Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما انعكاسات الصدع في العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني"؟

غضب من التعرض لهيبة نصر الله فهل يجري التصويت لفرنجية بدل الورقة البيضاء؟

غلبة التوقعات بأن الفراغ الرئاسي في لبنان سيستمر طويلاً (دالاتي ونهرا)

هو أكثر من صدع أصاب العلاقة التحالفية بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بعد أن أمن الأول الغطاء والإمكانية ونصاب الثلثين، لانعقاد جلسة مجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي متجاوزاً اعتراض النائب جبران باسيل على عقدها بحجة أنها غير دستورية لأنها حكومة تصريف أعمال لا يمكنها تطبيق المادة الدستورية التي توكل إليها تولي سلطات رئيس الجمهورية في زمن الشغور الرئاسي. واتساع رقعة الخلاف لا بد من أن تلقي بثقلها على التباعد في تموضع الفريقين في ما يخص انتخابات رئاسة الجمهورية، وسط غلبة التوقعات بأن الفراغ الرئاسي سيستمر طويلاً.

لم تقتصر رد فعل باسيل على مهاجمة ميقاتي، بل ذهب إلى لغة غير مسبوقة في خلافاته مع الحليف الرئيس الداعم له منذ عام 2005 أي "حزب الله" وأوصل عمه ميشال عون إلى الرئاسة عام 2016، من دون أن يسميه، في شكل بات السؤال الملح المطروح في الوسط السياسي اللبناني ولدى الجهات الخارجية المراقبة باهتمام كبير للتطورات الجارية: إلى أي مدى سيذهب "التيار الوطني" بعد هذا الصدع الكبير الذي أصاب العلاقة مع حزب الله، وماذا سيفعل الحزب بعد أن تعرضت العلاقة التحالفية لافتراق كبير في أسلوب التعاطي مع الواقع السياسي المأزوم.

رد "التيار الوطني": الافتراق في الرئاسة

ترك "التيار الوطني الحر" رده العملي على الصفعة التي تلقاها من "حزب الله" الذي أفشل تعطيل باسيل جلسة الحكومة في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، عبر محاولة إسقاط تسع وزراء نصابها، مفاجأة للجلسة النيابية التاسعة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، الخميس 8 ديسمبر، بالخروج على قرار الحزب اعتماد الورقة البيضاء في التصويت في الدورة الأولى من الاقتراع النيابي لاختيار الرئيس بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى (86 صوتاً)، ثم الانسحاب في الدورة الثانية التي يمكن لأي مرشح أن يفوز بنتيجتها بأكثرية النصف زائداً واحداً (65 صوتاً) لإفقاد الجلسة النصاب القانوني، منعاً لأي مفاجآت قد تقود إلى فوز مرشح القوى المعارضة للحزب، النائب ميشال معوض، على الرغم من أن الأخير لم تتعد الأصوات التي نالها في كل الجلسات السابقة الـ42 صوتاً مقابل 52 صوتاً للورقة البيضاء. ذهب "التيار الوطني" إلى جلسة الثامن من ديسمبر متسلحاً بقرار الخروج عن إرادة الحزب، الاكتفاء بالورقة البيضاء، فوزع أصوات كتلته التي تضم نواب تياره الـ17 الذين بينهم تباينات أصلاً، وحلفاءهم، ما يرفع عدد أعضاء التكتل الذي يرأسه (لبنان القوي) إلى 21 نائباً، بين من يلتزمون الورقة البيضاء ومن سيصوتون للمرشح معوض. وهي نقلة سياسية نوعية لوح بها باسيل كمؤشر إلى استعداده للذهاب بعيداً في الافتراق عن الحزب، بعد سلسلة الخلافات معه، وأبرزها كان رفضه القاطع في اجتماعه الأخير مع أمينه العام حسن نصر الله، قبل أكثر من شهر، دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية للمنصب الأول في الدولة، خلفاً للرئيس السابق ميشال عون.

رفض اختيار "حزب الله" سليمان فرنجية

شكل رفض باسيل العلني خيار "حزب الله" دعم ترشيح فرنجية للرئاسة، وتمرده على طلب نصر الله منه الانسجام مع هذا الخيار، نقطة تحول في النظرة إلى رئيس "التيار الوطني" خصوصاً أن الأخير قدم له ولتياره ضمانات في العهد الرئاسي المقبل وموقعه خلال رئاسة فرنجية، بأن مصالحه ستحفظ وتتم حمايتها سواء في التعيينات أو في الحكومات التي ستشكل، لكن هجوم باسيل بعد ثلاثة أسابيع من لقائه نصر الله، وخلال زيارته فرنسا منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على فرنجية شخصياً، وتقصده أن يشمل في حملته عليه الحليف الأول للحزب رئيس البرلمان نبيه بري، جعل بعض القياديين في "حزب الله" يعلقون على موقفه بالقول إن "باسيل يتصرف كأنه لم يجتمع إلى الأمين العام أو أنه لم يسمع منه التطمينات إلى أن العهد الرئاسي المقبل لن يكون ضده".

الضغينة والنكايات بدل التحالفات

تحول الخلاف بين باسيل و"حزب الله" إلى ضغينة وممارسة النكايات. على الأقل هكذا أوحت تصرفات الفريقين المعنيين بالنسبة إلى معظم الوسط السياسي. وفيما عاكس الحزب باسيل في محاولته تعطيل دعوة ميقاتي لانعقاد مجلس الوزراء للبت في قضايا صحية وإنسانية ومالية تتعلق بالقوات المسلحة ووزارة الشؤون الاجتماعية التي يتولاها وزير عوني هو هيكتور حجار، صب باسيل غضبه في مؤتمره الصحافي في اليوم التالي باتخاذ منحى تصعيدي كالآتي:

اتهم باسيل الحزب بأنه وراء دعوة ميقاتي التي عارضها هو بشدة، معتبراً أن "مشكلتنا ليست مع ميقاتي بل مع مشغليه وإلا لما تجرأ على الدعوة... وليس هناك من يصدق أن هذه المواجهة هي مع ميقاتي".

أعاد التذكير بأن "الثنائي الشيعي" عطل مجلس الوزراء مطلع عام 2021 لاعتراضه على منحى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بقوله إن "المشكلة هي مع من أوقف مجلس وزراء كامل الصلاحيات أربعة أشهر بوجود رئيس جمهورية لأن هناك موضوعاً من خارج صلاحيات مجلس الوزراء أتوا به ولم يحضروا، وعدم حضورهم أدى إلى عدم عقد جلسات، ألم تكن هناك حاجات إنسانية يومها"؟

 ذكر بأن "وقفنا معهم سنتين في الشارع (اعتصام قوى الثامن من آذار في وسط بيروت الذي دام سبعة أشهر وعطل وسط بيروت حتى حصول اجتياح بيروت في السابع من مايو (أيار) 2008 أيام الحكومة التي سميت بتراء برئاسة فؤاد السنيورة)، فهل تصبح الحكومة اليوم ميثاقية... الشراكة عندما تنكسر تصبح عرجاء سواء أكانت وطنية أم حزبية". بذلك بدا كأنه يمنن الحزب على وقوفه إلى جانبه في مرحلة الانقسام بين قوى الثامن من آذار وقوى 14 آذار إثر اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.

لوح بتعطيل جلسات البرلمان، الأمر الذي يضمر إفقاد المؤسسة التي يتولاها رئيس شيعي دورها و"سنسعى للخروج من قضية الورقة البيضاء والذهاب إلى مرشح رئاسي لأنه "مش ماشي الحال أبداً". وقال "إذا كان أحد يظن أنه يضغط علينا في الموضوع الرئاسي نقول له لن ينفع، هذا الأمر يؤدي إلى تصلب أكبر".

 لوح بخطوات تقسيمية بدعوته إلى "البدء جدياً باللامركزية الموسعة، إن لم يكن في القانون بعد 30 سنة من اتفاق الطائف، لنبدأها على الأرض".

هدد بإلغاء تفاهم مار مخايل الشهير بين عون ونصر الله عام 2006 بالقول "لا قيمة ولا قيامة لأي تفاهم وطني يناقض الشراكة الوطنية، وما حصل ليس أقل من سطو على موقع رئاسة الجمهورية".

اتهم نصر الله بأنه أخلف بوعوده له، مستخدماً شعارات يرفعها الأخير في خطبه حين قال إن "مشكلتنا مع الصادقين الذي نكثوا بالاتفاق وبالوعد والضمانة". والتشكيك بصدقية نصر الله يغضب قيادة الحزب ويهشم هالة الأمين العام، كما أن رئيس "التيار الوطني" تطرق إلى سلاح الحزب ملمحاً إلى المقايضة بين موقعه وهذا السلاح إذ قال "دورنا هو سلاحنا ولا تنازل عنه والواضح أن المطلوب لاستفزاز وكسر الإرادة وضرب التوازن الذي تحقق في عهد الرئيس عون".

لا بديل لباسيل؟

أدت إيحاءات وتوضيحات باسيل إلى طرح السؤال عم إذا كان بذلك يستدرج عروضاً لتحالفات جديدة مع خصومه، مقابل انفصاله عن "حزب الله". والتلويح بطرح اسم للرئاسة الأولى بدلاً من الاكتفاء بالورقة البيضاء، وتأييد معوض، ربما جاء في هذا السياق. فإن هذا السيناريو يفترض أن يحصل باسيل على ثمن له، ليس متاحاً في هذه الظروف.

وفي اعتقاد المصادر السياسية الواسعة الاطلاع أنه لا بديل لباسيل من تحالفه مع "حزب الله" إلا أن يعود إلى التحالف مع حزب "القوات اللبنانية"، لأنه يتشارك معه في العمق برفض دعم ترشيح فرنجية، كما أنه لا بديل لـ"الحزب" من التحالف مع "التيار الوطني" إلا بفتح خطوط التعاون مع "القوات"... وهذا الخيار بالنسبة إلى باسيل يشكل انتحاراً سياسياً بعد الخلافات السياسية الكبرى بين الجانبين، بينما هو شبه مستحيل بالنسبة إلى الحزب. وقال عضو قيادة "القوات" النائب فادي كرم رداً على سؤال عما إذا كان سيحصل تقارب مع التيار في شأن الاستحقاق الرئاسي إن "التجارب مع التيار كانت سيئة ومخيبة للآمال ولن نقبل بأن نكون ورقة لتدعيم موقف التيار في وجه حزب الله". ويترقب "القوات" ما سيكون عليه موقف باسيل في جلسات انتخاب الرئيس.

أما "حزب الله" الذي آثر الصمت إزاء حملة باسيل ضده فإنه على الرغم من الإرباك الذي سببه له الأخير بمواقفه، يبقي على الصبر وعامل الوقت، الأساس في تقييم تحركه المقبل، لأنه لا يرى إمكانية لانتخاب الرئيس قريباً، في ظل عجز أي من معسكري الصراع على الساحة اللبنانية، مهما كان عدد لأصوات التي يحصل عليها هذا المرشح أو غيره. ولم تجر قيادة الحزب أي اتصال مع "التيار الوطني" بعد المواجهة بينهما، ما ينبئ بعدم الاكتراث للحاجة إلى خطوات جدية تلجم التصعيد بينهما.

ولا يستبعد البعض أن يلجأ "حزب الله" إلى إخراج تأييده لترشيح فرنجية علناً رداً على باسيل لتحويل البحث مع سائر الفرقاء حول كيفية الإفادة من الاستحقاق الرئاسي، لتغيير وجهة الأحداث وحرفها.

في بيان "حزب الله" الذي صدر على رغم حرص مقدمته على التأكيد "فإنا لا نريد أن ندخل في سجال مع أي من أصدقائنا على رغم أن كثيراً مما ورد في كلام الوزير باسيل يحتاج إلى نقاش"، شدد على أنه "لم يقدم وعداً لأحد بأن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع، حتى يعتبر الوزير باسيل أن اجتماع الحكومة الذي حصل هو نكث بالوعد". ونفى أن يكون وعد "التيار الوطني" بأنه لن يحضر جلسات ‏طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراء التيار، "لذلك فإن الصادقين لم ينكثوا بوعد وقد يكون التبس الأمر على الوزير باسيل فأخطأ عندما اتهم الصادقين بما لم يرتكبوه". وإذ سرد البيان ملابسات الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء والحاجة إلى إصدار قرارات ملحة، اعتبر أن "إعطاء مشاركتنا في الجلسة تفسيرات سياسية على سبيل المثال رسالة ساخنة في قضية انتخاب الرئيس، أو الضغط على طرف سياسي في الانتخابات الرئاسية، أو لي ذراع لأحد أو استهداف الدور المسيحي أو... أو... كلها أوهام في أوهام، فحجم الموضوع بالنسبة إلينا هو ما ذكرناه أعلاه". واعتبر أن "استخدام لغة التخوين والغدر والنكث خصوصاً بين الأصدقاء هو تصرف غير حكيم وغير لائق. ويبقى حرصنا على الصداقة والأصدقاء هو الحاكم على تعاطينا مع أي رد فعل".

ووصف المراقبون العبارة الأخيرة بأنها تترك الباب مفتوحاً لعودة باسيل عن تهديداته.

المزيد من تقارير