Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخليج والرحالة الأوروبيون... استكشاف أم تجسس؟

على رغم اختلاف أهدافهم وثقت كتاباتهم حال المدن التي مروا بها وكانت بالنسبة إليهم عالماً مجهولاً

حرص الرحالة على تسجيل مشاهد من مدن الخليج بالرسم لتوثق رحلتهم  (مواقع التواصل)

لعصور طويلة كان الشرق يمثل عالماً غامضاً وساحراً لكل من يعيش في أوروبا ومع قلة وشبه انعدام وسائل التواصل وقتها لم تكن هناك فرصة للغربيين للتعرف إلى ثقافة العرب التي شهد بعضها ازدهاراً وتطوراً ولم تكن بالصورة المنطبعة في مخيلة المواطن الغربي بأنها صحراء تسكنها قبائل وتعيش في عالم يختلف بالكلية عن المدن والعواصم الكبرى بأوروبا.

هذا العالم الغامض اجتذب بعض محبي الاستكشاف والسفر وهم الرحالة الأجانب الوافدين من أوروبا لاستكشاف واقع هذه الدول والتعرف إلى ثقافتها وتراثها وطبائع حياة الناس فيها فذهب كثير منهم إلى مصر والمغرب العربي ومنطقة الخليج.

هؤلاء الرحالة كتبوا كثيراً من المذكرات نشر بعضها ككتب في ما بعد وأصبحت في الوقت الحالي من المراجع التي تتم الاستعانة بها عند البحث في تاريخ الفترات التي كانوا خلالها موجودين في الدول العربية، حيث أسهبوا في وصف المنازل والشوارع والملابس وطبيعة الحياة والعادات والاحتفالات وكل جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية التي عايشوها.

كانت مدن الخليج المختلفة ضمن محطات الرحالة الذين زاروها وكتبوا كثيراً عن أوضاعها وطبائعها، إذ كانت تقع على طريق التجارة الممتد إلى الهند وكانت السفن التجارية المحملة بالبضائع من الهند تمر بموانئها المختلفة في طريقها إلى أوروبا.

كما كانت هناك أنواع معينة من التجارة رائجة بشدة في بعض مدن الخليج مثل تجارة اللؤلؤ التي جعلت كثيراً من التجار الأوروبيين والهنود يتجهون إلى الخليج للحصول عليه وبيعه بأثمان باهظة.

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في قسم الإرشاد السياحي بمعهد أبي قير للسياحة وترميم الآثار بالإسكندرية إسلام عاصم بحث في الأمر وتتبع سيرة الرحالة الأجانب وحكاياتهم، كما تعرف إلى أشهر المدن التي اهتموا بزيارتها والكتابة عنها.

وأصدر عاصم أخيراً كتابه "مدن الخليج العربي في عيون الأجانب في العصر الحديث" الذي يرتكز تحديداً على الرحالة الذين قدموا إلى الخليج لأسباب متنوعة خلال القرنين الـ18 والـ19 وما شهدوه من سياقات تاريخية، سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية.

وقال عاصم لـ"اندبندنت عربية" إن الخليج العربي بطبيعة موقعه كان محوراً مهماً لطرق التجارة في العصر الحديث ومنذ اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح والطريق إلى الهند بدأت السفن التجارية بالتعرف إلى منطقة الخليج العربي، فهي تأتي من الهند إلى الخليج العربي وتصل إلى البصرة عن طريق بحر العرب ثم تكمل طريقها إلى الشام ولبنان وربما تستكمل رحلتها إلى أوروبا وكانت التجارة بشكل عام رائجة جداً في الخليج، فبعض الموانئ كانت محطات تجارية مهمة تمر بها السفن الأوروبية.

وأضاف "هناك كتب للرحالة معروفة منذ زمن طويل، لكن كثيراً منها كان بمثابة التقارير السرية التي تحتفظ بها الدول الأوروبية عن المنطقة العربية خلال هذه الفترة، بحيث كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة للتعرف إلى هذه الدول"، موضحاً "لكن أخيراً بدأت بعض المكتبات الأجنبية بنشرها وإتاحة الاطلاع عليها مما سمح للباحثين والمهتمين بالتعرف إلى كتابات هؤلاء الرحالة".

أشهر مدن الخليج

مدن متعددة مختلفة في الطابع العام وما تتميز به من تراث وفي ما يمتهنه أهلها، لكن يجمعها أنها تقع على الخليج وتمثل عالماً جديداً مجهولاً مختلفاً تماماً بالنسبة إلى الأوروبيين، حرص الكاتب على الحديث عنها وإبراز أهم المحطات التي كانت موضع اهتمام الرحالة.

وأشار عاصم إلى أن "مسقط كانت من أهم النقاط التي يصل إليها الرحالة، وكانت لسلطان عمان في ذلك الوقت سلطة ونفوذ كبيران باعتباره يسيطر على واحد من أهم الموانئ في منطقة الخليج، وكتب الرحالة أيضاً عن مدن مثل الشارقة ودبي وأبو ظبي والقطيف والمنامة وما تشتهر به من زراعة التمور وصيد اللؤلؤ، والبصرة وتحصيناتها ورواج التجارة فيها، كما أشاروا إلى الأحداث السياسية التي كانت تشهدها هذه المناطق واستعانوا بالكتابة والرسوم وفي بعض الأحيان بالتصوير إذا تيسر ذلك".

وأضاف "كانت الكتابة هي الأساس وكان الرحالة يصفون بالكلمات شكل المدن والشوارع والملابس والأسواق ويشيرون إلى العادات والاحتفالات والأعياد وما تتميز به في كل بلد، حتى كانوا يصفون بعض المواقف والمشكلات التي تواجههم مثل أن بعض البلدان كانت تحرم التدخين أو شرب القهوة في ذلك الزمان، ولفت إلى أن "كتاباتهم كانت في بعض الأحيان كارهة للمدن العربية وتصفها بشكل سلبي نتيجة عدم فهمهم الطبائع والعادات والدين، فهم لا يستوعبون كثيراً من الأمور ويعتبرونها غريبة وغير مفهومة نظراً إلى عدم وعيهم بثقافة المجتمع، فكانوا ينقلون عالماً غريباً غير مألوف بالنسبة إليهم للناس في أوروبا".

أشهر الرحالة

مع بدايات القرن الـ19 كان أحد عوامل انتشار الرحالة الأجانب في المنطقة العربية، تحديداً منطقة الخليج، سيطرة بريطانيا على الهند وما أنتجته من مرور عدد من السفن، سواء العسكرية أو التجارية، في طريق ذهابها وعودتها من بريطانيا إلى الهند بالدول الواقعة على موانئ الخليج.

وكانت تضم تلك السفن عسكريين وسياسيين وتجار، إلى جانب الرحالة الذين كانوا يصفون محطات الرحلة المختلفة التي يمرون بها، فسيطرة بريطانيا على الهند كان لها انعكاس مباشر على زيادة أعداد الأوروبيين الذين يمرون بالخليج العربي الذين سعى بعضهم إلى استكشافه كعالم مجهول.

وقال عاصم إن "من أشهر الرحالة الذين مروا بالخليج وكتبوا عنه كارستن نيبور الذي ولد في ألمانيا وجاء إلى المنطقة العربية في مهمة كلفه بها فريدريك الخامس ملك الدنمارك بصحبة مجموعة من العلماء لاستكشاف العالم العربي ليموت كل مرافقيه خلال الرحلة ويبقى هو ويؤلف كتاباً من جزءين عن رحلته في الشرق وهو أول من رسم خريطة للخليج العربي في العصر الحديث وأول من رسم خريطة لدلتا النيل في مصر، وكانت زيارته للمنطقة العربية بين عامي 1761 و1767.

وأشار أيضاً إلى روبرت ميغنان الكاتب البريطاني عضو الجمعية الملكية الآسيوية لبريطانيا العظمى وإيرلندا، وكان يعمل في حراسة الممثل السياسي لشركة الهند الشرقية في البصرة خلال الربع الأول من القرن الـ19.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أن "من الرحالة أيضاً الملازم ويليام هيود، وكان من العاملين في القوات البريطانية بالهند وزار الخليج العربي عام 1817 وألف كتاباً وصف فيه رحلته من الهند إلى مسقط مروراً بالبصرة وحتى وصل إلى إسطنبول".

وقال إن ويليام غيفورد من أشهر الرحالة الإنجليز، وكتب عن منطقة الخليج والجزيرة العربية وكان عميلاً سرياً وجاسوساً للإمبراطور نابليون الثالث وتنكر في زي طبيب سوري أثناء إقامته بالخليج.

كما لفت إلى ماكس فون أوبنهايم الرحالة وعالم الآثار والدبلوماسي الألماني الذي ألف كتاب "من البحر المتوسط إلى الخليج" عام 1893 وإبراهام بارسونز الذي ألف كتاباً عن زيارته إلى منطقة الخليج العربي التي كانت لأهداف تجارية والرحالة الإنجليزي جيمس سيلك باكنغهام الذي زار المنطقة في النصف الأول من القرن الـ19".

رحالة من النساء

لم يقتصر الرحالة الأجانب إلى المنطقة العربية على الرجال، وإنما كان هناك رحالة من النساء، وكان لهن اهتمام باستكشاف المنطقة والكتابة عنها والإسهاب في وصفها.

ومن أشهرهن، بحسب عاصم، "مدام ديولافوا ولها كتاب شهير بعنوان (رحلة مدام ديولافوا من المحمرة إلى البصرة وبغداد) الصادر عام 1881، إذ تتحدث خلاله عن رحلتها ومحطاتها المختلفة وتسهب في وصف مدينة البصرة تحديداً بشكل كبير".

وكذلك إيزابيلا لوسي بيرد وهي إنجليزية وكانت أول امرأة تنتخب لعضوية الجمعية الجغرافية الملكية ولها مؤلفات عدة عن رحلاتها حول العالم ومن ضمنها منطقة الخليج.

تحقيق وتدقيق

يعتبر بعضهم كتابات الرحالة الأجانب خلال أسفارهم إلى دول المشرق العربي من المصادر التي يمكن الاعتماد عليها عند التأريخ للحقبة التي وجدوا فيها، بينما يرى فريق آخر أنها لا تتصف بالحياد وأن بعضها يحمل وجهة نظر غربية أو في الأقل لا يكون كاتبها على دراية تامة بخلفيات الأحداث للمشاهد أو المواقف التي يقوم بوصفها باستفاضة فهو لا يعرف طبيعة العالم العربي وعاداته، مما يجعل وصفه قاصراً وصورته غير مكتملة.

وقال عاصم إن "كتابات الرحالة يجب أن تؤخذ بكثير من الحذر وتحتاج إلى تحقيق وتدقيق بسبب تنوع أهدافهم، فهم حالة مختلفة تماماً عن السياح بمفهوم اليوم، فبعضهم كان مغامراً ومستكشفاً ومحباً للتعرف إلى ثقافات وبلاد مختلفة، وبعضهم زائر للبلاد العربية بحكم الوظيفة، وقطاع منهم يمر بها في طريقه إلى دولة أخرى، وبعضهم كانوا جواسيس، فلكل رحالة خلفياته وأهدافه المؤثرة في كتاباته".

وأضاف "اختلاف الأهداف سيؤثر في رؤية الرحالة للأمور، فالذي يزور المدينة بدافع الاستكشاف والتعرف إلى ثقافة مختلفة ستختلف نظرته تماماً عمن يتوجه إليها بهدف التجسس وتقديم تقرير يصف حال البلد وطبيعة الحياة والوضع القائم فيها.

ولفت إلى أنه أفرد جزءاً وافياً من الكتاب للحديث عن هذا الأمر حتى يتعرف القارئ إلى خلفية أشهر الرحالة الذين كتبوا عن مدن الخليج ويمكنه تخيل وجهة النظر التي كان يتبناها في كتاباته.

المزيد من منوعات