Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يحدد ذكرى الثورة في تونس... السياسيون أم المؤرخون؟

يرى البعض أن البلاد لا تزال في حالة "ثورة مستمرة" بانتظار تحقيق المطالب الشعبية

يحيي التونسيون اليوم السبت 14 يناير (كانون الثاني)، الذكرى الثانية عشرة لثورة 2011، التي لم تكن لحظة منفصلة عن سياقها التاريخي، وقاطعة مع الماضي، بل هي امتداد لسلسلة من حلقات الرفض لجور السلطة وظلمها، بداية من ثورة علي بن غذاهم في عام 1864، مروراً بـ"أحداث الخبز" في يناير 1984، فأحداث الحوض المنجمي في 2008، التي مهدت الطريق ليصدح التونسيون بمطالبهم عالياً متحدين السلطة الجائرة، ولتندلع في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، الشرارة الأولى للاحتجاجات الشعبية، انطلاقاً من محافظة سيدي بوزيد (وسط)، ثم غيرها من المناطق المهمشة احتجاجاً على الظلم والفساد وغياب التنمية وانعدام فرص العمل.
وعمت الاحتجاجات مختلف ربوع الجمهورية، لتنتهي في 14 يناير 2011، بسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، بعد حكمه البلاد لـ23 سنة.

خمسة رؤساء وعشر حكومات منذ 2011

ومنذ ذلك التاريخ، تصارع تونس ولا تزال من أجل استقرار سياسي واقتصادي، يضمن الرفاه الاجتماعي، حيث تعاقب على رئاستها خمسة رؤساء، وأكثر من عشر حكومات في 11 سنة، من دون أن تشهد البلاد استقراراً أو تتحقق مطالب التونسيين الاجتماعية والاقتصادية.
واختلف المتابعون للشأن التونسي حول التاريخ الحقيقي للثورة، بين من يرى أنها اندلعت في 17 ديسمبر 2010، عندما أقدم الشاب محمد البوعزيزي على إحراق نفسه رفضاً لظلم السلطة، ليكون بمثابة شرارة للاحتجاجات في مختلف المناطق المهمشة في تونس، ومن يعتبر لحظة 14 يناير 2011 تاريخاً رمزياً لانهيار منظومة سياسية كاملة بحزبها الحاكم "التجمع الدستوري الديمقراطي"، المترامي في ثنايا المدن والأرياف التونسية، وجهازها الأمني الصلب المتحكم لأكثر من عقدين من الزمن بالبلاد.

14 يناير 2011 حدث كبير

ويعتبر المؤرخ التونسي، علية عميرة الصغير، أن "تاريخ الثورات ليس مقدساً، بل هو مرتبط بطبيعة المجتمع وبمختلف التوازنات في تلك المرحلة"، مضيفاً أن "للمؤرخين مقاربة موضوعية، تقطع مع الذاتية، ومن دون حسابات سياسية توظف الأحداث التاريخية لصالحها، يعتبرون أن الحدث المهم والمفصلي في ذلك المسار من الأحداث والاحتجاجات، هو لحظة 14 يناير 2011، عندما انهار حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لذلك فإن اعتماد 14 يناير عيداً رسمياً للثورة هو الأقرب إلى الصحة والموضوعية، لأن الأحداث تدور حول فاعل أساسي، وهو الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي مثلت لحظة مغادرته انتصاراً للثورة".

ويصف المؤرخ تاريخ 14 يناير 2011 في تونس بـ"الحدث الكبير، لأنها لحظة القطع مع نظام يمثله رئيس الجمهورية، الذي تخلى عن إدارة الدولة في لحظة مفصلية، ولأنها أيضاً توجت سلسلة من الاحتجاجات والسخط الشعبي على منظومة الحكم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لحظة اختطاف الثورة

في المقابل، هناك من لا ينفي أن 14 جانفي (يناير) 2011، حدث مفصلي في تاريخ تونس، إلا أن السنوات التي تلت تلك اللحظة لم تحقق مطالب التونسيين التي رفعت في الاحتجاجات الشعبية، واستنتجوا أن ذلك التاريخ يمثل لحظة اختطاف الثورة من قبل الأحزاب السياسية التي أوغلت في صراعاتها الضيقة وحساباتها الحزبية على حساب مشاغل التونسيين.

ويطالب مناصرو هذه المقاربة بعودة الثورة إلى مستحقيها ولفاعليها الأساسيين وهم الشباب الذي انتفض من أجل العمل والحرية والكرامة.

17 ديسمبر عطلة رسمية

ويعتبر الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد من مناصري هذه المقاربة، نظراً إلى رفضه المنظومة السياسية والحزبية التي حكمت تونس مباشرة بعد الثورة واستمر حكمها إلى 25 يوليو (تموز) 2021.

وسبق أن أعلن سعيد أن التاريخ الحقيقي للثورة هو 17 ديسمبر وليس 14 يناير من كل سنة.
كذلك يرفض رضوان الفارسي رئيس جمعية "أولادنا"، اختزال الثورة في تاريخ 14 يناير، لأنه "يبخس تاريخ النضال الذي حدث قبل هذا التاريخ"، ويعتبر أن "الربط الزمني بين التاريخين ضروري"، داعياً إلى "النأي بالتواريخ الوطنية عن التجاذبات السياسية".

ويكتسي الاختلاف في تحديد عيد الثورة بعداً سياسياً، فبعد أن حسم دستور 2014 هذا الجدل بتسميتها (ثورة 17 ديسمبر – 14 يناير)، قرر الرئيس سعيد، بعد 25 يوليو (تموز) 2021، تغيير تاريخ الاحتفال بذكرى ثورة 2011، مبرراً قراره بالقول إن "الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد (وسط) ولكن للأسف تم احتواء الثورة حتى يتم إقصاء الشعب عن التعبير عن إرادته وعن الشعارات التي رفعها".

إلى ذلك، مهما اختلف السياسيون حول تاريخ الثورة في تونس، فهم لم يكونوا من صناعها، بل كانت انتفاضة عفوية وشعبية، علا سقف المطالب خلالها من اجتماعية إلى سياسية، لذلك يعتبرها البعض "ثورة مستمرة"، ولا يختزلها تاريخ بعينه، إلى حين تحقيق مطالب التونسيين بالحرية والكرامة.

في سياق متصل، تاريخياً، وفي تونس فقط، يتنازع السياسيون التواريخ الوطنية، منذ أول رئيس للجمهورية الحبيب بورقيبة الذي اختزل أحداث الحركة الوطنية في شخصه، إلى زين العابدين بن علي، الذي تخلى عن الأعياد الوطنية المرتبطة بشخص الحبيب بورقيبة، إلى رئيس الجمهورية الحالي، قيس سعيد، الذي غير تاريخ الثورة من 14 يناير إلى 17 ديسمبر من كل عام، بينما ينشد التونسيون استقراراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يحقق الرفاه.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي