Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخيلوا فيلسوفا عربيا يتحدث عن اللباس والجسد!.. ها هو

ناصيف نصار يتجول مع عشتار بين العري والكرامة واقتناء الثياب والشعارات النسوية والإنجاب والدين

يعتبر نصار أن "كرامة الجسد من كرامة الشخص" (أ ب)

تخيلوا فيلسوفاً عربياً يتحدث عن اللباس والجسد. كثيرون يستبعدون هذا، وإذا ما قبلوه ربما يضحكون وربما يخافون، إذ يتخيلون شخصاً قديماً من عصر سابق يتكلم بلغة جافة ويقدم نظريات عن اللباس والجسد لا تنتمي إلى زماننا وعالمنا.

لكن ناصيف نصار في كتابه الجديد يحاول الانقلاب على ذلك، فنصار أحد أبرز المشتغلين في الفلسفة منذ خمسة عقود، يدرك أن الفلسفة عربياً في واد، و"الحياة اليومية" والإنسان - القارئ في واد آخر. ولهذا السبب يحاول تقليص المسافة بين الواديين وترميم العلاقة بين الفلسفة، و"الحياة اليومية" والإنسان - القارئ.

من هنا اختار اللباس والجسد كي يكونا عنصر جذب للإنسان – القارئ، ومساحة مفتوحة لاختبار "الفسلفة وقدراتها على قول شيء جوهري لا يقوله أي طراز آخر من التفكير... في ثقافة الإنسان وتاريخه" (الصفحة 20).

لا يقل أهمية عن هذه الخطوة الجريئة، أن نصار لا يقصر مهمته على اختيار العنوان الجاذب ثم يتناوله بالأساليب والمنهجيات التقليدية المعتمدة في الكتابات الفلسفية والأكاديمية، بل كأنه يدرك أن مهمة ترميم العلاقة بين الفلسفة والإنسان - القارئ و"الحياة اليومية"، تستوجب اعتماد أساليب أكثر مرونة وجاذبية وراهنية.

وقد اختار من أجل إنتاج نص ينتسب إلى "الفلسفة البسيطة" (38) الاستعانة بأسلوب القصة والحوار. فهذا الأسلوب، إضافة إلى دوره في تبسيط الكلام وترشيقه وتوضيح المضمون من خلال لغة تصالح ما بين الشفهي والمشغول، يؤنسن النص، ومعه الفيلسوف وعشتار. وهو ما يستثمره نصار بفاعلية، إذ لا يكتفي بجعل القصة - الحوار مساحة مشتركة بين الفيلسوف وعشتار، بل يحولهما مساحة ينزل الفيلسوف إليها من برجه وبحوثه الماورائية، وتنزل إليها عشتار (إلهة الحب والجمال في ثقافات عدة) من الأسطورة وعالمها.

وإذا كانت هذه هي الغايات المباشرة لاختيار نصار القصة - الحوار، فإن وراء ذلك دلالات عديدة، منها إعادة الاعتبار للحوار الذي هو أسلوب فلسفي تقليدي اعتمده كبار الفلاسفة، وفي مقدمتهم سقراط وأفلاطون، قبل أن يهجره أرسطو إلى التحليل وعمانويل كانط إلى النقد. لكأن هدف نصار يتجاوز اعتماد الحوار أسلوباً من أجل ترميم العلاقة بين الفلسفة والإنسان، ومن أجل أن تقول الفلسفة "شيئاً جوهرياً"، نحو استعادة الحوار الفلسفي من أجل أنسنة الفلسفة وإطلاق طاقاتها وتبيئتها في عالمنا وزماننا.

وهذا في جوهر التحدي الذي أخذه نصار على عاتقه، لا لينتمي إلى تيار تبسيط الفلسفة أو الفلسفة للجميع، مع آلان دو بوتون ولوك فيري وتيري أيغلتون وفريدريك لينوار وغيرهم، إنما مواصلاً بطريقة خاصة ما بدأه في "طريق الاستقلال الفلسفي" و"النور والمعنى" و"منطق السلطة" و"الذات والحضور" و"باب الحرية" و"الإيديولوجيا على المحك"...

 

 

قصة الكتاب

تقول عشتار "استمعت إليه للمرة الأولى وهو يلقي محاضرة عامة حول الفلسفة والحياة اليومية، فاهتزت مشاعري اندهاشاً وابتهاجاً، وانفتحت عيناي على نمط جديد من التفكير في حياتي... اتصلت به في اليوم التالي... وعبرت له عن تأثري الشديد وإعجابي بدفاعه الألمعي التنويري الشيق عن دور الفلسفة في معالجة القضايا الحياتية اليومية، المادية منها وغير المادية. فشكرني بلطف مسرور، وشجعني على استثمار ما أعجبني في مختلف المجالات التي أتحرك فيها، عائلياً ومهنياً واجتماعياً. فاقترحت عليه أن نخوض التجربة معاً، على سبيل التوسع والتدقيق في أطروحته، وذلك في حوار طويل يتناول بعمق إحدى القضايا الحياتية اليومية والمثيرة للجدل والسجال في حياتنا الراهنة. فلم يبد تجاوباً لأنه كما قال كان يعتزم الانصراف إلى بحث ميتافيزيقي جديد حول الاسم الذي ليس كمثله اسم. فألححت عليه وشرحت له رغبتي، ووظفت جميع الاعتبارات التي في حوزتي. وبعد أخذ ورد اتفقنا على المشروع في خطوطه العريضة، أي على أن يتناول الحوار مسألة اللباس وجملة ما يتصل بها أو تتصل به، بلا حدود مرسومة له سلفاً، وبعيداً قدر الإمكان من اللغة التجريدية الصعبة، وبلا توسع في المذاهب والنظريات المألوفة لدى أهل الاختصاص. وهكذا كان، توالت اللقاءات في منزله المتواضع، بصورة غير منتظمة، حتى سفره المفاجئ. وتشعب الحديث بعفوية منضبطة".

تتابع "ولما سألته في اللقاء الأخير عن مصير هذا الحوار، الذي لا بد من استكماله عاجلاً أم آجلاً، أذن لي بالتصرف به كما أريد ومتى أريد. فاحتفظت به أشهراً لا أعرف ما ينبغي أن أفعل به، أسباب مني ومن الظروف الخارجية، ثم اتخذت قراري فأعددته للنشر، باعتباره جزءاً من مشروع يعز علي إنجازه، ممتنعة عن إدخال أي تعديل على نصه المسجل، إلا العناوين فهي إضافة مني. وها أنا اليوم أضعه بين أيدي القراء، على اختلاف أوطانهم وطبقاتهم ومذاهبهم، على أمل أن يتمكنوا من الاستمداد منه، وفقاً لاختباراتهم وأوضاعهم واحتياجاتهم" (11).

لماذا "كتاب عشتار" وليس كتاب الفيلسوف؟

كأن دور هذه المقدمة يتعدى توضيح اللعبة "المسرحية" للكتاب نحو "تبرير" تنصل الفيلسوف من كتاب عن اللباس والجسد و"الحياة اليومية"، وينتسب إلى "الفلسفة البسيطة" و"بعيد قدر الإمكان من اللغة التجريدية الصعبة، ولا يتوسع في المذاهب والنظريات المألوفة لدى أهل الاختصاص".

فكما يبدو واضحاً، إن عشتار هي التي استدرجت الفيلسوف إلى هذا الحوار، بما يذكر بحواء وآدم. لكن الأهم من هذا هو ما تقوله عشتار التي ليس عابراً أن تحمل الاسم الأسطوري وتعمل ممثلة، عن "استثمار" ما سمعته من الفيلسوف في "مختلف المجالات التي تتحرك فيها، عائلياً ومهنياً واجتماعياً"، وعن "اغتناء" تفكيرها "بصورة فاقت جميع توقعاتي، فبت أمتلك نظرة واضحة ومتماسكة إلى اللباس كظاهرة إنسانية كونية، بأبعادها ومستلزماتها وأصولها في بنية الذات المتجسدة، قبل أن تكون قضية اجتماعية أو سياسية قابلة للاستغلال والتوظيف في هذا الاتجاه أو ذاك. وأمتلك في الوقت عينه ما هو أهم، أعني تصوراً إجمالياً لقيمة الدور الخاص الذي يمكن أن يؤديه النظر الفلسفي في قضايا الحياة اليومية، قياساً على قضية اللباس. وهذا بالنسبة إلي كسب عظيم وكنز لا يفنى".

وهنا يكمن مفتاح لماذا هو "كتاب عشتار" وليس كتاب الفيلسوف. فنصار يريده أن يكون كتاب الإنسان - القارئ، ابن "الحياة اليومية" الذي يستمع إلى الفيلسوف فيغتني تفكيره ويمكنه أن يستثمر ذلك "في مختلف المجالات التي يتحرك فيها، عائلياً ومهنياً واجتماعياً". هذه هي مهمة الكتاب، ولهذا تقصد نصار أن يكون بسيطاً يوفر للإنسان - القارئ فرصة أن يمتلك "تصوراً إجمالياً لقيمة الدور الخاص الذي يمكن أن يؤديه النظر الفلسفي في قضايا الحياة اليومية".

وانطلاقاً من هذا، أي من خروج الفيلسوف المنصرف إلى البحوث الميتافيزيقية من عالمه الواقع بين بيته القديم المتواضع والجامعة القريبة، ومن خروج عشتار من الأسطورة لتغدو ممثلة من هذا العصر تحمل معها تصورات وأسئلة عن الحياة الشخصية والاجتماعية والمهنية، يطلب الفيلسوف الذي لا اسم له (هو "الحكيم النبيل") من عشتار، التي تمثل الإنسان - القارئ، أن "تحسن الظن بالفلسفة وبقدراتها على قول شيء جوهري لا يقوله أي طراز آخر من التفكير في مسائل اللباس والعري ومكانتهما في ثقافة الإنسان وتاريخه" (20).

 

 

"لماذا لسنا عراة؟"

بعد هذا التقديم ومن أجل تناول ينطلق من "البداية" ثم يتوسع ليشمل العناوين والأبعاد التي لا يصل إليها ولا يقولها إلا التفكير الفلسفي، يعود الحوار إلى سؤال "لماذا لسنا عراة؟". والأهم من هذا أن الحوار لا يقوم على أجوبة جاهزة، بل تحركه الأسئلة وتقوده. وحتى الفيلسوف يسأل، وأحياناً يعترف، بلا تردد أو خجل، بأنه لا يملك جواباً (13). وعلى رغم أن الحوار مشدود إلى القول الفلسفي، إلا أن القصة وعناصرها البسيطة في الكتاب ترسم ملامح علاقة معرفية "عذرية" بين عشتار التي لا تنسى هويتها الأسطورية، إلهة الحب والجمال، وبين الفيلسوف، وإن كان لا يعبر عن مشاعره وبالكاد يفصح عن قلق على ما هما في صدده بسبب تأخر مجيء عشتار.

وإذ لا يمتلك الفيلسوف جواباً عن سؤال "لماذا لسنا عراة؟"، يرمي الكرة في ملعب عشتار من خلال سؤالها "كيف تسلل هذا السؤال إلى تفكيرك، وما الذي حملك على طرحه، أو بالأحرى ما الذي دفعه إلى وعيك وجعله يلاحقك، كما تقولين، منذ طفولتك؟".

ولعل الفيلسوف الذي يبدو أنه "يتهرب" من الإجابة أو يؤجلها، يريد من خلال رمي الكرة في ملعب عشتار أن يجعل لها هوية إنسانية، وأن يبدأ بنسج خيوط الحكاية وجذب القارئ. وعبر هذا يجعل القول الفلسفي مرتبطاً بالحياة اليومية وليس مجرداً. وإذ يؤنسن عشتار التي تحكي عن طفولتها ومجتمعها، تغدو ممثلة للناس والمجتمع والعصر، تغدو القارئ، ويغدو الحوار الفلسفي ومضمونه شأناً يخص الإنسان ومرتبطاً بالمجتمع والعصر.

وبعد هذا يحتفي الفيلسوف بعبارة عشتار "المساواة في العري عند الولادة" (15). ويعتبر أن هذه العبارة مفتاحية لفهم اللباس والعري وظاهرتهما، فـ"العري حالة انكشاف تضعها الطبيعة في عهدة الإنسان منذ لحظة ولادته، في حين أن اللباس حالة تغطية مخصوصة يصنعها الإنسان ويتعهدها في إطار الثقافة" (18).

ويقول الحكيم الذي خبر التجول بين أفلاطون وابن خلدون وماركس وصحبهم "عندما لجأ الإنسان في وقت ما من تاريخه القديم إلى تغطية جسمه بدأت ثقافة اللباس، وها نحن اليوم ما زلنا نتعهد العناية بهذه الثقافة ونستخدمها وفقاً لاحتياجاتنا ومعتقداتنا وأذواقنا، ولما كان ألزم شرط لإجراء التغطية هو توافر الغطاء، أي الرداء المناسب للامتداد حول الجسم، فإنه من المنطقي أن تهتم ثقافة اللباس بالمادة أو بالمواد التي يصنع منها الغطاء في ضوء اهتمامها بما من أجل تريد التغطية" (27).

ويوضح "التغطية بمعناها البسيط ليست سوى بسط غطاء على شيء معين بطريقة معينة لغرض معين، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجسم البشري، فإنه من الواضح أن مفعول التغطية يجري في منطقتين داخلية وخارجية. الداخلية تقع بين الجسم واللباس، والخارجية تقع بين اللباس وجملة المحيط الذي يتفاعل معه حامل اللباس، سواء أكان المحيط الطبيعي أم المحيط الاجتماعي. فماذا يعني ذلك، قبل أي تحليل لما يجري فعلاً في المنطقتين؟ إنه يعني أن التغطية عملية عزل، وأن اللباس أداة عزل يصطنعها الإنسان بين جسمه ومحيطه، ويربط بها مفاعيل مختلفة، بعضها حسي، وبعضها الآخر غير حسي، فيصبح العزل، بحسب هذه المفاعيل، حجباً أو ستراً أو صيانة أو ما شابه ذلك، والعازل حجاباً أو ساتراً أو حافظاً أو ما شابه ذلك. وهكذا فإن المفعول المباشر للتغطية باللباس على جسم الإنسان ليس هذا الإحساس أو ذاك، بل العزل، ومن العزل تنشأ مفاعيل متعددة، في اتجاه إيجابي في حالات معينة أو في اتجاه سلبي في حالات أخرى" (28).

 

 

الوظائف المرتبطة بالثياب

والآن هنا يدعو "الحكيم النبيل" إلى التمييز "بين نوعين من الوظائف المرتبطة باستخدام الثياب، الوظائف الأساسية العامة والوظائف الإضافية الخاصة، ما يبتغيه الناس إجمالاً من ثيابهم في الاحتفالات والأعياد والمزاولات المهنية أو في بعض الحقول من نشاطهم الاجتماعي، يختلف عما يبتغونه منها في مجرى الحياة العادية، ولكن مهما يكن من خصوصيات الحياة العادية، فإنها لا تجرد الملابس من وظائف ثابتة معها في جميع الأحوال والظروف، كالحماية الضرورية للجسم من تأثيرات المناخ والطقس السلبية" (35).

ويرجح "أنه يمكن إرجاع الوظائف الأساسية العامة التي تفرض نفسها على ثقافة اللباس إلى ثلاث وظائف، أقترح تسميتها بالوظيفة الصحية والوظيفة التشكيلية والوظيفة الأخلاقية. فكل لباس يؤدي، بكيفية أو بأخرى، وظيفة متصلة بالصحة، ووظيفة متصلة بالشكل، ووظيفة متصلة بالأخلاقيات. والفن كله يدور على الكيفية التي تجتمع بها هذه الوظائف وتتكامل" (35).

ويقول إنه "ليس من الخطأ الاعتقاد بأن الوظيفة الصحية تتقدم على غيرها من الوظائف في المجرى العام لظاهرة اللباس. إن حماية الجسم من مخاطر البيئة الخارجية ضرورة حياتية أولية، لا أظن أن أحداً يستطيع الشك فيها، وإنما يمكن الشك والجدال حول طبيعة ضرورتها ومداها. وما دامت هذه الضرورة قائمة، فإنه من الخطأ في اعتقادي أن نربط الموقف منها بافتراضات تتعلق بكيفية نشوئها في تاريخ الإنسان القديم، أو بإمكانية تجاوزها في مستقبل البشرية. نحن نعيش تحت حكم منظومات من المخاوف والاحتياجات، في مقدمتها تلك التي تتعلق بالجوع والمأكولات، وتلك التي تتعلق بالعري والملبوسات، وتلك التي تتعلق بالعراء والمساكن. ونحن نسعى على الدوام إلى التجاوب مع مقتضيات تلك المنظومات بالوسائل المناسبة الممكنة التي نتزود بها من مخزون الثقافة. ولذلك ليس من تناقض في ربط ظاهرة اللباس كحالة ثقافية بوظيفة أصلية مضمونها بيولوجي" (36).

ولا يتردد الحكيم في اعتبار أن الوظيفة الأساسية العامة لارتداء الثياب بعد الوظيفة الصحية هي تحسين الشكل. و"لا شك في أن التحسين وجه من وجوه التعاطي مع اللباس" (40). ويرى أن العناية بالشكل هي "ترتيب الحدود بين المطلوب حجبه والمطلوب كشفه بالنسبة إلى الجسم كله... وقضايا الحدود في نشاطات الإنسان مليئة بالمشكلات، وبخاصة إذا كانت طبيعة الحدود من النوع المتحرك المتموج مع تبدل الظروف والمناسبات. والحدود التي نتحدث عنها ليست مكتوبة على خريطة الجسم. إنها تخرج إلى الوجود من مخيلات الناس واصطلاحاتهم، وفقاً لاعتبارات متعدددة، بعضها ذاتي كالرغبة والذوق، وبعضها موضوعي كالعمر والجنس. ولكل اعتبار وزنه ومستتبعاته" (43).

عند هذا يصل الفيلسوف، أو بالأحرى تنقله عشتار، إلى الحديث عن الوظيفة الثالثة الأخلاقية، فيقول "لننظر جيداً في لعبة الحجب والكشف... ما قواعدها؟ وما مرتكزها في الأصل؟ الجواب الفوري هو أنها متوقفة على إرادة اللاعب بها، فاللاعب هو في المبدأ من يقرر ما يريد حجبه وما يريد تركه مكشوفاً من جسمه، وهو يتحمل مسؤولية ما يقرره، ولكن كيف يتخذ اللاعب قراره هذا؟ هل يتخذه بحرية مطلقة؟ أليست لعبة الحجب والكشف في ارتداء الملابس كأي لعبة غيرها خاضعة لقواعد محددة؟ يجيب تحليل الوظيفة التشكيلية أن ثمة قواعد متصلة بقيمة الجمال تراعيها بدرجة أو بأخرى جميع الأطراف الداخلة في صناعة الملابس واستهلاكها. فمن هذه الجهة، ليست لعبة الحجب والكشف في ارتداء الملابس راجعة إلى حرية مطلقة، ولكن من الواضح أن القواعد الجمالية لا تتحرك إلا بعد أن يكون اللاعب قد حدد ما يريد حجبه وما يريد كشفه من جسمه. فكيف يتم هذا التحديد؟ هل حرية اللاعب أمام مباح مطلق؟ إذا اتفقنا على أن هذا السؤال لا يشمل إمكانية الامتناع الكامل عن الحجب، فإننا نجد أنفسنا مضطرين إلى وضع حرية اللاعب أمام واجب، بدلاً من وضعها أمام مباح. وذلك انطلاقاً من أن الملبس، مثله مثل المأكل والمسكن، ليس من الجائزات التي يصح وجودها كما يصح عدمه. فالضروري للحياة في هذا المستوى يتخذ بالضرورة شكل الواجب. ولذلك أميل إلى القول بأنه من الواجب، وليس من المباح، أن يمارس الإنسان لعبة الحجب والكشف في ارتداء ملابسه، وأن يمارس ترتيب الحدود في هذه اللعبة على أساس استتباع ما يمكن أو يحسن حجبه لما يجب حجبه، وما يمكن أو يحسن تركه مكشوفاً لما يجب تركه مكشوفاً" (45).

ويتابع "في موازاة حماية الجسم من بعض المخاطر التي تهدد سلامته من البيئة الطبيعية، يؤمن ارتداء الملابس حماية الشخص من بعض المخاطر التي تهدد خصوصيته وكرامته من البيئة الاجتماعية. والوصف الدقيق لهذه الحماية يقول إنها حماية الكرامة الشخصية على مستوى الجسد في مواجهة الآخرين. ففي المنظور الأخلاقي يتحول الاعتبار من الجسم إلى الجسد، لأن القضية المركزية لهذا المنظور هي قضية الكرامة الشخصية التي لا ينقضها إطلاقاً الوجود مع الآخرين، ويكتسب الجسد في ظلها خصوصية بارزة بين خصوصيات الشخص بكاملها في وجوده مع الآخرين، ولذلك تتحدد الوظيفة الأخلاقية لعملية ارتداء الملابس بمقدار ما تسهم به في الحفاظ على كرامة الشخص وخصوصيته بوصفه ذاتاً متجسدة في مواجهة غيرها من الذوات المتجسدة" (46).

 


وفي سياق عرض الوظيفة الأخلاقية للباس يعرف الحكيم الكرامة، و"هي أن يكون الإنسان محط تقدير واحترام بوصفه إنساناً، أي بما هو كإنسان، أو كما يقولون بلغتهم الخاصة، بما هو في ذاته ولذاته، لا لشيء آخر غير ذاته. فكم هو عظيم، وكم هو عسير، أن تكون الكرامة مرجعاً ومعياراً لحياة الإنسان بينه وبين نفسه، ثم بينه وبين الآخرين. ولما كان الإنسان، بما هو إنسان، كائناً ذاتياً تنقسم ذاتيته، في وحدته الكيانية، إلى ذاتية جوانية، هي ما يستأثر في العادة باسم النفس، وذاتية برانية، هي ما يطلق عليه اسم الجسد، فإن الكرامة التي يتمتع بها إنما تأتي على مستوى ذاتيته الجوانية من جهة، وعلى مستوى ذاتيته الجسدية من جهة أخرى. ومعنى ذلك أن الحفاظ على الكرامة هو التصرف على أساسها، انطلاقاً منها ورجوعاً إليها، وحماية الكرامة هي أولاً منع كل ما يؤدي إلى تدهورها أو إلى النيل منها بأي صورة من الصور، وتالياً العمل على تحسين ممارستها. وبناء عليه، فإن حماية الكرامة الجسدية ليست سوى واجب للحؤول دون ما يتهددها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في طبيعتها أو في منزلتها من وجود الإنسان" (49).

التشييء والتسليع

ومن هذه النظرة "الأخلاقية"، يدين "الحكيم النبيل" "التشييء"، الذي يعرفه بأنه "عملية تشويه وانحطاط تقوم على تجريد الإنسان من استقلاليته وحريته وسيادته على نفسه، وتحويله إلى مجرد أداة للاستخدام والاستهلاك" (49). وإذ يعتبر أن "التشييء نفي للكرامة، ولا يصح الحديث عن اعتداء على الكرامة إلا انطلاقاً من أنها موجودة"، يصف التشييء بأنه "الشكل الأقصى للاعتداء".

ويثير هذا الموقف فضول عشتار التي تقرأ "إشارة ضمنية إلى ما يسمى في هذه الأيام تسليع الإنسان، وبخاصة تسليع جسد المرأة"، فتسأل عن العلاقة بين التشييء والتسليع.

ويجيب الحكيم بأن "التسليع نتيجة من نتائج التشيء. وقد أعطاه المجتمع الرأسمالي مدى تجاوز إلى حد بعيد كل ما عرفه في المجتمعات الأخرى" (50).

وهنا تفتح له عشتار الباب للحديث عن علاقة الكرامة بالعري وباللباس، فيقول "الجسد العاري أمام الآخرين بلا قصد محدد ومسوغ يضع كرامة الإنسان والشعور بالكرامة في حالة شديدة الالتباس والاضطراب والخلل، إذ إنه يتيح إمكانية النيل من التراتب الطبيعي الذي يمنح الذاتية الجوانية، ذاتية الوعي والفكر والحرية والشعور والرغبة وما إليها، تقدماً حاسماً على الذاتية البرانية، ذاتية الجسد وصفاته وأعضائه ووظائفه. وذلك بطريقة التركيز بأعين الناظرين إليه على قيمته المنظورة بدلاً من التركيز على قيمة الذات / الأنا المحجوبة به، وتالياً بطريق تحديد الموقف العام من كرامة الشخص الذي هو جسد له من دون اعتبار صحيح لكرامة الذات / الأنا وحقها في الأسبقية والمرجعية. وهذا يشكل في حد ذاته اعتداء جسيماً على كرامة الشخص من أصلها. ولك أن تتخيلي ما يمكن أن يجر إليه من اعتداءات أخرى مخصوصة. ولما كان الإنسان يأبى التخلي عن كرامته كذات أصلية، مع تسليمه بأنه ذات متجسدة وموجودة مع ذوات أخرى متجسدة مثلها، وهو لا يملك أن يفرض على الآخرين كيف يجب أن ينظروا إليه عارياً، ولا بالطبع كيف يجب أن يتأثروا بنظرتهم، فقد بات من واجبه أن يبادر إلى أهون الوسائل التي بين يديه، أي حجب جسده عن أنظارهم، حتى يحملهم على التعاطي معه عبر الوجه، وجهاً لوجه وعيناً بعين، لأن الوجه المكشوف بكامل أجزائه هو الطريق الإجبارية للتواصل المباشر بين الذوات الاجتماعية. وهكذا فإن ارتداء الملابس لا يمنع منعاً تاماً إمكانية الاعتداء على الكرامة، بل يمنع فقط تلك المتعلقة بالالتباس الخطير الذي تحشرها فيه حالة العري بلا إطار محدد حولها. على أن الأمر لا يتوقف هنا. فقد يكون من مصلحة الفرد، بعيداً من وضع الالتباس الذي نتحدث عنه، أن يصطنع الملابس حول جسده، إما لستر معايب أو أشكال لا تثير الإعجاب، وإما للتمتع بزي جميل يتزين به، وإما للقيام بمهمة خاصة متوجبة عليه. فكما أن حماية الكرامة بواسطة اللباس تأتي لتجنب بعض المخاطر التي تعددها، كذلك يمكنها أن تأتي من أجل تعزيزها وتقوية الشعور بها حيث تدعو الحاجة" (52).

 

 

الحشمة

وليس غريباً أن يفضي هذا الكلام الأخلاقي عن الكرامة والتشييء والتسليع، ونقد "المجتمع الرأسمالي"، وقبل ذلك عن "المساواة في العري عند الولادة" واللامساواة في المجتمع الطبقي، إلى "فضيلة" الحشمة لكونها "تطبيقاً لواجب أخلاقي يفرض على الإنسان أن يرتدي الثياب بكيفية معينة وحدود معينة حفاظاً على كرامته في وجوده مع الآخرين" (56). ويؤكد الحكيم أن "مرجع الحكم التقييمي حول الحشمة إنما هو ملكة من ملكات الفكر الأخلاقي تسمى الذوق. وبيانه ينطلق من أن اللائق بين الناس شرط من شروط عيشهم المشترك على اختلاف مستوياته، فاللائق هو المقبول الذي لا يثير التحفظ والاستهجان، لأنه بالتحديد مستحسن ومستحب. وليس لأنه ضروري فحسب. واللائق من الثياب مستحسن لأنه لا يحرج الشعور بالكرامة. وهو بالضرورة مرتبط ببيئة اجتماعية معينة، لأن الأفراد لا يخترعون في كل لحظة كيفية وجودهم معاً. وعليه فإن الحشمة ترجع إلى ما يدرك ويميز في عملية ارتداء الثياب بين ما يجرح الشعور بالكرامة، وبين ما يصون الشعور بالكرامة وهو الذوق، ولذلك لا يصح تفسيرها بطغيان الجماعة والتقاليد على الفرد، وإخضاع البيئة الاجتماعية بعاداتها وأعرافها للإرادات الفردية، بل ينبغي القول إن ما يليق وما لا يليق من كيفية ارتداء الثياب لا يتقرر بالعادة والتقليد، بل بالذوق الذي يكمن وراء العادة والتقليد، وهذا ما يعنيه الناس إجمالاً عندما يتحدثون عن الحشمة بلغة الذوق مع ميل إلى تغليب الذوق العام على الذوق الفردي الخاص، فيقولون مثلاً عن إنسان يخالف المألوف من الحشمة في بيئتهم إنه يتصرف بلا ذوق أو بقلة ذوق" (58).

وإذ ترى عشتار أن الحكيم "يتفهم الرأي العام المؤيد لفضيلة الحشمة، يعبر عن سروره بأن يكون "ثمة رأي عام مؤيد لفضيلة الحشمة". ويقول "يسعدني أن أكون من المساهمين في توضيح مفهوم الحشمة وقيمتها، ولا يهمني أن يكون موقفي داعماً للتيار المحافظ أو للتيار التقدمي إلا عرضاً" (59). ويوضح أن "الأهم في الموقف الأخلاقي ليس أن يكون محافظاً، أو أن يكون تقدمياً، بل أن يكون صحيحاً. والموقف الأخلاقي الصحيح محمول بصفة عامة على الفضيلة، ولذلك نقول إذا كانت الحشمة هي الفضيلة في كيفية ارتداء الثياب، فإن الدعوة إلى ممارستها حيثما يقع التغافل عنها هي بالضرورة دعوة تقدمية، والدعوة إلى التمسك بها حيثما يقع احترامها هي بالضرورة دعوة محافظة. ولعل الطريقة التقليدية التي ترقى إلى أرسطو التي تحدد الفضيلة بالوسطية، مع أنها غير قابلة للتعميم على جميع الفضائل، إنما هي أفضل الطرق لدعم الوعي بصحة الحشمة كفضيلة اجتماعية تطبيقية، كالتهذيب والأمانة والكرم والتواضع وما أشبه. ففي ضوء هذه الطريقة ندرك أن الحشمة موقف وسطي بين المغالاة في التغطية والمغالاة في التعري، أياً كان الاسم الذي نطلقه على كل واحد من هذين النوعين من المغالاة" (60).

 

 

التفاوت في اقتناء الملابس

وبناء على هذا الفهم للحشمة يؤسس الحكيم لقراءة ظاهرة التفاوت في اقتناء الملابس واستهلاكها، من زاوية الحرص على روح العدل والاعتدال في سياسة اللباس. ويرى أن ظاهرة التفاوت هذه "لا يمكن القضاء عليها بل يمكن ضبطها وتهذيبه، ومن المنطقي جداً أن تندرج عملية ضبطها وتهذيبها تحت فضيلة الحشمة والاحتشام، وفي الواقع ثمة أسباب كثيرة تغذي الرغبة في اقتناء الثياب وتنويعها واستهلاكها والتفاخر بها، والمجتمع الاستهلاكي يبذل مجهوداً كبيراً لتضخيم تلك الأسباب ومفاعيلها، ولكن كما يجب أن نستعين بالعقل النقدي للتصدي لتيار الليبرالية الشهوانية في كيفية ارتداء الثياب، كذلك يجب أن نستعين بالعقل النقدي نفسه للتصدي لتيار الرأسمالية الاستهلاكية في عملية اقتناء الملابس واستهلاكها، فالتأثيرات السلبية للمغالاة في هذه العملية بدءاً بالتلوث الخطير الذي ينتج من صناعة الأنسجة، تمتد بصورة خبيثة إلى جميع مرافق الحياة الاجتماعية. والاعتدال في شأنها إنما هو في الحقيقة مسلك يجري في فضاء الحشمة والاحتشام، مسلك يصون المرء من الانجرار وراء التباهي بالمظاهر ونسيان القيم الحقيقية في الحياة، ويسهم بذلك في توفير قدر أكبر من الصدق مع الذات والطمأنينة الداخلية" (65).

جسدي يخصني

هي عشتار "الممثلة المحبة للحكمة" من يقود الحوار، أم هو الحكيم يصر على دفعه نحو آفاق أوسع بقدر ما هي تفاصيل؟ لا فرق، المهم أن الحوار يتوسع ويتركز في آن معاً. وها هو يصل إلى شعار مركزي بالنسبة إلى الحركة النسوية: "جسدي يخصني". ومعه يشتد التجاذب بين عشتار والحكيم.

يقول "ثمة فارق كبير بين الثياب والجسد، وبون شاسع بين قولي: ثيابي، وقولي: جسدي، على الرغم من رهافة العلاقة بينهما... هل يمتلك الإنسان جسده كما يمتلك ثيابه؟ أعتقد، يا عشتار، أن الناس إجمالاً يدركون بالبداهة الفارق الملموس بين علاقتهم بالثياب وعلاقتهم بالجسد، ولكنهم لا يدركون أساس هذا الفارق وأبعاده ومستوياته على نحو عقلاني نقدي هادئ، انطلاقاً من تصور دقيق للامتلاك، او لنقل إنهم لا يأبهون كثيراً بهذا الإدراك" (95).

يتابع "عندما تقولين جسدي يخصني، فإنني أفهم من نبرة صوتك أن التشديد على يخصني يرمي إلى استبعاد كل حق لغيرك في التدخل بلغة الأمر والنهي في شؤون جسدك، على أساس أنك المالكة الوحيدة لجسدك. وهذا موقف لا أرى أي سبب للتشكيك فيه، ولكن عندما تقولين جسدي شيء يخصني، فإنني أبدأ فوراً بالشك والتساؤل عن معنى ما هو ظاهر وما هو مضمر في قولك. هل الجسد موضوع قابل للامتلاك كأشياء الطبيعة الخارجية؟ بأي معنى يصح وصف الجسد بأنه شيء؟ هل يمكن الاستغناء عن وصفه بأنه شيء بالمعنى المادي الاستهلاكي؟ وإذا كان لا مناص من ذلك، فهل يجوز الاكتفاء به؟ هذه الأسئلة يثيرها بالضرورة التفكير في الجسد بوصفه شيئاً موضوع امتلاك، ولكن العبارة تقول أكثر من ذلك، فهي تتحدث عن جسدي قبل أن تصفه بأنه شيء يخصني، فما معنى جسدي من دون وصفه المذكور؟ بكلمات أدق ماذا تعني ياء الإضافة في جسدي؟ إنها تعني أن ثمة جسداً، وأن هذا الجسد مضاف إلى متكلم يشير إلى نفسه بأنا، فإذا كانت الإضافة هنا تعني الامتلاك، فإنه امتلاك مباشر وسابق على الامتلاك الذي يريد أن يؤكده وصف جسدي بأنه شيء يخصني. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن امتلاك المتكلم لجسده متوقف فقط على كون هذا الجسد شيئاً يخصه، على نسبة صحة الشيئية في حقه، ومن الضرر الفادح طبعاً تصور الجسد كشيء من دون تصوره مضافاً إلى أنا" (100).

وتسأل عشتار "ما الفارق بين الامتلاك والإضافة؟"، ويرد بأنه "كما يحسن، بل يجب التفكير في خصوصية اللباس بالأساليب والمفاهيم الملائمة لها، يحسن بل يجب التفكير في خصوصية الجسد بالأساليب والمفاهيم الملائمة لها... وإذا اتفقنا على أن امتلاك الفرد لجسده ليس كامتلاكه لأي شيء من أشياء العالم من حوله فإنه من الضروري أن نكون مستعدين لدعم هذا الاتفاق عن طريق الانتقال من التفكير في خصوصية الجسد من خلال العبارة القائلة جسدي شيء يخصني إلى التفكير فيها من خلال العبارة القائلة جسدي هو أنا متجسدة. بين هاتين العبارتين، يوجد فارق كبير".

 

 

ويوضح العبارة الثانية "إنها تعني أن الفرد، إذ يتخذ جسده موضوعاً لوعيه، يدرك بالفعل نفسه أن جسده جزء لا يتجزأ منه. إضافة الجسد إلى الأنا ليست إضافة من الخارج، وإنما هي علاقة تقوم داخل الأنا، وتنبني في تفاعل معقد بين الداخل والخارج، وما هيتها أن الجسد يتماهى مع الأنا من دون أن يكون هذه الأنا بكليتها. ولذلك يمكننا أن نفهم الإضافة التي يعلنها الفرد بقوله جسدي كعملية دمج وتأليف بلا استكانة بين الامتلاك والكينونة. الجسد موضوع امتلاك للأنا، وهو في الوقت عينه بعد من أبعاد كينونتها. وهذا يعني أن خصوصية الجسد تكتسب حقيقتها ومعناها من طبيعة الجسد من جهة، ومن لعبة الأنا وتفتحها بالجسد من جهة أخرى. اليد التي تتحرك لا تتحرك من تلقاء نفسها، بل بإرادة من يحركها لتحقيق إمكان محدد. وفي هذا التحريك، لا ترجع اليد إلى مجرد وسيلة، وإنما هي شريكة بما هي عليه في إنجاز الحركة مع جميع ما يوظفه الفرد فيها من قدراته. فاليد تحمل الإمكان إلى الوجود الفعلي وتتوارى في الأنا من دون أن تنفك عن المشاركة في تحقيق إمكاناتها. وإذا صح ذلك فإنه من المسوغ لنا أن نقول إن الجسد لا يتلألأ فعلياً في كيان الفرد الحي إلا بوصفه أنا متجسدة، فاعلة أو منفعلة، أو فاعة ومنفعلة في آن معاً. وفي تكوين الأنا المتجسدة لا سبيل إلى الخروج من جدلية التماهي والتمايز بين الأنا والجسد. تلك هي حقيقة الوجود الذاتي لامتلاك الجسد. فأين نحن، والحالة هذه، من شيئية الجسد الذي يخص صاحبه؟" (103).

ويضيف "المسألة تعود إلى وجهة النظر والسياق في التعاطي مع الفرد البشري أو بالأحرى في تعاطي الفرد البشري مع نفسه ومع الموجودات من حوله. فإذا اصطلحنا على أن الفرد هو الشخص من وجهة عددية، وعلى أن الشخص هو الفرد من وجهة أخلاقية، فإننا نفهم بسهولة لماذا ترد عبارة الكرامة الشخصية أكثر من غيرها من العبارات المرادفة لها على نحو جوهري. ومهما يكن من أمر، فإن ما يعنينا هنا يدور على استخراج ما يترتب على القول بأن الجسد ليس مجرد وسيلة في كيان الفرد، بل هو شريك كامل الشراكة بما يوظفه الفرد في أفعاله وانفعالاته من قواه التي سميناه الذاتية الجوانية. وما نجده في هذا الصدد هو بكل بساطة ضرورة تطبيق مبدأ الكرامة على الجسد، أسوة بتطبيقه على الذاتية الجوانية. احترام الإنسان بوصفه إنساناً هو احترام له بوصفه ذاتاً جوانية، وفي الوقت عينه بوصفه ذاتاً متجسدة. كرامة الجسد من كرامة الشخص، لا لصفة نسبية ومتغيرة فيه كاللون والقامة، بل لذاته وصفاته في ذاته كالحرية والعقل والشعور بالإهانة" (106).

الجسد بين العلم والعقل... والفنون

انطلاقاً من إيمان الحكيم بأن "العقل أوسع من العلم في النظر إلى الجسد" (129)، يتحفظ على أن "يكون الاعتراف بالأهمية العظيمة للنظرة العلمية إلى الجسد سبباً للاعتقاد بأن علاقتنا المعرفية بالجسد مرتبطة بالعلم وحده" (128).

ويقول إن "العلم بمعناه الوضعي الدقيق ينظر إلى الجسد من الخارج حصراً، أي أنه يتعامل مع الجسد من الوجهة الشيئية باعتباره نوعاً من الأجسام الحية يمكننا دراسته بطريقة موضوعية منهجية حيادية، على أساس مبدأ السببية والمبادئ المكملة له. ثم نلاحظ أن الأنا لا تستطيع إلا التعامل إيجاباً مع مكتسبات العلم حول الجسد، لأنها تعلم وضع الجسد بين الأجسام الحية وتعلم أهمية الأبحاث العلمية حول شؤونه وشجونه. ولكنها لا تجد في العلم أجوبة عن جميع الأسئلة التي تنطرح عليها في تعامل الآخرين مع جسدها الخاص، وهي تنظر إليه من الداخل، لنفترض مثلاً أن الطبيب يقترح عليك طريقتين لعلاج مرض معين، أو للتعايش مع مرض معين. فهل تختارين إحداهما من دون مقارنة ودراسة متأنية لكل واحدة منهما، في ضوء واقعك وإمكاناتك ورغباتك ومشاعرك وآمالك؟ قطعاً، لا. وذلك لأن القرار قرارك، لا تريدينه قراراً اعتباطياً متسرعاً ومتهوراً، وأنت تعلمين أن العلم عاجز عن اتخاذ أي قرار من هذا النوع. وهذا يعني أن العقل له دور إداري في التعاطي العملي مع الجسد يختلف عن دوره العلمي في معرفته" (130).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلاحظ أن "الفنون تختلف كثيراً في ما بينها في تعاملها مع الجسد"، ويسأل "أين الجسد في الموسيقى؟ وأين الجسد في الرقص؟ وفي سائر الفنون واحداً واحداً؟ ولذا فإنه من المشكوك فيه أن يكون ثمة للفنون رؤية واحدة قوية في تعاملها مع الجسد، سوى ما ينبع من طبيعة العمل الفني، فالجسد في النظرة الفنية ليس مقصوداً كما هو في حد ذاته، بل بوصفه عنصراً من عناصر عمل فني محدد. هذه نقطة مركزية يقع حولها اختلاط كثير على رغم بداهتها، فلا بد من توضيحها تماماً عن طريق تحديد موقع الجمال فيها. فقد يذهب الاعتقاد إلى وجود ترادف بين النظرة الفنية إلى الجسد وبين النظرة الجمالية إليه، بسبب الارتباط الوثيق بين الفن والجمال، لكن الحقيقة هي أن الجمال في النظرة الفنية إلى الجسد صفة لعمل فني، وليست بالضرورة صفة للجسد المعتبر فيه. النقاش ممكن بل هو مفتوح حول طبيعة الجمال وطبيعة الفن كما تعلمين، ولكن لا نقاش في أن جمالية العمل الفني لا تقتضي جمالية الجسد المعتبر فيه إلا من حيث هو عنصر من عناصر تكوينه بحسب ما يريده الفنان منه. النظرة إلى الجسد من زاوية جمالية شيء، والنظرة إليه من زاوية فنية شيء آخر. وبعد أليس من المعروف أن البشاعة موضوع ممكن للفن؟" (132).

المساواة والإنجاب

ويغتني الحوار مع تفاعل عشتار وانطلاق الحكيم، وها هما يتناولان المساواة بين الجنسين. وإذ يعتقد الحكيم النبيل، في ما يخص العلاقة بين الجنسين وأدوار كل منهما، أن "الانهيار سيتم فعلاً في جميع المجتمعات، عاجلاً أم آجلاً"، يعتقد أنه "يترتب على الفلسفة أن تُسهم في تجديد الدفاع عن مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة مع التمسك بمبدأ المساواة الجوهرية بينهما، وذلك من أجل ثقافة جديدة تنصر التكافلية المتنورة والعادلة على الأنانية المتقوقعة والظالمة، بصورة علنية وحاسمة" (161).

وبعد حوار في شأن المساواة والتكامل، يحط الكلام عند الوالدية وإرادة الإنجاب، ثم عند الأم العزباء. يقول "انطلاقاً من الوجهة البيولوجية، إن إرادة الإنجاب إرادة تشاركية، إذ إنها لا تقوم من دون اتحاد مكونين، واحد من الرجل وآخر من المرأة، ولكنها في مسارها ومآلاتها لا تحفظ المساواة والتكامل بين الرجل والمرأة على المستوى نفسه من الوضوح والقوة والتأثير. إرادة الإنجاب لها تاريخها، قبل الإنجاب وبعده، وفي مراحل حصوله، وتاريخها شأن وجودي رهيب. ففي الأصل إنها تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة في وجود الرغبة في الولد، وفي التزامهما بتكوينه معاً. إلا أنها بعد ذلك توزع أدواراً مختلفة على الرجل وعلى المرأة، بسبب دخول التفاوت بينهما في المشروع، فيكون التكامل حيناً مع رجحان حصة المرأة، وحيناً آخر مع رجحان حصة الرجل، بحيث إن المساواة لا تلغي التكامل، والتكامل لا يلغي المساواة. وإذا لن تشتغل إرادة الإنجاب على هذا النحو، تعرضت الوالدية لشتى أنواع الاضطراب، وفي الحالة القصوى للتفكك والرفض والإلغاء" (164).

يضيف "إن قضية الإنجاب قضية من أخطر قضايا الحياة البشرية، لا بل هي أخطر تلك القضايا إطلاقاً. فلا يجوز التعاطي معها باستخفاف أو باختزال أو بسطحية، أو بالتنصل من المسؤولية. وقد لاحظت بلا شك أنني أفضل عبارة إرادة الإنجاب على عبارة الرغبة في الإنجاب، لأني أعتبر أن قضية الإنجاب لا ترجع إلى مجرد رغبة، ولا تتقرر بمجرد توافر رغبة، ولا تنال حقها نظرياً في فلسفة الرغبة وحدها. المستوى الحقيقي للنظر في قضية الإنجاب وللتنظير حولها، هو مستوى إرادة الحياة وفلسفتها، حيث تنطرح بالضرورة مع سؤال الرغبة، أسئلة الحرية والمسؤولية والعقل والأخلاق واستمرارية الحياة والماضي والمستقبل. إرادة الإنجاب ليست أقل من مغامرة بين ما هو كائن من وجود أنا متجسدة وبين ما تريده هذه الأنا أن يكون امتداداً وخلفاً لها من لحمها ودمها، بالتشارك مع أنا أخرى من الجنس الآخر، فهي ظاهرة نفسية بيولوجية اجتماعية خاضعة من حيث المبدأ لأخلاقية التشارك، ولكنها لا تخلو من صراع دائم مع أخلاقية الأنانية. وصراعها هذا هو جوهر تاريخها" (165).

 

 

الابتعاد عن تطلب المساواة

وتسأل عشتار عن المخاطر التي تهدد التشاركية الوالدية في ظل مكتسبات الحداثة، ورداً على ذلك يحدد نزعات سلوكية رئيسة يجب الابتعاد عنها ومحاربتها بالأساليب والطرق المناسبة، تربوياً وقانونياً وأخلاقياً وإعلامياً واقتصادياً، وهي "النزعة الأولى التي يجب الابتعاد عنها هي تطلب المساواة بين الرجل والمرأة في جميع ما يتعلق بالوالدية من جهة الأم ومن جهة الأب على السواء، أنا لا أرى سبباً كافياً لفرض المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع ما تقوم به المرأة بوصفها أماً وجميع ما يقوم به الرجل بوصفه أباً. هل من المعقول أن نذهب باسم المساواة إلى فرض التساوي في الحمل، إما عن طريق جعل الرجل قادراً عليه، وإما عن طريق تحرير المرأة بوسائل تكنولوجية تؤمن للجنين جميع ما يلزم لنموه حتى يبصر النور أو عن طريق وسائل أخرى؟ هل من المقبول أن نفرض باسم المساواة أن تكون مشاعر الأبوة ومشاعر الأمومة متساوية؟ وكيف نقيس المساواة في هذه الحالة؟ هل من المعقول أن نفرض باسم المساواة أن يكون عمر الوالد وعمر الوالدة متساويين، وأن يكونا متساويين في القدرة وأساليب تعاملهما مع أولادهما في الرعاية والتربية والحماية والتوجيه وما شابه؟ هل من المعقول أن نفرض باسم المساواة أن يكون مدخول الرجل ومدخول المرأة متساويين، أو أن تكون حصة المرأة مساوية لحصة الرجل في الإنفاق على أولادهما؟ وهل من المعقول أن يتفق الناس جميعاً على تفسير المعقول تفسيراً طوباوياً للإجابة عن هذه الأسئلة؟ لست أدري. ولكني في المقابل متأكد من أن اشتراط المساواة بين الرجل والمرأة في جميع ما يتعلق بالممارسة الوالدية ضرب من الجنون، ولذلك أعتقد جازماً أن محاربة المغالاة في إرادة تطبيق المساواة بين الأب والأم في الوالدية واجب أخلاقي يصون المساواة من الشطط، ويصب في مجرى التكامل السليم بينهما، علماً بأن التفوق مع المساواة في الكرامة وفي مستتبعاتها، ليس بالضرورة مضموناً للرجل في كل شيء. والحياة اليومية مليئة بالشواهد على ذلك" (167).

ويلاحظ أن "نزعة تقليص دور الرجل في الوالدية إلى الحد الأدنى الممكن هو بالفعل أخطر من نزعة المغالاة في تطلب المساواة بين الرجل والمرأة في مشروع الوالدية".

ويسأل "هل نريد مزيداً من المساواة أو أقل؟"، ويجيب "الأمر يتعلق بحسن اشتغال التشارك في الوالدية، أما تقليص دور الأب إلى الحد الأدنى الممكن، فإنه يتعلق برابطة التشارك نفسها، ويتجه في ظل تعاظم الإرادة الاستقلالية عند المرأة واستعداد الرجل للتنصل من مسؤوليته، إلى تحديد مشاركة الرجل في الوالدية بدوره البيولوجي فقط" (168).

ويقول "في عملية الإنجاب، ليست الوالدة ومصلحتها هي الغاية المحورية، بل الولد. لا شك أنه من الإجحاف إرجاع دور الوالدة إلى مجرد وسيلة. إلا أن إرادة الإنجاب تتضمن قبولاً بأن دور الوالدة يخدم غاية نتجاوزها، لأنه إعطاء الحياة في شكل أنا أخرى. وتبعاً لذلك، فإن الرغبة في الولد تخضع، بموجب غائيتها، لمنظومة الحقوق التي يتمتع بها من تعطيه الحياة. ولما كانت الوالدة لا تنفرد بإعطاء الحياة في شكل أنا أخرى، وإنما تحتاج إلى شريك فعلي مساو لها من البداية، فإن ما يصح عليها أخلاقياً بالنسبة لولدها يصح على شريكها في إنجابه. هكذا تتقدم الأخلاق في عملية الإنجاب على سائر المستويات التي تنطوي عليها هذه العملية، ويتضح أن مهمة العقل الأخلاقي السليم إنما هي الدفاع عن الحق الطبيعي لكل ولد في أن يكون له والدة مسؤولة مع والد مسؤول على نحو عادل من التشارك بينهما. وكل انتهاك لهذا الحق تعبير عن ظلم فادح" (170).

الأم العزباء

وتسأل عشتار "هل يمكن أن أستنتج من كلامك هذا أن ظاهرة الأم العزباء منافية للعدل؟".

ويرد "ينبغي أن تكون لدينا الجرأة على إعلان هذا الموقف المبدئي والدفاع عنه في وجه من يهاجمونه من موقع الفردانية الأنانية التفكيكية. الولد ليس ولداً لأمه فقط، الولد ولد لوالدة ووالد متحدين فيه وملتزمين به على أساس المساواة والتكامل بينهما. من هنا نبدأ. ونضيف إلى هذا المبدأ مبدأ آخر يقول بأن ما هو ممكن تقنياً ليس بالضرورة مباحاً أخلاقياً. ونستنتج من هذين المبدأين أنه ليس من العدل أن تحقق المرأة رغبتها في الإنجاب، اعتماداً على إمكانيات العلم والتقنية، من دون اعتبار كامل لدور الرجل في عملية الإنجاب، بكافة مراحلها. الرغبة في الإنجاب لا تتحول إلى حق فعلي في الإنجاب بقرار فرداني أناني يتذرع بالخصوصية والتمكن العلمي والتقني لكي يبطل واجب التشارك المسؤول بين الرجل والمرأة في ممارسة ذلك الحق، على أساس المساواة والتكامل بينهما" (171).

 

 

تعارض الدين والرأسمالية

ولا تكتمل دورة الكتاب من دون التطرق إلى "النظرة الدينية" إلى اللباس، فيرى الحكيم أن "ثمة تعارضاً أكيداً بينها وبين النظرة الرأسمالية". وهو "تعارض مسرحه الخلاق، وخلفيته إرادة السيطرة الناعمة على الجسد" (190).

ويقول إن "النظرة الرأسمالية إلى اللباس تعتبره سلعة تجارية وتربط جميع وظائفه بقيمته كسلعة تجارية. وبهذا المعنى، ليست نظرة محايدة تماماً على المستوى الأخلاقي. كل شيء ذي قيمة يستتبع سلوكاً أخلاقياً، وكل سلوك أخلاقي يفترض وجود قيمة تحكمه. وعلى هذا، سمحنا لأنفسنا بالتحدث عن أخلاقية السلعة. إلا أنه من الواضح أن اللباس كسلعة تجارية يضيف إلى وظيفته الأخلاقية قيمة من خارج تكوينه، أعني من السوق. فكان من الطبيعي مبدئياً أن يأتي تأثير أخلاقية السلعة في سياسته أدنى أو أضعف من تأثير أخلاقية الدين التي تتناول اللباس من داخل تكوينه. وفي الواقع، مهما تباينت الأديان في نظرتها إلى اللباس، فإني أعتقد أنها تشترك في اعتباره ستاراً وفي التعامل معه من خلال أخلاقية الستار. ولما كان الستار يستمد معناه مما يستره، ومن السبب الذي من أجله يستره، فإن أخلاقية اللباس كستار تعكس تصوراً محدداً للجسد وموقفاً محدداً منه. النظرة الدينية إلى اللباس هي نظرة إلى اللباس والجسد معاً. وفي تعبير أدق، هي نظرة إلى الجسد من خلال ستار واجب. وإنك تعلمين، بلا شك، كيف ترتبط هذه النظرة بنظرية أساسية عامة تقوم على مبادئ النفس الأمارة بالسوء والخطيئة وقمع النزوات، وتسوغ قول من يقول إن الدين يستخدم وظيفة اللباس الأخلاقية من أجل بسط سيطرته الناعمة على الجسد. الأمر الذي يضيق على الرأسمالية مجال تحركها في إنتاج الملابس والتفنن في أشكالها وأصنافها وفي طرق استهلاكها. فتتوجه حينئذ نحو الاشتغال على تزويد فلسفة الجسد بمنطق السلعة، لكي تضعف، إن لم نقل لكي تقوض، المستند النظري لسياسة الدين في شأن اللباس. وهكذا تتوافر الشروط لكي تتحول السلعة من مجرد مفهوم اقتصادي له ما يبرره إلى مفهوم ذي طابع ميتافيزيقي رهيب" (191).

يتابع "الراسمال ذكي بما فيه الكفاية حتى يفهم أنه ليس المحدد المنفرد لسياسة اللباس في المجتمع. أنه ينتج الملابس بهدف الاستهلاك على أوسع نطاق ممكن، ويوظف في هذا النشاط جملة من المعايير الخاصة المتناسبة مع طبيعة الموضوع. إلا أنه لا يتحكم تحكماً تاماً في منظومة المعايير الجمالية والأخلاقية التي تواكب صناعة الملابس واستهلاكها. ولذلك يلجأ بواقعيته وبراغماتيته وطموحه الأناني اللامحدود إلى اللعب على سياسة المراعاة والتكيف من جهة، وسياسة الضغط والتكييف من جهة أخرى" (188).

المزيد من كتب