Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يصبح المصريون نباتيين بالإكراه؟

استهلاك البطاطا والمعكرونة ارتفع 21 في المئة وغلاء الأسعار دفع كثيرين إلى الاستغناء عن اللحوم

خفضت 93.1 في المئة من الأسر المصرية استهلاكها من اللحوم والطيور (أ ف ب)

ملخص

يقول خبراء التغذية إن #البقوليات هي "الحل المثالي" بديلاً #للمصريين للحصول على حاجتهم من #البروتين بعد ارتفاع أسعار #اللحوم و#الدواجن و#الأسماك

لطالما برعت المرأة المصرية في ابتكار وصفات طعام توفر في موازنة الأسرة ومنها ما يعرف بـ"الحمام الكداب" التي تقدم الدجاج الرخيص نسبياً بطعم الحمام ذات السعر الغالي، لكن خلال الأشهر الأخيرة صار الحصول على الدجاج من الأساس مكلفاً لغالبية الأسر المصرية بعد الزيادة الكبيرة في سعره كحال جميع مصادر البروتين الحيواني تقريباً.

تقليل البروتين

موائد المصريين أصابها الارتباك بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، بحيث أصبح من الصعب على قطاعات كبيرة من الشعب المصري توفير الوجبة الاعتيادية، طبق أرز وقطعة لحم ونوع من الخضراوات، فأسعار اللحوم والدواجن والأسماك دفعت كثيرين إلى تقليل استهلاكهم، وأحياناً الاستغناء عن تلك المصادر المهمة للبروتين.

وبحسب تقرير حكومي أعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خفضت 93.1 في المئة من الأسر استهلاكها من اللحوم والطيور، فيما قللت 92.5 في المئة من الأسر استهلاكها من الأسماك. وفي المقابل، زاد 11 في المئة استهلاكهم من البقوليات، وذلك بالمقارنة مع ما قبل أزمة ارتفاع الأسعار التي تفجرت عقب الحرب الروسية- الأوكرانية في فبراير (شباط) من العام الماضي.

 

ومن المتوقع أن تكون تلك النسبة ازدادت خلال الأسابيع الأخيرة بفعل استمرار ارتفاع الأسعار، إذ قفزت أسعار اللحوم والدواجن 20.6 في المئة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي وتعدى سعر كيلوغرام اللحم حاجز الـ200 جنيه (6.56 دولار أميركي)، واستمرت الأسعار بالصعود في فبراير ليصل كيلو اللحم في بعض المناطق إلى 280 جنيهاً مصرياً (9.24 دولار)، بزيادة قاربت على 80 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كذلك وصلت أسعار كيلوغرام الدواجن إلى 90 جنيهاً (2.94 دولار) في الأسبوع الثالث من فبراير، ارتفاعاً من 59 جنيهاً (1.93 دولار أميركي) للكيلو في نهاية يناير، لكن أسعارها انخفضت إلى نحو 70 جنيهاً (2.29 دولار أميركي) بنهاية الشهر الماضي. فيما وصل سعر كرتونة البيض (30 بيضة) إلى 130 جنيهاً (4.24 دولار أميركي) في منتصف فبراير الماضي، مقابل 100 جنيه (ثلاثة دولارات أميركية) في منتصف يناير.

وعلى صعيد الأسماك، زادت الأسعار بنسبة تصل إلى 40 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وفق تصريحات صحافية لرئيس هيئة الثروة السمكية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء المصري.

الاستغناء ضرورة

وفي منزل ماجد إبراهيم (30 سنة)، اضطر المهندس وزوجته إلى تقليل كميات اللحوم التي اعتادا شراءها شهرياً، فبينما كان الراتب يعد مناسباً قبل نحو عامين، أدى تحرير سعر صرف الجنيه والارتفاعات المتوالية للأسعار إلى الاستغناء عن كثير من بنود قائمة مشتريات المنزل.

 

تقول زوجته آلاء (28 سنة) إنها لجأت في البداية إلى "تقليل حصة اللحوم الحمراء لمصلحة الدواجن"، لكن "أكل ’الفراخ‘ لم تعد الموازنة تسمح به خلال الأشهر الأخيرة، فأصبحت تبحث في مواقع التواصل الاجتماعي عن وصفات تعطي قيمة غذائية من البروتين بعيداً من اللحوم".

لكن آلاء تبدي قلقها من أن يؤثر ذلك في ابنهم سيف ذي العامين، إذ كانت تسمع دائماً أن الأطفال في ذلك العمر يحتاجون إلى تناول اللحوم لمساعدتهم في النمو.

وصفات من دون لحم

"أكلات من دون لحمة ولا فراخ" من بين العبارات الأكثر تداولاً بين قنوات وصفات الطبخ على "فيسبوك"، بحيث حرص كثير من السيدات على تقديم وصفات مثل الكشري والكشك والباذنجان التي تعتمد بشكل أكبر على البقوليات والخضراوات.

كما يقدم آخرون وصفات لترشيد استهلاك اللحوم ومن بينها فيديو حول كيفية استهلاك كيلوغرام من اللحم لمدة أسبوع كامل وشاهده 517 ألف شخص خلال ستة أيام من نشره.

 

كذلك وجد الموظف الحكومي السابق فرج حسين صعوبة في استمرار تناول السمك المشوي مع زوجته الجمعة، (عادة تجتمع عليها غالبية الأسر المصرية)، وهو ما اعتاده لأعوام، إذ إن هذه الوجبة أصبحت تكلفه أكثر مما اعتاد إنفاقه بنحو 50 في المئة، وهو ما لا يقدر على تحمله في ظل ثبات معاش التقاعد واستمرار ارتفاع الأسعار.

ورغم إدراكه بأنه أفضل حالاً من آخرين، لكنه لا يرى أن تناول وجبة سمك واحدة أسبوعياً هو نوع من الرفاهية، مبدياً أمله في أن تستقر الأوضاع الاقتصادية خوفاً على مستقبل أبنائه وأحفاده.

وتتجه الأسر المصرية إلى أنواع أخرى من الغذاء في مائدتها،  فكشف المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في دراسة استقصائية عن أن استهلاك البطاطا وأنواع المعكرونة غير المدعومة حكومياً زاد بنسبة 21 و14 في المئة على الترتيب.

وأشارت الدراسة المنشورة في يناير الماضي إلى أن 85 في المئة من الأسر خفضوا استهلاك اللحوم و75 في المئة منهم قللوا من استهلاك الدجاج والبيض وهي مجموعات غذائية توفر مصادر رئيسة للبروتين، مما قد يؤدي إلى انخفاض في جودة النظام الغذائي، واستندت الدراسة إلى مقابلات هاتفية مع 6000 شخص من أسر فقيرة أو متوسطة في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر من العام الماضي.

البقوليات حل مثالي

وبرأي استشاري التثقيف والإعلام الغذائي مجدي نزيه، فإن البقوليات هي "الحل المثالي بديلاً للمصريين للحصول على حاجتهم من البروتين" بعد ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والأسماك، ويقول لـ"اندبندنت عربية"، "العبرة بما سيؤديه الغذاء داخل الجسم وليس نوعه، فالبقوليات ومنها العدس تمد جسم الإنسان بكمية البروتين ذاتها التي كان سيمتصها لو أكل ديك رومي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزادت أسعار البقوليات في مصر بمستويات غير مسبوقة بداية من العام الماضي، إذ ارتفع سعر كيلو العدس الأصفر مطلع 2022 من 24 جنيهاً (0.78 دولار)، ليسجل في الوقت الحالي أسعاراً تتراوح بين 48 إلى 52 جنيهاً (1.70 دولاراً) للكيلوغرام، بينما زاد سعر كيلو الفاصوليا البيضاء من 24 جنيهاً في بداية عام 2022، لتسجل حالياً نحو 45 جنيهاً (1.46 دولاراً).

كما طاولت الارتفاعات سعر الفول المدشوش، إذ صعد سعر الكيلو من 23 جنيهاً (0.74 دولاراً) في بداية العام الماضي إلى نحو 38 جنيهاً (1.23 دولار) للكيلو حالياً، كما صعد سعر كيلو اللوبيا من 23 جنيهاً في مطلع 2022 إلى نحو 49 جنيهاً (1.59 دولاراً) لسعر الكيلو حالياً، بينما ارتفع سعر كيلو السمسم على أساس سنوي بنحو 78 في المئة ليصل إلى 89 جنيهاً (2.90 دولاراً) مقارنة بالسعر السابق عند 50 جنيهاً (1.63 دولاراً) اليوم.

وأوضح أن البروتين الحيواني بأنواعه كافة "لا فرق بينه وبين النباتي ولا يضير الإنسان الاستغناء عن أحدهما مقابل الاعتماد على الآخر في غذائه اليومي، ففي النهاية المادة الغذائية واحدة"، لافتاً إلى أن الحد المناسب للبروتين في الجسم يومياً هو 0.8 غرام لكل كيلوغرام من الوزن المثالي للجسم في الشخص البالغ، أما الأطفال، فيحتاجون إلى غرامين من البروتين يومياً لكل كيلوغرام من الوزن المثالي.

هل تتأثر صحة المصريين؟

ويتفق معه استشاري التغذية هاني جبران الذي أكد أن انخفاض استهلاك المصريين من اللحوم "لن يؤثر في صحتهم"، بعكس ما يعتقد بعضهم بعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية في ظل "تنوع مصادر البروتين من خلال البقوليات بصفة عامة".

وأشار إلى أن البروتين الحيواني "ليس أساسياً لحياة الإنسان، بل يمكن الاستغناء عنه سواء لأشهر أو لمدد أطول"، لافتاً في تصريح خاص إلى أن "صيام الأقباط يحرم عليهم تناول البروتين الحيواني لمدة تقارب الشهرين إلى جانب تفضيل بعض الأشخاص الابتعاد عن اللحوم تماماً وتحويل نظامهم الغذائي إلى النظام النباتي، وهو الاعتماد على البقوليات والنباتات أو المزروعات بديلاً غذائياً عن أي بروتين أو لحوم حيوانية".

 

ووفق تقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أسهمت برامج الحكومة لدعم السلع الغذائية في ثبات مستوى استهلاك الأطعمة المدعومة، مما يشير إلى أهمية دور الدولة في دعم الغذاء.

وذكرت الدراسة أن الحرب الروسية- الأوكرانية أثرت بشكل بالغ في الأمن الغذائي بمصر، حيث تمثل الواردات أكثر من 40 في المئة من السعرات الحرارية المستهلكة في البلاد التي تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم.

وارتفعت أسعار الطعام والشراب في مصر على أساس سنوي 48.1 في المئة خلال يناير الماضي، وفق تقرير قياس التضخم الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي ذكر أن معدل التضخم العام بلغ 26.5 في المئة في الشهر ذاته مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مسجلاً أعلى معدلات الزيادة في أكثر من خمسة أعوام، بالمقارنة مع نسبة 21.3 في المئة التي سجلت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

بين المجمد والبلدي

ويبلغ حجم استهلاك المصريين سنوياً نحو 1.3 مليون طن لحوم حمراء، يجري استيراد 40 في المئة منها، فيما وصل عدد رؤوس الثروة الحيوانية إلى 7.5 مليون رأس ماشية بنهاية 2022، بحسب بيانات لوزارة الزراعة المصرية. وتراجع نصيب المواطن المصري من اللحوم الحمراء من 10.7 كيلوغرام عام 2017 إلى 7.8 كيلوغرام في 2020، بينما ارتفع نصيب الفرد من اللحوم البيضاء والدواجن من 10 كيلوغرامات عام 2017 إلى نحو 15.2 كيلوغرام عام 2020.

وشهدت مصر العام الماضي أزمة بسبب قيود على الاستيراد أدت إلى نقص في الأعلاف على خلفية احتجاز نحو 1.5 مليون طن من الذرة الصفراء في الموانئ بخلاف 500 ألف طن من فول الصويا، المكون الأساسي للعلف، ليقفز سعر الأعلاف من 7400 جنيه إلى 16 ألفاً للطن، مما تسبب في إيقاف كثير من أصحاب المزارع نشاطهم موقتاً إلى حين حل الأزمة لعدم قدرتهم على تحمل الكلف والأعباء.

وعلى رغم إفراج الحكومة المصرية عن معظم كميات العلف المحتجزة في الموانئ خلال الأسابيع الماضية، فإن أزمة ارتفاع الأسعار لم تحل.

وأدى منع الاستيراد إلى تسجيل اللحوم المجمدة المستوردة زيادات قياسية خلال الأشهر الأخيرة بنسب وصلت إلى نحو 150 في المئة بعدما كانت لأعوام ملاذاً للفقراء أمام ارتفاع أسعار اللحوم البلدية، وقفزت أسعار الكبدة من 45 جنيهاً إلى 120 جنيهاً.

وفقدت العملة المصرية معظم قيمتها، فالدولار كان يساوي 15.6 جنيه في مارس (آذار) 2022، لكنه يبلغ الآن 30.63 جنيه في السوق الرسمية إثر موجات متتالية من خفض قيمة العملة على خلفية شح موارد العملة الصعبة وضغوط الديون الخارجية وتداعيات الحرب في أوكرانيا.

المزيد من تحقيقات ومطولات