Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أهوال وتعاطف وتزييف: حديث الصور في زلزال تركيا وسوريا

انتشرت على مواقع التواصل صور عديدة لا تتعلق بالحادثة حققت تفاعلاً واسعاً ومتخصصون: صناعة الوهم بهدف الربح السبب

تقول الصورة ما يغني عن ألف كلمة أو يزيد تلعب عناصر التوقيت والجودة وطبيعة الحدث أدواراً حاسمة في انتشارها. ومع #زلزال شرق المتوسط، الذي ضرب #تركيا_ وسوريا، كانت الصور القادمة من هناك تدعو إلى الشفقة وتستدر التعاطف.

لكن صوراً لا ترتبط بالحدث على مستويي التوقيت والمكان أخذت تفاعلاً كبيراً، ثم تبين أنها لا تتعلق بما يجري على الأرض، إنما تقدم تضليلاً، رغم أن الواقع أكثر قساوة، ولا يحتاج إلى ذلك.

يستدر كثيرون التعاطف بصور مزيفة لا تعكس الواقع، لأسباب مختلفة، وبلا واقعة من الأساس أحياناً، لكن في حالة الزلزال الذي وصف بأنه الأسوأ منذ عقود، مسجلاً 7.8 درجة على مقياس ريختر، وحصد أرواح الآلاف، فإن ما يجري على الأرض كان قاسياً، وربما لا تتمكن الصورة من توثيقه على أكمل وجه. وبانتشار صور ومقاطع فيديو مضللة، كان تساؤل كثيرين يدور في فلك السبب، إذ إن الواقع لا يحتاج إلى مؤثرات.

صناعة الوهم

صباح الإثنين الماضي، كان محمود فتحي في طريقه إلى العمل، ولم يكن تصفح حسابه على موقع "فيسبوك" بعد، الذي بات يتعرف على أخبار العالم من خلاله. استقر الشاب داخل سيارة أجرة، وبدأ التصفح، في فعل اعتيادي روتيني، أدهشته الصور المقبلة من تركيا وسوريا. يتابع أعداد الضحايا وهي تزداد من مئات إلى آلاف، وأعداد البنايات التي سقطت، وصور آلاف المصابين، ومن امتدت لهم يد الحياة من جديد بإنقاذ من أسفل الأنقاض.

لكن صورة بدت خارج السياق، بعيدة عن غبار المشهد جذبت انتباهه، لكلب يقف إلى جانب ركام منزل كان يعيش فيه مع صاحبه، وينتظر خروجه إليه.

 

"حين ترى كلباً، وهو حيوان يجلس إلى جوار بناية جرى هدمها في انتظار خروج صاحبه، فأنت حتماً ستتعاطف مع المشهد"، يحكي محمود الذي يعمل في شركة ترجمة بالقاهرة لـ"اندبندنت عربية". جذبته الصورة لأنها تنقل مشاعر حيوان تجاه صاحبه، والبديهي أن مشاعر البشر وأقارب الضحية أكبر "شاركت الصورة على صفحتي، لم أشك أبداً أنها لا تتعلق بذلك الحادث. لقد رأيتها عند كثيرين".

لاقت الصورة التي شاركها محمود على حسابه الشخصي بـ"فيسبوك"، آلاف المشاركات من عشرات الحسابات، لذلك كان للصورة صدقية عند الشاب ذي الـ32 عاماً، إضافة إلى أن الواقعة حقيقية يتحدث عنها العالم ليل نهار في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الشاشات والصحف، "كل هذه الأمور كانت تجعلني أصدق الصورة، والواقع فيه ما هو أسوأ، ولا أدري لماذا يفعل أحد ذلك".

تضليل متكرر

وإلى جانب صورة الكلب الشهيرة التي تعود إلى عام 2018 بالأساس، فإن صوراً أخرى ومقاطع فيديو انتشرت لم تكن متعلقة بالزلزال الأخير في تركيا وسوريا. مثل صورة لطفل سوري يبكي والديه وهو يجلس فوق أنقاض منزله، ثم تبين أنها صورة تعبيرية منذ سنوات.

كذلك مشهد إنقاذ قطة تبين أنها تعود إلى عام 2020 في إزمير، غربي تركيا، بعد زلزال هناك. كذلك كانت صورة لمصحف قيل إنه يظهر من بين الأنقاض، لكن اتضح أن الصورة قديمة، وتعود إلى عام 2019.

وكما تخدع الصور مواطناً عادياً غير متخصص في التصوير، أو يعمل في تدقيق الحقائق، فإن بعض زيفها ينطلي للوهلة الأولى على متخصصين. مثلما يحدث مع مجدي إبراهيم، الذي يعمل في التصوير الصحافي منذ 28 عاماً، وغطى أحداثاً محلية في مصر، ومناسبات دولية، ويشغل منصب رئيس شعبة المصورين الصحافيين في مصر.

يقول مجدي في حديثه لـ"اندبندنت عربية، "الصورة لها تأثير كبير في جذب الانتباه، بعضها يكون مزيفاً، وبعضها قد يكون حقيقياً، لكنها تنشر في غير محلها أو توقيتها، وأتعرض للأمر قبل أن تعمل عقليتي كمصور ثم أكتشف الأمر بعد ذلك".

تشويش وتشكيك

وعلى رغم انتشار مقاطع فيديو لا تمت إلى زلزال تركيا وسوريا بصلة، فإن نصيب الصور كان كبيراً. وفي بعض الأحداث، تكون الصورة أسرع في الانتشار بحسب محتواها. وفي ذلك يقول رئيس شعبة المصورين الصحافيين في مصر، إن الصورة أسهل وأسرع في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لا سيما بوجود مواقع التواصل الاجتماعي، على عكس الفيديو الذي يحتاج إلى وقت للمشاهدة وإنترنت جيد، "وتزييف الصورة أو استخدامها للتضليل أسرع وأسهل أيضاً، وللأسف يفقد الحدث بعض صدقيته لدى البعض".

 

يعتقد مجدي أن الصور المضللة تحدث بأحد أمرين، إما بعدسات المصور نفسه واحترافيته، باستخدام أدواته المختلفة، فيظهر الحشد الصغير وكأنه كبير والعكس أيضاً. أو بما ينشره البعض من صور يتبين للناس في ما بعد أنها مضللة. خطورة النوع الأخير من الصور بحسب المصور الصحافي، أنها تفقد الشخص صدقيته في صور أخرى حقيقية وتدعوه للتشكيك في ما حدث أو حدة الأزمة التي جرى تصويرها مثلاً، كما تخلق له نوعاً من التشويش.

ما يحكيه مجدي، يؤكده محمود الذي شارك صورة لا تمت للزلزال الذي وقع في تركيا. كان الشاب قد رأى بعد تلك الصورة، واحدة أخرى لأب يمسك يد ابنته الميتة تحت أنقاض بناية في تركيا، "حين رأيت الصورة شعرت بالحزن، لكن لم تمر ثوان حتى تشككت في أمرها، وقلت ربما هي مضللة أيضاً مثل التي شاركتها من قبل"، لكن محمود أدرك في ما بعد أنها صورة حقيقية متصلة بالحدث.

يقول استشاري للطب النفسي جمال فرويز، لـ"اندبندنت عربية"، إن الحتمية النفسية للشخص وميوله تجاه تصديق أمر ما، تكون عاملاً في قناعته تجاه صورة أو فيديو، وهذا أكبر عامل في تصديق المحتويات المختلفة، ومشاركة كثيرين لذلك المحتوى قد تلعب دوراً أيضاً في الأمر.

تفاعل مربح

ووفق استشاري الإعلام الرقمي والتسويق الإلكتروني محمد الحارثي، فإن بعض الحسابات تنشر صوراً مضللة، لـ"كسب مزيد من المتابعين، وتنشيط الحسابات، وزيادة نسب وصولها للمستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وهي بذلك تحقق نسب مشاهدة ومتابعة كبيرة، بالتالي من لديهم حملة إعلانية مثلاً يتواصلون معهم لعرض محتواهم، وفي حالة ما إذا كان المحتوى عبارة عن مقطع فيديو فإن عدد المشاهدات ستكون فارقة".

لكن الحارثي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، يفرق بين الحسابات الرسمية التي تخضع للتحقق في المحتوى، وغيرها من الحسابات، لا سيما على "فيسبوك"، المنصة التي يعتبرها استشاري الإعلام الرقمي والتسويق الإلكتروني الأكبر في نصيب نشر مستخدميها البالغ عددهم أكثر من ملياري حساب، نشر الصور المضللة "كلما زاد تفاعل الناس مع محتوى ما، فإن الصفحة تنشط، وحين تنشر فيديو ستكون المشاهدات أكبر، بالتالي هم لا يهتمون بالحدث بقدر ما يهمهم الانتشار". ويحدث هذا كثيراً مع الموضوعات التي تأخذ بعداً عالمياً واهتماماً كبيراً في كل أنحاء العالم، كما في حالة زلزال تركيا وسوريا، بحسب الحارثي.

ويلجأ أحياناً "فيسبوك"، لوضع إشارة إلى أن المحتوى غير دقيق، وأن ثمة من دققه وتبين أن الحقيقة على غير المنشور، لكنه لا يحذف المادة المنشورة، سواء كانت صورة أو مقطع فيديو. ويسهل في عالم "فيسبوك"، تنزيل صورة من على أحد الحسابات ثم إعادة نشرها من جديد، وهكذا من دون مشاركة من الحساب الذي نشر المادة، سواء كانت صورة أو فيديو أول مرة، ما يصعب من عملية مواجهة تضليلها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نداء الاستغاثة

لكن إلى جانب عملية نشر الصور غير الدقيقة التي قد تأتي بنتيجة عكسية، يشكك المستخدم عبر مواقع التواصل الاجتماعي في صور أخرى أو مواد أخرى تتعلق بالحدث نفسه، كالزلزال الأخير، فإن الصورة تفرض نفسها كوسيلة قوية لطلب التبرعات والاستغاثات، بما تجلبه من تعاطف كبير.

منظمات أممية تفعل ذلك مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) التي نشرت صورة لطفلة مصابة على أثر الزلزال معلقة على الصورة أنها بحاجة إلى لدعم والتبرع الآن. كذلك فعلت في صور أخرى في إعلانات ممولة على "فيسبوك".

كما أن مستخدمين يشاركون تفاصيل التبرع، باستخدام صور أخرى قد تكون معبرة أكثر وفق تصوراتهم. ولا يتوقف مشاركة الصور على التبرع فقط، إنما لطلب الدعاء بالرحمة للضحايا والشفاء للمصابين والإنقاذ لمن هم تحت الأنقاض.

صورة أيقونية

في حدث أليم مثل الزلزال الأخير، بضحايا وصلت لأكثر من 12 ألف قتيل. واحتمالية تأثر 23 مليون شخص بحسب منظمة الصحة العالمية بفعل الزلزال. وإعلان حالة الطوارئ في الولايات المتأثرة بتركيا لثلاثة أشهر، ومناداة الأمم المتحدة بتنحية السياسة جانباً، وتسهيل إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة في سوريا، فإن وجود صورة أيقونية تعبر عن الحدث أمر حتمي، بحسب مجدي إبراهيم، رئيس شعبة المصورين الصحافيين في مصر.

يقول مجدي، إن أحداثاً كثيرة مرت نتذكرها بصورة أو اثنتين، وربما أكثر، تكون أيقونية تعبر عن الحدث، وتظل في مخيلة المشاهدين حين تستدعي ذاكرتهم ذلك الحدث. ومع زلزال تركيا وسوريا، فإن المصور الذي له 28 عاماً في ذلك المجال لا يعرف بعد أي صورة ستكون الأيقونية في هذه المأساة "الوقت وحده من يحدد الأمر، وليس أي عامل آخر".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير