Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عهد ميشال عون (2016- 2022) الانفجار والانهيار والدمار الشامل (5 من 5)

انتهى عهده بعد أن أضاع كثيراً من الفرص فلم يبتعد عن "حزب الله" ولم يتبن مطالب الثورة ولم يقترب من تصحيح العلاقة مع دول الخليج

عون ملوحاً لأنصاره قبيل مغادرته قصر بعبدا في 30 أكتوبر 2022 قبل يوم من انتهاء ولايته (دالاتي ونهرا)

خمسة رؤساء للجمهورية تعاقبوا على السلطة في لبنان بعد اتفاق الطائف الذي أقر في 22 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1989. منذ ذلك التاريخ لم تنتظم الحياة السياسية والرئاسية. بدأ الفراغ مع حكومة العماد ميشال عون وتكرر في آخر عهد الرئيس إميل لحود ثم الرئيس ميشال سليمان وها هو يتكرر مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. تتناول هذه السلسلة العهود الرئاسية بعد الطائف في لبنان. وهذه الحلقة عن عهد الرئيس ميشال عون.

خطاب الوداع

أمام المدخل المؤدي إلى بوابة القصر الجمهوري في بعبدا وقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ظهر يوم 30 أكتوبر 2022 وألقى خطاب الوداع في اليوم ما قبل الأخير من ولايته. كانت تلك المرة الثانية التي يغادر فيها القصر في ختام مرحلة من عمر الجمهورية. في 13 أكتوبر 1990 غادر عند الصباح على متن ملالة عسكرية بعد بدء هجوم الجيش السوري عليه ولجأ إلى السفارة الفرنسية في مقرها المؤقت في الحازمية شرق بيروت. هذه المرة أراد مناصروه أن يودعوه على طريقتهم فتجمعوا على الطريق الداخلي بين البوابة الخارجية والبوابة الداخلية حاملين أعلام حزبه "التيار الوطني الحر" في فارق كبير بين زمنين. هناك وقف عون وكأنه يودع عمراً انقضى. بدا كهلاً في آخر ثمانينيات عمره متلعثماً فاقداً العزم والإرادة تاركاً قصراً يبحث عن رئيس بعد أن أهدر كثيراً من الفرص على مدى ستة أعوام أنهاها بخطاب لم يستطع أن يتحدث فيه عن إنجازات بل عن هزائم وانهيارات ونكسات ووعود لم تتحقق وعن أحلام ضاعت.

عون أو الفوضى

منذ خرج الرئيس السابق ميشال سليمان من القصر في 24 مايو (أيار) 2014، أقفلت أبوابه أمام أي رئيس جديد غير العماد ميشال عون. في الظاهر هذا كان موقف "حزب الله" الداعم لعون مشترطاً أنه لا يقبل رئيساً غيره على أساس أن أمينه العام حسن نصر الله أعطاه وعداً بذلك بسبب وقوفه إلى جانبه في حرب يوليو (تموز) 2006. ولذلك عطل الحزب مع حلفائه نصاب جلسات انتخاب الرئيس وبقيت الرئاسة شاغرة وبقيت حكومة يرأسها تمام سلام لتدير الفراغ.
حاول رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري خرق الجدار الرئاسي من خلال الاتفاق مع رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الحليف أيضاً لـ"حزب الله" والنظام السوري. التقاه في باريس لكن خبر اللقاء تسرب إلى الإعلام. وكان فرنجية قد أخبر "حزب الله" قبل أن يتوجه إلى باريس بأنه ذاهب للقاء الحريري فلم يعارضه الحزب، ولكنه لم يوافق على اتفاقه معه وتشبث أكثر بترشيح عون.
في يونيو (حزيران) 2015 حصل تقارب بين حزب القوات اللبنانية والعماد ميشال عون لتخفيف حالة الاحتقان بين قاعدتيهما الأمر الذي مهد للبحث في الملف الرئاسي، هذا الأمر أدى إلى تنازل رئيس القوات عن ترشيحه وتبني ترشيح عون. تم ذلك في مقر القوات في منطقة معراب (قضاء كسراون، محافظة جبل لبنان) في 18 يناير (كانون الثاني) 2016. بعد ذلك أقر الحريري ترشيح عون أيضاً في 20 أكتوبر 2016 لتنحل عقدة الفراغ وينتخب عون في اليوم الأخير من ذلك الشهر.
دخل عون إلى قصر بعبدا على السجادة الحمراء راسماً في خطاب القسم وعوداً كثيرة لإنجازات ستتحقق ولاستعادة السيادة، وكان منتظراً منه أن يفعل الكثير باعتبار أنه وصل إلى الرئاسة بقوة تأييد كبيرة وقوة شعبية اعتبرت أنه "الرئيس القوي" القادر على إحداث التغيير والإصلاح، ولكن سريعاً بدا أنه غير راغب بالخروج من دائرة تحالفه مع "حزب الله".

أزمة مع الحريري

في عيد الاستقلال الذي غابت الاحتفالات به على مدى عامين سابقين، أقام عون احتفالاً ولكن في اليوم نفسه أقام "حزب الله" عرضاً عسكرياً في بلدة القصير في سوريا وتم عرض صوره على وسائل التواصل. كانت تلك إشارة إلى حضور "حزب الله" خلال عهد عون.
تعاون عون مع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الذي كان توصل إلى تفاهمات مع صهر الرئيس، جبران باسيل، في لقاءات عقدت في باريس، وقضت بأن يكون الحريري رئيس الحكومة طوال العهد. شكل الحريري وعون الحكومة الأولى ولكن عون اعتبر أن حكومة العهد الأولى ستتشكل بعد الانتخابات النيابية التي ستجري في ربيع عام 2018 على خلفية زيادة شعبيته ونوابه، ولكن الرياح كانت بدأت تعاكس العهد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ثورة 17 أكتوبر

عجز عهد عون مع الحكومة الجديدة عن وقف الانهيار المتسارع في الوضع الاقتصادي والمالي في ظل عجز متراكم في الموازنة العامة جرت محاولة سده من خلال زيادة الضرائب. ضريبة على خدمة الاتصال عبر تطبيق "واتس أب" فجرت ما عرف لاحقاً بثورة 17 أكتوبر 2019.
وتدفق المتظاهرون إلى الشوارع رفضاً لزيادة الضريبة وتم قطع الطرق الرئيسة المؤدية إلى بيروت في الجبل والشوف وكسروان واستقال وزراء القوات اللبنانية من الحكومة بعد يومين، وتحت ضغط الشارع وجد الحريري نفسه يقدم استقالته أيضاً بعد 10 أيام ليدخل لبنان في أزمة طويلة لم يخرج منها بعد.

أقفلت المصارف أبوابها ورفض الجيش اللبناني فتح الطرقات بالقوة، الأمر الذي أدى إلى خلاف بين العهد وقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي اعتبر أن دوره حماية الشعب والممتلكات العامة والخاصة ومؤسسات الدولة. رد فعل فريق عون و"حزب الله" كان ضد الثورة وهذا الأمر تمت ترجمته سريعاً من خلال تعرض مسلحين تابعين للحزب للمتظاهرين وإحراق خيم الاعتصام والقيام بأعمال شغب في الشوارع للتأثير سلباً على صورة الثورة الشعبية السلمية.


البحث عن منقذ

حاول فريق عون تشكيل حكومة جديدة من خلال تسمية سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب لرئاستها، ولكن أديب، بعد الشروط التي وضعت عليه، اعتذر عن التأليف ليذهب "حزب الله" وعون إلى تكليف وزير التربية السابق، حسان دياب. فشكل الحكومة التي سميت حكومة "حزب الله" لأنها ضمت وزراء قريبين من الحزب وعون من دون المعارضة.
وأول ما فعلته حكومة دياب كان الامتناع عن دفع ديون لبنان المستحقة الأمر الذي سرع عملية الانهيار المالي وارتفاع سعر صرف الدولار، ولكن تلك لم تكن إلا بداية الكوارث.

جائحة كورونا وانفجار المرفأ

في فبراير (شباط) 2020 بدأت تصل إلى لبنان أولى الإصابات بفيروس كورونا، لتدخل البلاد في حالة فوضى طبية وسط انهيار مالي وعدم قدرة على استيراد اللقاحات والأدوية اللازمة للعلاج الأمر الذي انعكس فوضى كبيرة في المستشفيات التي بدت عاجزة عن استقبال حالات كثيرة من المصابين خصوصاً الذين يحتاجون إلى غرف العناية المركزة.
مساء الرابع من أغسطس (آب) 2020 دوى الانفجار الكبير في مرفأ بيروت. وكان أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ. اهتز العالم كله لهول الدمار الكبير الذي أصاب العاصمة بيروت ودمر أحياء كاملة فيها وقتل أكثر من 200 شخص وأوقع نحو 10 آلاف جريح. هول الكارثة أخذ يظهر تباعاً مع الكشف عن الأسباب التي أدت إلى هذا الانفجار الناجم عن تخزين نحو 2750 طناً من نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. وأظهرت المعلومات أن الباخرة التي نقلت هذه الكميات من مرفأ في جورجيا دخلت إلى مرفأ بيروت في أواخر عام 2013 وتم تفريغ حمولتها في بداية عام 2014 من دون الكشف عن الجهة التي تقف وراء العملية. كان أحد ضباط جهاز أمن الدولة قد كشف عن وجود هذه الكمية وحذر من خطورتها وكان رئيس الجمهورية على علم بذلك وكذلك رئيس الحكومة حسان دياب الذي حدد موعداً للنزول إلى مرفأ بيروت للكشف على هذه المواد ولكنه ألغاه في اللحظة الأخيرة.
تم تعيين القاضي فادي صوان محققاً عدلياً للتحقيق في هذه القضية ولكنه اعتذر بعد تلقيه تهديدات من "حزب الله" عندما اتجه التحقيق نحو أشخاص قريبين من الحزب طلب المحقق توقيفهم. استقال المحقق العدلي فتم تعيين القاضي طارق البيطار محققاً عدلياً محله. درس الملف وتوصل إلى النتائج نفسها وأكد مذكرات التوقيف التي طالت النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل التابعين لـ"حركة أمل" التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري والوزير السابق يوسف فنيانوس من "تيار المردة" ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق ورئيس الحكومة حسان دياب وعدداً من ضباط الجيش والقوى الأمنية والموظفين الكبار في مرفأ بيروت.


من دياب إلى الحريري إلى ميقاتي

حجم الانفجار والأضرار وعجز الحكم والحكومة، عوامل دفعت دياب إلى تقديم استقالته في 10 أغسطس 2020. جرت الاستشارات النيابية وتمت تسمية الحريري مجدداً لتأليف الحكومة في 22 أكتوبر 2020 فقبل التكليف، ولكنه عجز عن التأليف فاعتذر في يوليو (تموز) 2021 لتجري استشارات جديدة أدت إلى تسمية نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة فشكلها في 10 سبتمبر (أيلول) 2021.
كانت تلك أكبر أزمة يواجهها لبنان، انهيار اقتصادي رجح البنك الدولي أن يكون من بين أشد ثلاث أزمات في العالم منذ عام 1850، استنزاف خزانة الدولة والاحتياط النقدي في مصرف لبنان والتوقف عن دعم السلع الأساسية التي كان يتم تهريبها إلى سوريا، وانهيار متسارع في سعر صرف الليرة، والتوقف عن شراء الفيول لمعامل الكهرباء بسبب عدم توفر الأموال اللازمة لذلك، فانقطع التيار بالكامل وأمنت البديل مولدات انتشرت في الأحياء السكنية.

صهر مسترئس وأمن مهتز

أكثر من ذلك، عمل العهد على محاولة تأمين انتخاب صهره جبران باسيل لرئاسة الجمهورية، هذا الدعم جعله مثيراً للمشكلات. أكبر أزمة هددت السلم الأهلي كانت عندما حاول زيارة منطقة قبرشمون في 30 يونيو 2019 متحدياً "الحزب التقدمي الاشتراكي" (بزعامة وليد جنبلاط) الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد من القتلى. قبل ذلك كانت زيارات باسيل قد أثارت المشكلات في أكثر من منطقة بسبب الاستفزاز الذي كان يقوم به والموكب المسلح الكبير الذي كان يرافقه.
وإذا كان الجيش اللبناني نجح في سبتمبر 2017 في تحرير جرود منطقتي القاع ورأس بعلبك على سلسلة جبال لبنان الشرقية الحدودية مع سوريا من مسلحي "داعش" والتنظيمات المتشددة بعد المعركة التي كان بدأها "حزب الله" مع جيش النظام السوري داخل الجبال من الجهة السورية، فإن الوضع الأمني بشكل عام اضطرب أكثر من مرة. حصل ذلك في منطقة خلده (جنوب) في اشتباكات بين أهالي المنطقة من العشائر العربية مع مسلحي "حزب الله" في الثاني من أغسطس 2021. وفي حاصبيا الجنوبية أيضاً، عندما اعتقل أهالي بلدة شويا من الدروز مسلحين من "حزب الله" أطلقوا عدداً من الصواريخ من بلدتهم باتجاه مزارع شبعا في 6 أغسطس 2021، ثم في الطيونة (إحدى ضواحي بيروت) في 14 أكتوبر 2021 عندما سار مناصرو "حزب الله" و"حركة أمل" في تظاهرة إلى قصر العدل في بيروت للمطالبة بإزاحة المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت طارق البيطار، فوقعت اشتباكات مع أبناء منطقة عين الرمانة المجاورة والجيش اللبناني.

انتخابات على الرغم من الخطر

على الرغم من كل هذا الاضطراب الأمني والسياسي والاقتصادي تركزت أنظار العالم كله على لبنان من أجل إجراء الانتخابات النيابية في مايو 2022. على أمل أن تشكل خروجاً آمناً من الأزمة والانهيار الذي قال عون عنه "إننا متجهون معه إلى جهنم". وأسفرت نتائج الانتخابات عن "بعثرة نيابية" من دون أكثرية واضحة لأي فريق في البلاد. وأظهرت تقدم "القوات اللبنانية" على حساب التيار الوطني الحر. نتيجة هذه الانتخابات تمت تسمية ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة ولكن الحكومة لم تتشكل وبقيت حكومة تصريف الأعمال التي اعتبرت مستقيلة بعد انتخاب المجلس النيابي الجديد.
كان من المفترض أن تقود الانتخابات النيابية إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكن الشروط التي وضعها الحزب والرئيس عون وصهره جبران باسيل لمنع وصول أي رئيس لا يوافق عليه الحزب، وتشتت قوى المعارضة وعدم الاتفاق على مرشح واحد يمكن أن يجمعها أضاع فرصة انتقال السلطة إلى رئيس جديد كان من المفترض أن تبدأ معه عملية الخروج من الانهيار عبر تشكيل حكومة جديدة تعيد إحياء الأمل بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
انتهى العهد بعد أن أضاع كثيراً من الفرص. فلم يبتعد عن "حزب الله" لاستعادة قرار الشرعية ولم يتبن مطالب الثورة ويشكل حكومة مستقلة ولم يقترب من تصحيح العلاقة مع السعودية ودول الخليج. الإنجاز الوحيد الذي ودع به عون اللبنانيين كان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي تم بموافقة "حزب الله" وأعطى للولايات المتحدة حق رعاية تنفيذه بعد أن رعت التوصل إليه عبر الوسيط آموس هوكشتاين.
بعد خروج عون أنزل العلم اللبناني عن سارية القصر، ولن يرفع ثانية إلا بعد انتخاب رئيس جديد.

المزيد من تقارير