Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما وراء ترتيبات عقد القمة العربية في الجزائر؟

تجاوز مسألة التأجيل إلى فرص النجاح... الحسابات المتشابكة والخيارات المتعددة

لعمامرة يسلم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الدعوة لحضور القمة العربية المقرر عقدها في الجزائر، بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة في 5 سبتمبر الحالي (أ ف ب)

مع حرص الأمين العام للجامعة العربية على تأكيد أن القمة العربية ستجري في موعدها المقرر سلفاً من قبل الدول المستضيفة الجزائر، يطرح سؤال هل فعلاً ستعقد القمة في توقيتها أم أنها ستؤجل؟ بخاصة أن الجزائر حريصة على إنجاح القمة وفق تأكيدات مسؤولين جزائريين على رأسهم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نفسه الذي كرر حرص الجزائر على عقد القمة ليس بمن حضر وإنما بحضور كل الدول العربية، في مناخ عربي جديد يتشكل وفي توقيت بالغ الخطورة. وأكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن بلاده جاهزة لعقد القمة العربية المقررة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

تصريحات محددة

تعكس تصريحات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب حرصاً مهماً على عقد القمة بعد سنوات من الغياب بسبب أزمة كورونا وما تلاها من تطورات متعلقة بالشأن العربي، ولم تعقد القمة على أي مستوى سواء كانت افتراضياً أو حضورياً، كما لم تقم القمة بدورها في متابعة ما يجري عربياً وإقليمياً. ويقر النظام الأساسي للجامعة العربية بإمكان عقد القمة في دولة المقر (مصر) في حال العجز عن عقدها في الدولة المحدد أن تستضيف القمة. وعقدت القمة السنوية الأخيرة لجامعة الدول العربية على مستوى القادة في مارس (آذار) 2019 في تونس، وتم إلغاء نسختي 2020 و2021 تباعاً.

  وغابت مؤسسة القمة العربية عن الحضور على رغم تفاقم الملفات العربية من لبنان إلى العراق، والفشل المستمر في الملف الليبي وإلى الملف اليمني مروراً بما يجري من تهديدات لأمن الإقليم نتيجة التدخلات الإيرانية، واستمرار التدخل التركي اللافت في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، وتواري دور الجامعة خلف الحديث عن أفكار عن الترتيبات الأمنية الشرق أوسطية، وحلف الناتو والتهديدات الإقليمية، والمطالبة بتصويب مسار العلاقات العربية الدولية بخاصة بعد تطورات وتفاعلات الحرب الروسية - الأوكرانية، وتداعياتها الممتدة التي لا تزال تؤثر في الأمن القومي العربي، وتسعى بعض الدول العربية إلى استبداله بأمن شرق أوسطي أوسع، وفي نطاقات متعددة أوروبية وأميركية وروسية، وهو ما سيعصف بوضع مؤسسات العمل العربي المشترك التي تحتاج إلى إعادة هيكلة حقيقية في ظل ما يجري من تطور في بنية العلاقات الدولية وحاجة الدول العربية إن توافرت الإرادة السياسية لديها إلى تحديد أولوياتها بدل التوقف الراهن عند مسمى عدم الاشتباك أو التعقيد أو الدخول في مساحات من الخلاف الكبير.

ملفات معقدة

يواجه عقد القمة العربية في الجزائر ملفات معقدة على رأسها حال التشكك في العلاقات العربية - العربية، وهو ما سينعكس على الموقف العربي بأكمله، إذ ما تزال الأزمة المغربية - الجزائرية قائمة ولم تبذل الجامعة أي جهود في التعامل معها، وهو ما انعكس على موقف المغرب من القمة إذ أكد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي المغربي، أن "القمة العربية المقبلة يجب أن تنعقد على أساس الالتزام بالمسؤولية، بعيداً من أي حسابات ضيقة أو منطق متجاوز. وإن المغرب بقيادة الملك محمد السادس حرص على الانخراط في صلب العمل العربي المشترك، سواء من داخل الأجهزة الرئيسة لجامعة الدول العربية أو من خلال الهيئات المتفرعة عنها، وكان من الواضح أن الدول العربية اشترطت حضور المغرب في القمة العربية المقبلة قبل انعقادها".

كما أن التمثيل الليبي سيكون مشكلة أخرى مؤرقة بالنسبة إلى الجانب الجزائري وموقفه المباشر في تفاصيل الملف الليبي، ولن تتعلق بمن سيمثل ليبيا في القمة فالأمر محسوم، بخاصة أن الجامعة العربية قبلت وفد حكومة عبدالحميد الدبيبة، وهو ما سيكون مطروحاً بخاصة أن الجزائر ستكون حريصة على نجاح قمتها، ولا تريد مزيداً من الأزمات خصوصاً أن ملفات أخرى ستكون مطروحة، ومنها الملف الفلسطيني الذي تحرك فيه الجانب الجزائري، وأجرى سلسلة لقاءات واتصالات مع الفصائل في الجزائر منذ أشهر عدة، لم تؤد إلى نتائج حقيقية يمكن البناء عليها، والمؤكد أن السلطة الفلسطينية ستتجه إلى التأكيد على ثوابتها التي ستعلنها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الحالي، وسيكون الرئيس محمود عباس حريصاً على التأكيد على وحدة الصف من دون تبني إجراءات محددة أو شاملة في هذا السياق، وهو ما قد يكون عقبة حقيقية أمام تطورات في الملف الفلسطيني، بخاصة أن الجزائر تتبنى القضية الفلسطينية، وتعتبرها إحدى ركائز حركتها المباشرة وباعتبارها حائط صد أمام أي تطورات في هذا الإطار، تحسباً لأي تطورات مفاجئة بخاصة أن الجزائر تعتبر نفسها الدولة العربية الأولى التي تقف في مواجهة إسرائيل، وترفض تماماً الدخول في أية مساحات للتقارب معها. في المقابل فإن هناك دولاً عربية أخرى ترفض النهج الجزائري، وستعمل في اتجاهات حقيقية لإفشال أي مخططات تعكس رفضاً عربياً لتوجهات التعاون مع الدولة العبرية وتبني منطق الواقعية السياسية، وهو ما قد يكون مهماً التوقف أمامه، إذ ستكون قمة الجزائر في حل من تفاصيله الطويلة، وستشمل مواضيع القمة الإقليم بكل ما فيه من تطورات بخاصة أن مشكلات أخرى ومنها على سبيل المثال الأوضاع في الصومال والقرن الإفريقي وانعكاساتها ستكون مطروحة.

تدخلات إقليمية

إلا أن المشكلة الكبرى ستكون مرتبطة بالوضع الإقليمي والتدخل الإيراني في أمن بعض العواصم العربية وفي ظل علاقات عربية - إيرانية قائمة، ولا يمكن عدم الإشارة إليها إلا في سياق محدد، ومن ثم فإن القمة العربية المنعقدة ليس عليها توجيه انتقادات أو مواقف بل مطلوب منها التعامل الواقعي والمباشر، وعدم التصعيد أو تبني توجهات حقيقية في الوقت الراهن نظراً إلى تعقد الموقف السياسي على المستوي العربي الذي يحتاج إلى مراجعات حقيقية تتعلق بما يدور في مسار العلاقات العربية - العربية، ومنها تحفظ القاهرة على دعم بعض الدول العربية مشروع السد الإثيوبي واستثمار ضخ المساعدات العربية في مشاريعه، وعدم وجود أفق لحل هذا الأمر بعد فشل الوساطة تباعاً، وهو ما يحتاج من القمة مواجهته بخاصة أن الجزائر نفسها عرضت لعب دور وساطة أثناء وبعد زيارة رئيسها إلى القاهرة ضمن إطار جولته العربية ولم يحدث أي تطور من وقتها، في إشارة إلى أن الملف الخاص بالأمن المائي العربي يحتاج إلى مواجهة وحل لا يقل عن سائر الملفات العربية الأخرى التي تتعلق بأي مسار ستمضي فيه العلاقات العربية - الدولية، فالدول العربية المعنية بملف الغاز وإمداداته عليها أن تتفاعل ما يجري والقضية تتجاوز "أوبك بلس" أو التجاوب مع الطرح الدولي أو الأميركي، فكل دولة ستتجه إلى بناء شراكاتها مثلما فعلت مصر والجزائر وقطر، ومن ثم فإن الأمر سيكون مهماً في إعادة ترتيب الحسابات والتقييمات العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تحفظات مباشرة

إن الرهانات على أن القمة العربية ستدخل ساحات الصراع الكبير في لبنان أو سوريا أو العراق لن ينجح، بخاصة أن ملف سوريا وعودتها إلى الجامعة العربية سيكون محل نظر، لكن هناك دولاً عربية لديها تحفظات على إطار العودة وشكلها، ما يشير إلى أن الملف السوري بكل تفاصيله سيكون مرحلاً وسيحتاج إلى توقيت آخر لحله، بخاصة أن حل أزمات وصراعات ممتدة ومطولة يحتاج إلى جهد حقيقي ومتراكم وليس لمدة ساعات فقط في قمة الرؤساء والملوك العرب فقط. وحسمت سوريا موقفها بإعلان وزير خارجيتها فيصل مقداد عدم المشاركة في القمة العربية وقضي الأمر، وهو ما يشكل تحدياً مهماً للدبلوماسية الجزائرية. أضف إلى ذلك الواقع الراهن للعلاقات المصرية – الجزائرية، بعد الترحاب المصري بالمشاركة والتفاعل مع دعوة الرئيس الجزائري لحضور القمة إلا أن استضافة الجزائر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ولقائه الرئيس تبون ورئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن يفهم منها أنها انحياز لإثيوبيا في موضوع سد النهضة.

وفي ظل غياب التنسيق اللافت بين أعضاء الجامعة العربية وشكوى الجامعة من أزمتها التمويلية والصراع الممتد منذ سنوات طويلة، سيعاد تأكيد دور العمل العربي المشترك الذي دفع دولة مثل مصر إلى تبني خيار فاعل بعقد قمم التحالف الثلاثي وتوسيع نطاق المشاركات العربية، كما حرصت دول الخليج على تفعيل دور مجلس التعاون باعتباره ركيزة مهمة للتعاون الفاعل والمؤسس والمهم الذي يعطي دلالات مهمة على إمكانية بناء قواسم عربية مشتركة ومهمة بصرف النظر عن المشهد الراهن بين دول الخليج.

الخلاصات الأخيرة

ليس مطلوباً أن تنجح القمة العربية في الجزائر، وإنما المطلوب الانتقال من الواقع السياسي الراهن بكل حاله الرتيبة إلى مرحلة أخرى تفاعلية ومهمة تبنى على أسس واقعية بالفعل، ووفق نهج سياسي واستراتيجي محدد يعمل في اتجاهات مختلفة، وهذا ما تعمل عليه الجزائر في الوقت الراهن وتدفع إلى التأكيد على أسسه بصرف النظر عن المشكلات التي تواجه إنجاح القمة وتتطلب الدفاع عنها بهدوء، وعبر استراتيجية محكمة وواقعية، وليست فقط  مجرد عقد القمة العربية في توقيتها فالجامعة على رغم كل التصريحات الإيجابية التي يطلقها الأمين العام أحمد أبو الغيط لا تعني أن الجامعة تؤدي دورها، وأنها تسعى للعودة لمحيط وجوهر العمل العربي المشترك.

ولكن الإشكالية الكبرى ترتبط بتأمين دور دائم وحيوي وفاعل ومشارك بدلاً من الركون لما هو قائم، فلا حضرت وفود ممثلة للجامعة في الملفات العربية الليبية واليمينية والسورية واللبنانية، وغاب دورها في الملف الفلسطيني الفاعل وتجاهلت طرح المقاربات والمبادرات، لأن قرار الجامعة العربية محصلة لمواقف الدول العربية الأعضاء بما في ذلك آليات التصويت داخل الجامعة. قد تنجح الجزائر في عقد القمة ولكن الإشكالية الكبرى المباشرة في ما يلي من إعادة مهمات العمل العربي المشترك الفاعل والمهم في توقيت بالغ الخطورة والأهمية، وفي ظل استهداف النظام الإقليمي العربي بأكمله وسعي بعض القوى الإقليمية والدولية، ومن ورائها بعض الدول العربية إلى إقرار نظام أمني جديد وفاعل ومؤثر، بل وتأسيس جامعة إقليمية شرق أوسطية تكون بديلاً عن الجامعة العربية، تتماشى مع طرح مجالات التعاون الإقليمي العربي في المدى المتوسط.

المزيد من تحلیل