Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملفات حساسة على طاولة قمة "لم الشمل" وروسيا الحاضر الغائب

يواجه النظام الإقليمي العربي تحديات بنيوية تكاد تفرغه من مضامين هويته القومية

وزراء الخارجية العرب يشاركون في الدورة السنوية الـ 153 في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة عام 2020 (أ ف ب/غيتي)

مع انطلاق الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في الجزائر تتنامى الشكوك في خروجها بقرارات مؤثرة بعد أن طال انتظار الشارع العربي للتوحد في مواقف جماعية، في وقت يواجه النظام الإقليمي العربي تحديات بنيوية تكاد تفرغه من مضامين هويته القومية، نحو الانصهار في إطار شرق أوسطي أوسع هجين الملامح، لم يستقر راسمو حدوده حول وجهه النهائي بعد، في حين يأتي انعقاد القمة في حد ذاته ليؤكد مجدداً تمسك العرب بمظلتهم القومية الجامعة، جامعة الدول العربية، في مواجهة تدخلات قوى إقليمية ودولية طامحة أو طامعة وأزمات مزمنة وقضايا عالقة، على رغم كل ما يعتري تلك المظلة من ثقوب أرخت فعاليتها مقارنة مع منظمات إقليمية أخرى قطعت أشواطاً نحو التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي والأمني.

كثيرة هي الملفات التي تفرض نفسها على أجندة عمل مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، بخاصة مع تعليق انعقادها ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا كما قيل رسمياً، لكن خروج قرارات بالإجماع في ظل حال من هدوء الخلافات العربية البينية، يظل الرهان الأول على تلك القمة التي تحمل شعار "لم الشمل" العربي، عوضاً عن حل الأزمات العربية القائمة في بلدان عدة، في ظل ما أثبتته الأحداث الجسام التي مرت على المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين، من حتمية توحد الإرادة الجماعية لدول المنطقة لعبور هذه التحديات والتهديدات التي لا يمكن لدولة مواجهتها بمفردها.

ويعتقد المتفائلون بالقمة العربية في الجزائر أن مخرجاتها ستأتي توافقية في سبيل توجيه بوصلة العمل العربي المشترك نحو مزيد من التنسيق لمواجهة التحديات الراهنة، لا سيما مع تخصيص جلسة تشاورية للقادة العرب ورؤساء الوفود المشاركة من أجل التباحث بحرية بعيداً من قيود البروتوكول، كما يراهن بعضهم أيضاً على البناء على ما أنجزته بعض القمم العربية "المصغرة" التي عقدت على مدار الأشهر الماضية، وعلى رأسها "قمة جدة للأمن والتنمية" التي عقدت على شاطئ البحر الأحمر في منتصف يوليو (تموز) في السعودية بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن في أول رحلة خارجية له إلى المنطقة منذ توليه منصبه، والقمة العربية الخماسية التي عقدت في مدينة العلمين المصرية المطلة على ساحل البحر المتوسط في أغسطس (آب) الماضي.

ملفات حساسة على طاولة القادة العرب

القضية الفلسطينية لا تزال توصف في وثائق جامعة الدول العربية بأنها "قضية العرب المركزية"، واستبقت الجزائر انعقاد القمة الأولى منذ ما سمي "اتفاقات أبراهام" عام 2020 بين إسرائيل وبعض الدول العربية، بتوقيع اتفاق للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية برعاية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي وجه أول دعوة لحضور القمة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أعلن مشاركته في أعمالها، مؤكداً على أهمية عقد مؤتمر القمة العربية في الجزائر من أجل تعزيز "صمود الشعب الفلسطيني"، وذكر سفير فلسطين لدى الجزائر فايز أبو عيطة أن عباس سيصل، الإثنين 31 أكتوبر (تشرين الأول) للمشاركة في القمة، مؤكداً أن الجزائر حريصة على أن تكون القمة "فلسطينية بامتياز".

ورأى محمد عز العرب رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، أن القضية الفلسطينية بند ثابت لا يغيب عن فعاليات القمم العربية، مؤكداً أن الجزائر سعت إلى تنشيط دبلوماسيتها العربية عبر الحضور في الملف الفلسطيني بعد عقود من الغياب عن المشهد العربي والانكفاء على الذات خلال حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وقال إن القرارات العربية المتوقعة من القمة ستتجه إلى مزيد من دعم الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً وتشجيع المصالحة والتمسك بمبادرة السلام العربية.

وفي شأن القضايا المستجدة على أجندة القمة العربية الحالية، أوضح عز العرب أن "هناك ملفات رئيسة عدة مستجدة أبرزها كيفية التعامل العربي مع حالة الاستقطاب العالمي، وهذا ملف محوري ممتد معنا منذ ما يزيد على ثمانية أشهر منذ اندلاع حرب أوكرانيا، بالتالي سيدور النقاش حول العلاقة مع القوى الدولية الكبرى، وكيف يمكن التعامل مع نقص إمدادات الطاقة وسلاسل الغذاء نتيجة الأزمة الدولية الراهنة، بالتالي سيكون الأمن الغذائي العربي حاضراً بقوة للمرة الأولى على أجندة مباحثات قمة الجزائر"، وأوضح أن هناك ملفاً آخر يرتبط بإزالة الهواجس في العلاقات العربية، مثل القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب ورفض الوساطات من جانب الجزائر، "فكيف تستضيف قمة ناجحة جامعة في ظل القطيعة، وهناك تبرز فرصة للحوار وتهدئة الأجواء، بخاصة في ظل توقع مشاركة ملك المغرب محمد السادس".

الأزمات العربية وتدخلات إيران وتركيا

ويعتقد عز العرب أن القمة العربية في الجزائر ستركز على بعض الأزمات المثارة في المنطقة العربية ومنها الأزمتان اليمنية والليبية، مشيراً إلى توقع مشاركة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي عوضاً عن مشاركة رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، مع عدم التطرق بدرجة بارزة للوضع في سوريا نتيجة كون هذا الملف مادة خلافية أثناء التحضير للقمة، ما دفع دمشق إلى إعلان عدم مشاركتها نتيجة غياب التوافق حول عودتها إلى مقعدها الشاغر منذ ما يزيد على عقد من الزمن على رغم حرص الجزائر على مشاركتها في القمة.

ولفت كذلك إلى أن بعض القضايا التي كانت تصنف "هامشية" ستتصدر الأجندة في ظل صعود أهميتها، موضحاً أن "التحديات التي كانت تصنف ضمن السياسات الدنيا في الفترة السابقة، مثل التغير المناخي، ستحظى باهتمام واسع، إذ ستستضيف دولتان عربيتان هما مصر والإمارات مؤتمرين دوليين على التوالي بشأن المناخ، "كوب27" و"كوب28"، فالدول العربية ستدفع ثمناً كبيراً نتيجة ظاهرة التغير المناخي".

وفي ما يتعلق بقضية الأمن المائي العربي، أكد عز العرب أن دعم مصر للسودان في قضية سد النهضة، وملف الأمن المائي للعراق وسوريا نتيجة السدود التركية والإيرانية سيكون حاضراً في القمة، بخاصة أن إثيوبيا وتركيا وإيران دائماً ما تهاجم مواقف الجامعة العربية في هذا الصدد، كما ستكون التدخلات التركية والإيرانية موضوعاً للنقاش بين وزراء الخارجية العرب في تحضيرات القمة، فهو بند ثابت في اجتماعات القمم، بخاصة في ضوء تكرار قصف أراض عربية من جانب البلدين، ودعم الميليشيات المسلحة واستمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث من جانب إيران، ودعم طهران لـ "حزب الله" والحوثيين من دون إغفال محاولة التشجيع على الحوار مع القوى الإقليمية غير العربية، وتأكيد مزيد من الإجماع العربي والتنسيق الأمني في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والحفاظ على الدولة الوطنية العربية.

الاستقطاب الروسي الغربي يخيم على القمة

وتعد الجزائر شريكاً استراتيجياً موثوقاً لموسكو وهي ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في أفريقيا، وثاني أكبر مشتر للسلاح الروسي في القارة أيضاً، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسابيع قليلة من موعد انطلاق القمة إن بلاده "تدعم الخط المتوازن الذي تنتهجه" الجزائر، كما أبدى تفاؤله بالقرارات المرتقبة للقمة، ومن بينها عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر في الجامعة، قبل أن تعتذر دمشق عن دعوة لم تتلقها من الأساس، لغياب التوافق العربي حول عودتها، حسبما أعلن المسؤولون في الأمانة العامة للجامعة، كما تلقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون دعوة من نظيره الروسي لزيارة موسكو في سبتمبر (أيلول) الماضي، في وقت رجحت مصادر دبلوماسية جزائرية إتمام الزيارة قبل نهاية العام الجاري.

ومن المرتقب خلال فعاليات القمة انعقاد اجتماع لمجموعة الاتصال الوزارية العربية المعنية بمتابعة تداعيات الحرب بين موسكو وكييف والمنوط بها، منذ تشكيلها في مارس (آذار) الماضي، أي بعد أيام من اندلاع الحرب، إجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنية بـ"الأزمة الأوكرانية"، وتضم المجموعة العربية وزراء خارجية كل من الجزائر ومصر والسودان والأردن والعراق، إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.

وليس خافياً عن أعين المراقبين دلالة تنظيم الجزائر تمارين تكتيكية بحرية مشتركة مع روسيا قبيل انطلاق القمة تمهيداً لاستضافة الصحراء الجزائرية مناورات "درع الصحراء 2022" بالتزامن مع التئام القمة العربية، وذلك بعد شهر من مشاركة 100 جندي جزائري في مناورات "فوستوك 2022" العسكرية شرق صحراء سيبيريا الروسية، التي عادة ما يشارك فيها حلفاء موسكو المقربون.

وفي خضم الحرب، زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العاصمة المصرية القاهرة، حيث مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في مستهل جولته الأفريقية الأولى منذ اندلاع الحرب، وخاطب لافروف المنطقة العربية من منبر الجامعة خلال اجتماع لمجلسها على مستوى المندوبين الدائمين للدول الأعضاء، واصفاً الموقف العربي من أزمة أوكرانيا بـ "المتزن"، لافتاً إلى الترتيب لعقد النسخة السادسة من منتدى التعاون العربي - الروسي قريباً، وخاطب شواغل المنطقة العربية التي تضم بعضاً من أكبر مستوردي الحبوب على مستوى العالم، مؤكداً أن القوات الروسية أمنت ممرات عبر البحر الأسود لمرور سفن الحبوب، لا سيما القمح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا أصبحت موسكو الحاضرة الغائبة عن هذه القمة العربية، وقبل أيام من انعقادها كتب في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس بيير بوسيل مقالة في مركز "كارنيغي" الأميركي، بعنوان "قمة عربية لا أمل منها"، يوضح فيها أن نزعتين سياسيتين تسيطران على مواقف الدول العربية حالياً، بين من يرفض الانزلاق إلى فخ الاستقطاب الدبلوماسي والجيوسياسي بين روسيا والغرب، والدول التي انحازت بالفعل لأحد الطرفين، ويقول "في حين أن المهمة الرئيسة الملقاة على عاتق قمة الجزائر هي إثبات أن الحوار يمكن أن يسود على الخلاف، فإن جامعة الدول العربية منقسمة بشأن نزعتين سياسيتين واسعتي النطاق، فبعض الأعضاء يطالبون بالحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها، من هؤلاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي دعا إلى غلق الباب أمام أي تدخلات خارجية.

 الهدف الذي يصبو إليه القادة أمثال السيسي هو الحؤول دون التورط في التجاذبات الراهنة بين الشرق والغرب، بيد أن بلداناً أخرى مثل سوريا والسودان تقبل بأوجه التشابه مع مرحلة الحرب الباردة، من خلال الاصطفاف مع الكتلة الأميركية - الإسرائيلية أو مع روسيا، ويبدو أن الجزائر اعتمدت الخيار الثاني، ففي أعقاب القمة ستقام تدريبات عسكرية روسية - جزائرية مشتركة لمكافحة الإرهاب تحت مسمى درع الصحراء 2022 في قاعدة حماقير العسكرية."

قمة استثنائية

بدوره، يذهب الباحث المتخصص في الشأن الروسي محمد الديهي إلى أن  القمة العربية هذا العام تعقد في توقيت حساس للغاية، وتمثل قمة استثنائية من حيث سياق انعقادها "فالعالم لم يتعاف بعد من جائحة كورونا، إضافة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها هي الأخرى علي الاقتصاديات العالمية ووضعتها في حال من الارتباك والتجاذبات الدولية والإقليمية بصورة أشبه بتلك الفترة التي سبقت الحربين العالمية الأولى والثانية في كثير من سماتها، والآن تسعى الدول الكبرى لبناء تحالفات مع الدول المؤثرة في المنطقة بهدف تضييق الخناق على بعضها بعضاً، في الوقت ذاته تزداد حدة الأزمة الروسية - الأوكرانية، وتتصاعد العمليات العسكرية بينما تتعالى صرخات الشعوب المتضررة من تلك الأزمة بإيجاد حلول دبلوماسية تخفف من وطأة التداعيات العالمية للأزمة على ظروفهم المعيشية اليومية".

أضاف الديهي "المنطقة العربية لم تكن استثناء مما يحدث في العالم الآن، بل تأثرت اقتصادياً، الأمر الذي ألقى بظلاله على الصعيد السياسي، وقد جاءت القمة العربية في ظل حال من الاستقطاب للأطراف العربية لتبني موقف واضح أو بمعنى أدق الوقوف بجانب طرف على حساب الآخر، والابتعاد عن موقف الحياد الذي تتبناه الدول العربية وغالبية دول العالم منذ بداية الأزمة، بينما يبدو أن قادة الدول العربية اليوم أشد عزماً على عدم الانضمام لأي معسكر، والعمل من أجل إعلاء مصالحهم القومية بعيداً من الصراع الأميركي - الروسي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير