Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إساءة استخدام السلطة... تاريخ طويل من الجدل في أميركا

"الوثائق السرية" تكشف عن خلل قانون السجلات الرئاسية ومطالب بإصلاحه لتجنب الأزمات

الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره السابق دونالد ترمب (رويترز)

سلط الكشف الأخير عن احتفاظ الرئيس الأميركي جو بايدن بوثائق سرية حكومية في منزله خلال منصبه السابق كنائب رئيس لباراك أوباما، مثلما فعل الرئيس السابق دونالد ترمب، الضوء على حقائق كثيرة.

من بين تلك الحقائق هشاشة ممارسات إدارة الأرشيف الوطني، وحاجة قانون السجلات الرئاسية للإصلاح، ليس فقط لأنه يفتقر إلى آلية تنفيذ صارمة، لكن أيضاً لوجود بعض البنود التي تقيد حق الرئيس الحالي في الاطلاع على وثائق الإدارات السابقة. ذلك بينما تعطي البنود أي رئيس سابق الحق في طلب الاطلاع على وثائق إدارته، وهو ما يعد نقطة أساسية في الصراع القانوني حول أحقية إدارة بايدن في تفتيش منزل ترمب الصيف الماضي.

فما الذي ينص عليه قانون السجلات الرئاسية؟ وما سبب تقييد الرئيس الحالي في الاطلاع على وثائق إدارات سابقة؟

قائمة محظورات

يتمتع الرئيس الأميركي باعتباره قائد أقوى دولة في العالم بكثير من المزايا والقدرات التي لا يحق لغيره الوصول إليها، لكن القانون الفيدرالي يحظر على الرئيس في منصبه أشياء عدة، من بينها رفض حماية الخدمة السرية "سيكريت سيرفيس" المعنية بتوفير أقصى درجات الأمن للرئيس وعائلته، وهو ما يمنعه من القيام بكثير من الأعمال اليومية العادية إلا بتنسيق وترتيب صارمين مع رجال الخدمة السرية، وفقاً لما تقوله صحيفة "رايدرز دايجست".

ومن بين قائمة المحظورات التي ينبغي على الرئيس تجنبها فتح نافذة المنزل أو إجراء مكالمات هاتفية عادية مع الأصدقاء، أو تنظيف مكتبه، أو التخلص من البريد العادي والإلكتروني، أو قيادة السيارة، أو استخدام شركات الطيران التجارية، أو تناول العشاء في مطعم، أو الذهاب إلى دور عرض سينمائي أو حضور حفل لأحد أبنائه أو أحفاده. كما لا يحق له التعامل بحرية مع التكنولوجيا الشخصية أو حظر الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يتناقض مع حرية التعبير التي كفلها التعديل الأول للدستور.

لكن، بعيداً من معاملات الحياة اليومية، وعلى رغم السلطات الواسعة التي يتمتع بها الرئيس الأميركي، أقر الكونغرس على مدى عقود قوانين تحد من الوصول المفتوح للرئيس الأميركي وإدارته إلى بعض المعلومات. ومن أبرز هذه القوانين، قانون السجلات الرئاسية، الذي لا يسمح للرئيس الحالي، بالاطلاع على وثائق الإدارات السابقة إلا بإجراءات وشروط محددة بحسب القانون.

قانون السجلات الرئاسية

أقر الكونغرس قانون السجلات الرئاسية عام 1978، بعد أن سعى الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون إلى تدمير أشرطة تسجيلات البيت الأبيض خلال فضيحة "ووترغيت". ونص القانون على أن السجلات الرئاسية ملك لعامة الشعب الأميركي، ويجب تسليمها إلى إدارة المحفوظات والسجلات المعروفة باسم "الأرشيف الوطني" في نهاية الولاية الرئاسية، كي يسيطر ويدير السجلات الرسمية للرؤساء ونواب الرئيس التي تم إنشاؤها أو تسلمها بعد 20 يناير (كانون الثاني) 1981، أي بدءاً من إدارة الرئيس رونالد ريغان، وقد تم تعديل القانون عام 2014 لإضافة عديد من الأحكام والبنود الجديدة. غير أن تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) لمنزل ترمب في مارالاغو بولاية فلوريدا الصيف الماضي، بحثاً عن وثائق سرية احتفظ بها الرئيس السابق، أعاد للضوء بنداً اشتمل عليه قانون السجلات الرئاسية، وأصبح نقطة خلاف رئيسة في تحديد أحقية إدارة بايدن التي يمثلها هنا "أف بي آي" في استعادة وثائق تخص إدارة رئيس سابق. ذلك أن القانون يمنح الرؤساء السابقين حق الحصول على أية وثائق سرية عن فترة إدارتهم للحكم في البيت الأبيض، بغض النظر عن الأسباب التي قد تكون ضرورية أو مفيدة لهم، وفقاً لما يؤكده بوب باور أستاذ القانون في جامعة نيويورك والمستشار القانوني السابق للبيت الأبيض.

تقييد الرئيس الحالي

وبحسب مقال نشره باور في صحيفة "أتلانتيك"، لا يتطلب هذا الإجراء من أي رئيس سابق سوى تقديم طلب إلى أمين الأرشيف الوطني للولايات المتحدة، من دون أن يكون للإدارة الحالية أي دور رسمي في هذه المسألة، كما لا يتطلب الأمر استشارة أجهزة الأمن والاستخبارات، لكن بينما يتمتع الرئيس السابق بهذه الحقوق والامتيازات، فإن قانون السجلات الرئاسية يقيد وصول الرئيس الحالي إلى سجلات الإدارة السابقة، سواء السرية أو غير المصنفة، إلا إذا منحه الرئيس السابق حق الوصول إليها. ومع ذلك، يجوز للرئيس الحالي أيضاً الوصول إلى سجلات إدارة الرئيس السابق بشرط تحديد الوثائق المطلوبة من الأرشيف الوطني، وأن تكون الوثائق لازمة لتسيير الأعمال الرسمية للإدارة الحالية، وألا تكون متوفرة أو يمكن الحصول عليها بطريقة أخرى غير ذلك.

جدل قانوني

على هذا الأساس، اعترض ترمب ومحاموه بالفعل على وصول إدارة بايدن إلى صناديق الوثائق التي أعيدت طواعية إلى الأرشيف الوطني في يناير 2022، على اعتبار أن القانون يمنح الرئيس السابق السيطرة الكاملة تقريباً على سجلات إدارته، كما جادل محاميا ترمب، ديفيد ريفكين ولي كيسي، بأن حيازة ترمب للوثائق في مارالاغو أيضاً أمر قانوني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالتالي فإن القوانين الجنائية الثلاثة الواردة في أمر التفتيش، الذي أصدرته المحكمة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لا تنطبق على الرئيس السابق، لأن ترمب لديه بالفعل الحق في الوصول إلى المستندات بموجب القانون، الذي لا يتناول كيفية تسليم سجلات الرئيس السابق مادياً إلى أمين الأرشيف الوطني، أو تحديد أي موعد نهائي لذلك، وترك هذه المسألة للتفاوض بين أمين الأرشيف والرئيس السابق. غير أن جاك غولدسميث أستاذ القانون بجامعة هارفرد ومساعد المدعي العام السابق، أوضح أن قانون السجلات الرئاسية يشير بشكل حاسم لا لبس فيه إلى أن الولايات المتحدة فقط، وليس الرئيس السابق ترمب، هي المالكة والمرخص لها حيازة الوثائق الرئاسية، وأن أمين الأرشيف الوطني عليه مسؤولية حفظ السجلات الرئاسية في نهاية فترة الرئاسة، وأنه إذا كان قانون السجلات الرئاسية يمنح رئيساً سابقاً حقوقاً معينة للوصول إلى الوثائق التي بحوزة الولايات المتحدة وتقييد الوصول إليها، فإنه لا يعطي الحق في امتلاك رئيس سابق سجلات رئاسية بعد فترة رئاسته.

وحتى لو لم تكن الوثائق في حيازة أمين الأرشيف في نهاية فترة الرئاسة، فإن قانون السجلات الرئاسية يوضح أن الرئيس السابق ليس لديه حق في الاحتفاظ بالوثائق لنفسه، لأنها ليست مستنداته ليأخذها أو يحتفظ بها أو يتفاوض في شأنها، كما أن عدم وجود عملية محددة لكيفية تسليم الوثائق أو تحديد موعد نهائي في قانون السجلات الرئاسية لعملية تحويل رئيس سابق للسجلات إلى أمين الأرشيف، لا علاقة له بما إذا كان الرئيس السابق ترمب يمتلك ملكية قانونية.

خطأ إدارة بايدن

لكن، يبدو أيضاً أن إدارة الرئيس بايدن أخطأت في تقديم المبررات القانونية اللازمة التي تمنحها حق الوصول والاطلاع على وثائق الرئيس السابق، ففي رسالة إلى ممثل ترمب إيفان كوركوران زعمت القائمة بأعمال الأرشيف الوطني ديبرا ستيدل وول أنها مخولة إعطاء إدارة بايدن التي يمثلها مكتب التحقيقات الفيدرالي حق الوصول إلى المستندات والوثائق الرئاسية للرئيس السابق بموجب قانون السجلات الرئاسية. غير أنه وفقاً لغولدسميث، فإن القانون ينص على أنه يجب توفير السجلات الرئاسية للرئيس الحالي فقط إذا كانت هذه السجلات تحتوي على المعلومات اللازمة لتسيير الأعمال الحالية لمكتب الرئيس الحالي، وما لم تكن متاحة بطريقة أخرى، وفي هذه الحالة يجب على الرئيس بايدن أن يطلب السجلات التي يبحث عنها كتابة من أمين الأرشيف الوطني حيثما يكون ذلك ممكناً، وتحديد السجلات المطلوبة، وهو ما تشير رسالة ستيدل وول إلى أن بايدن قدم هذا الطلب، من خلال مستشار البيت الأبيض. ومع ذلك، ليس من الواضح أن الإجراء كان كافياً من الناحية القانونية لمنح الإدارة الحالية حقوق الوصول إلى هذه المستندات، فحتى لو كانت الوثائق تحتوي بشكل معقول على معلومات مطلوبة لتسيير الأعمال الحالية لإدارة بايدن، فإنه من الواضح أن المعلومات كانت متاحة بطريقة أخرى، وبحسب اعتقاد غولدسميث فإن كثيراً من المعلومات الواردة في الوثائق، إن لم يكن جميعها، متاحة بطرق أخرى، كما أن القائمة بأعمال الأرشيف الوطني لم تتناول النقطة المتعلقة بعدم توفر المعلومات بطريقة أخرى، وذلك في شرح سبب استيفاء الشروط.

إصلاح مطلوب

في ظل هذا الجدل، الذي ما زال عالقاً، يطالب بوب باول الذي عمل مستشاراً لإدارة أوباما السابقة، بإصلاح القانون في أسرع وقت، على اعتبار أن هناك عديداً من الأسئلة حول قانون السجلات الرئاسية، الذي يمنح حقوقاً ومزايا للرؤساء السابقين والمعايير والممارسات ذات الصلة التي توفر لهم إمكانية الوصول إلى معلومات الأمن القومي السرية، بينما يحظر على الرئيس الحالي الاطلاع والوصول إلى هذه المعلومات في فترات رئاسية سابقة إلا بشروط محددة من دون تفسير واضح، الأمر الذي يتطلب إعادة نظر وإصلاحاً.

ولأن الرؤساء السابقين أصبحوا مواطنين عاديين، يطالب البعض بأن يخضعوا حال سعيهم للوصول إلى مواد سرية للإجراءات نفسها التي يخضع لها أي شخص آخر يسعى للحصول على هذه المعلومات بما في ذلك الإقرار كتابياً بأن هناك حاجة مشروعة لمثل هذه المواد السرية، والإقرار بأن النشر غير المصرح به لهذه المعلومات السرية قد يؤدي إلى إلحاق ضرر جسيم بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة تخضع من يسيء استخدامها للملاحقة الجنائية.

إضافة إلى ذلك، يدعو متخصصون قانونيون إلى ضرورة أن يخلق الإصلاح دوراً لوجهات نظر كبار مسؤولي الاستخبارات في شأن المخاطر التي يشكلها تبادل المعلومات مع مواطن عادي، أو حتى رئيس سابق، لأنها يمكن أن تضر بالأمن القومي إذا أسيء التعامل معها أو تسربت لأطراف أخرى.

أسباب أخرى

من بين الأسباب الملحة الأخرى التي تقتضي إصلاح القانون صعوبة تنفيذه في الممارسة العملية لأن أمناء الأرشيف الحكوميين لديهم قدرة قليلة على إصدار أوامر للرؤساء أو نواب الرئيس بالامتثال للقانون وتسليمهم جميع الوثائق التي تكون بحوزتهم خلال مغادرتهم البيت الأبيض في ظهر يوم 20 يناير، عندما يؤدي الرئيس الجديد اليمين الدستورية، ويصبح الأرشيف الوطني على الفور هو المالك الشرعي لملايين الأوراق الرئاسية من الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته.

وفي حين أن معظم مزاعم ترمب حول استيلاء الرؤساء السابقين على وثائق من البيت الأبيض كانت خاطئة أو مبالغاً فيها، فإن مأزق بايدن وفر له غطاءً سياسياً وأثار تساؤلات جديدة حول كيفية تطبيق القوانين التي تحكم السجلات الرئاسية، حيث لم يقدم محامو بايدن حتى الآن حساباً كاملاً لكيفية تجاوز السجلات السرية من فترة تولي بايدن منصب نائب الرئيس أوباما، وكيف انتهى بها الأمر في مواقع غير مصرح بها، وكيف ولماذا تم اكتشاف الوثائق بعد أن يقرب من ست سنوات من انتهاء ولاية بايدن في يناير عام 2017.

مشكلة تتفاقم

منذ بدء تطبيق قانون السجلات الرئاسية عام 1981 اتضح بمرور الزمن أن مشكلة تسليم الوثائق تتفاقم، وبينما سلمت إدارة ريغان نحو 43 مليون صفحة من السجلات إلى الأرشيف الوطني بما في ذلك 8 ملايين صفحة من السجلات السرية، سلم فريق الرئيس بيل كلينتون نحو 75 مليون صفحة، وفقاً للأرشيف الوطنى، تطلب نقلها من واشنطن ثماني رحلات جوية لطائرة نقل عسكرية كبيرة من طراز "سي 5"، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".

منذ ذلك الحين زاد عدد السجلات الحكومية التي يستخدمها الرؤساء ونواب الرئيس بشكل ملحوظ بمرور الوقت، مع ظهور الاتصالات الإلكترونية، وغيرها من التقنيات.

وعلاوة على ذلك، غالباً ما تنشأ الخلافات حول ما إذا كانت الوثيقة تعد عنصراً شخصياً يخص الرئيس أو سجلاً رسمياً يخص الشعب الأميركي، على رغم أن قانون السجلات الرئاسية يعتبر معظم المواد المتعلقة بالنشاط الرئاسي، بما في ذلك الرسائل والهدايا والتسجيلات، رسمية بطبيعتها، وأن جميع الوثائق السرية تعد ملكية حكومية، لكن إلى جانب المبدأ القائل إن منتجات الحكومة الديمقراطية هي ملك للشعب، يقول المؤرخون إن الباحثين والنشطاء والمشرعين يجب أن يكونوا قادرين على إلقاء الضوء على الرئاسات الأميركية السابقة ووثائقها حتى يمكن تعلم الدروس.

المزيد من تقارير