Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا قد تتبنى حصول كل البالغين على دخل أساسي من الدولة

يشمل مناصروه الفاتيكان ومبتكر الانترنت ورئيس بلدية مانشستر الذي يود تجربته في تلك المدينة

تواصل أزمة تكاليف المعيشة إبراز مدى انعدام فاعلية نظام الضمان الاجتماعي لدينا، هل نحن على أعتاب توفر أموال مجانية للجميع؟ (آي ستوك/ اندبندنت)

المكان مدينة "مانشستر الكبرى"، في وقت ما من العقد المقبل.

الزمان قرب نهاية الشهر، وقد تلقى الـ2.1 مليون بالغ الذي يعيشون هنا، على غرار ما يحصل كل شهر، 995.85 جنيه إسترليني (ألف و103.42 دولار) حولتها الحكومة للتو إلى حساباتهم المصرفية.

وفي مقابل ذلك لم يؤدوا أي عمل. إنه مال مجاني، من دون خفايا أو شروط. افعلوا ما ترغبون فيه. أنفقوه وفق ما تريدون.

بحسب أستاذ العلوم السياسية في "جامعة نورثمبريا"، ماثيو جونسون، "يبدو ذلك مفهوماً جذرياً. إنه كذلك بالفعل. لكن إذا نظرتم في التفاصيل، فإن ذلك من شأنه أن يحل مشاكل اجتماعية عدّة أعتقد بأن تجاهلها لم يعد ممكناً بعد الآن".

باتت مفهوم الدخل الأساسي الشامل التي يحصل بموجبها كل شخص فعلياً على دفعة من الدولة بهدف تغطية تكاليف المعيشة الأساسية، فكرة تنتشر بسرعة في أوساط التيار السياسي السائد. وينادي الآن أندي بورنهام، رئيس بلدية "مانشستر الكبرى"، بتلك الفكرة مشيراً إلى إنه يريد أن تُجرَّب في منطقته.

في تقرير نُشِر حديثاً وشارك في تأليفه جونسون ومولته مجموعة "كومباس" المتخصصة في الحملات والمنتمية إلى يسار الوسط، ورد إنه "من شأن تلك الخطوة أن تقلّص معدل الفقر إلى مستويات تكاد أن تكون غير مسبوقة، وتعالج التفاوت بين المناطق، وضمنها أيضاً، وتوفر لشبابنا أساساً لضمان حياة طيبة تدعم صحة عقلية طيبة".

استطراداً، يرى مؤيدو تلك الفكرة أن الدخل الأساسي الشامل سيؤدي إلى حياة أكثر سعادةً وصحةً وازدهاراً. وتشير دراسات إلى أن في مقدوره معالجة الحرمان، وتقليص الطلب على هيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، وتشجيع السعي إلى التحصيل التعليمي العالي. ولأنه يستطيع أن يحل فعلياً محل تعقيدات النظام الحالي في توزيع المنافع، فسيولّد يوماً ما شعوراً بالتماسك والمساواة الاجتماعيين، إذ ينال الجميع شيئاً، ولا ينال أحد أكثر من ذلك (إلا في ظروف محددة معينة).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يمكن لذلك أن يتحقق حقاً؟ وفي حين تواصل أزمة تكاليف المعيشة إبراز مدى انعدام فاعلية نظام الضمان الاجتماعي الحالي في المملكة المتحدة، هل نحن على أعتاب توفر أموال مجانية للجميع؟

حين بدأ الأستاذ ماثيو جونسون بحوثه حول مدى شعبية الدخل الأساسي الشامل في صفوف الناخبين في شمال المملكة المتحدة، لم يكن متأكداً من أن الإجراء يتمتع بجاذبية ضخمة.

إذ يشكك البريطانيون بإصرار في أي شيء مجاني. وقد تبيّن ذلك لدى [رئيس حزب العمال البريطاني السابق] جيريمي كوربين حين وعد بتوفير الإنترنت العريض النطاق مجاناً، قبل انتخابات عام 2019. كذلك يفهمون في شكل غريزي أن الفاتورة موجودة دائماً في علبة البريد.

وعلى الرغم من ذلك، اكتشف الأستاذ جونسون ومساعدوه وجود دعم ساحق للدخل الأساسي الشامل.

فوفق ما يفصله تقريرهم الذي حمل عنوان "كسب الانتخابات"، أيد ما يتراوح بين 70 و80 في المئة ممن استُطلِعَتْ آراءهم، الحصول على دفعة من ذلك النوع. وتبيّن أن الاقتراح الأكثر شعبية يتمثّل في الاقتراح المتخيل الذي ورد آنفاً، حيث يتلقى الجميع نحو ألف جنيه شهرياً.

لماذا؟ ربما يرجع ذلك إلى فهم واضح لحقيقة مفادها بأن المال لم يكن مجانياً حقاً.

ويشرح ماثيو جونسون ذلك الأمر، "يفهم الناس أن زيادات في المساهمات الضريبية ستُطبَّق بغية تمويل الإجراء. لكن الجاذبية تكمن في بساطة النظام المقترح، ومدى إنصافه. إذ يتمثّل ما شهدناه على مدى 15 سنة من الأزمات المختلفة بدءاً بالانهيار المالي [الأزمة المالية العالمية في 2008] وبكل تأكيد مع أزمة تكاليف المعيشة الحالية، يتمثّل في إدراك حقيقة مفادها أن خطر الفقر المدقع أوسع كثيراً مما بدا ذات يوم. يمكن أن يكون المرء صاحب وظيفة جيدة، ومع ذلك فقد يتوجب عليه الاختيار بين تدفئة منزله أو تناول الطعام. واستناداً إلى هذا، أعتقد بأن الناخبين يشعرون بأن دخلاً أساسياً شاملاً سخياً من شأنه أن يوفر الأمن الحقيقي للجميع، ويحمل في جوهره إحساساً بأن الجميع يحصلون على الشيء نفسه".

لا شك في أن المنافع المترتبة على نظام كهذا قد تكون عميقة.

وفق ورقة بحثية سابقة شارك الأستاذ ماثيو جونسون أيضاً في تأليفها، في مقدور دخل أساسي شامل فاعل أن يساعد في إخراج كثيرين من الحرمان، فينخفض معدل الفقر إلى أدنى مستوياته في 60 سنة. يضاف إلى ذلك إن تقديراً أكثر تحفظاً وضعه "معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية" عام 2021 اقترح أن برنامجاً كهذا يمكن أن يقلل شظف العيش بـ16 في المئة. ويقترح تيم بيرنرز- لي، الرجل الذي اخترع الإنترنت، أن ذلك الإجراء [الدخل الأساسي الشامل] يشكّل الطريقة الفضلى التي تخطر في باله بغية معالجة التفاوت. وكذلك أورد البابا فرانسيس إن دفعة ثابتة للجميع سوف "تضمن الكرامة".

وثمة أمر مهم أيضاً يتمثّل في أنه [الدخل الأساسي الشامل] يحفز النمو الاقتصادي، ويحسن النتائج التعليمية، ويولد ناتجاً ثقافياً. إذ أنه يمنح الناس قدراً أعظم من الأمن المالي، ويفتح لهم المجال لاستكشاف أفكار تتعلق بريادة الأعمال، وتعلم مهارات جديدة، ودراسة مؤهلات جديدة، والمشاركة في مشاريع فنية.

وفي حين يزعم معارضو ذلك النوع من الدخل أن فاتورة مشروع كهذا ستكون مؤلمة إلى حد انهمار الدمع من العيون، تظهر حسابات سريعة أن إعطاء كل إنجليزي بالغ 995 جنيهاً سيكلف أكثر من 40 مليار جنيه شهرياً، وهو مبلغ يرى مؤيدو ذلك الدخل إنه ثمن معقول.

 

كيف ذلك؟ تشير الأدلة إلى أن ضمان دخل الشخص يؤدي إلى تحسّن الصحة البدنية والعقلية، ويحد أيضاً من احتمالات سقوطه في براثن الجريمة.

وفي نهاية المطاف، سيوفر الدخل الأساسي الشامل، وفق هذه المحاججة، مبالغ ضخمة من المال للبلاد من خلال خفض عدد المشاكل الاجتماعية التي يتوجب التعامل معها بعد حدوثها. ومثلاً، يستطيع ذلك الدخل أن يطيح بالـ118 مليار جنيه التي تُنفَق على خدمات الصحة العقلية كل عام. ومن خلال تخليص "وزارة العمل والمعاشات التقاعدية" من أعباء كثيرة، سيوفر ذلك الدخل أيضاً مبالغ ضخمة من ميزانيتها السنوية التي تبلغ 200 مليار جنيه إسترليني.

في تعليق على الدخل الأساسي الشامل، ترى مسؤولة الحملات والمشاريع في مجموعة "كومباس" [التي تعمل في خدمات الضيافة]، لينا سويدلو، "لا ينبغي لنا أن نقترح أن ذلك الإجراء هو بمثابة الحل السحري للمشاكل كلها لأن لا وجود لشيء من هذا القبيل. لكن الفقر المدقع يكمن في قلب عدد من تلك المشاكل، سواء أكانت صحية أو تعليمية. وإذا وضعنا هذا الدخل الحقيقي بين أيدي الناس، فسيساعد ذلك في منع الفقر المدقع في المقام الأول".

ربما لهذه الأسباب كلها، التزمت أحزاب سياسية، بما فيها الديمقراطيون الليبراليون والخضر و"حزب ويلز"، بإجراء تجارب عن هذا الأمر. ويُزعَمْ إن عديداً من الوزراء في حكومة الظل العمالية تعجبهم الفكرة من الناحية النظرية. في ويلز، بدأت للتو تجربة عنه ستدوم سنتين تشمل أن ينال البالغون الشباب جميعاً حين يخرجون من الرعاية الأسرية، ألفاً و600 جنيه شهرياً لكل منهم. وفي الشمال الشرقي، ذكر جايمي دريسكول، رئيس بلدية "نورث أوف تاين" العمالي، إنه يرغب، على غرار بورنهام، في استضافة تجربة في منطقته.

وفي انتقاد لرئيسة الوزراء ليز تروس، يرى دريسكول أن "كل شركة أتواصل معها تخبرني أن ما تحتاج إليه كي تحقق النمو ليس خفض الضرائب، بل مزيد من العاملين المهرة. إنّ ما يمنحه الدخل الأساسي الشامل إلى الناس هو الحرية والوكالة اللازمتين في رفع مستوى مهاراتهم وزيادة فرصهم في الحصول على عمل، وزيادة إمكاناتهم في الكسب".

هل يقبل دريسكول بوصفه زعيماً سياسياً أن يُضخ ألف جنيه في حسابه كل شهر؟ يجيب بالإيجاب "لأن الإجراء مرتبط بالنظام الضريبي، لذلك فهو منصف تماماً للجميع".

ألا يرى أيضاً أن قبول المال قد يشكل ضرراً سياسياً؟ يجيب، "يحدث ذلك حصراً إذا طرح الناس أسئلة سخيفة".

مع أسئلة سخيفة أو من دونها، ليس الجميع مقتنعين بمفهوم الدخل الأساسي الشامل.

إذ يرى مناوئوه إنه من الصعب إدارة عملية الدفع الشامل، إضافة إلى إنه يثبط رغبة الناس في البحث عن عمل. في ذلك الشأن، يرى الزعيم المحافظ لمجلس "بوري" البلدي في "مانشستر الكبرى"، راسل برنشتاين، "على المستوى الفلسفي، أعتقد بأن الإجراء من شأنه أن يشجع الناس على عدم السعي إلى الحصول على عمل. على المستوى الاقتصادي، أعتقد بأنه سيكون باهظ التكاليف إلى حد كبير. لا أستطيع أن أرى منطقاً فيه".

من ناحية أخرى، جادل "مركز العدالة الاجتماعية"، المؤسسة البحثية التي أسسها السير إيان دنكن سميث [ترأس حزب المحافظين بين عامي 2001 و2003]، أن الدخل الأساسي الشامل لن يتمكن من تلبية احتياجات الدعم المعقدة لدى عدد من الأسر. ولأن بعض الناس كالمعوقون مثلاً، سيحتاجون إلى مساعدات مالية إضافية، يجب أن تظل عناصر كبيرة من نظام الرعاية الاجتماعية الحالي مستمرة على أي حال، وفق المركز.

في الشأن نفسه، يرى ماثيو باتن، مدير الشؤون السياسية والتواصل في ذلك المركز، "إذا افترضنا أن الهدف الرئيسي من الدخل الأساسي الشامل هو معالجة الفقر، فإن الأدلة بشأن قدرته على تحقيق هدفه هي قليلة أو معدومة".

قد تكون التجارب التي أُجرِيت في أماكن أخرى من العالم ذات صلة أكبر بالمناقشة. على رغم أن هذه التجارب أظهرت بعض النتائج الإيجابية، أشار برنامج استمر لسنتين في فنلندا إلى تحسن الصحة وزيادة الدافع إلى البحث عن عمل، لم تتواصل أي تجربة على الإطلاق أو تتحول إلى سياسة دائمة. وفق باتن، "إن مجموعة من الحجج التي تساجل لمصلحة الدخل الأساسي الشامل، قد لا تصمد على أرض الواقع".

إذاً، المكان مانشستر الكبرى، في وقت ما من العقد المقبل؟

الزمان قرب نهاية الشهر، وقد تلقى الـ2.1 مليون بالغ الذي يعيشون هنا 995.85 جنيه إسترليني (ألف و103.42 دولار) حولتها الحكومة للتو إلى حساباتهم المصرفية. يبدو من المستحيل الآن أن نتوقع إذا كان هذا السيناريو سيتحول إلى حقيقة أو يظل رغبة إلى الأبد. في المقابل، ثمة أمر يبدو مؤكداً هو أن المناقشة الدائرة حوله لن تصبح أكثر وضوحاً إلا في سنوات مقبلة.

نشر في "اندبندنت" 09 أكتوبر 2022

© The Independent