Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مد وجزر... علاقة المغرب بالقمم العربية

قرر العاهل "الامتناع" عن الحضور الشخصي لأية قمة منذ عام 2005 وللمصادفة أنها كانت في الجزائر

العاهل المغربي في آخر ظهور له في قمة عربية عام 2005 (غيتي)

في خضم تحضير الجزائر لاحتضان القمة العربية يومي الأول والثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، تتوجه أنظار عديد من المراقبين صوب المغرب بخصوص مستوى مشاركته في هذه القمة العربية، إذا ما كان سيحضرها الملك محمد السادس بنفسه أم ستنوب عنه شخصية أخرى، بخاصة أحد أعضاء الحكومة.

وإذا كانت المجلة الفرنسية "جون أفريك" أول من نشرت خبر مشاركة الملك المغربي في القمة العربية بالجزائر استناداً إلى ما سمته "مصادر مطلعة"، فإن دلائل سياسية عدة تستبعد مشاركة الملك في القمة العربية.
دأب المغرب على المشاركة في قمم عربية بشخصيات حكومية، من قبيل رئيس الحكومة أو وزير العدل أو وزير الخارجية، دون حضور الملك بنفسه، وهو ما كان قد أكده الديوان الملكي في المغرب عام 2019 عندما انتقد ما سماها "الاختلالات التي تطبع العمل العربي المشترك التي تجعل من عقد القمم العربية أمراً غير مُجد".

 

يحضر أو لا يحضر؟

يجري لغط وصل إلى حد التكهنات والتوقعات بشأن حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى القمة العربية من عدمه، وكان أصل السجال ما نشرته مجلة "جون أفريك" المطلعة على ملفات السياسة والدبلوماسية المغربية، بخصوص الحضور الشخصي للملك إلى القمة المقامة في الجزائر.

ووفق المجلة الفرنسية المعروفة التي استندت في خبرها الذي شكل حينها مفاجأة كبرى، إلى "مصادر مطلعة للغاية"، فإنها أجريت اتصالات مغربية مع دول خليجية عدة، وهي السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين، لإبلاغها بأن الملك محمد السادس "سيشارك شخصياً" في القمة الحادية والثلاثين لجامعة الدول العربية في الجزائر العاصمة.
واعتبرت المجلة أن حضور الملك إلى القمة العربية المقامة في الجزائر قد يشكل بداية عهد جديد في العلاقات بين البلدين، ما يعني ترجمة لخطابه في "ذكرى الجلوس على العرش" في 30 يوليو (تموز) الأخير، عندما أعرب عن "طموحه للعمل مع الرئاسة الجزائرية يداً بيد على إقامة علاقات طبيعية بين البلدين".
في المقابل تفيد دلائل سياسية على أرض الواقع باستبعاد حضور العاهل المغربي إلى القمة، أبرزها أن الملك نفسه قرر "الامتناع" عن الحضور الشخصي لأية قمة عربية منذ عام 2005، فضلاً عن واقع العلاقات بين المغرب والجزائر التي بلغت حد القطيعة الدبلوماسية.
وثاني الدلائل القوية على استبعاد حضور الملك شخصياً إلى القمة العربية، أن دعوة الحضور سلمها وزير العدل الجزائري إلى وزير الخارجية المغربي، وعلى رغم كون زيارة وزير العدل إلى المغرب تعد أول زيارة لمسؤول جزائري إلى المملكة منذ سنوات طويلة، إلا أن عدم تسلم الملك بنفسه الدعوة يشير إلى احتمال كبير عدم حضوره القمة المرتقبة.
وكان وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي قد تسلم الشهر الماضي رسالة من الرئيس عبد المجيد تبون إلى لملك محمد السادس، تتضمن دعوة لحضور القمة العربية، تسلمها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.

 

استبعاد مشاركة الملك

في هذا الصدد يقول المحلل السياسي الدكتور محمد شقير، لـ"اندبندنت عربية"، إن الجزائر تسعى إلى إعادة إشعاعها السياسي ودبلوماسيتها الخارجية، من خلال تنظيم القمة العربية في ذكرى استقلال البلاد.

ووفق شقير، شرعت الجزائر في توزيع بطاقات الدعوة على ملوك ورؤساء الدول الأعضاء، حيث اختارت انتداب وزير العدل بدل وزير الخارجية رمطان لعمامرة لتسليم الدعوة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس.
ولاحظ المحلل أن وزير الخارجية المغربي هو من استلم هذه الدعوة وفقاً لتعليمات الملك، مما يؤشر إلى حضور المغرب إلى القمة ممثلاً في شخص وزير الخارجية بدل الملك، حيث إن تعيين وزير الخارجية واستقبال المبعوث الجزائري من طرفه هو إشارة سياسية تتضمن تفنيد كل التكهنات بإمكانية حضور الملك إلى هذه القمة.
 
 
وعزا شقير عدم حضور الملك شخصياً إلى القمة العربية لأسباب عدة، منها أن الملك درج على عدم حضور القمم العربية منذ سنة 2005 باعتبارها قمماً بروتوكولية لا تخرج بقرارات عملية.
وثاني الأسباب، يردف شقير، يتمثل في كون القطيعة مع الجزائر بلغت حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وثالثها أن هناك حرباً سياسية ودبلوماسية مستعرة بين البلدين تدور رحاها في أروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومختلف المحافل الدولية.
ورابع الأسباب، وفق المحلل نفسه، أن الجزائر "رفضت" اليد الممدودة التي عرضها العاهل المغربي من خلال خطب ملكية عدة، إضافة إلى أن البلدين قد دخلا في "حرب محاور"، بين محور ايراني جزائري تونسي فرنسي، ومحور مغربي إسرائيلي مدعم من طرف الولايات المتحدة.
وخلص شقير أنه "من الصعب في خضم هذه الأجواء السياسية أن يحضر العاهل المغربي القمة العربية المقامة في الجزائر، إلا إذا كانت هناك رغبة من طرف الملك في "إحراج" النظام الجزائري سياسياً، الشيء الذي الذي لن تقبله السلطات الجزائرية، كما أن هذه الخطوة ستتطلب ضمانات أمنية قد لا توفرها الجزائر". 

 

كرونولوجيا تمثيل المغرب

احتمال عدم حضور الملك المغربي إلى القمة العربية في الجزائر يزكيه معطى "قرار" من أعلى سلطة في البلاد بشأن عدم الحضور الشخصي لمثل هذه القمم لعدم جدواها على أرض الواقع في لم الشمل العربي، حيث كانت آخر قمة حضرها الملك فعلياً القمة العربية التي التأمت في الجزائر العاصمة عام 2005.

وبين 2005 التي حضر فيها العاهل المغربي القمة العربية وبين 2022 جرت مياه سياسية ودبلوماسية كثيرة تحت جسر العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، لعل أكثرها حدة قرار قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب الجزائر، فضلاً عن تبادل الاتهامات بين الطرفين بخاصة بسبب ملف الصحراء المتنازع عليها بين المملكة التي تقترح حكماً ذاتياً في المنطقة تحت السيادة المغربية، وبين جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء وتحظى بدعم الجزائر.
ومنذ عام 2005 لم يحضر الملك المغربي شخصياً لأية قمة عربية، حيث إن جميع القمم العربية التي جرت بعد هذا التاريخ كان يحضرها إما شقيقه الأمير رشيد، أو رئيس الحكومة المغربية، أو وزير الخارجية، ومرة واحدة فقط التي مثل فيها المغرب وزير العدل خلال القمة العربية التي أقيمت في تونس 31 مارس (آذار) 2019 .
وشكلت سنة 2005 الأخيرة التي حضر فيها العاهل المغربي القمة العربية، وبعدها حضر شقيقه الأمير رشيد القمة العربية في العاصمة السورية دمشق سنة 2008، وأيضاً القمة العربية في السعودية سنة 2012.
وفي القمة العربية التي احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة عام 2013 لم يمثل المغرب سوى وزير الخارجية آنذاك صلاح الدين مزوار، الذي حضر أيضاً القمة العربية التي أقيمت في عمان، ولم يلق خلالها أي خطاب من الوفد المغربي.
وكان المغرب واضحاً منذ عام 2009 في هذا الموضوع عندما أصدر الديوان الملكي بلاغاً بخصوص عدم حضور الملك شخصيا إلى القمم العربية، عندما انتقد "الاختلالات التي تطبع العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية"، متطلعاً إلى عقد قمة للصحوة العربية، وتجديد العمل العربي المشترك والتضامني، باعتباره السبيل الوحيد لإعادة الأمل للشعوب العربية"

 

قمم غير منتجة

في سياق متصل، يرى الدكتور الحبيب استاتي زين الدين، أستاذ العلوم السياسية، أن تعاطي المغرب مع القمم العربية السابقة كان دائماً موسوماً بثلاث ملاحظات جوهرية، الأولى تحيل إلى العقيدة الدبلوماسية للمملكة القائمة على المصلحة المشتركة والوضوح والاحترام المتبادل.

ويشرح استاتي زين الدين، بأن هذه المعايير العقلانية الثلاثة أصبح ينظر من خلالها إلى بلدان العالم، ومنها العربية، سواء على صعيد علاقاته الثنائية معها، أو على مستوى شمولي مع مختلف الدول. 
وتابع "صدق الصداقات ونجاعة الشراكات هو مقياس الروابط المتينة إن هي فعلاً كانت كذلك، وطبيعي أن ينبه المغرب أصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة بأن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تأخذ في الحسبان تعزيز أمنه واستقراره، بما فيها وحدته الترابية التي تعد بالنسبة إليه قضية وجود وليست مسألة حدود، مع العلم أن مغربية الصحراء لم تكن يوماً، ولن تكون أبداً مطروحة فوق طاولة المفاوضات والمزايدات". 
وقياساً على هذا التصور، يضيف المحلل ذاته، ما عادت الدبلوماسية المغربية تريد أن تكون القمم العربية غير منتجة لمواقف وقرارات تدعم رفاه الشعوب العربية وتحضن ذكاءها، أو مجرد أجندة مناسباتية، تحضر فيها العواطف، وتؤدى فيها الخطب وينصرف كل واحد إلى حال سبيله دون أثر ملموس في الكرامة العربية وتحالفاتها الجيوسياسية".

 

البيض في سلة واحدة 

أما الملاحظة الجوهرية الثانية، يردف استاتي، فترتبط بالواقعية نظراً إلى التغيرات والظروف الصعبة الداخلية والخارجية، الواقعة والمتوقعة، التي تمس العالم ومنها المجموعة العربية، ما يعكس تنويع المغرب لمجال الشراكات في السنوات الأخيرة، وميله إلى عدم وضع بيضه في سلة واحدة".

وأضاف أنها "إشارة جادة إلى كون المملكة تمني النفس بأن تشكل القمم العربية صحوة تراجع فيها الحسابات وتضع ضمنها مخططات ذات طبيعة شمولية، وتتخذ في إطارها قرارات تبني شراكات مثمرة ودائمة، وتحمل صبغة تنفيذية يمكن أن تغير واقع الانقسام والفرقة اللذين يعكسهما واقع عديد من العلاقات العربية".  واسترسل زين الدين "هذه حقيقة لا تخفيها الدبلوماسية المغربية، بل وعبرت عنها صراحة في عديد من المناسبات ليس من أجل إعطاء الدروس، وإنما لدق ناقوس الخطر والتصرف بحكمة وبعد نظر كما هو الشأن بالنسبة إلى العلاقة المتميزة للمملكة المغربية ومجلس التعاون الخليجي".
والملاحظة الثالثة، وفق استاتي، تتصل بالتطلع إلى المستقبل ووحدة المصير، باستحضار أن العالم العربي يمر اليوم بفترة عصيبة مطبوعة بالتردد وعدم اليقين، على رغم الموارد والإمكانات التي يزخر بها".
وخلص أستاذ العلوم السياسية أن "ما تعيشه بعض الدول ليس استثناء، وإنما يدخل ضمن مخططات مبرمجة تستهدف الجميع، لا سيما أن بلداننا أكثر حاجة حالياً لوحدة ووضوح المواقف بين كل الدول العربية، فإما أن تكون هذه الدول جميعاً كالجسد الواحد والبنيان المرصوص، يشد بعضهم بعضاً، أو ستكون تابعة لغيرها."
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير