Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوكرانيا توثق جرائم حرب فهل من جدوى لملاحقة بوتين جنائيا؟

مهمة التحقيقات قد تستمر عقوداً والفاعلون الحاليون سيواصلون تبرير استخدامهم القوة وربما ينجون من المحاسبة بالهرب أو الموت

تعرض مدنيون لهجمات من قبل القوات المسلحة الروسية (الموقع الأوكراني لتوثيق جرائم الحرب)

ملخص

على رغم السعي الحثيث لجمع الأدلة للحرب في #أوكرانيا، لكن يرى كثيرون أنها غير كافية لمحاسبة #بوتين وغيره من القادة الروس.

مع اقتراب الذكرى الأولى للحرب الروسية- الأوكرانية التي توافق 24 فبراير (شباط) الحالي، أعلنت أوكرانيا أنها تتوقع هجمات روسية محتملة للاحتفال بهذا التاريخ. وقال وزير الدفاع الأوكراني الذي نقل قبل أيام فقط إلى منصب وزاري آخر أوليكسي ريزنيكوف إن "روسيا تحب الرمزية".

ويبدو أن توقع تعزيز رمزية الحرب هذه تجسد لدى الأوكرانيين قبل شهر فقط، عندما واصلت القوات الروسية ضرباتها على المدن الأوكرانية الرئيسة في رأس السنة الميلادية الجديدة، وخلال عيد الميلاد الأرثوذكسي، وهو مناسبة مقدسة لكل من الروس والأوكرانيين معاً، إذ استهدفت يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مناطق عدة منها دنيبرو وخيرسون وكيروفوهراد وكييف، وتم الإبلاغ عن ضربات متعددة في مدن خاركيف وأوديسا ولفيف وجيتومير وكذلك كييف.

ومنذ أن بدأت روسيا تكثيف ضرباتها على أوكرانيا بعد بداية الحرب في فبراير العام الماضي، بدأت كييف جمع الأدلة المادية التي توثق ضربات استهدفت البنى التحتية والمدنيين، لتقديمها كأدلة على وقوع جرائم حرب. وغير شظايا الصواريخ الباليستية، هناك القنابل وحطام الطائرات المسيرة، كما تقوم وزارة الخارجية الأوكرانية بجمع وتحليل البيانات المتاحة للجمهور، وهي عملية تعرف باسم (الاستخبارات مفتوحة المصدر)، بغرض إعلام الجمهور ولبناء قضايا تقدم للمحاكم الدولية. ويقوم بهذه المهمة متطوعون وصحافيون استقصائيون بجانب متخصصين وقانونيين متمرسين أو يتم تدريبهم على التحقق من تدفق المعلومات إلى الوزارة وتقديمها إلى الرأي العام العالمي.


وبحسب هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، فإن الخسائر القتالية للهجمات الروسية على أوكرانيا في الفترة من 24 فبراير 2022 إلى 13 فبراير 2023 يصعب إحصاؤها بشكل دقيق، لكن منها نحو 138 ألفاً من القتلى، ونحو 5.91 مليون شخص نازح، إضافة إلى الخسائر في المعدات العسكرية من دبابات ومركبات قتالية مدرعة وأنظمة المدفعية والصواريخ متعددة الإطلاق والأنظمة المضادة للطائرات وغيرها.

عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
Enter
keywords

 

طبيعة الحرب

بعد اندلاع الحرب بثلاثة أشهر فقط، أي في مايو (أيار) الماضي حققت السلطات الأوكرانية في أكثر من 11 ألف جريمة حرب روسية محتملة منذ بدء الهجوم العسكري. وتكون تحالف يضم 27 منظمة بأكثر من 100 مراقب ومتخصص في مجالات مثل الهجمات على البنية التحتية، ودور الرعاية الصحية، والجرائم الموجهة ضد الأطفال، والإبادة الجماعية، ومنذ البداية عرفت هذه الممارسات بأنها "جرائم حرب"، لأنه توفر فيها انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني المنصوص عليها في اتفاقيات دولية عدة ومنها اتفاقيات جنيف، وكذلك وثيقة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما يوجد مفهوم "جريمة الحرب" في التشريعات الوطنية وفي القانون الجنائي لأوكرانيا. ففي ضاحية بوتشا، وجد المحققون ما رجحوا أنه دليل على عمليات إعدام جماعي، وفقاً لما نقلته وكالات الأنباء العالمية.

وفي يونيو (حزيران) الماضي تحدثت المدعية العامة الأوكرانية السابقة، إيرينا فنيديكتوفا التي كانت تشرف على عديد من التحقيقات في جرائم الحرب في أوكرانيا عن وجود 20 قضية حول نقل أشخاص قسراً إلى روسيا من مناطق مختلفة منذ بدء الحرب. وقالت إن "المحققين في قضايا جرائم الحرب في بلادها يتحرون صحة مزاعم بترحيل أطفال قسراً إلى روسيا، في إطار مسعى لإعداد لائحة اتهام بالإبادة الجماعية".

ويصنف القانون الدولي الإنساني الترحيل الجماعي القسري في أثناء النزاعات على أنه جريمة حرب، كما اتهمت روسيا باستخدام الاغتصاب كأسلوب حرب ووصفت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "مجرم الحرب الرئيس في القرن الـ21".

ونظراً إلى ارتفاع عدد ضحايا الحرب، واستمرار تدمير المناطق المدنية والسكنية والمؤسسات الطبية والتعليمية والثقافية، وتسجيل حالات من جرائم التشويه والجرح والتعذيب في الأسر، فضلاً عن القتل، ساد اعتقاد أن هذه الحرب ممنهجة. وهو ما حدا بالوزير أوليكسي ريزنيكوف، أن يصرح لصحيفة "نيوزويك" بأن "الحرب كان من الممكن تجنبها إذا تم حظر السفن الروسية من الموانئ الدولية، وإيقاف خط أنابيب نورد ستريم 2، وإذا تم قطع المدفوعات الدولية مع سويفت عاجلاً، وإذا توقفت أوروبا عن شراء الغاز الروسي، لكن في النهاية هذا ما فعلوه على أي حال".

جمع الأدلة

وبعد ما يبدو أنه توافق غربي على أن هذه الممارسات هي "جرائم حرب" محتملة، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إطلاق نظام معلوماتي لجمع الأدلة حولها، تحت اسم "كتاب الجلادين"، وهو "نظام معلوماتي لتأكيد البيانات عن مجرمي الحرب من الجيش الروسي ليكون بمثابة عنصر رئيس في إطار تعهده منذ فترة طويلة بمحاسبة الجنود الروس الذين ارتكبوا ما وصفتها السلطات الأوكرانية بأنها جرائم قتل واغتصاب ونهب".

وحشد لهذا النظام قراصنة موالون لأوكرانيا أطلق عليهم "جيش تكنولوجيا المعلومات الأوكراني"، لجمع معلومات استخباراتية عن أفراد الجيش الروسي للمساعدة في صناعة القرارات على أرض المعركة، بحسب ما صرح بذلك وزير التحول الرقمي الأوكراني ميخايلو فيدوروف. وقال أيضاً "التقنيات الحديثة تساعدنا في تحديد جرائم الحرب الروسية مثل بصمة الوجه من خلال الذكاء الاصطناعي الذي يفك شيفرات المعلومات من الكاميرات العامة".

كما قام الجيش الإلكتروني بإطلاق هجمات سيبرانية باختراق إدارة تابعة لشركة احتكار تصدير الغاز في روسيا مما عرقل تقديم خدماتها لأيام عدة. وكان هذا بمثابة رد على تنفيذ قراصنة موالين لروسيا هجمات سيبرانية ضد البنية التحتية الأوكرانية قبل بدء الحرب بغرض شل البنوك والمواقع الحكومية.

وعندما عقد وزراء العدل في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7) في برلين 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اجتماعاً بغرض العمل معاً بشكل وثيق في التحقيقات بجرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا، طالب وزير العدل الأوكراني دينيس مالجوسكا بأن تدفع روسيا ثمن أضرار الحرب، بالاعتماد على دعم مجموعة السبع. وقدرها في ذلك الوقت بنحو 150 مليار دولار، موضحاً أن هذا "لا يشمل الأضرار الاقتصادية أو كلفة تعويضات جرحى وضحايا الحرب وعائلاتهم".

 

كما اعتمدت وكالات عالمية مثل "أسوشيتد برس" في إنتاج فيلم وثائقي على لقطات أصلية إضافة إلى مقابلات مع مواطنين أوكرانيين ومدعين عامين ومسؤولين حكوميين وخبراء دوليين في جرائم الحرب. وقالت إن من شأن هذه الأدلة ربط جرائم الحرب المحتملة في بوتشا من خلال التسلسل القيادي بالجنرالات الروس، مما يمكن أن يقود إلى دعم المعلومات المقدمة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المحكمة.

لجان دولية

نشرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في شأن أوكرانيا التابعة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تقريراً مفصلاً يقضي بأنه "بناء على تحقيقاتها في الأحداث التي وقعت في مناطق كييف، وتشيرنيهيف، وخاركيف، وسومي في أواخر فبراير ومارس (آذار) 2022، وجدت أسباباً معقولة لاستنتاج وجود مجموعة جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت في أوكرانيا". وقالت المفوضية "بالنظر إلى خطورة الانتهاكات، هناك حاجة لا يمكن إنكارها للمحاسبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بيد أن اللجنة لم تستثن أوكرانيا إذ وثقت هجمات استخدمت فيها أسلحة متفجرة بشكل عشوائي في مناطق مأهولة بالسكان وتعرض المدنيون لهجمات من قبل القوات المسلحة الروسية، بينما كانوا يحاولون الفرار. وأوردت أمثلة لكلا طرفي النزاع المسلح، وإن بدرجات متفاوتة، لفشلهما في حماية المدنيين أو الأعيان المدنية من آثار الهجمات، من خلال وضع أهداف وقوات عسكرية داخل أو بالقرب من مناطق مكتظة بالسكان. وقال المفوض الخاص للأمم المتحدة، بابلو دي غريف "القوات الأوكرانية كانت مسؤولة أيضاً عن انتهاكات حقوق الإنسان، ورصدنا حالتين من سوء معاملة جنود الاتحاد الروسي من قبل الجنود الأوكرانيين".

وأخيراً، في 13 يناير (كانون الثاني) الماضي، قدمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة روزماري ديكارلو ملاحظات في شأن أوكرانيا لمجلس الأمن من المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وثقت مزاعم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ودعم الجهود الرامية إلى المساءلة، جاء فيها "وثقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أكثر من 90 حالة من حالات العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، تندرج في فئتين، الغالبية كوسيلة من وسائل التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، التي تؤثر في الغالب على الرجال، والعنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات في المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية".

محكمة جنائية خاصة

تعثرت المطالبات الأوكرانية على مدى السنوات السابقة إلى محكمة العدل الدولية، بسبب النفور من المخاطرة والتجارب عند استخدام الأداة القانونية لردع أنشطة روسيا ضد أوكرانيا، لكن أدى القصور في تلبية ما تراه أوكرانيا استحقاقاً عدلياً لها إلى تغيير هذا النهج. فبعد اندلاع الحرب رفعت كييف قضية جديدة إلى محكمة العدل الدولية، متهمة موسكو بالعدوان، نافية اتهامات بارتكاب إبادة جماعية ضد المتحدثين باللغة الروسية في منطقة دونباس الانفصالية، متخذة من ذلك ذريعة لحربها. ولم يجد ذلك الاتهام دليلاً على إبادة جماعية ارتكبتها أوكرانيا، فأمرت المحكمة روسيا بالانسحاب من أوكرانيا، لكنها تجاهلت ذلك وقدمت دعوى مضادة، ردت أوكرانيا عليها بهذه الدعوى الأخيرة.

وعليه، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً بعد طلب تقدمت به 39 دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية. ومع أن أوكرانيا رفعت قضايا ضد روسيا أيضاً في محكمة العدل الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن تعويلها على المحكمة الجنائية أكبر وذلك لأنها المحكمة الدولية الوحيدة التي يمكن أن تحمل أفراداً، بمن فيهم فلاديمير بوتين، المسؤولية الجنائية، لكن لا يبدو أن الاستناد إلى هذه المعلومة سيصمد طويلاً أمام حقيقة أخرى وهي أن كلاً من روسيا وأوكرانيا ليستا دولتين عضوتين في المحكمة.

لكن لأن أوكرانيا قبلت الاحتكام إلى سلطة المحكمة القانونية بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، فإن المحكمة بموجب صلاحياتها يمكنها ملاحقة الأفراد ومحاكمتهم بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، لكن لأنها ليست عضواً في المحكمة الجنائية فيمكن أن تتم إحالة جريمة العدوان من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهنا سيبرز بند تمتع روسيا بحق النقض (الفيتو). أو أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين على أن ينفذ القرار بعد تركه الحكم أو إجباره على ذلك لأنه يتمتع بحصانة دبلوماسية تضمن له عدم الملاحقة والاعتقال من قبل المحكمة، أو حتى توقيفه من قبل الدول الأعضاء في المحكمة التي سيزورها. والمخرج في هذه الحالة هو الاستجابة للمطالب الأوكرانية بإنشاء محكمة جنائية خاصة.

تحديات المساءلة

يشدد ذوو الضحايا الأوكرانيين على الدور الأساس للعدالة والمساءلة والمحاسبة، فيما يرى حقوقيون أوكرانيون أن عدم متابعة التحقيق في هجوم روسيا على شبه جزيرة القرم بعد ضمها من أوكرانيا في عام 2014، والبحث عن النشطاء واعتقالهم، وإفلات القوات الروسية من العقاب هو مما أدى إلى الوضع الحالي. وأن المساءلة في العدوان الحالي ينبغي أن تشمل تلك الفترة أيضاً مدعمة بالتوثيق بالبيانات والمستندات.

وفي هذا الشأن ذكر رئيس قسم التوثيق في اتحاد هلسنكي الأوكراني لحقوق الإنسان سيرهي موفتشان أن "إجراءات توثيق جرائم الحرب تبدأ بتحليل المصادر المفتوحة ومقابلة الشهود وضحايا الجرائم. بعد ذلك، نقدم البيانات للدعم القانوني للمؤسسات الوطنية والدولية". وأضاف في الموقع الرسمي لتوثيق جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا أن "هذه المصادر تواجهها تحديات منها أن المتحرين يتعاملون مع أشخاص فقدوا أحباءهم وعانوا من الحزن، لذا يقدمون قصصاً مضطربة وأحياناً غير متماسكة، مما يضطرهم إلى تسجيل كثير من المقابلات والقصص ثم تمحيصها وتعبئة البيانات لتقديمها للجهات المعنية".

كما أن هناك عدداً من التحديات الأخرى في سبيل تحقيق العدالة، أبرزها خمسة، الأول أن الحرب مستمرة ولا تزال تعرقل العدالة بشكل كبير. وفي هذا السياق يقول أستاذ الشؤون العالمية بجامعة تورنتو مارك كيرستن "مع أن هنالك قولاً مأثوراً قديماً في دوائر القانون الدولي هو (تأخير العدالة هو إنكار للعدالة)، فإنه لا ينبغي السعي إلى تحقيق العدالة إلا بعد جمع أدلة كافية والتأكد من إمكانية إجراء محاكمات عادلة".

والثاني، أن مهمة التحقيقات وتشعبات الأحداث الناتجة عن الحرب قد تستمر عقوداً بعد انتهائها، وهذا يعني أن الفاعلين الحاليين سيواصلون تبرير استخدامهم للقوة في أوكرانيا، مثل ما فعلت موسكو بأن ذلك يأتي "في إطار الدفاع عن النفس". وربما ينجون من المحاسبة، حتى لو تمت إدانتهم بالهرب أو الموت.

الثالث، أن محكمة العدل الدولية على رغم مطالبتها روسيا بوقف فوري لكل العمليات العسكرية في أوكرانيا، سواء التي تتم بأيدي القوات الروسية أو أي مجموعات تحت إمرتها، فإن الأحكام الصادرة عنها وعلى رغم كونها ملزمة لكنها بلا سلطة تنفيذية، وليس لديها آلية إنفاذ فعالة.

 

الرابع، هنالك انتهاكات يصعب إثباتها، مثل العنف الجنسي، وهو أحد الاتهامات الرئيسة ضد القوات الروسية المرتبطة بالنزاع في أوكرانيا، وقد لا يرغب الضحايا في الحديث عنها مما يضيع جزءاً من الأدلة على الاتهام الذي وجهته أوكرانيا ضد القوات الروسية.

الخامس، عدم الوصول إلى هدنة وتفاوض يمكن من ظهور أصوات متطرفة من الجانبين ربما تعتلي مسرح الأحداث وتوجه دفة الحرب، ففي كلا البلدين معارضة ترى أن قيادتها لا تنفذ الحرب بقوة كافية، وهذا من شأنه أن يعوق أي تسوية قادمة.

عالمية القانون

على رغم السعي الحثيث لجمع الأدلة للحرب في أوكرانيا، لكن يرى كثيرون أنها غير كافية لمحاسبة بوتين وغيره من القادة الروس، وقد عبروا عن ذلك بأن ضمان الحصول على العدالة لا يتم بحساب عدد الفظائع المرتكبة لكن في إمكانية الوصول إلى محاكمات عادلة ونزيهة للجناة المزعومين من الطرفين، مهما كثر حجم الاعتداءات كما في حالة القوات الروسية أو قل كما في حالة القوات الأوكرانية.

واقترح عدد من الحقوقيين اللجوء إلى "عالمية القانون"، فقد ذكر مدير منظمة "ترايال إنترناشيونال" السويسرية غير الحكومية، فيليب غرانت، أن "روسيا تكافح منذ سنوات طويلة للإفلات من العقاب على عديد من الاتهامات الموجهة ضدها بارتكاب جرائم حرب منذ بداية حربها على أوكرانيا، لكن توثيقها ومعاقبة مرتكبيها سيستغرق وقتاً طويلاً". واقترح أن توثق هذه الجرائم بالعمل على تعزيز "الولاية القضائية العالمية"، وذلك بتقنين ما بدأته عدد من الدول الغربية بجمع الأدلة من اللاجئين الأوكرانيين لديها.

وفي السياق ذاته يعتقد وزير العدل الألماني ماركو بوشمان في جدوى هذه الآلية بأنه "وفقاً لما يسمى مبدأ عالمية القانون، فمن الممكن لسلطات إنفاذ القانون الألمانية التحقيق في جرائم الحرب الروسية ضد أوكرانيا والمعاقبة عليها، مع أن الجاني والضحية ليسا مواطنين ألماناً، وأن الجريمة قد ارتكبت في الخارج".

 ويأتي هذا وفقاً لمبدأ عالمية النص الجنائي الذي تبنته بعض التشريعات والاتفاقيات الدولية، واستناداً إليه تحاول الدول الغربية إيجاد آليات التعاون فيما بينها لملاحقة بوتين. وإذا نجحت هذه الدول في تفعيل الأساس النظري لهذا المبدأ، وتنفيذ فكرة التضامن في مكافحة الإجرام والتعبير عن اتجاه نحو تأكيد عالمية الجزاء الجنائي، فإنه سيعمل على عدم تمكين المتهمين في جرائم مثل هذه بالإفلات من العقاب، ولكنه سيفتح الباب واسعاً للتدخل الدولي.

المزيد من تحلیل