Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كأس العالم العربي

الكرة لا تأتي مطلقاً نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منها

كأس العالم في قطر أكد للجميع أن كرة القدم رسول السلام لشعوب الأرض (أ ب)

تعلمت أن الكرة لا تأتي مطلقاً نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منها، وقد ساعدني ذلك كثيراً في الحياة وخصوصاً في المدن الكبيرة، حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة.

هكذا كتب المفكر والروائي البير كامو الذي مارس كرة القدم حارساً للمرمى في شبابه الأول بالجزائر.

لحسن حظي أنني من جيل التعليم الإلزامي، وأنني الابن البكر لوالدي، وأنني الشخص الأول الذي يمحو أميته في كل عائلتي الكبيرة وليس في أسرتي فحسب، وجعلني هذا أستحق الاهتمام والهدايا على النجاح في المدرسة، ففي طفولتي أرفقني أبي معه كثيراً إلى دور السينما، كما أرفقني خالي الرياضي إلى ملاعب الكرة من أهداني في مناسبة نجاحي راديو ترانزستور، فتمكنت كصبي من متابعة كأس العالم عام 1966 في إنجلترا.

بالتالي، عرفت الفهد الكروي بيليه، من كان ولا يزال أيقونة شعبية عالمية، وفي حي الصابري الذي ولدت وعشت فيه، ويعيش فيه كثير من الليبيين من أصول أفريقية، لهذا في الوقت نفسه عرفت محمد على كلاي، والمناضل مارتن لوثر كينغ، فالممثل الأميركي من أصول أفريقية سدني بوتييه، من دفع كنجم صديقي الذي من أصوله نفسها، إلى تعلم الإنجليزية ببراعة مذهلة من خلال متابعة مغني الجاز الزنوج الأميركيين كجيمس براون، هكذا تسنى لي بالمصادفة لقاء كأس العالم مؤتمر القمة الشعبي، من لم تفتني دورة من دوراته حتى في السجن، حيث عدت مرة ثانية لمتابعته عبر الراديو لدورتين بين عامي 1978 و1986، وعلى رغم ذلك لم أكن مهووسا بكرة القدم فمحبتي لها من بعد.

في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، تحول العقيد معمر القذافي زعيم البلاد إلى عدو للرياضة، حتى أنه حاربها وإن لم يتمكن من إلغائها لأسباب عشق الشعب لها، لكنه منع ذكر أسماء اللاعبين وسمح بذكر أرقامهم فحسب، معللاً ذلك بأن عصر الجماهير ليس مطرحاً للنجوم، ثم عند صدور الفصل الثالث من كتابه الأخضر، نظّر لأن الرياضة تمارس ولا يُتفرج عليها.

 من هذا كتبت ونشرت مقالة قبيل دورة 1978 لكأس العالم تحت عنوان "كرة القدم ثقافة الفقراء"، جعلت مدخله كلمة لبرتولد بريخت المسرحي الألماني الشهير عن كرة القدم باعتبارها ثقافة، لم أعد أذكرها ولم أتمكن للأسف من الحصول عليها عبر الباحث "غوغل".

المهم أن كأس العالم لكرة القدم يمثل قمة شعبية عالمية، على رغم أن هذا الكأس نشأ في أوروبا وظل محتكراً لها لزمن طويل، وحدث ذلك بعيداً من مشاركة الولايات المتحدة، وكذلك من البلدين الأكبر من حيث عدد السكان، الصين والهند، لكن المشاركة الكبرى للقارة الأميركية اللاتينية ما أسهم بحق في جعل كرة القدم لعبة شعبية عالمية، وتحول لاعبوها إلى معبودي الجماهير، وعلى ذلك أصبح كأس العالم كل أربع سنوات بمثابة مؤتمر قمة شعبي مع انتشار التلفزيون والبث المباشر عبر الأقمار الصناعية، إذ تتوجه أنظار البشر إلى الملاعب والكرة المستديرة، ولو كان ثمة من يراقب الكرة الأرضية من الفضاء لظن أن البشر في توقيت واحد يتوقفون عن أعمالهم لمشاهدة كرة وهي تتناقل بين أقدام لاعبيهم.

منذ المنتصف الثاني للقرن العشرين بدأت كرة القدم تتلون بألوان أخرى، إذ بدأت لعبة شعبية في أفريقيا ومن ثم آسيا، حتى أمست كثير من الفرق الأوروبية تضم لاعبين من أصول أفريقية، وباتت حين تلعب مع فريق أفريقي تظهر المباراة وكأن أفريقيا تلعب مع نفسها. وتحت ضغط هذا اضطر "الفيفا" إلى قبول تنظيم كأس العالم في آسيا مرة ثم في أفريقيا مرة أخرى، ويجيء كأس العالم الثاني والعشرين في عام 2022 في دولة قطر نقلة نوعية، بغض النظر عما يثار خصوصاً في أوروبا حول هذه النقلة التي كانت نوعية لأنها تتم في جزيرة صغيرة عربية ليست محسوبة على عواصم كرة القدم المركزية، ومن هذا هي كسر لاحتكار كأس العالم، بالتالي فإن مؤتمر القمة الشعبي هذا يمكن أن يقام حيث تتوافر إمكانية إقامته، ولن تكون قطر استثناء للقاعدة فحسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كأس العالم 22 في دولة قطر أكد للجميع أن كرة القدم رسول السلام لشعوب الأرض وأنه مؤتمر قمتهم، وأن هذا جعل أن يجب ما يجب، أي أن يقام في كل مكان في كرة الأرض وحتى في الدول الفقيرة، بل يجب أن يكون فيها، للإسهام من خلاله في تنميتها، وبذلك تكون كرة القدم استثمار تنمية واجبة.

 ومن قمة قطر الشعبية يفترض أن يدعم "الفيفا" ودول العالم والمجتمع المدني إقامة كأس العالم في أفقر دولة أفريقية، بخاصة أن لاعبي الفرق الوطنية الأوروبية أصول كثير منهم من هذه القارة كما أشرت.

كأس العالم العربي القطري مؤشر لقدرة أن تقوم دولة صغيرة بنجاح، بكأس عالم مميز متى ما توافرت الإرادة والمال، وهذا ما يدفع إلى بلورة فكرة إقامته في دولة فقيرة لأجل تنميتها، وكما كأس العالم لكرة القدم 22 في قطر كسر لقاعدة، يمكن أن يكون وضع لبنة لقاعدة مختلفة، استثمار مؤتمر القمة الشعبي للنهوض بالشعوب، وليس لمتعتها وتسليتها فحسب، وما هو ليس بقليل أيضاً.

قبل أن يفوتني التنويه، بما استحدث في كأس 22، من ملاعب يمكن فكها وإعادة تركيبها، بالتالي إهدائها إلى دولة أخرى، وقد قيل إن دولة قطر ستهدي ملعباً منها إلى الجزائر، عقب ختام الدورة 22، وفي الختام يقول غاليانو في كتابه الأشهر "كرة القدم في الشمس والظل"، وخلال سنوات ممارسته لحراسة المرمى تعلم البير كامو أشياء كثيرة، فقد تعلم كذلك أن يكسب دون أن يشعر بأنه إله، وأن يخسر دون أن يشعر بأنه قمامة، وهذه حكمة شاقة، كما تعلم بعض أسرار الروح البشرية وعرف كيف يدخل في متاهاتها في رحلات خطرة على امتداد كتبه".

المزيد من تحلیل