Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمتعة مسافري غزة... "منزل صغير" محمول في حقائب

شنط تمتلئ بالفلفل الأحمر وزيت الزيتون وطناجر الكهرباء والحلويات والقليل من الملابس

ربما تكون قد سافرت إلى أي مكان في العالم بحقيبة أو اثنتين فيهما بعض الملابس إلى جانب جواز السفر، لكن هذا الأمر لا ينطبق على المسافرين من قطاع غزة، إذ يصطحب المغادر معه سبع شنط على الأقل، ويمكن وصف ما في جيوبها بأنها "منزل صغير متنقل".

فبالنسبة للمسافر الغزاوي، فلا بد أن تكون زجاجة زيت زيتون وعلبة الفلفل الأحمر المطحون والزعتر إلى جانب مستلزمات إعداد الكنافة النابلسية، موجودة في جيوب حقيبة السفر.

وفي شنطة أخرى طنجرة كهرباء وبعض الأواني الفخارية والكثير من أنواع التوابل والبهارات، وفي ثالثة تكدس كراتين الحلويات المصنوعة من الشوكولاتة والكريما والبسكويت، وفي الرابعة أغطية السرير، وحقيبة واحدة فقط فيها الملابس والنقود والأوراق الثبوتية المطلوبة، باختصار هذا بعض ما يحمله الفلسطيني أثناء مغادرته غزة.

حقائب "منفوخة حد التمزق"

داخل صالة المغادرين في معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر، يتجمع المسافرون عند السابعة صباحاً، وفي مشهد يتكرر يومياً يجر هؤلاء المغادرون معهم عشرات الحقائب "المنفوخة حد التمزق"، والتي جردت شنطة السفر من معناها العادي وحولتها إلى حاوية كبيرة تضم داخلها الكثير من الأمتعة.

مشهد الحقائب المنفوخة التي يحملها سكان غزة، والذي يلفت نظر النقاد في تقارير إخبارية ترصد سفر المواطنين عبر معبر رفح، يدفع إلى التساؤل حول "ماذا يحمل هؤلاء معهم أثناء السفر وكيف يمكنهم القيام بذلك؟".

7 حقائب مع عجوز!

"حربة" كما أسماها جدها، تلك العجوز السبعينية التي تعتزم السفر من غزة بمفردها، تجر معها سبع حقائب ممتلئة بأغراض طلبها ابنها الذي يعيش خارج حدود القطاع، تقول إنها لا تأبه لثقل هذه الشنط، لأن محتوياتها تنسيها أي وزن لها، فهي تضم كل شيء اشتاق له ابنها.

وتضيف "بطريقة منظمة، وزعت الأغراض داخل الحقيبة، وضعت حليب الأبقار والماعز الطازجين والفلفل الأحمر المطحون والزيتون المكبوس بطريقة فلسطينية، والزعتر البري المطحون الذي أنبتته أرضنا، وأنواعاً مختلفة من التوابل والبهارات التي من دونها لا يكون للطعام نكهة، ونسيت أن أذكر ثلاث زجاجات من زيت الزيتون الصافي".

بحسب حربة، فإن هذه الأغراض التي كدستها في حقائبها هي هدايا ثمينة جداً، غير متوافرة خارج القطاع، وإذا وجدت ونادراً ما يكون ذلك، فهي من المؤكد أنها لا تكون بنفس الجودة التي تنتجها غزة.

المسافرون

يعمل معبر رفح خمسة أيام في الأسبوع، يغادر خلالها غزة ما متوسطه 2500 مسافر، بينما يصل القطاع ما لا يزيد على 2100 مسافر، وفق بيانات الهيئة العامة للمعابر والحدود في وزارة الداخلية (مؤسسة حكومية تسيطر عليها حركة حماس).

جميع هؤلاء المسافرين يجرون الكثير من الحقائب، ولكن يؤكد عاملون في المعبر أنه نادراً ما يمر مسافر حاملاً حقيبة تحتوي على الثياب فقط.

يقول محمد (أحد المسافرين) "عندما يرى المسافر الأجنبي المسافر الغزوي من الطبيعي أن يستغرب، لأن الأجنبي عادة يكتفي بحمل حقيبة واحدة فقط فيها الضروريات التي يحتاجها في رحلته، بينما أنا أحمل خمس حقائب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حلويات غزة تعيدهم لصالة المنزل

أصدقاء محمد طلبوا منه أن يجلب لهم أنواعاً مختلفة من الحلويات، فوضع في جيوب حقائبه الكثير من أصابع البسكويت، وجميع مستلزمات إعداد الكنافة النابلسية بما في ذلك الجبن، كما أحضر نحو 30 كرتونة من حلوى الشوكولاتة مع الكريمة.

يطلق الفلسطينيون اسم "شتوي" على حلوى "الشوكولاتة مع الكريمة والبسكويت"، التي تعد الأكثر شهرة خلال فصل الشتاء، ويطلبها المغتربون على الدوام. يتساءل محمد "لماذا يشتاق أصدقائي المغتربون لهذه الحلوى التي أكاد لا أشتريها إلا مرتين، ألا يستلذون بالحلوى التي تصنعها الدول الأوروبية؟".

يصف محمد، وهو دائم السفر، الأغراض التي يحملها المسافرون للمغتربين بالقول "إنها تعيد لكل فلسطيني في الخارج ذكريات الوطن، ترجع بهم إلى صالة المنزل تحديداً، لا يزال المنزل والأهل والأصدقاء وجذورهم تربطهم بحنين الماضي، لذا حتى إذا كانت هذه الهدايا متوافرة خارج غزة فهي تختلف عن تلك التي تجلب منها، لأن لها نكهتها التي لا تفقدها، والفكرة الأساسية أنها من رائحة الأهل".

إسرائيل تفرض قيوداً

ترتبط غزة مع العالم في ثلاثة معابر برية فقط، معبر رفح الحدودي مع مصر وهو مخصص للمسافرين، ومعبرين مع إسرائيل إيرز (للأفراد)، وكرم أبو سالم (التجاري الوحيد).

في معبر إيرز، تفرض إسرائيل قيوداً مشددة على المسافرين أثناء مغادرة غزة وتمنعهم من اصطحاب أي شيء، سوى الملابس، بينما في معبر رفح فلا يوجد أي محددات سوى تلك الممنوعة في القانون، وأيضاً لا يوجد وزن معين للحقائب أو حظر على محتوياتها.

أدوات كهربائية وفخار

أحتاج لأواني طهو كهربائية وزبدية فخار وأغطية للسرير"، هذا ما طلبه عامر من والدته قبل سفرها، وجميع هذه الطلبات جهزتها الأم مها وحملتها معها على سقف سيارة أجرة صفراء اللون أوصلتها إلى صالة المغادرين في معبر رفح.

داخل صالة الانتظار، رأت الأم مها الكثير من أواني الطبخ الكهربائية بجانب الحقائب، وفي هذا الشأن تقول "شعرت أن الحقائب التي يحملها المسافرون ليست حقائب عادية، بل بيوت صغيرة ينقلونها خارج غزة".

يستخدم سكان غزة أواني كهربائية كبديل حديث عن فرن الطين الذي بات انتشاره محدوداً، وهي الوسيلة المستخدمة في خَبز الخُبز الفلسطيني الذي يعد في البيت.

ويقول الباحث في شؤون المغتربين وهجرة الفلسطينيين جميل عدوان، إن غزة ومطابخ بيوتها تتشكل على هيئة حقيبة يحملها المسافرون، ورأيت ذلك في جميع مطارات العالم التي يصلها مسافرون من غزة.

يضيف "تتحول الحقائب من مدينة غزة إلى حاويات نقل توضع في جيوبها هدايا بسيطة لا يمكن التخلي عنها، فزيت الزيتون والفلفل الأحمر أشياء غير قابلة للنسيان والتجاوز، لأنها غير مرتبطة بتوقيت أو مكان ولا تدخل في حسابات التطور ولا يمكن إيجاد بديل مناسب لها، فالفكرة ليست في الهدايا أو ما هو داخل الشنط بقدر ما هي رائحة غزة".

المزيد من منوعات