Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقفوا عن لوم ترمب في أعمال الشغب بالكابيتول

يواصل زعزعة السياسات الأميركية قبل أقل من سنتين على الانتخابات الرئاسية التالية وبعد عامين من مغادرته الحكم

لا يزال ما يسمى انقلاب 6 يناير يثير الكثير من المشاعر الحادة (رويترز)

من الصعب عدم الشعور بدرجة من الرضا "المتشفي" تجاه الأحداث السياسية الجارية على الجانب الآخر من الأطلسي. يبدو أن مسرح الغموض نقل نفسه من دون أي جهد تقريباً من وستمنستر [مقر الحكومة البريطانية] إلى واشنطن.

إلى أن تتمكن الغالبية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي من انتخاب رئيس له، تبقى العملية التشريعية مجمدة بالكامل. والديمقراطيون الذين فقدوا الغالبية بفارق ضئيل في المجلس النيابي مع احتفاظهم بالسيطرة على مجلس الشيوخ يجدون صعوبة في قمع [التستر عليها] فرحتهم.

قبل أقل من سنتين على الانتخابات الرئاسية التالية وبعد عامين من مغادرته الحكم، يستمر دونالد ترمب في زعزعة السياسات الأميركية. فلا يزال بوسعه تدمير حزبه الذي تبناه، كما أن بوسعه العودة إلى الحكم أيضاً.

لهذا السبب جزئياً، بعد مرور عامين كاملين - على رغم أن خليفته المنتخب في موضع آمن- لا يزال ما يسمى انقلاب 6 يناير (كانون الثاني) يثير الكثير من المشاعر الحادة. ولهذا السبب أيضاً استثمر أعداء إدارة ترمب الكثير من الجهد في محاولة تشويه سمعته والقضاء عليه نهائياً.

على غرار النخب المنبوذة في كل مكان، لا يمكن لمن يسمون أنفسهم بالأميركيين المحترمين أن يفهموا لماذا لا يزال ترمب فارضاً حضوره في الشأن العام. فهم يشعرون باليأس من حياتهم السياسية والسهولة التي، من وجهة نظرهم، كانت متاحة فيها للتدمير من قبل محتال نرجسي. وقد تنامى هذا اليأس وتزايد مع تلاشي ذكرى تلك الأحداث نفسها.

مدعوماً بالتكرار المستمر للفوضى في معقل السلطة الأميركية، أصبح ما حدث في 6 يناير 2021 راسخاً في تاريخ الولايات المتحدة على أنه محاولة رئيس مختال للاستيلاء على السلطة مما دفع الديمقراطية الأميركية إلى التأرجح على حافة الهاوية.

إن الجدية التي يتعامل بها الكثير من الأميركيين مع حياتهم السياسية أمر يحسدون عليه من نواح كثيرة، فقد نكون متشائمين للغاية في هذا الجانب من المحيط الأطلسي، لكن تطور ميثولوجيا (أسطورة) 6 يناير في واشنطن يتجاوز الواقع إلى حد كبير. لم يكن هناك تهديد حقيقي للديمقراطية في الولايات المتحدة.

في الواقع، لم يقر ترمب بنتيجة انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، ويشاركه عديد من السياسيين هذا الشعور، فقد بحث بشكل مستميت عن دليل على الخطأ أو التلاعب وحاول إقناع المسؤولين ببعض الأساليب نفسها التي استخدمها بلا شك في الأعمال التجارية. ودعا مناصريه إلى التظاهر في اليوم الذي ستتم فيه المصادقة على النتائج، بيد أن أياً من محاولات لتدخله لم تنجح.

تمسك المسؤولون على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات بموقفهم. تخلى عنه نائبه وكذلك فعل كبار الجمهوريين. وكان، كما أطلق على آل غور المهزوم عام 2000، "خاسراً متألماً". لم يشكل تهديداً على الديمقراطية الأميركية التي برأت سمعتها بهذا الانتصار وأظهرت نفسها أكبر من الرجل.

نعم، قام حشد متنوع من مناصريه باجتياح الكابيتول وشهدت الأحداث للأسف حالات وفاة، ولكن على من يقع الخطأ في هذا الهجوم؟ يقال إنه تم تحذير جهات إنفاذ القانون من قيام تظاهرات في ذلك اليوم، ولكن لم يتم اتخاذ أي احتياطات إضافية في هذا الصدد.

لم يكن النظام الذي يحيط رؤساءه وسياسييه ببعض أكثر الإجراءات الأمنية صرامة في العالم قادراً على التخلص مما كان، في البداية في الأقل، أكثر من مجرد رعاع كرنفالي منه إلى تهديد فعلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان الكابيتول بالفعل في خطر مادي وكذلك بعض الذين كانوا موجودين في الداخل، ولكن الديمقراطية الأميركية لم تكن معرضة لذلك الخطر. تم طرد الغزاة وتوقيفهم وأعلن عن الرئيس الجديد وتسلم منصبه في الوقت المحدد. تبوأ الرئاسة من دون مشكلات ومارس السلطة التنفيذية منذ ذلك الحين.

تم صون نزاهة العملية السياسية وفازت الديمقراطية. فلماذا يعتقد العديد من الأشخاص عكس ذلك أو في الأقل بأن ترمب كان ولا يزال يشكل تهديداً مميتاً للديمقراطية الأميركية التي تعتبر زهرة مرهفة بحد ذاتها؟

أحد أسباب ذلك هو الاحترام الواسع لمبنى الكابيتول باعتباره معلماً مقدساً، وهو جزء لا يتجزأ من جدية المواقف الأميركية تجاه عالمهم السياسي – وبأنه تم انتهاك تلك القدسية.

ولكن السبب الرئيس هو من دون شك أن أعداء ترمب يناسبهم إثارة التهديد الذي يزعمون أنه يمثله، وهو تهديد للقانون والنظام وتهديد للدولة. يريدون حجبه عن المشهد السياسي نهائياً وليس من السياسة وحسب، بل من الشأن العام بشكل أشمل. وفوق كل ذلك، يريدون منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2024.

لهذه الغاية، استمروا بالحملة التي بدأوها بعد فوزه بانتخابات عام 2016 والتي تتخطى السياسة بمعناها العام وعبروا بشكل متكرر نحو الساحة القضائية. فبعد أن فشلوا في إنهاء مسيرة ترمب السياسية من خلال هزيمته في الانتخابات، يهدفون إلى التصويب عليه بأنه خائن ومجرم. بعبارات أخرى، لا يريدون تصويره بأنه مجرد سياسي آخر، بل بأنه شخص غريب بالكامل على النظام.

تكمن المشكلة هنا أنه على رغم لجوئهم إلى الإصرار نفسه في مهمتهم كالذي بذله ترمب في جهوده لعكس هزيمته في انتخابات عام 2020، كان الدليل على ذلك بعيد المنال.

وتم تقويض الكثير مما كان ترمب يأمل في تحقيقه خلال فترة رئاسته من خلال ما أصبح يعرف باسم "مزاعم "روسيا غيت" [التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية] والتي دعمت بـ"ملف محايل" جمعه ضابط "أم آي6" [جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني] السابق كريستوفر ستيل، ولكن تحقيقاً أجراه المستشار القانوني الخاص روبرت مولر لم يجد أي دليل يدعم مزاعم "التواطؤ" مع روسيا – سواء تمت مساعدة ترمب من قبل الروس لبلوغ السلطة أو بأنه كان ألعوبة سياسية بيد الكرملين.

في جوانب متعددة أخرى، تعامل النظام السياسي الأميركي بشكل ملحوظ وبارع مع طرق ترمب غير التقليدية. وكان لكل من الجسم القضائي والكونغرس والشعب الأميركي حصته في ذلك. ونجحت الضوابط والموازين في هذا الإطار. تم عزل ترمب مرتين، ولكن تمت تبرئته في ما بعد – ويمكن القول إنه تبرير للمساءلة كعملية تخدم لإبقاء الاتهامات ضد رئيس في المجال السياسي الذي ينتمي إليه في المقام الأول.

بعد مغادرة ترمب موقع الرئاسة، أطلق خصومه الديمقراطيون عمليتين كانت لديهما فرصة الانتقال من السياسة إلى المجال القضائي. تمثلت الأولى في لجنة 6 يناير التي قدمت تقريرها النهائي في 23 ديسمبر (كانون الأول)، فيما تمحورت الثانية حول الإجراءات القانونية لنشر سجلات ترمب الضريبية منذ فترة تسميته للرئاسة إلى نهاية ولايته.

ووجدت لجنة 6 يناير بأن ترمب فشل في دعوة المتظاهرين إلى التراجع، ولكنها لم تجد ما يدل على مؤامرة انقلاب مع سبق الإصرار للاستحواذ على السلطة بالقوة. أما في ما يتعلق بالعائدات الضريبية التي نشرت بعد أسبوع، فقد كشفت عن بعض الحسابات الخارجية، وبالنسبة إلى شخص أميركي فاحش الثراء، كشفت عن نقص مؤسف في التبرعات الخيرية.

عدا ذلك، لم يكن هناك شيء يدينه، نظراً إلى أن أي تلميح بعدم الشرعية كان سينتشر في جميع أنحاء وسائل الإعلام الأميركية في غضون دقائق. شكل الأمر حالة أخرى من "كل شيء واضح تحت الشمس".

ونعود اليوم إلى عالم السياسة وبموضوع جيد أيضاً. يبدو الحزب الجمهوري، كما يظهر من الصعوبات التي يواجهها نوابه في انتخاب رئيس لمجلس النواب، أنه يعاني خطر التشرذم. ويشكل ترمب جزءاً من السبب، ولكنه ليس السبب بكامله.

أصبح المشهد اليوم مهيأ للمناوشات الأولية بين ترمب والمرشحين المحتملين الآخرين ومن بينهم حاكم فلوريدا الذي أعيد انتخابه رون دو سانتيس لنيل ترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية.

خلال الأسابيع المقبلة، وربما الأشهر، سيتعين على ترمب قياس مدى دعمه الشعبي، حتى في الوقت الذي يوازن فيه الحزب الكلفة السياسية المحتملة لمنافسة مثيرة للانقسام على الترشيح، وفي الواقع، احتمالات فوز ترمب مرة أخرى بالرئاسة.

إنها السياسة الأميركية في شكلها المعتاد. ففي عام 2016، تم انتخاب ترمب رئيساً في انتخابات حرة وعادلة. وبعد أربعة أعوام، هزم في الانتخابات. قاوم ولكنه لم يتمكن من تدمير العملية بينما دخل جو بايدن إلى البيت الأبيض من دون مقاومة تذكر.

بدلاً من الانغماس في اليأس، ينبغي على الناخبين الأميركيين أن يفخروا بجودة ومرونة ديمقراطيتهم – وبأن يخرجوا للتصويت في عام 2024 ليؤكدوا بقاء الديمقراطية على هذا النحو.

© The Independent

المزيد من آراء