Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطة ثقافية وتنموية لإحياء أمجاد "دارين" السعودية

تعود أهميتها إلى أكثر من 5 آلاف سنة وتضم 11 معلماً تاريخياً من أبرزها قلعة البرتغاليين الأثرية

ورد ذكر دارين تاريخياً في تقرير جنود الإسكندر المقدوني عن منطقة الخليج المكتوب قبل أكثر من 300 عام قبل الميلاد (واس)

تضم السعودية عديداً من المواقع التاريخية والأثرية في أنحاء متفرقة من البلاد مترامية الأطراف، من ضمنها تلك الواقعة في جزيرة "تاروت ودارين" في مياه الخليج العربي شرق البلاد.

وتعود الأهمية التاريخية للجزيرة إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، مما يجعلها من أقدم بقاع شبه الجزيرة العربية، إذ يعتبر ميناء دارين من أقدم الموانئ في منطقة الخليج واشتهرت في السابق بكونها مرفأ بحرياً وسوقاً نشطة، حيث كانت مخزناً للبضائع مثل المسك والعطور والمنسوجات والتوابل.

ونظراً إلى تلك الأهمية اعتمد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أخيراً، التوجه التنموي لجزيرة دارين وتاروت بإنشاء مؤسسة تطوير لها تماشياً مع مستهدفات رؤية 2030 في تحقيق التنوع الاقتصادي، إذ تم تخصيص ميزانية قدرها 2.644 مليار ريال (703.625.246 مليون دولار) لتطويرها وجعلها أحد أبرز الوجهات السياحية في البلاد.

ثلاث ركائز

وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس" فإن التوجه التنموي للجزيرة الواقعة على مساحة 32 كيلومتراً مربعاً ويقطنها 120 ألف نسمة، يتضمن تحديد المقومات والمزايا النسبية والتنافسية لها وفق ثلاث ركائز رئيسة لرسم مستقبل الجزيرة، وهي "المحافظة على الجانب الثقافي والتراثي التاريخي للجزيرة، وإحياء المواقع الطبيعية والبيئية، ثم الارتقاء بجودة الحياة وتعزيز اقتصادها السياحي".

وأبدى أهالي الجزيرة بحسب عمدتها عبدالحليم آل كيدار ترحيباً واسعاً بالخطوة، بوصفها واحدة من المبادرات التي يعلقون عليها آمالاً عريضة بإعادة الاعتبار للجزيرة العريقة ومحافظة القطيف بوجه عام، عبر جعلها وجهة سياحية وتنموية، ذات أثر وعوائد اقتصادية على محيطها والمنطقة بشكل عام، وفقاً لتقدير نائب أمير المنطقة الشرقية الأمير أحمد بن فهد في تعليق له على قناة "العربية".

وفي السياق ذاته، أوضحت الحكومة السعودية أن تحقيق مستهدفات التوجه التنموي للجزيرة يتم من خلال 19 مبادرة نوعية، فعلى الجانب الثقافي سيتم تطوير قلعة ومطار دارين كوجهات سياحية تراثية، والتي اختلف المؤرخون والباحثون في تاريخ إنشائها على رغم أن أسلوب البناء يشبه أساليب البناء البرتغالية والمتبعة في عدد من القلاع التي بنيت في منطقة الخليج وتحديداً في عمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعلق الباحث جلال الهارون بالقول "إن قلعة تاروت برتغالية، بنيت إبان الغزو والاحتلال البرتغالي، كما وردت نسبتها إليهم في عدد من المصادر الأوروبية القديمة، منها على سبيل المثال تقرير شركة الهند الشرقية الهولندية (فوك) عام 1752".
واستدرك بالقول "هناك من يرى أن تأسيس القلعة يعود لفترة أقدم من الغزو البرتغالي للخليج، ولكن الدلائل التي تقدم ما زالت لا ترتقي إلى الأخذ بها".

ونوه في الوقت ذاته بأن ما يعزز فرضيات بناء القلعة قبل وجود البرتغاليين في المنطقة، وجود تسميات أخرى قديمة لها في النصوص الإغريقية واليونانية المبكرة والسريانية، التي تطلق على الجزيرة ذاتها مسمى مرادفاً لجزيرة تاروت، وهي جزيرة تيرين أو دارين، وهذا المسمى لا يزال من أسماء هذه الجزيرة أيضاً.

من جانبه قال الباحث والمؤرخ إسماعيل هجلس "إن الجزيرة تعد ثاني أكبر جزيرة بعد البحرين في الخليج العربي توجد فيها آثار من أقدم الحضارات البشرية، فإلى جانب المواقع الأثرية هنالك غابة مانغروف تتوافد عليها الطيور المهاجرة، يراها زوار الجزيرة أثناء مواسم الهجرة".

وأوضح أن الجزيرة بما تحتوي من آثار عامل جذب للسياح، يعول عليها أن "تسهم في زيادة عدد السياح للمنطقة كونها منطقة ذات غنى ثقافي وحضاري واقتصادي متعدد".

قلعة تاروت وسط غابات النخيل 

وتعد قلعة تاروت كذلك بين أبرز المعالم الأثرية في الجزيرة، إذ تتكون من أربعة أبراج، بقي منها ثلاثة، وانهار واحد أثناء إحدى المعارك التاريخية بشكلها البيضاوي بحيث تحاكي التضاريس الطبيعية التي بنيت عليها، وتقع وسط غابة من النخيل وعلى مرتفع صخري يعد الأعلى من بين المرتفعات في محافظة القطيف.

وفي الصدد ذاته، يرجع تاريخ تل تاروت الذي بنيت عليه القلعة بحسب تقرير لوكالة الأنباء السعودية "واس" إلى نحو خمسة آلاف عام، أما تاريخ الجزيرة فيقول المؤرخون إنها إحدى أهم مراكز "مملكة دلمون"، وكان لها دور كبير في تاريخ المنطقة خلال أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، واستمر فيها الاستقرار البشري بكل عنفوان ونشاط، ودللت عليه المعثورات الأثرية فيها خلال هذه القرون حتى يومنا هذا، وهو أمر يندر حدوثه في كثير من المناطق الأثرية في العالم.

ولفت التقرير إلى أن الجزيرة كان لها الدور الأكبر في الحياة التجارية في الخليج، وتعتمد عليها بلاد الرافدين وبقية المنطقة الساحلية في شرق شبه الجزيرة العربية، ولها علاقات وطيدة مع كثير من المناطق المتحضرة في المنطقة.

لدارين صفحة تاريخية أخرى

وكانت "دارين" جزيرة صغيرة منفصلة عن الجزيرة الأم "تاروت" ومحاطة بمياه ضحلة، حتى أعيد ردم القناة المائية الفاصلة بينهما عام 1979، وأصبحتا جزيرة واحدة، إلا أن لكل منهما خصائصها التاريخية والجغرافية.

وهكذا اشتهرت دارين في السابق بمرفئها البحري وسوقها النشطة، إذ كانت مخزناً للبضائع التي كانت تجلبها السفن والمراكب البحرية، وأشهر تلك السلع هي "المسك والعطور والتوابل وأنواع عدة من الأقمشة والمنسوجات والسيوف، وكانت مركز تجارة اللؤلؤ في القطيف"، بحسب تقرير الجهات المتخصصة.

ونوه التقرير بأن اسم دارين ورد تاريخياً في تقرير جنود الإسكندر المقدوني عن منطقة الخليج المكتوب قبل أكثر من 300 عام قبل الميلاد، كما توارد استعمال هذا الاسم في كتب التاريخ وأشعار العرب قبل الإسلام، أي قبل أكثر من 1500 عام.

أما أبرز آثارها فهو "قلعة عبدالوهاب الفيحاني" التي زال كثير منها، وتقع على تل ركامي موجود في منتصف الساحل الجنوبي المقوس في بلدة دارين، ويعد هذا التل أعلى نقطة على الشريط الساحلي للمدينة.

مهرجانات ثقافية

 وفي سياق متصل، شمل التوجه السعودي الجديد إقامة مهرجانات ثقافية وتراثية عدة في الجزيرة، إضافة إلى إنشاء مسارات متعددة للمشاة تتخلل المناطق التراثية في الجزيرة.

وعلى الجانب البيئي يضمن التوجه إنشاء أكبر غابة مانغروف على ضفاف الخليج العربي، وإقامة عدد من الفنادق والنزل البيئية في المناطق الطبيعية، إضافة إلى الارتقاء بجودة الحياة في الجزيرة عن طريق إنشاء الطرق والبنى التحتية والحدائق العامة والتي تتضمن ملاعب ومنشآت رياضية حديثة عدة.

أكثر من مليون سائح

ومن المتوقع أن يحدث اعتماد التوجه التنموي أثراً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً في المنطقة من خلال المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط يصل إلى 297 مليون ريال سنوياً (790.380.855 ألف دولار)، وزيادة عدد السياح وصولاً إلى 1.36 مليون سائح بحلول عام 2030، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية إضافة إلى تخصيص ما يصل إلى 48 في المئة من مساحة الجزيرة للساحات والحدائق العامة والواجهات البحرية والطرق والمرافق.

وكانت منطقة القطيف التي تشكل الأقلية الشيعية في البلاد غالب سكانها، شهدت في فترة ما بعد 2011 مواجهات بين قوات الأمن ومتطرفين قيل إن النظام الإيراني حرضهم على الثورة، إلا أن بعد فرض الدولة الخليجية القوية قبضتها، عادت مدن المحافظة للانخراط في مشروع البلاد التنموي بعيداً من السردية الإيرانية، التي قال كتاب سعوديون بعضهم من المنطقة الشرقية إن آثارها السلبية انكشف زيفها، خصوصاً بعد الزخم الشبابي الذي تشهده مدن البلاد كافة في سياق ما عرف برؤية 2030 التي طوقت المتشددين من السنة والشيعة على حد سواء. 

وتحتفظ كل من "دارين" و"تاروت" بإرث ثقافي غني وقيمة أدبية كبيرة في الأوساط الأدبية والتاريخية، جعل كثيراً من الإصدارات والمؤلفات والمقالات تحمل اسم المصطلحين الأثيرين، خصوصاً بواسطة نادي المنطقة الشرقية الأدبي. وتضم الجزيرتين 11 موقعاً أثرياً ذات قيمة تاريخية نادرة، على رغم صغر مساحتهما نسبياً. 

ويقول الباحث عبدالخالق الجنبي لـ"اندبندنت عربية"، "إن الجزيرة حظيت باهتمام علماء الآثار الأوروبيين، فعندما جاءت البعثات الدنماركية الاستكشافية إلى دول الخليج مستكشفة ما في بطون أراضيها من آثار، فوجئوا بالمستوى الأثري الكبير الذي ينطوي عليه باطن جزيرة تاروت، مما جعل رئيس البعثة جيوفري بيبي يقرر أن هذه الجزيرة ليست مجرد أقدم منطقة في السعودية، بل أقدم موقع لمدينة في الخليج"، ولم يخف هذا الباحث حسرته لعدم تمكنه من التنقيب كما يشتهي في التل الشهير الذي تقوم عليه قلعة تاروت.

التسمية

وأضاف الباحث التاريخي جلال الهارون أن علماء التاريخ والآثار يرون أن اسم الجزيرة "تاروت" له دلالات تاريخية وحضارية كبيرة، فقد ورد أيضاً في خرائط قدماء الإغريق واليونان على النحو الآتي "تارو"، ويعود بجذوره إلى الحضارات الأولى التي نشأت في العراق مثل الحضارة السومرية والآشورية والأكادية والكنعانية والفينيقية، وهذا المسمى تاروت أو "تارو" أو "إش تار"، كلها أسماء للآلهة التي كانت تعبد وتقدس عند هذه الشعوب، وبذلك يقدر العلماء عمر إطلاق هذه التسمية على الجزيرة بنحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد في أقل تقدير.

المزيد من تقارير