهت خبيرة علم الإنسان الثقافي ناتاشا داو تشول المتخصصة في إدمان القمار، تصميم تطبيقات المواعدة بآلات القمار. فتصميم المسح اللانهائي يجعلك تدمن المكافآت العشوائية- وليس التفاعل الإيجابي، بل جرعة هرمون السعادة، الدوبامين، بعد التطابق مع شخص. وبالفعل، بينت دراسة أجريت في عام 2016، أن أقل من 10 في المئة من معدل التطابق مع الأشخاص يستكمل بتواصل. فالمستخدمون يختارون بدلاً من ذلك أن يستمروا بـ"لعب اللعبة".   

تعتقد لورد بأن هذا الأمر يشكل جزءاً أساسياً من تردي وضع المواعدة في الوقت الحالي. وتقول "في السابق، عندما كان الأشخاص يرغبون بالحصول على دعم عاطفي وحميمية من أي أحد، كانوا يخرجون ويلتقون الآخرين لهذه الغاية. والآن، التطبيقات تملأ هذا الفراغ. لذلك، إن أحسست بأنك تحتاج إلى الآخرين، ما عليك سوى كتابة رسالة إلى أحدهم". وبسبب هذه الدورة، قد تبدو تطبيقات المواعدة "كأنها مخصصة للأصدقاء بالمراسلة فقط الآن" كما تضيف وهذا "أمر مزعج للغاية إن كنت تبحث عن الجنس في الحقيقة".

ألغت زوي* التي تعيش في لندن أخيراً، التطبيقات التي تشارك فيها و"تخلت عن المواعدة" بحسب تعبيرها. وهي تؤمن بأن التطبيقات جعلت الجميع "ينتظرون الخيار الأفضل المقبل و(غير) مستعدين لتقبل الشخص الموجود أمامهم في ذلك الوقت". وتعترف بأنها مارست هذا الأمر بنفسها. وتقول "هناك أمور كثيرة أجدها مقرفة في صفحات الآخرين الشخصية، لكن وصل بي الأمر حد التبرم من كل لمحة شخصية عن كل أحد، وفكرت في نفسي 'لا أتصرف بلطف هنا لهذا السبب'". قررت سارة كنشنغتون التي تقطن إدنبره بدورها الإقلاع عن هذه التطبيقات. وتصرح "لو كنت سأرى صورة أخرى لرجل يحمل سمكة عملاقة، كنت سأفقد صوابي. كلما أفتح تطبيق هينج أتذكر لماذا لا أفتح التطبيق أبداً"، لكن ما دفع كنشنغتون إلى السأم من التطبيقات، أكثر من صور الرجال الذين يتباهون بالسمك، هو أنها "حولت المواعدة إلى وظيفة". إجمالاً، يبدو بأن التطبيقات قد حولت المواعدة إلى لعبة، لكن اللعبة ليست مسلية جداً.  

انتهت أليس رافيل- التي تبلغ الثامنة والثلاثين من العمر وتصف نفسها بأنها "مسنة من جيل الألفية"- من مرحلة حكم التطبيقات. وتقول "استخدمت أوكي كيوبيد وتندر وبامبل وكل تطبيق أسوأ من الثاني". وهي ترى أن المشكلة الرئيسة في موضوع المواعدة حالياً هي الإنهاك بكل بساطة. وتضيف "تزخر حياتنا بالأشياء الرقمية وأصبح هذا أمراً آخر علينا أن نفعله… ونخصص وقتاً له"، لكن رافيل تلقي باللوم على الشركات التي تسيطر على الحياة العاطفية لكثيرين. وتضيف "هذه التطبيقات تكاد لا تتعرض لأي تدقيق باعتبارها مؤسسات تجارية. اعتدنا بشكل غريب أن ننسى بأن هذه التطبيقات هي هياكل مؤسسية وليست خدمات صديقة مصممة بهدف تحسين حياتنا". وهي تعتقد أن على الناس أن يعوا أكثر طريقة كيفية استغلال التطبيقات للبيانات الشخصية من أجل جني المال. وتتابع بقولها "ليسوا أصدقاءنا، إنهم شركات". 

فيما تقدم شركات التكنولوجيا العملاقة نفسها على أنها تمد يد المساعدة على إيجاد الحب والسعادة، يجد عديد من مستخدميها أنفسهم وقد أصبحوا يشبهون الآلات. تقول تشارلي روس إنها لم تشعر بأنها إنسانة أثناء استخدامها التطبيقات "سواء من حيث الطريقة التي كنت أتلقى بها الرسائل أو تلك التي كنت أحكم بها على الآخرين". تفرض عليك المواعدة أن تكون هشاً، بحسب تعبيرها، لكنها تعتقد بأنه من الأسهل جداً أن تسيء التعامل مع أحدهم عندما "يكون شخصاً بلا وجه وراء شاشة". وقد وجدت بأن هذا ولد لديها حلقة ردود فعل سلبية في الفضاء الإلكتروني وخارجه دفعتها إلى الانغلاق عاطفياً. وتشرح روس "أحبطني جداً كم الأذى العادي والتعبير عن كراهية النساء الذي واجهته، وأثر بالتالي في أسلوبي في مخاطبة الرجال في الحياة الواقعية بينما ربما كانوا شركاء مناسبين أكثر لو لم أشعر بالحاجة إلى حماية نفسي عبر وضع الحواجز"، لكن ليس الخوف من القسوة وحده الذي يدفع الناس إلى وضع مسافة بينهم وبين الآخرين، بل أيضاً الخوف من الشعور نفسه؟  

تعتقد لورد بأن جزءاً من الخطاب الحالي حول المواعدة ينبع من آلية دفاعية نوعاً ما. وتقول "نعتاد الرفض لدرجة أظنه من الأسهل لنا أن نعزيه إلى السلوكيات السامة. فمن المؤلم التفكير في أن عدداً كبيراً من الأشخاص غير معجبين بك". ويمكن أن تتحول التعابير الرائجة إلى حواجز خاصة. "ستقولون 'آه لقد أغراني وخدعني، لقد أغرقني في الحب، لقد تلاعب بي وضللني' لأنه من السيئ أن تلتقي شخصاً وتقضي معه وقتاً مذهلاً ثم يقول لك 'كلا، لست الشخص المناسب لي'، أو يختفي فجأة. الشعور مقيت، لذلك ننسب السلوك إلى مرض". 

ترددت في الآونة الآخرة الفكرة القائلة إن خوف الناس يزداد من المشاعر المؤلمة ومن الهشاشة إجمالاً. في منشور ظهر خلال يناير (كانون الثاني) على منصة سبستاك، وصفت الكاتبة والصحافية رايتشل كونولي درجة "الحذر والريبة" التي رأتها في الشباب الذين قابلتهم من أجل كتابة مقال عن الاختفاء المفاجئ. وكتبت أنهم "بدوا خائفين من الأشخاص الآخرين، وأيضاً من المشاعر". توصلت عالمة الاجتماع أليسيا دينبي أخيراً إلى استنتاج مماثل أثناء بحثها في ممارسات المواعدة المعاصرة. بالاستناد إلى مقابلات معمقة مع مستخدمي تطبيقات المواعدة في المملكة المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، وجدت بأن الشباب "أكثر تردداً في إظهار هشاشتهم العاطفية التي اعتبروها نقطة ضعف، تحسباً من تعرضهم للرفض أو الإذلال". واستخدمت دينبي عبارة "الجمود العاطفي" لوصف هذه المواجهة المجازية، حيث ينتظر كل طرف أن يفتح الطرف المقابل قلبه ويعترف بمشاعره. "تصبح العواطف كأوراق المساومة، و'الرابح' هو الطرف الذي ليس لديه الكثير ليخسره، وأقل طرف متورط ومتعلق عاطفياً"، لكن المفارقة في هذا المنطق طبعاً هي أنه لو كانت الحميمية هي الجائزة، فلن يربح أي من الطرفين "لأن أياً منهما غير مستعد للمخاطرة بنفسه"، كما كتبت دينبي.

ويبدو بأن هذا الموضوع لا يقتصر على المواعدة وحدها. تعتمد دراسة دينبي لـ"الجمود العاطفي" بشكل كبير على عمل عالمة الاجتماع إيفا إيلوز التي اعتبرت بأن ثقافة الرأسمالية أدت إلى تحديد العلاقات القريبة والحميمية وفقاً للنماذج الاقتصادية القائمة على المساومة والتبادل- وتخيلها على أساس أنها أمور تستدعي التقييم والقياس وتحديد كميتها. يبدو من الواضح أن هذا الأمر ينطبق على حالة المواعدة وتطبيقات المواعدة، لكن في عالم العلاقات العذرية كذلك، هناك اتجاه متزايد نحو اعتبار الصداقات نوعاً من المعاملات. تصبح العلاقات أشبه بالوظيفة وكل تفاعل عاطفي يعتبر عملاً وجهداً.

تقول لورد إن "الناس يعتقدون أنهم يتواصلون بشكل أفضل لأنهم يستخدمون هذه العبارات لكنها قد تكون متنافرة جداً". وهي تقول إن الكلام الأشبه بكلام المعالج النفسي قد "يخفي ما يحاول الشخص قوله فعلياً، فيصبح من الأسهل التملص من المسؤولية". وتكرر لورد رأي إيلوز فتشير إلى أن المشكلات التي تعانيها العلاقات - سواء العاطفية أو العذرية - ترتبط بزيادة الفردية. وتقول "في سبيل النجاح في مجتمعنا، يفكر الأشخاص بأنفسهم أكثر لأننا نشجعهم على ذلك". "غالباً ما يفكر الأشخاص الآن 'وقتنا ضيق جداً، نحن نعمل أكثر من طاقتنا ولا نملك المال الكافي'"، لكن مهما كانت هذه العقلية تستند إلى الواقع، ترى لورد أنها تمنعها من إنشاء وتطوير علاقات مع الآخرين.

وتلفت إلى أننا "غالباً ما نشعر بأننا لا نملك متسعاً من الوقت للتعامل مع مشاعر الآخرين ودعم المحيطين بنا". وهذا ما يغذي ثقافة تشجع الناس على تجنب التعلق القوي. أو تفضيل السيطرة والبعد العاطفي على الالتزام والتضحية والهشاشة المطلوبة لتطوير العلاقات الحميمية، هذا ما يؤدي إلى الجمود العاطفي. قد لا يشكل ذلك حلاً سريعاً لعالم المواعدة، لكنه من المفيد أن نتوقف عن اعتبار الآخرين استنزافاً لمواردنا العاطفية المحدودة. بدلاً من ذلك، تقول لورد إنه علينا التفكير بأنه "لو خصصت لهم الوقت، فسوف يخصصون لك الوقت أيضاً- وسيكون أمراً لطيفاً ومفيداً للطرفين".

* تم تغيير الأسماء

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات