Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في عام 2023 لا مفر من أن تسير الأوضاع نحو الأفضل

أمور العالم فائقة السوء ما يعني حتمية التغيير لأن الساعات الأشد حلكة تسبق انبلاج الفجر

امرأة تحمل صينية عليها خبز في احد شوارع كابول بتاريخ 03 يناير 2023 (أ ف ب) 

كمحترف في متابعة بؤس العالم، من الصعب علي أن أؤمن بشعار الفيلسوف الشهير أنطونيو غرامشي الذي ينص على "تشاؤم الفكر، وتفاؤل الإرادة"، حتى مع فهمي التام لما يقصده.

فعلى غرار كل الأفكار الماركسية، تفيد تلك العبارة بأن كل شيء يعتمد على بذل الجهد. في المقابل، لقد تابعت حلقات مسلسل "أولاد السيدة براون" الخاص بفترة الأعياد، وصمدت بالضد من تغريدات مالك "تويتر" إيلون ماسك التي تشبه مواسير الصرف الصحي [المقززة]، وأمضيت معظم وقتي وأنا أعمل على رصد حال الفوضى التي تضرب العالم. وعلى رغم ذلك، فلا مفر لنا من تذكير أنفسنا أنه على غرار ما اقترحه الفيلسوف غرامشي، بإمكان الإنسان أن يتغلب على أكثر الصعوبات التي يواجهها في واقعه، حتى لو دأبت عقولنا على التنبؤ لنا بأن الرهان يجب أن يكون ضد ذلك.

وإذا تحلينا بتلك الروحية، وفق عبارات من جاءوا بعد الفيلسوف غرامشي من أصحاب الرؤى الذين يملكون حلماً، سنقول إن الأمور لا بد أن تصبح أفضل. وإليكم بعض فسحات الأمل التي تظهر من خلال السماء الملبدة بالغيوم.

أول هذه الأمور تتعلق بالرئيس فلاديمير بوتين. من الصعب جداً أن نتوقع سقوط هذا الديكتاتور القاسي الذي يسيطر على مقومات إنتاج وتوزيع، وتبادل المعلومات، لكن ذلك قد حدث بالفعل في السابق (وحدث ذلك حتى في التاريخ الروسي العنيف). وبكل وضوح، يخوض بوتين حرباً لن يتمكن من تحقيق النصر فيها، وهو بصدد خسارتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد فشلت "العملية العسكرية الخاصة" الروسية في أوكرانيا. ولقد تقهقر جنوده وانسحبوا. إن السلاح الوحيد الذي لا يزال متوفراً لديهم هو إرهاب المدنيين من أبناء الشعب الأوكراني. ومن خلال ذلك، فإنهم لا محالة يزيدون من قوة المقاومة الأوكرانية، ما يجعل أي عملية احتلال محتملة (وهذا أمر يتحول إلى إمكانية غير متوقعة الحدوث) أمراً مستحيلاً. إذ يرتكب الرئيس بوتين أعمال تدمير ممنهجة حولت "الجائزة" التي طالما تمناها، إلى ركام يعمه الاستياء وغير قابل للحكم.

إن المقربين من بوتين في حلقته الضيقة، خصوصاً من لم يجر إسقاطهم بحوادث غريبة، يفهمون واقع الأمور بشكل جيد جداً. [إشارة إلى الإعلان عن سقوط شخصيات روسية كثيرة من شرفة أو نافذة أحد المباني في روسيا أو المنفى]. بالتالي، يمكن لأولئك الناس أن يتصرفوا. وقد يتحركون بتنسيق مسبق مع مواطنين ممن أصبحوا أكثر وعياً بأن الحملة الروسية على أوكرانيا في طريقها للفشل. إن ذلك الموضوع الذي حظر لفترة، صار مادة يجري بثها على قنوات التلفزيون الرسمي. وكذلك يشعر المواطنون الروس بالعزلة الدولية والآثار الاقتصادية التي تخلفها [تلك الحرب].

لا يمكننا معرفة كيف سيكون شكل الإطاحة ببوتين، أو ماذا سيكون مصيره (ليس لأن ذلك على أي قدر من الأهمية). وفي المقابل، حينما سيقع ذلك، فستضع الحرب أوزارها. وستنطلق مفاوضات السلام بشكل عاجل بعد ذلك. ثم يجري تخفيف للعقوبات. وتبدأ أزمتا الطاقة والغذاء في العالم في الانحسار. وسيترافق مع تلك التطورات تراجع في نسب التضخم. وستكون فترة الركود [الذي يضرب العالم] قصيرة وأقل عمقاً. وسينزع تماماً فتيل خطر يهدد السلام في أوروبا والشرق الأوسط. وسيمكن للصوماليين والمصريين تحمل كلفة شراء الخبز. وسيتمكن الألمان والبريطانيون من تدفئة منازلهم. والأهم من كل ذلك أنه سيجري إنقاذ حياة كثيرين من الروس والأوكرانيين جراء ذلك.

وليس فلاديمير بوتين الطاغية الوحيد الذي يعاني من ورطة في هذه الأيام. ففي إيران، لا بد أن رجال الدين هناك يموتون خوفاً من حملة "إزالة العمائم" turban tossing المستجدة [في الشارع الإيراني]. ففيما يسير أحد رجال الدين في الشارع متحدثاً مع نفسه فيما هو يبحث عن سبل جديدة في معاقبة المحتجين، تأتي شابة إيرانية مسرعة من خلفه لتضرب عمامته وتزيلها عن رأسه، ثم تفر هاربة حتى قبل أن ترتطم العمامة بأرض الرصيف في العاصمة طهران. من الطبيعي أنها لم تكن ترتدي أيضاً غطاء الرأس الشرعي. وبالطبع، فإن الحادثة برمتها قد سجلت ورفعت على مواقع التواصل الإجتماعي فيتابعها بسخرية أبناء الشعب جميعاً.

إذاً، إن الرهبة التي طالما غلفت سطوة النظام الديني للسيطرة على الشعب، في طريقها إلى الانحسار، عمامة بعد عمامة، ورأس امرأة مكشوف بعد رأس امرأة أخرى من دون حجاب. إن مظاهر الاحتجاج التي أبداها الفريق الوطني والجمهور الإيراني في كأس العالم في قطر، هو دليل للعالم بأن [رياح] التغيير قد بدأت تضرب إيران. يشبه الوضع الفترة التي تسبق فترة وقوع الثورة، حينما تبدأ إرادة المواطنين في التغلب على اضطهاد الأقلية الحاكمة. ويجري هذا التغيير بشكل عفوي، رغم أن الشرارة قد أشعلها مقتل الشابة مهسا أميني، على يد عناصر الشرطة الدينية في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، هي جزء من اضطرابات تنمو بشكل مطرد [في إيران] منذ سنوات.

إن دولة غنية بالنفط ولديها مخزونات عظيمة على غرار الدولة الإيرانية، باتت متعبة من نقص إمدادت المشتقات النفطية، على غرار تعبها من التزامها بنمط الحياة الذي يعود إلى العصور الوسطى، إضافة إلى العزلة الدولية التي تعانيها. لا يمكن للإيرانيين أن يكونوا فخورين بأن بلادهم تعمل على تصدير الطائرات المسيرة من بعد، القاتلة، إلى الرئيس بوتين الذي يعمل من خلال استخدامها، على ذبح المدنيين في أوكرانيا.

حينما يجبر رجال الدين في إيران على فك يدهم الغليظة عن مقاليد السلطة، وتنخرط إيران مجدداً في المجتمع الدولي، حينها، وبالضبط على غرار روسيا، ستنتظرها العوائد التي يكون أقلها النفط الذي سيعود للتدفق إلى ما وراء حدود دولة واحدة. كذلك لا بد أن تنتهي الحرب التي تشنها إيران بالوكالة ضد السعودية وإسرائيل. ويضحي ممكناً إعادة تفعيل العمل بالمعاهدة النووية. وعلى ذلك النحو، يمكن للمنطقة [الشرق الأوسط] والعالم ككل أن يصبح مكاناً ينعم بالأمن والسلام بدرجة أكبر [مما يسوده الآن].

وقد لا يكون مبالغاً فيه أن نتمنى أن يحدث أمراً مماثلاً ربما في أفغانستان الواقعة تحت حكم "طالبان". فلربما لم تكن عبثية تلك الحرب الطويلة التي خاضها الغرب وشرائح أفغانية عدة، ثم جرت خسارتها، ضد جماعة "طالبان". ويقصد من ذلك أن تجربة الشعور بالحرية، وحدوث بعض التطورات الاجتماعية والاقتصادية على مدى عقدين من الزمن، لن يكون من الممكن هذه المرة محو تأثيرها بسهولة على يد "طالبان".

كلما زادت سطوة الشرطة الدينية عنفاً، تزايد حجم المقاومة في مواجهتها. وكلما حجبت القيادة السياسية التعليم عن النساء والفتيات وحقوقهن الإنسانية، ازدادت حجم المخاطر المستقبلية التي سيتوجب على النظام أن يواجهها. يمكن للأمور أن تنحو في أفغانستان نحو الأفضل، بالضد من كل من يراهن على عكس ذلك، لأن إرادة الشعب هناك الذي يتوجب عليه أن يتحلى بالتفاؤل على رغم الفقر.

إذاً، هناك أسباب كثيرة تدفعنا للتمسك بشيء من البهجة، لأن الشعوب يمكنها أن تحدث الفارق في الدول التي تعيش فيها، وهي تقدر على ذلك غالباً. في الدول الغربية، لم يختف التيار القومي والشعبوي وحتى الفاشيون الجدد، من الحياة العامة بصورة تامة. في المقابل، أتاحت الديمقراطية للشعب في الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل، مواجهة تمدد ذلك التيار. ثمة مؤشرات، حتى إن كانت محدودة، عن أن حجم كارثة بريكست الفعلية بدأت في الظهور، ومن شأنها أن تبدأ في تغيير المواقف.

عاجلا أم آجلا سيعبر هذا المزاج الشعبي عن نفسه عبر الانتخابات والسياسات التي تنتهجها الحكومات. في دول أخرى، ليس هناك من بدائل عن الخيارات الثورية. إن الواقع الذي يشير إلى أن الأمور تسير بشكل سيئ للغاية يعني أن الأمور محكومة بالتحسن. إن الساعات الأكثر ظلمة تأتي مباشرة قبل بزوغ الفجر. كل عام وأنتم بخير.

© The Independent

المزيد من آراء