Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الضرائب في تونس بين ضرورات المالية العامة ومخاطر الركود

الحكومة تتوسع في الضرائب من الثروة العقارية إلى الملابس المستعملة

تضمن قانون المالية التونسية لسنة 2023 إجراءات ضريبية تشمل عدد كبير من السلع والخدمات (رويترز)

أعلنت الحكومة التونسية أنها تقوم بإعداد برنامج وطني للإصلاحات الاقتصادية والمالية للفترة من 2022 حتى 2026 يهدف إلى إنقاذ الاقتصاد وتحقيق التصحيح للمالية العمومية المتأزمة. وبدأت الحكومة تطبيق البرنامج سنة 2022 لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي على المدى القصير والمتوسط.

وتعتمد تقديرات الميزانية متوسطة المدى للفترة 2023-2025 على مدى التقدم في تنفيذ البرنامج الإصلاحي المذكور، لما لهذه الإصلاحات من تأثير مباشر وغير مباشر في موارد ونفقات ميزانية الدولة للفترة المقبلة.

ومن بين النقاط المستهدفة بالإصلاح، والتي عكستها موازنة سنة 2023، الإصلاح الضريبي الذي يرنو إلى إرساء منظومة ضريبية عادلة، وفي هذا الإطار تضمن قانون المالية لسنة 2023 إجراءات ضريبية جديدة، إضافة إلى تحسين جهود تحصيل الضرائب بغرض تعزيز موارد الدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وارتفعت إيرادات الدولة، وفق موازنة 2023، بنسبة 12.9 في المئة، مقارنة بقانون المالية التعديلي لسنة 2022، الذي حددت فيه الإيرادات بنحو 41.1 مليار دينار (13.7 مليار دولار)، لتبلغ الموارد بالموازنة الحالية 46.424 مليار دينار (15.46 مليار دولار). ويرجع السبب الرئيس في هذه الزيادة إلى الزيادة المهمة المتوقعة في مداخيل الضرائب بمفردها سنة 2023، وقدرت بنحو 40.5 مليار دينار (13.5 مليار دولار)، والمداخيل غير الضريبية بقيمة 5.5 مليار دينار (1.83 مليار دولار)، والهبات بقيمة 354 مليون دينار (118 مليون دولار).

الزيادات الضريبية

ذكرت وزارة المالية أنها تسعى في موازنة سنة 2023 إلى مواصلة الإصلاح الضريبي، وترشيد الامتيازات السابقة، ودعم الامتثال الضريبي وإدماج الاقتصاد الموازي والتصدي للتهرب الضريبي، وتعبئة موارد إضافية لفائدة خزانة الدولة والسعي إلى ملاءمة التشريع الجبائي مع المعايير الدولية. وأعلنت في هذا الإطار زيادة قيمة جملة من الأداءات وسن ضرائب جديدة، مما أثار جملة من الانتقادات ارتقت إلى التهديد بالمقاطعة والعصيان من قبل عدة قطاعات شملتها الإجراءات.

وتضمن قانون المالية لسنة 2023 إجراءات ضريبية في إطار دعم التضامن بين مختلف الفئات الاجتماعية، ومنها زيادة مقدار المساهمة الاجتماعية التضامنية بالنسبة إلى المؤسسات الخاضعة للضريبة على الشركات والمستوجب دفعها خلال الفترة من 2023 إلى 2025، وأقرت زيادة أربعة في المئة بالنسبة إلى المؤسسات الخاضعة للضريبة على الشركات، بنسبة 35 في المئة، وثلاثة في المئة بالنسبة إلى المؤسسات الخاضعة للضريبة على الشركات بنسبة تقل عن 35 في المئة، إضافة إلى مراجعة مقدار المساهمة الدنيا المستوجبة على المؤسسات المفروض عليها الضريبة. كما تم إخضاع العقارات التي يمتلكها الأشخاص الطبيعيون، والتي تساوي أو تفوق قيمتها ثلاثة ملايين دينار (مليون دولار) لضريبة تسمى "الضريبة على الثروة العقارية" تحتسب بنسبة 0.5 في المئة على أساس القيمة الحقيقية لجملة المكاسب العقارية، والتخلي عن الامتياز الخاص بإعفاء القيمة الزائدة العقارية لأول عملية بيع لسكن، لا يتجاوز 500 ألف دينار (166.6 ألف دولار)، وكذلك العقارات الفلاحية.

واعتمدت أيضاً زيادة في نسبة الضريبة من 10 إلى 15 في المئة بالنسبة إلى المؤسسات الصحية والتعليمية الخاصة، وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 13 إلى 19 في المئة بخصوص جملة من الأنشطة غير التجارية شملت المهندسين المعماريين والمحامين والخبراء المحاسبين والمستشارين الجبائيين، وزيادة ضريبة القيمة المضافة على عمليات طب وجراحة التجميل من سبعة إلى 19 في المئة من دون الأعمال ذات الصبغة العلاجية، وإخضاع التوكيلات المتعلقة بالعمليات التعاقدية لإجراء التسجيل وجوباً عند أية عملية، سواء بيعاً أو شراءً، وترشيد منح الامتيازات الجبائية لفائدة الأجانب المنتدبين من قبل المؤسسات المصدرة كلياً، وذلك بحصر الامتيازات المتعلقة بتوريد الأمتعة الشخصية والسيارات السياحية في أجل ستة أشهر من تاريخ دخولهم للبلاد التونسية. كما أقرت التعديلات دعم الامتثال الضريبي للأشخاص من ذوي الجنسية الأجنبية الذين يمارسون أنشطة خاضعة للضريبة بتونس، وذلك بربط تجديد بطاقات إقامتهم بتسوية وضعيتهم الجبائية.

ضرائب على مداخيل رأس المال

في إطار تقريب ضرائب مداخيل رأس المال من ضرائب مداخيل العمل وتحسين مردوديته، تمت مراجعة النظام الضريبي للقيمة الزائدة المتأتية من أرباح الأشخاص الطبيعيين من إعادة بيع السندات غير الملحقة بالموازنة، أي الأسهم والحصص الاجتماعية وحصص الصناديق والحقوق المتعلقة بها، لتفادي ظاهرة المضاربة، وذلك بتوظيف الضريبة التحررية، بحسب مدة التملك بقيمة 10 في المئة بالنسبة إلى الأسهم المدرجة بالبورصة التي تقل مدة تملكها عن السنتين، وكذلك من إعادة بيع السندات الأخرى التي تفوق مدة تملكها السنتين، و15 في المئة بالنسبة إلى إعادة بيع السندات الأخرى التي تقل مدة تملكها عن السنتين.

وبهدف التصدي للتهرب من الضرائب في قطاع توزيع الجعة والخمور والمشروبات الكحولية وقع إخضاع اقتناء هذه المنتجات لدى المصنعين والمعبئين لضريبة مسبقة، قابلة للطرح من الضريبة على الدخل أو من الضريبة على الشركات بنسبة خمسة في المئة، كما وقع إقرار مراجعة الضرائب الموظفة على الملابس المستعملة والمنتجات المتأتية من عمليات فرز أو تحويل أو إتلاف هذه المواد، وذلك في اتجاه اعتماد معلوم يوظف على أساس الوزن عوضاً عن التعريفات الجمركية المطبقة حالياً. وإضافة إلى ذلك سيتم تطبيق رسوم لفائدة صندوق مقاومة التلوث يحتسب على أساس وزن كميات الملابس المستعملة التي يتم إتلافها، كما أقر القانون تطبيق رسم محدد يساوي 20 في المئة من المبالغ التي تساوي أو تفوق 5000 دينار والمدفوعة نقداً. كما وقع إقرار زيادة في نسبة الضرائب المسبقة على واردات مواد الاستهلاك من 10 في المئة إلى 15 في المئة بالنسبة إلى المؤسسات التي لم تصرح بجميع الأداءات والرسوم أو التي احتجزت بذمتها ديون ضريبية، وكذلك المؤسسات التي تصرح بصفة منقوصة، إضافة إلى زيادة قيمة المخالفات في حال التأخير في دفع الأداء بعد الآجال القانونية.

حصة الضرائب من موارد الدولة

كشفت وزارة المالية عن أنها تسعى من خلال تسريع نسق تنفيذ الإصلاحات على مستوى الضرائب وتحسين مجهود الاستخلاص إلى دعم حجم الموارد الذاتية في ميزانية الدولة لتبلغ 73.8 في المئة من جملة مواردها سنة 2025 مقابل 67.6 في المئة في سنة 2022 و61 في المئة مسجلة في 2021، وتفعيل برنامج الإصلاح الضريبي وتعزيز مجهود الاستخلاص لتحقيق تطور المداخيل الضريبية بنسبة 11.2 في المئة كمعدل متوسط للفترة 2023-2025.

وأفادت الوزارة بأن أهم هدف لبرنامج الإصلاحات هو استدامة المالية العمومية والتوازنات المالية الكبرى على المدى المتوسط، حيث سيتم العمل على تعزيز الموارد الذاتية لميزانية الدولة وتطورها بمعدل 10.4 في المئة خلال الفترة 2023- 2025. ومن المنتظر أن يرتفع نصيب الموارد الذاتية من جملة موارد الدولة إلى نحو 28 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أفق سنة 2025 مقابل 26 في المئة مسجلة في 2021.

نظام أكثر عدالة

قالت المديرة العامة بإدارة الدراسات والتشريع الجبائي بوزارة المالية مفيدة رمضان إنه تم تخفيض قائمة الأنشطة التي يحق لها التمتع بالنظام الضريبي التقديري (ضريبة محددة لا علاقة لها بالأرباح) الذي طالما مثل إشكالاً في النظام الضريبي التونسي، كما تم التبسيط في الإجراءات الواجبة على المنخرطين ضمن النظام الضريبي الحقيقي (مرتبط بحجم الأرباح). وأضافت أن الضريبة على الثروة العقارية ستشمل الأشخاص الطبيعيين المصرحين وغير المصرحين أيضاً بممتلكاتهم، حيث إن أعمال المعاينة سيتولى القيام بها أعوان مصالح الضرائب، وسيتم التفطن لغير المصرحين.

في المقابل، تم التخفيض في نسبة المساهمة بالنسبة إلى الإجراء من واحد في المئة إلى 0.5 في المئة لمدة ثلاث سنوات، في انتظار مراجعة جدول الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين الذي تم تأجيله حتى سنة 2025 أو 2026.

وفي تعليقها على رفض المنظمات والهياكل المهنية قالت إن وزارة المالية منفتحة على مقترحاتهم، وسيتم النظر فيها وتلبية المقترحات التي توفر انعكاسات مالية مقبولة. وأشارت إلى أنه يتم التخلي عن المقترحات التي لا تتناسب مع المالية العمومية.

انتقادات

في المقابل، اعتبر أصلان بن رجب عضو المكتب التنفيذي بكونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كونكت" (هيئة نقابية مستقلة) في تصريحه لـ"اندبندنت عربية" أن الإجراءات الواردة بقانون المالية وردت في ظروف عالمية صعبة بعد حرب وجائحة عمقتا الأزمة المالية والاقتصادية في تونس، ولم ترقَ الإجراءات الحكومية إلى آمال القطاعات الاقتصادية في تأسيس لسياسة إنقاذ للمؤسسات واستعادة نسق الإنتاج على غرار ما حصل في الدول الأوروبية أو المناطق المجاورة، ومنها بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، التي عملت على إعادة هيكلة الشركات بتقديم دعم مادي وسيولة لمسايرة التضخم الذي تسبب في زيادة كلفة الإنتاج والمطالبة بالرفع في الأجور.

وأضاف أصلان بن رجب، "في اتجاه معاكس للإنقاذ وإنعاش الاقتصاد ورد قانون المالية لسنة 2023، الذي يعتمد بشكل مفرط على الضرائب التي من شأنها الزيادة في الضغوط التضخمية، والركود الاقتصادي بحكم إضعافها للاستثمار، مما يكرس لمتلازمة التضخم والركود الخطرة، حيث تؤدي الزيادة في الضرائب ومعدلات الفائدة الرئيسة إلى جانب عامل التضخم المستورد في ارتفاع كلفة الإنتاج والعزوف عن الاستثمار واستفحال التضخم مع صعوبة مسايرة الزيادات في الأجور لنسق التضخم".

واعتبر وليد مجدوب رئيس اللجنة الجبائية بمنظمة كونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كونكت" أن ركود العقارات وارتفاع أسعار الخدمات وكلفة الإنتاج، بالتالي المواد الاستهلاكية أضحى بديهياً سنة 2023، علاوة على انفلات الأسعار السابق الذي لن تساعد التراتيب والإجراءات الواردة في موازنة 2023 على مواجهته، مما ينذر بركود اقتصادي، بالتالي العجز على خلق الثروة وزيادة النمو، مما يؤدي حتماً إلى تدهور العملة الوطنية المتأثرة أساساً بتراجع التصدير على خلفية الانكماش الحاصل والمرشح للاستفحال.

وذكر مجدوب أن المنظمة قدمت خلال لقاءات سابقة مع السلطة مقترحات عملية لتحقيق التوازنات المالية، ومن أهمها التخلي عن قانون الاستثمار الذي تم سنه عام 2017، وهو قانون مكبل للمؤسسات المصدرة كلياً وشركات التجارة الدولية، في حين يمر الإصلاح الضريبي عبر تبسيط الإجراءات والرقمنة ومحاربة البيروقراطية وبإعادة بناء المنظومة برمتها.

اقرأ المزيد