Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناريو العنف يعود إلى تونس واتهامات التآمر والخيانة جاهزة

احتكاكات بين أنصار الرئيس قيس سعيد ومحتجين من "جبهة الخلاص" تؤجج مخاوف تعميق الأزمة في البلاد

نفى أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد استخدام العنف تجاه أنصار "جبهة الخلاص" في منطقة المنيهلة (أ ف ب)

عرفت منطقة المنيهلة الواقعة في مدينة أريانة المتاخمة للعاصمة التونسية، أمس الأحد، احتكاكاً بين أنصار الرئيس قيس سعيد ومحتجين من "جبهة الخلاص" المعارضة، في تطور أحيا المخاوف من أن يقود التصعيد المتبادل بين سعيد والمعارضة إلى انزلاق الأوضاع في البلاد.

وبدا أن "جبهة الخلاص"، التي تتألف من عديد من الأحزاب السياسية، في مقدمتها "حركة النهضة" التي تعد الذراع السياسية لتنظيم "الإخوان المسلمين"، اختارت العنوان بدقة هذه المرة، إذ كان الرئيس قيس سعيد يقطن المنيهلة قبل اعتلائه سدة الحكم عام 2019، ويتردد على المنطقة المذكورة باستمرار.

وسارعت "جبهة الخلاص" إلى التنديد في بيان رسمي أصدرته أمس الأحد، بمحاولات منعها من عقد اجتماع لها في المنيهلة، فيما تداول نشطاء مقاطع فيديو لقياداتها وهم يحاولون الفرار بعد الاحتكاك مع أنصار سعيد، الذي يتهمه خصومه بـ"تكريس ديكتاتورية جديدة بعد استيلائه على أغلب الصلاحيات، وقيادته مساراً انتقالياً غير من خلاله الدستور بشكل أعاد البلاد إلى نظام حكم رئاسي".

وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتسن لـ"اندبندنت عربية" التحقق من صدقيتها، حشداً يهتف في مواجهة قيادات "جبهة الخلاص"، "ارحلوا"، "يا خونة" وعبارات كثيرة أخرى.

استنكار ومخاوف

واعتبر رئيس "جبهة الخلاص" الوطني، أحمد نجيب الشابي، أنها نجحت في عقد اجتماعها العام أمام مقر بلدية المنيهلة، لافتاً إلى أن "الطيف السياسي والاجتماعي يتحد، ووحدة الصف والهدف قائمة من أجل عودة الديمقراطية والشرعية ودحر الديكتاتورية".

وأشار الشابي إلى أن "محاولة حرمان الجبهة من الاجتماع بأهالي المنيهلة لن يثنيها عن مواصلة احتجاجاتها السلمية". مؤكداً أن تونس "تستعد للتغيير، ولن يوقف أحد هذا التغيير الآن".

ولم تنجح المعارضة التونسية المنقسمة على نفسها بشكل كبير بين "الدساترة" وهم من رموز الحزب الذي حكم تونس منذ الاستقلال حتى عام 2011، و"جبهة الخلاص" التي تضم أحزاباً حكمت بعد 2011، وغيرهما في عرقلة خطط الرئيس سعيد لإدخال تعديلات واسعة على نظام الحكم، وإعادة تشكيل المشهد السياسي بنفسه.

وأجريت في تونس انتخابات برلمانية في جولة أولى يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شهدت مقاطعة واسعة، ما دفع المعارضة إلى مطالبة الرئيس سعيد بالتنحي، وهو ما رفضه الرجل الذي يراهن على الجولة الثانية المقررة في يناير (كانون الثاني) الجاري للرد أكثر على تلك الدعوات.

ودعا الشابي، الذي يتهمه كثيرون في تونس بأنه بات وجبهته يمثلان واجهة لتحركات "حركة النهضة"، أنصار الجبهة إلى المشاركة في احتجاج يوم 14 يناير الجاري، الذي يصادف ذكرى رحيل الرئيس الراحل زين العابدين إثر انتفاضة ضد حكمه.

وأعاد الاحتكاك المخاوف من الجنوح نحو العنف في بلد يشهد انهياراً اقتصادياً يلقي بظلاله على الشارع. وقالت النائبة البرلمانية السابقة بشرى بلحاج حميدة، "طوال عمرنا نعاني الميليشيات، تتبدل وتتغير التسميات لكن تبقى الممارسات نفسها".

شبح العنف

وفي ظل السجالات الكلامية بين المعارضة والسلطة تتفاقم المخاوف من تصعيد محتمل، لا سيما مع اقتراب محطة انتخابية مهمة لكلا المعسكرين، فنجاح الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية سيكون نصراً للرئيس سعيد، وفشلها سيكون سلاحاً آخر بيد المعارضة للضغط عليه.

وعلق النائب البرلماني السابق، حاتم المليكي، على ذلك بالقول إن "شبح العنف ماثل أكثر من أي وقت مضى، نحن ننزلق شيئاً فشيئاً في ظل انسداد الأفق لوجود حل للمواجهة في الشارع".

وتابع المليكي في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، أن "الخوف يكمن في لجوء أنصار الرئيس إلى العنف حينها لن يكون بإمكان الأمن القيام بمهماته، وستكون أجهزة الدولة مجبرة على الانقسام والانحراف بدورها، وهذه نقطة لا يجب أن تصل إليها تونس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "لا ينبغي أن يكون صراع بين المحتجين سواء المنتمين للمعارضة أو الموالاة، ويجب أن تترك الأجهزة الأمنية لتقوم بدورها بأريحية، من خلال حماية المتظاهرين ومنعهم من أي أعمال شغب، لكن اليوم التحركات الاحتجاجية مرشحة للتطور والانزلاق نحو مربعات أخرى في ظل انسداد الأفق".

وشدد المليكي على أن "السيناريو المرجح هو مزيد من العنف في المرحلة المقبلة، لأن لا مؤشرات لتهدئة محتملة من قبل الرئيس أو فتح حوار، وهذا يعني الدفع نحو المواجهة، ويبقى الخوف الآن من انحياز أجهزة الدولة، بخاصة الأمن، لطرف على حساب آخر أو أن تنقسم، وهذا ما لا نتمناه لأن تداعياته ستكون كارثية".

احتقان مرتقب

وجاءت جولة التصعيد هذه في وقت تعرف فيه الساحة السياسية والنقابية مزيداً من التنافر في ظل رفض عديد من القوى من بينها "الاتحاد العام التونسي للشغل"، لقانون المالية للعام الجديد.

وتسعى الحكومة التونسية إلى تنفيذ جملة من الإصلاحات، التي يشترطها صندوق النقد الدولي وبقية المانحين الدوليين، من أجل تمكين البلد من تمويل جديد في ظل انهيارها الاقتصادي.

وقالت الصحافية المتخصصة في الشأن السياسي، جيهان علوان، إن "رئيس الجمهورية لا يتوقف عن اتهام خصومه بالخيانة والتآمر مع الخارج، لذلك جاء منع اجتماع جبهة الخلاص كترجمة لهذه الاتهامات من قبل أنصاره الرافضين للمعارضة".

وتابعت "هذا في الواقع مرفوض من أي طرف، لأن القضاء هي الجهة الوحيدة المخولة بتوجيه مثل هذه الاتهامات".

ورأت أن "ما حصل في المنيهلة في اعتقادي سيتكرر في مناطق أخرى، لا سيما مع اقتراب الذكرى 12 لانتفاضة الحرية والكرامة يوم 14 يناير، خصوصاً أن الرئيس قيس سعيد مُصر على استكمال المسار الانتخابي وسط دعوات من مكونات المعارضة للنزول إلى الشارع يوم 14 يناير، فضلاً عن الإضرابات وأيام الغضب في عديد من المهن والقطاعات، ما ينذر بأيام ستكون صعبة والأمور قد تذهب نحو منزلق خطير".

وأبرزت علوان أن "توجه السلطات أيضاً لمس بعض الحريات يبقى غير مستبعد، بخاصة بعد تمديد حالة الطوارئ أخيراً، ورئيس الجمهورية تحدث في وقت سابق عن ضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي، الأيام القليلة المقبلة سيكون فيها احتقان في ظل الانقسام الحاد بين الرئيس سعيد وبقية مكونات المشهد السياسي".

"لسنا ميليشيات"

في المقابل، نفى أنصار الرئيس التونسي استخدام العنف المادي تجاه أنصار "جبهة الخلاص" في منطقة المنيهلة، إذ قال رئيس "تنسيقية شباب المنيهلة" وهو مكون داعم لسعيد، طارق الماجري، إن "التنسيقية ترفض وصف جبهة الخلاص الوطني لنا بالميليشيات الفاشية الداعمة لقيس سعيد".

ولفت الماجري إلى أن "عدداً من المواطنين احتجوا فقط ورفعوا شعار (ارحلوا) في وجه قيادات جبهة الخلاص الوطني من دون استعمال العنف، رداً على خطابهم الذي استهدف بث التفرقة".

ويأتي هذا في وقت لا تتوقع فيه أوساط سياسية تونسية تهدئة مرتقبة بين الرئيس سعيد والمعارضة، لا سيما أن القطيعة تخيم على العلاقة بينهما.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات